تاريخ مصر في صالة مزاد

 انتهيت من قراءة رواية "صالة أورفانيللي" للمستشار الروائي "أشرف العشماوي" في طبعتها الثالثة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بعدد صفحات 423 صفحة.

تعد تلك الرواية  لقائي الثالث مع أعمال الكاتب المتميز بعد 

بيت القبطية https://marwatalaa.blogspot.com/2020/08/blog-post_29.html

 وكلاب الراعي. https://marwatalaa.blogspot.com/2020/10/blog-post_30.html

ما لاحظته في كتابات "أشرف العشماوي" أن رواياته تجمع مابين التاريخية السياسية الاجتماعية، بمعني طرح قضية أجتماعية قد تكون في زمن مختلف مغلفة بأحداث تاريخية معينة ولكن لها أبعاد وأسقاطات سياسية وأجتماعية حاضرة وأيضا تنبؤات مستقبلية نستشفها من بين سطور الأحداث، وبالتالي فهي أصعب الأنواع الكتابية.

"صالة أورفانيللي" تعرض تاريخ مصر من أيام الملك فؤاد حتي السادات مرورا بفارق وعبد الناصر. بل يمكن القول أن الكاتب اختزل صورة مصر في قالب صالة مزاد. شعوري بعد قراءتها كان نفس شعوري بعد قراءة رواية "عمارة يعقوبيان" ل "علاء الأسواني"، شعور الصدمة وطوفان من عصف الأسئلة.

الرواية مغزولة بحرفية شديدة، باللغة العربية الفصحي البسيطة سردا والحوار بالعامية الخاصة بتلك الحقبة التاريخية، وكان موفق في انتهاج ذلك الأسلوب في الكتابة حيث ساعدت علي زيادة التركيز والاندماج والسفر عبر الزمن الي تلك الأيام بكل تفاصيلها.

الرواية مقسمة الي ثلاث روايات داخلية عبارة عن سرد الثلاث شخصيات الرئيسية للحدوتة ذاتها من وجهه نظر كل منهم، دون اعادة ملولة بل بالعكس الرواية شائقة جدا وأحداثها سريعة بل كان لاتخلو صفحة في الرواية من مفاجأة غير متوقعة، طريقة السرد الثلاثي خدم الرواية فجعل القارئ ملم بكافة تفاصيل الحكاية وكأنها رؤية ثلاثية الأبعاد، وكانت رسالة الكاتب بأن لايوجد انسان طيب تماما أو شرير تماما فكل منا له جانبه الجيد والخبيث ولكن بدرجات متفاوتة، فالضحية هي الجاني من منظور شخص اخر وكذلك الجاني عند شخص اخر هو الضحية.

"صالة أورفانيللي و منصور" هي أكبر صالة مزاد في مصر أبطالها الرئيسيين هم "أورفانيللي استيفان ألفينزي" الطلياني اليهودي الذي عاش عمره وعمره أباه وجده في مصر حتي أصبح مصريا حتي النخاع، القاطن في حارة اليهود ويعمل في أرشيف وزارة التجارة، وصديق طفولته الوحيد "منصور التركي" المصري المسلم القاطن في حارة اليهود أيضا ومنذ نعومة أظفاره أخذت منه الحياة طفولته وتربي علي فنون الحياه وخداعها حتي أصبح يهودي التصرف أكثر من اليهود أنفسهم وصاحب فكرة صالة المزاد، و"أورفانيللي منصور أورفانيللي" ابن أورفانيللي الأب الذي من شدة حبه لصديقه منصور أطلق علي ابنه اسم ثنائي مكون من أسمه وأسم صديقه معا، وهو الذي عاني الصراع الداخلي بما يحمله من جينات والده"أورفانيللي" وتعاليم "منصور" من رباه.

الرواية تظهر علاقة المصريين بمختلف ديانتهم وأسلوب حياتهم المتناغمة المتداخلة دون التفرقة في مرحلة ماقبل ثورة يوليو، وأيضا علاقة الشعب بالملك والحياة الاجتماعية العامة ثم التغير الرهيب والمخيف الذي حدث بعد ثورة يوليو، ذلك التغير الذي طال كل شئ من سلوكيات الأفراد واتجاهاتهم وظهور مصطلحات عنصرية تميز الآخرين بمسمي ديني أو سياسي مما أجبر الآف اليهود علي الهجرة خوفا من اساءة المعاملة وأجبر اخرين ممن لاملجأ لخم الا وطنهم مصر بتغيير أسمائهم الي أسماء مسلمة والتخفي وسط الشعب، كما تغير أذواق الناس وبدء الاتجاه الي القبح، كل ماهو جميل وعريق تشوه. الجهل بقيمة تاريخ بلد جعلها تباع في صالة مزاد برخص التراب.

في "صالة أورفانيللي ومنصور" – التي هي رمز مصر - كان يباع المقتنيات الفالصو علي أنها أصلية ويتم خداع المشتري بحرفية، وذلك ظل قائما قبل وبعد الثورة فالفساد واحد فقط تغير شكل الفاسد ليس أكثر. بعد ثورة يوليو ظهر أمثال اليوزباشي "أحمد عيسوي" مجرد ظابط بوليس قبل الثورة وبعدها رئيس ادارة الحراسات والأموال المصادرة لايفقه شئ في المقتنيات الملكية ولا الأراضي ولا المحلات التجارية ثم ترقي مكافأة لفساده الي جامعة الدول العربية ثم أصبح سفيرا فهو مجرد بضاعة فالصو وسط الأخرين.

شخصيات الرواية الفرعية مهمة جدا كالأساسية حتي وان صغر دورها فالكاتب رسم الرواية كرقعة شطرنج كل شخصية لها دورها الهام والمؤثر علي الأحداث، كل شخصية لها بعدها النفسي وتأثيرها في خلق المزيد من الفهم لما بين السطور.

الرواية بديعة ومتكاملة الأركان حالة فريدة من الروايات الجالبة للعصف الذهني، عصابة أخري تنفك من علي العينين.

ملحوظة صغيرة بهيرة في عام 1972 لايمكن تكون خمسينية فبما أنها أكبر اساسا من منصور فبالتالي من المفروض تكون سبعينية.

مروه طلعت

28 / 1 / 2021

#عايمة_في_بحر_الكتب



 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا