كيف تكون العدالة معصوبة العينين؟
انتهيت من قراءة رواية "بيت القبطية" ل "أشرف العشماوي" في طبعتها الأولي الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بعدد صفحات 239 صفحة.
ذلك هو لقائي الأول مع "أشرف العشماوي" وبالتأكيد لن يكون الأخير
فقد مررت بتجربة عظيمة مع كاتب من العيار الثقيل لدرجة جعلتني لا أعرف من أين
أبدأ؟.
"أشرف العشماوي" هو قاض وروائي أبحر بنا في رواية "بيت القبطية"
في محافظات ونجوع الصعيد في عمل أشبه بالسيرة الذاتية ذكرتني الفكرة كما ذكر هو في
أحداث الرواية برائعة "توفيق الحكيم" "يوميات نائب في
الأرياف" ولكن بشكل عصري فرواية "بيت القبطية" تدور احداثها في اخر
عصر "مبارك" في بداية الألفية. الرواية
مكتوبة باللغة العربية الفصحي سهلة الكلمات والمعاني سردا وبالعامية الراقية التي
تكاد ترقي للفصحي حوارا.
تدور أحداث الرواية في مظهرها حول الفتنة الطائفية في قرية من قري الصعيد
ولكن المدقق سيري بين السطور ماهو أعمق بكثير من مجرد فتنة. الكاتب يغوص
في أعماق فساد وظلم عصر مليئة بالكثير من الاسقاطات السياسية والاجتماعية وحتي
التاريخية.
يعري نفوس مريضة لطختها العصبية وعصبت أعينها الجهل والضلال.
من خلال قراءتي الخاصة للرواية شعرت بأن الشخصية الرئيسية "هدي حبيب
القبطية" هي رمز لمصر ذاتها تلك الفتاة التي لاتملك من أمرها شيئا مجبورة
دائما أمرها ليس بيدها يدفعها فقرها وكسرتها لتقبل اي طريق يفرض عليها حتي حادثة
اغتصابها كانت هي الملامة فيه فزاد من ضعفها وكسرتها كل ماكانت ترجوه هو الحياة
وحتي رجائها تم خنقه بحبال التعصب والجهل والفقر الي جانب المصلحة السياسية التي قد تتعارض مع رغبة "هدي" في
الحياة.
وعندما تمردت وأرادت أختيار طريق خاص بقناعاتها ورغبتها بالحياة واجهت الرفض
والانكار والنبذ من طائفتها قبل الآخرين بل أنهم علقوا خطاياهم وآثامهم عليها
فارتدي الكل مسوح الرهبان وأصبحت وحدها صاحبة الخطيئة.
تتضافر شخصية "هدي" مع شخصية "نادر فايز" وكيل النيابة
الذي يتشابه مع "هدي" في قيوده التي تجعله أحيانا كثيرة مسيرا وليس
مخيرا.
مسيرا في عمله وقراراته القضائية التي تتعارض مع تساؤله الدائم حول ميزان العدل ورغبته في ازالة العصابة من علي عيني تمثال العدالة فيجعلها تري وتشعر بالماثل أمامها كان يحلم بعدل كفتي ميزان العدل لكنها ظلت مجرد أحلام أمام صخرة الواقع حتي مسيرا في اختيار خطيبته لتكمل له الواجهه الاجتماعي
دون اقتناع منه أو قبول مشمولا باحساس زائف بالأمان والحماية متمثلا في مسدسه
الفارغ من الطلقات حتي اللحظة التي يقرر فيها التمرد علي كل ما يتحكم في اختياراته
ويأخذ زمام الامور بيده فكانت النتيجة الاقصاء من المشهد والنقل.
أكثر من تأثرت به كانت شخصية "نبوي" حارس الاستراحة الصعيدي
الهارب من التار فزور بطاقته وزور ديانته وعاش مختبئا نصف حي خوفا من الموت وظن
أنه في أمان الي جانب النائب يحميه بمسدسه الذي لايعلم أنه فارغ فالنائب نفسه
لايملك من أمره شيئا ولكن "نبوي" انخدع بمظهره وظن أنه النجاة والأمان حتي
جاءت لحظة الحقيقة وفهم نبوي الخدعة ولكن بعد فوات الأوان. شخصية
"نبوي" تمثل الكثيرين ممن يضعون أحلامهم وأمانيهم في وهم كاذب ويتشبثون "بالحبال
الدايبة" فلا طالوا بلح الشام ولا عنب اليمن" فليس كل مايلمع ذهبا.
مر الكاتب في روايته علي بعض مظاهر الهامة في المجتمع كقضية التعليم وحال
المعلم والمنظومة ككل المتدنية وأيضا وضع مشهد في غاية الأهمية وهو اقبال الآباء
في الأرياف مدفوعين بفقرهم واحتياجهم وقسوة الأيام عليهم علي تزويج بناتهم القاصرات
أو بمعني اخر بيعهن الي الأثرياء العرب نظير ثمن بخس لوقت معين .
رواية "بيت القبطية" تستحق القراءة والتأمل فيها الكثير جدا من
العمق والأثر الواقعي للأحداث التي تجعلك في النهاية تنطق بما نطق به "سعد زغلول" "مفيش فايدة".
أحداثها سريعه وشائقة مغزولة بطريقة تشد انتباه ووعي القارئ.
مروة طلعت
30/8/2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق