"ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون" الجزء الأول
انتهيت من قراءة كتاب "التاريخ كما كان" الجزء الأول مقالات تاريخية من اعداد فريق بصمة في طبعته الخامسة الصادر عن دار كتوبيا للنشر والتوزيع بعدد صفحات 335 صفحة، ويحتوي علي 65 مقالة تاريخية متنوعة.
يشتاق محب التاريخ احيانا الي من يعطيه بعض من اللمحات التاريخية بصورة
مبسطة وموجزه تروي معرفته بأشياء غابت عنه او تحفز فضوله للبحث والمزيد من
القراءة، ولهذا السبب استرعي انتباهي كتاب اليوم حيث توسمت فيه عرض معلومات
تاريخية جديدة او توسع في نقل معلومات عرفتها من قبل.
في البداية تقابلنا مقدمة تعريفية بنوع وهدف المقالات المنشورة في الكتاب
بقلم "أيمن حويرة"، والتي شرح فيها أن التاريخ دائما يكتبه المنتصر أو
يكتبه كل شخص علي حسب هواه مع أو ضد، لذلك كثير من التاريخ يأتي ناقص أو مخادع أو
حتي كاذب أو مدسوس به أو مفتري عليه، والهدف من الكتاب هو الموازنة بين الآراء حتي
نحصل علي الرؤية الشاملة للحدث فيتم نقله كما حدث في الحقيقة. فتوسمت اني سأري
الرأي والرأي الآخر فمن الطبيعي أننا بشر لنا ميزاتنا وعيوبنا والتاريخ من صنع
البشر، فالحضارات كما لها آثارها العظيمة لها أيضا ذلاتها المخجلة.
الكتاب يحتوي علي 4 أجزاء، في الجزء الأول مقالات مختلفة لحقب تاريخية
زمنية مختلفة بشكل عشوائي تنوعت مابين التاريخ العثماني والاندلسي والمملوكي
والايوبي وأهم مافيه تاريخ المنسيين لبلاد اوروبية فتحها المسلمون لم نعرف عنها من
قبل، المقالات مكتوبة بأسلوب سلس ومبسط في عرض المعلومات، ولكن تلك العشوائية في
الحقب الزمنية اضرت تركيزي واندماجي واستيعابي الجيد للأسف.
عندما بدأ "أيمن حويرة" في المقالة الافتتاحية بموضوع شائك وهو
الدولة العثمانية فتح ام احتلال، وجدت أنه فعل عكس مانادي به في المقدمة، ففي
المقدمة نادي بالحيادية وعرض المميزات والعيوب أما في المقالة – و المقالات الأخري
في كل الكتاب الخاصة بالدولة العثمانية – وجدت أنحياز تام للعثمانيين ودفاع وعرض
كافة المميزات دون العيوب أو حتي ماقيل عنها للرد الا القليل، ومالفت نظري في احدي
دفاعاته عرض قصة قتل سليمان القانوني لولده – وهي معلومة جديدة عندي – وقارنه بايفان
الرهيب قيصر روسيا عندما قتل ولده وكان دفاعه أن كليهما قتل ولده ولكنهم ذموا سليم
ومجدوا ايفان، ولم يلفت نظر الكاتب أن سليم محكوم كخليفة للمسلمين الذي من المفترض
أن خطواته علي الشريعة وأنه مثل أعلي للأخلاق الاسلامية وبالتأكيد ايفان مجده
شريعة الغاب التي كان هو ممثلها. مقارنة في غير محلها وعذر أقبح من ذنب.
وهناك مقال آخر ل " كريم عبدالمجيد" يبرر ندرة الكتب التي تعرض
أثر العثمانيين في حقبة خلافتهم بأن العديد من الكتب قد كتبت في أسطنبول – عاصمة
الخلافة العثمانية – باللغة التركية القديمة ولايوجد لها ترجمات بالعربية، عذر آخر
أقبح من ذنب فكيف لحضارة مفروض أنها موجوده ليس بها مترجمي للغة العربية لغة
القرآن والشريعة التي يحكمون بها وكيف لحضارة من الأصل ليس بها مترجمي للغات
الاجنبية مثلما حدث من المد الثقافي في الدولتين الاموية والعباسية من والي العالم
الخارجي. وان كان هذا هو المبرر فهو ليس كافيا فالدولة العثمانية ليست اسطنبول فقط
أين كتاب وعلماء ومؤلفي بقاع الأرض التي حكمتها الدولة العثمانية واين آثارهم أليس
دليل كافي علي تعميم الجهل في بقاع أراضيها.
وبالطبع أجمل ماكتب في ذلك الجزء هو الجزء الخاص بالكاتب "ابراهيم
أحمد عيسي" وماكتبه عن تاريخ الامارات الاسلامية المفتوحة في فرنسا وايطاليا
التي لم يعلم عنهم أحد. وكذلك المقالة الخاصة ب "نهي عودة" حول صلاح
الدين الايوبي كانت مقالات رائعة وغزيرة بالمعلومات.
في الجزء الثاني من الكتاب تدور مقالاتها حول قصة الأندلس – أسبانيا حاليا –
قطعة من قلب العالم الاسلامي مفقودة، تلك البلاد التي ظلت تحت الحكم الاسلامي لمده
900 عام ملأت الدنيا حضارة وعلوم وفنون وثقافة تلك البلاد التي تم محوها من سجلات
التاريخ ومحو آثارها بكل همجية وعنف خوفا من قوة تأثيرها، ففي هذا الجزء تنوعت
المقالات مابين اظهار الحياة في الأندلس بمبانيها البيضاء وشوارعها المرصوفة
المزروعة حيث كانت الأندلس جنة الله في الأرض، وبين اظهار اثار الحضارة الأندلسية
وعلمائها الذين أسسوا مبادئ الطب والفلك والفيزياء والفلسفة وغيرهم في شتي العلوم،
وأخيرا مقالات عن التشتت والضعف والانكسار وضياع الأندلس بسبب ملوك الطوائف ودموية
تعامل أوروبا المسيحية مع المسلمين وتحويلهم الي موريسيكيين مواطنون من الدرجة
العاشرة ومحاكم التفتيش والتعذيب الدموي لاجبارهم علي التنصير وحرق المنازل وحرق
المساجد أو تحويلها لكنائس وحرق كافة الكتب المكتوبة باللغة العربية لضمان اندثار
كل مايشير الي الحضارة الأندلسية أو أحقية المسلمين في أرض أسبانيا ماعدا القليل
جدا تم تهريبه الي بلاد أوروبا، وفي نهاية وبعد 100 عام من العذاب تم تهجير
المسلمون من بعد أخذ ابنائهم دون السادسة لتنصيرهم والملفت للنظر أن ماحدث من الجانب الأوروبي هو
عكس مافعله المسلمون معهم في الأندلس من أمان ومعايشة في سلام ومحبة.
هناك مقولة في فيلم ""Waiting for the Barbarians يقول "
لم يكن هناك عدو ولكنا خلقنا لنا عدو" وهذا مافعله الأوربيون مع المسلمون،
الحقيقة انهم هم الارهابين الحقيقيين هم القتلة هم المغتصبين الأصليين.
واستمرارا لعرض المقالات يؤكد أن الحضارة في بلاد الأندلس انهارت بعد
انقضاء الحكم الاسلامي في نفس اللحظة التي بزغ فيه شعاع النهضة في باقي البلاد
الأوروبية التي وصل لها كتب الأندلسيين المهربة، وظلت أسبانيا من بعد المسلمين
فترة طويلة تتخبط في ظلام التخلف والانهيار.
في هذا الجزء من الكتاب كانت مقالات "ابراهيم أحمد عيسي" أكثر
تميزا في اختيار الموضوعات وطريقة الكتابة الأدبية للمقالة، وايضا اعجبني أسلوب
كتابة "مريم المير" حيث أسلوب كتابتها الأشبه بالقصة القصيرة التي
استمتعت بها.
في الجزء الثالث من الكتاب يدور حول الارث العثماني والجزء الرابع حول
مشوار الخلافة من أول عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حتي انهيار الخلافة
العثمانية، ومن النظرة العامة لأسباب انهيار الخلافات هو البعد عن الدين ومحاولة الفوز بالحكم المنفرد كما حدث في طوائف الأندلس ومصر والشام وغيرهم فكنا أمة واحدة كحزمة الحطب وعند تفرقهم تكسرنا، وعنهم لنا لقاء اخر في مقالة اخري.
مروه طلعت
16 / 1 / 2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق