نشأة محمد علي باشا

قلعة الجبل أو قلعة صلاح الدين الأيوبي المقامة علي جبل المقطم، كانت من أحلي الرحلات اللي كنت بحب أروحها بصفة دورية في صغري. وخصوصا المكان اللي فيه جامع محمد علي، وبالأخص أوي قصر الجوهرة اللي جنبه.

فاكر انت فيلم رسالة الي الوالي لما وقف عادل امام قصاد تماثيل لمحمد علي باشا وحاشيته وكان فاكرهم حقيقة. اهو هو ده بقي قصر الجوهرة اللي بناه محمد علي باشا مخصوص عشان يكون مقر لزوجته سنة 1814م. واتحول لمتحف زي ماشوفنا في الفيلم كده لأنه للأسف مقفول من سنين.

بس انا من سنين رحت القلعة ودخلت قصر الجوهرة قعدت قصاد تمثال محمد علي باشا، وفجأة التمثال اتحول لحقيقة ولقيت قصادي راجل متوسط الطول تقريبا ١٧٠سم مع تقوس في قامته، وله دقن ناعمه مائلة للاحمرار، وله نظرة ثاقبة مليانة مكر ودهاء لونهم بني وفوقيهم حاجبين كثيفة، له بنيه متينة وقوية. شخصية عامة ليها كاريزما وحضور قوي. شال مبسم النرجيلة _ الشيشة يعني _ من بقه وقالي: بتبصيلي كده ليه يابنت!.

_ مبهورة بيك يا باشا.

_ تعرفي عني ايه؟!.

_ لا منا مش جاية احكيلك عنك دي فرصتي اسمع منك.

_ انتي جريئة اوي يابنت تكلمي محمد علي باشا والي مصر بالشكل ده.

_ السماح ياباشا، بس اتمني واطمع اسمعك واعرف حكاية سموك من البداية.

_ لجل الزهق والقاعدة الفاضية بس هحكيلك.

_ ده يوم حظي وادي قاعدة.

_ البداية كانت في "قولة" سنة ١٧٦٩م ودي مدينة صغيرة في مقدونيا _ الروملي _ أمام جزيرة تاسو. والدي "ابراهيم اغا" من أصل تركي وكان رئيس الحراس المكلفين بحفظ أمن الطرقات، وكان جنب شغله ده بيشتغل في تجارة التبغ. وبعد وفاة والدي رباني عمي "طوسون اغا". وتولي تربيتي بعده حاكم المدينة اللي كان صديق مقرب للعائلة.

_ عذرا يا باشا للمقاطعة بس فيه أقاويل اتقالت عن المعلومات اللي حضرتك ذكرتها دي.

_ اتقال ايه؟!.

_ هو فيه ناس ياباشا شككت في سنة ميلادك حتي احفادك اللي حكموا لحد آخرهم الملك فاروق، مكانوش متأكدين من السنة بالظبط اللي معاليك اتولدت فيها. واتقال أن معاليك اقريت السنة دي بالذات كسنة مولدك عشان دي السنة اللي اتولد فيها "نابليون بونابرت" لكنك في الحقيقة اصغر بخمس سنين تقريبا.

قطب الباشا حاجبيه وحط مبسم الشيشة في بقه وهو بيغمغم: اممم وايه كمان؟!.

_ واتقال ياباشا أن والدك "ابراهيم اغا" ممتش وسموك صغير، لأن حفيدك "الخديوي اسماعيل" عمل شاهد قبر لوالدك "ابراهيم اغا" مكتوب عليه أنه توفي في ١٢٠٥ هجري يعني ١٧٩١م. يعني بحساب السنة اللي ذكرت سموك انك اتولدت فيها يبقي كان عمر معاليك ٢١ سنة.

احمر وش الباشا في غضب ورمي مبسم الشيشة وقال بصوت عالي: وانا ايه اللي يخليني ازيف كل ده في قصة حياتي انتي خرسيس.

_ حلمك بس يا باشا احنا بنتناقش عشان اتأكد من جنابك واعرف الحقيقة. وكمان اتقال ياباشا أن سموك حكيت قصتك بالشكل ده عشان تدي للأجيال اللي بعدك وأبنائك انطباع انك رجل عصامي كافحت لوحدك لحد ما وصلت للقمة.

_ ده كلام فارغ.

_ يعني كلامي مش حقيقي.

اخد الباشا مبسم الشيشة وقال: معرفش انا مجرد وهم في خيالك.

_ ايه جو فيلم الفار الطباخ ده. طيب نرجع تاني واحب أسألك هو انت ياباشا تركي ولا مقدوني ولا ألباني. اصل حفيدك "الملك فاروق" لما اتخلع من الحكم وسافر اليونان حب مرة يدخل مطعم محرم علي العرب والأتراك الدخول فيه فقالهم "لست تركيا أنا ألباني".

اخد الباشا مبسم الشيشة في بقه ونفخ الدخان وقال:  _ انا شجرة عيلتي مش كتير يعني ليا اجداد في إيليكا قرية في الأناضول بتركيا، الي جانب مولدي في الروملي مقدونيا، بس يمكن لاني لما التحقت بالجيش العثماني ونظرا لازدواجية نسبي وأصلي فتقربت من الألبان المسلمين اللي في الجيش. ولإن الألبان دول كانوا شديدي الكره للأتراك ومش أي حد يقدر يتعامل معاهم ونظرا أن الروملي كان فيها عدد كبير من الألبان فقدرت أتعامل معاهم، وجايز والدي كان واحد من الألبان.

_ أصلك ونشأتك غامضين أوي ياباشا. يلا ماعلينا بس فيه سؤال عاوزة اعرفه من زمان. هو صحيح الباشا مؤسس مصر الحديثة، المستبد المستنير، نابغة عصره وأوانه، كان أمي.

_ ايوه انا فضلت لا أقرأ ولا أكتب لحد سن ٤٥ سنة. عشان كده كان اهم حاجة عندي التعليم وقدرت ابني دولة جديده أساسها العلم. لان فاقد الشئ اكتر شخص عارف قيمته. فرضت التعليم بالقوة علي أبناء الشعب. حتي مع اولادي، عندك ابني سعيد مثلا وهو في سن ١١ سنة كان متقن التركية والعربية والفارسية.

_ فعلا ياباشا دي حاجة محدش يقدر ينكرها سموك عملت طفرة تعليمية رهيبة.

طيب انا مش عاوزة امشي واسيبك بس للأسف الوقت أتأخر ومضطرة امشي. بس لينا لقاءات كتير. بس يارب متزهقش مني.

_ لا ابدا انتي مسلياني خالص انتي بس قولي جزر وهتلاقيني.

مروة طلعت

١٥ / ٩ / ٢٠٢١

#عايمة_في_بحر_الكتب

المصادر: 

الإمبراطورية المصرية في عهد محمد علي والمسألة الشرقية جزء أول ل محمد صبري السوربوني ترجمة ناجي رمضان عطية صفحة ٥٨.

الفرعون الأخير ل جيلبرت سينويه ترجمة عبد السلام المودني صفحة ٣١ : ٣٧