الليث بن سعد 5
(5) في سنة 161 هجري، سمع الإمام "الليث بن سعد" عن "هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي" وهو إمام وراوي أحاديث. سمع "الليث" كتير عن علمه وصحة أصول أحاديثه، وكان "هشيم" أصغر من "الليث" ب 10 سنوات - "الليث" اتولد سنة 94 هجري، و "هشيم" أتولد 104 هجري - وعلي الرغم أن الإمام "الليث بن سعد" في الوقت ده عنده 67 سنة إلا أنه قرر يسافر من مصر الي بغداد مخصوص عشان يتلقي العلم علي ايد "هشيم بن بشير".
رحلة "الليث بن سعد" لبغداد كان هدفها الأساسي هو التعلم، لكن الحقيقة هو أستفاد وتعلم وأفاد وعلم آخرين، كانت منفعة متبادلة بينه وبين شيوخ وأئمة وفقهاء بغداد. روي عن "الليث بن سعد" في بغداد كتبر علي سبيل المثال: "حجين بن المثني" و "منصور بن سلمة" و "يونس بن محمد" و "هاشم بن القاسم" و "يحيي بن إسحاق البلخي" وغيرهمم، ده غير العلماء والأئمة اللي من البصرة اللي حضروا بغداد مخصوص لما عرفوا أن "الليث بن سعد" موجود فيها.
حتي أمير المؤمنين الخليفة "أبو عبد الله محمد المهدي" - أبو هارون الرشيد - لما عرف أن "الليث بن سعد" في بغداد، راحله وأستقبله في قصره بعدها، وجرت ما بينهم لقاءات ومناقشات وأمير المؤمنين أتعجب بمنطقه ومناظرته جدا، وعرض عليه يوليه القضاء ويعطيه 100 ألف درهم من بيت المال، لكن "الليث بن سعد رفض وأعتذر، فقال أمير المؤمنين لوزيره "يعقوب بن داود": (ألزم هذا الشيخ فقد ثبت عند أمير المؤمنين أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه".
"الليث بن سعد" تتلمذ علي ايد أكتر من 50 تابعي، وعلي ايد 150 من تابعي التابعين. وده كان له أعظم الأثر في نبوغه وتزويده بالعلوم والمعارف المختلفة، وأديتله الفرصة والمساحة للمقابلة والمقارنة بين مناهج الشيوخ والتابعين دول كلهم، وبناء عليه أستخلص من بحثه ودراسته وجهده منهجه المتميز الخاص. كان بيدور علي العلم في كل مكان زي جامع الكنوز، وفضل يتعلم من المهد الي اللحد، حتي لما كبر وشهد أهل الأرض بعلمه وتميزه مستكبرش أنه يسافر لبلاد بعيدة وسفر طويل علي كبر سنه عشان يتعلم علي ايد إمام أصغر منه سنا، يعني مطلعش وقال أنا أعلم أهل الأرض ومفيش زيي، كان عارف كويس أن فوق كل ذي علم عليم، والعلم مش مرتبط بسن، وارد يكون الأعلم منه أصغر منه مش عيب ولا أنتقاص من شخصه وعلمه، العيب هو المكابرة، فالتواضع من شيم الصالحين.
كان "الليث بن سعد" مخلص في طلب العلم، عشان كده أرتفعت مكانته العلمية، وحصل علي التقدير والإكبار والإجلال من كل الأئمة والعلماء والشيوخ.
في رحلة "الليث بن سعد" لبغداد، قابل هناك "ربيعة الرأي" المشهور في بغداد بسطوة حجته ودقة برهانه، وتمت مناظرة بينهم في بعض المسائل الفقهية. ورغم شهرة "ربيعة" في حجته وبرهانه، إلا أن مناظرته ل "الليث" طالت جدا جدا. وكانت المناظرة في الأيام العظيمة دي مش معناها صراع علي مين فيهم اللي هيغلب التاني ولا مين هيعلي علي التاني، المناظرة وقتها كانت معناها تقبل الرأي والرأي الأخر، كانت المناظرة هدفها معرفة الحقيقة، يعني مفيهاش عناد ولا جدل، واللي كانت حجته ودليله أقوي بينال أعجاب واحترام الطرف الاخر لأنه بصره بحقيقة كانت غايبة عنه، والمناظرات دي هي السبب في حفظ القرآن الكريم وفهمه وفي التعمق في النحو وأصوله.
نحب دلوقتي نسمع أراء العلماء والفقهاء والأئمة في الإمام "الليث بن سعد". نبتدي برأي الإمام "أحمد بن حنبل" لما أتسأل عن "الليث": (ثقة ثبت. الليث كثير العلم، صحيح الحديث). وقال في مرة تانية: (ليس فيهم - يعني أهل مصر - أصح حديثا من الليث بن سعد وعمرو بن الحارث يقاربه). ولما أتسأل: (من أحب إليك عن المقبري أو إبن عجلان)، قال "أحمد بن حنبل": (ابن عجلان أختلط عليه سماعه من سماع أبيه، والليث أحب إلي منهم في المقبري). وقال: (مافي المصريين أثبت من الليث، لا عمرو بن الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو بن الحارث عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير، ما أصح حديث ليث بن سعد).
قال الإمام "الشافعي": (الليث أتبع للأثر من مالك). وقال الإمام النووي": (أجمعوا علي جلالته وأمانته وعلو مرتبته في الحديث). قال الإمام "مسلم بن الحجاج": (الليث بن سعد ثقة ثبت فقيه إمام مشهور).قال "أحمد بن صالح": (إمام قد أوجب الله علينا حقه، لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثله). قال "ابن سعد": (استقل الليث بالفتوي، وكان ثقة، كثير الحديث، سريا من الرجال، سخيا له ضيافة).
الإمام "الليث بن سعد" كان من المحدثين الأعلام الإثبات الثقة، وفي كتاب البخاري ومسلم موجود أحاديث "الليث بن سعد عن الزهري". ومن المعروف أن الإمام "ابن حجر العسقلاني" عمل كتاب مقدمة الفتح طعن فيه بعض رواة الاحاديث اللي روايتهم مشكوك فيها، لكن أسم "الليث بن سعد" مكنش فيهم، بل بالعكس رد علي المتشككين في احاديثه باجابات شافية رجح فيها مارواه "الليث عن الزهري".
أما عن السؤال اللي ورد علي أذهانا جميعا، وهو فين كتب "الليث بن سعد"؟، فهنسيب "الليث بن سعد" يجاوب عليه بنفسه. قال "شعيب بن الليث": (قيل لأبي إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: لو كتبت ما في صدري في كتب، م وسعه هذا المركب).
للأسف ده كان مفروض علي تلاميذه وصحابه أنهم يعملوه، يدونوا كلامه وفتاويه وبعدين يجمعوها في كتب، زي ما عمل تلاميذ وأصحاب الأئمة الأربعة، لكن كما قال الإمام الشافعي": (قومه أضاعوه).
(يتبع)
مروة طلعت
17 / 4 / 2024
الجزء الاول
https://www.facebook.com/share/p/5uLurV1dtzovwdSK/?mibextid=Nif5oz
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/bR131BXGf7GkMzqP/?mibextid=Nif5oz
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/vSt5nCshvSoJJvDK/?mibextid=Nif5oz
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/i8i7rUp232wsTUjU/?mibextid=Nif5oz
#الليث_بن_سعد
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
سير أعلام النبلاء الطبقة السابعة - الامام الذهبي.
أئمة الفقة التسعة - عبد الرحمن الشرقاوي.
الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية - ابن حجر العسقلاني.
الليث بن سعد فقيه مصر - دكتور السيد أحمد خليل.
الليث بن سعد الفقيه والمحدث والانسان - دكتور أحمد علي سليمان.
تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي.
تعليقات
إرسال تعليق