المشاركات

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 10

صورة
(10) سقوط الدولة الايوبية  كان يوم مختلف عن أي يوم عدّى على فارسكور، الهواء نفسه كان تقيل، النيل قدّام المعسكر ساكن، والسلطان " تورانشاه بن نجم الدين أيوب" قاعد يحتفل، مطمّن، وبيتهيأ في خياله إن الخطوة الجاية هي استعادة دمياط، وإن المُلك خلاص استقر في إيده. يوم الاتنين، 28 محرّم سنة 648 هـ ، الموافق  2 مايو سنة 1250 م ، جلس السلطان "تورانشاه" على سماطه بياكل كعادته في الوقت ده، و من بين الصفوف، وفي لحظة هدوء خادعة، تقدّم " بيبرس البندقداري"، ملثم مداري وشه،  خطواته ثابتة وسريعة، والسيف في إيده،  وفي ثانية نزل السيف على إيد السلطان وهو بيمدها ياخد لقمته من الطبق اللي قدامه.  فجأة "تورانشاه" صرخ، والدم انفجر، وبعض أصابعه اتقطعت. قام مفزوع، ماسك إيده، وجرى ناحية البرج الخشبي اللي كان عامله على النيل، البرج اللي كان بيقعد فيه ساعات يستمتع بمنظره وهو شايف نفسه سلطان منتصر. دخل واحتمى جواه، بيصرخ من الوجع والغضب: "مين؟! مين اللي جرحني؟!"  صوت من برا باب البرج رد عليه وقاله: "الحشيشية". (بينسب الاغتيال للحشاشين أو فرقة الاسماعيلية ...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 9

صورة
(9) عصر الأفذاذ إحنا ليه أصلاً بنسمي الزمن ده "العصر المملوكي"؟ وهل الاسم ده كان مدح ولا ذم؟ الشيخ "محمد محمد حسن شُرّاب" – مؤرخ ولغوي وأديب فلسطيني – وقف قدّام الاسم ده وأستنكر مسماه، ومن خلال دراساته قال أن أسم "المماليك" المتسمي بيه العصر ده مش بريء ولا عابر، ده لقب له معنى ومقصد وتخطيط سياسي وراه. الحكاية بدأت بأن الأوروبيين كانوا مغلولين جامد من الفرسان اللي صدّوهم عن القدس مرة أيام السلطان "الملك الصالح نجم الدين أيوب"، وعن مصر مرة في حملتهم الصليبية السابعة وكسروا أحلامهم. وفضل طعم الانكسار والغل ده متوارث، فمؤرخينهم لما جُم يكتبوا عن الدولة دي، سموها "دولة المماليك"، مش من باب الوصف الإداري، زي الطولونية أو الفاطمية مثلا، لا… ده كان لقب ذمّ، شتيمة وتقليل منهم يعني. كأنهم بيقولوا دول شوية عبيد، ما يستحقّوش يبقوا حكّام، ولا يتكتب تاريخهم بين عظماء الأمم. الغرب وقتها مكنش بيطيق يسمع اسم "صلاح الدين الأيوبي"، فما بالك "ببيبرس" و"كتبغا" و"بيبرس الجاشنكير" و"قلاوون" وولاده، اللي قضوا ع...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 8

صورة
(8) ليلة صعود المماليك ضفة بحر أشمون في المنصورة، ساحة معسكر جيش المسلمين، خيام الجنود منصوبة في صفوف متراصّة، نار مشتعلة في مواقد بسيطة، وجنود لابسين دروعهم نايمين على ضهرهم جنب سيوفهم.  بص قدّامك شوف السرادق السلطاني، صف كامل من الخيام الكبيرة الموصولة ببعضها زي ما يكون قصر متنقّل، أقمشة سميكة لونها أحمر غامق، ومطرّزة بخيوط دهب، ومعلّقة من فوق بخشب مصقول، حواليها حُرّاس أشداء واقفين، ما بيرمشوش. أول خيمة هي خيمة الحرس الداخلي، تدخل بعدها خيمة صغيرة فيها الكتّاب والرسل، وبعدين خيمة تانية للجواري والخدم، لحد ما توصل لأكبرهم وأعرضهم  خيمة السلطان .  ستارة سميكة تقيلة بتلمع بخيط دهب، قافلة باب خيمة السلطان، تعالي نزيحها وندخل جوا. الإضاءة قليلة، مصابيح زيت بتدي نور أصفر دافي على جوانب الخيمة اللي كلها سجاد فارسي مفروش من الأرض للسقف، ريحة بخور خفيف، وصوت نفس متقطّع، صوت آخر أنفاس السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب. الملك الصالح - ذو الهيبة أسم على مسمى - كان نايم على سرير خشبي مرفوع، فوقه ناموسية حرير، متغطي ببطانية شامية فاخرة، وشه أصفر، وعينه مقفولة، وبيتنفّس بصعوبة. زو...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 7

صورة
(7) بين الحقيقة والحدوتة في سيرة قطز بعد ما خلّص "سيف الدين قطز" و"ركن الدين بيبرس" و"بدر الدين بكتوت" دراستهم الطويلة في الطباق، واتمرّسوا على ركوب الخيل والرمي والسيف، واتربّوا على الطاعة والانضباط—اللي حكّيناه بالتفصيل في الجزء السادس—جت اللحظة اللي يتحولوا فيها من صُبيان مماليك لجنود في جيش أستاذهم "الملك الصالح نجم الدين أيوب". كانوا تقريبًا في سن السبعتاشر، ولسه شايفين الدنيا صغيرة… والحياة لسه قدّامهم طويلة ومليانة أسرار. ولأنها أول خطوة في حياتهم الحقيقة، حبّوا يحتفلوا بطريقتهم. أول خروج ليهم من قلعة الروضة من يوم ما دخلوها أطفال جايين من سوق العبيد… لابسين كسوتهم الجديدة، راكبين خيولهم، تلاتة أصحاب جمعتهم طباق واحد وخشداشية واحدة، وما بينهم ألف خبزة ولقمة وعلقة وشقاوة. نزلوا شوارع القاهرة… أول مرة يشوفوها بعيون الحرّية. الأسواق، الروائح، الصنايعية، أصوات الدلاّلين، خرير الميّة من السقا، ضحكات العيال… كل ده كان جديد عليهم.  وفي وسط الضحك والهزار، لمحوا منجّم قاعد على جنب الطريق، وعنده شوية ودع وتخت رمل.  وقتها المنجّمين كانوا جزء من المشه...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 6

صورة
(6) المماليك.. مصنع الجلادة والقيادة.. قبل ما نحكي عن "قطز" الطفل صغير اللي كان أمير وخاله السلطان الخوارزمي، ابن العز والحسب والنسب، اتباع وسط العبيد، وسافر لدمشق ومنها لمصر، مملوك وسط مماليك السلطان الملك الصالح "نجم الدين أيوب"، ازاي اتحول بعد سنين وقدر يوقف زحف المغول، ويكون الصَّدُّ الأَخِيرُ… لازم نرجّع الكاميرا ورا شوية. في جزيرة الروضة، ورا الأسوار العالية، كانت بتتربى جيوش كاملة بالودّ، وبالشدة واللين، بالعلم، وبالإيمان. الناس كانت فاكرة إن المماليك دول مجرد "عبيد" وخلاص، لكن الحقيقة  كانوا أحباب وأبناء في حضن ملوك.  كان "السلطان الصالح أيوب" واللي زيه من بعده، كانوا بيعاملوا كل مملوك كإنه ابنه اللي هيكبر ويبقى سند ملكه.  ولو الدنيا هتجمع بين آلاف الرجال في لحظة واحدة، هتلاقي اللي أقوى من رابطة الدم، هي "رابطة التربية". السلطان "الملك الصالح أيوب" كانوا بيقرب منه مماليكه قوي، وكأن كل واحد فيهم ابن متربي في حضن السلطان، وابنك على ما تربيه.  مكنش فيه حكاية سيد وعبد. كان فيه أستاذ وتلميذ… كبير العيلة وأبنائه.  حتى كلمة ...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 5

صورة
(5) صُنّاع العروش... كيف وُلدت دولة المماليك قبل ما يبقى اسم “المماليك” علامة في تاريخ مصر، الكلمة نفسها كانت بتوصف العبيد، اتشروا واتباعوا عشان يتربوا لخدمة أغراض معينة في المجتمعات القديمة. أول من فكر في الدولة الإسلامية يستخدم العبيد في الجندية كانوا الأمويين، هو "نصر بن سيار"، والي خراسان، اشترى ألف مملوك من الترك، علمهم يمسكوا سلاح، وركوب الخيل، وبدأ يكوّن منهم قوة عسكرية يعتمد عليها. وأصل الحكاية إن بلاد ما وراء النهر كانت هي المصدر الكبير للمماليك الأتراك - زي ما شرحنا في الجزء الرابع - ومع الوقت، خصوصًا في العصر العباسي، بدأ استخدام الأتراك يزيد ويتنوّع، يعني شوية في الجيش، وشوية في وظائف الدولة، وشوية في أسواق النخاسة (العبيد/المماليك) اللي اتسعت جدًا. وكانت أسواق النخاسة مليانة بالعبيد الجايين من أماكن كتيرة، زي القرم، القوقاز، القفجاق، آسيا الصغرى، تركستان، وبعض بلاد أوروبا،  منهم الترك، والشراكسة، والروم، والأكراد. لكن اللحظة الفارقة فعلا كانت مع الخليفة  العباسي"المعتصم بن هارون الرشيد" (218هـ - 227هـ / 833م - 842م). الخليفة "المعتصم" بنى من ...

الصَّدُّ الأَخِيرُ سيف الدين قطز 4

صورة
(4) العبودية الثمن الباهظ للحرِية... مصيبة التتار (المغول) اللي حلّت على الشرق موقفتش عند اسقاط وأنتهاك الدولة الخوارزمية وبس، الكارثة كان لها تَبِعات مَريرة بتكمل مسيرتها في مكان بتحصل فيه أغرب عملية تحوُّل في التاريخ.  أصل القتل في المعركة ده سريع وخلصان، لكن المُرّ الحقيقي هو إنك تشوف النبيل بيتحول لسِلعة تُعرَض للبيع في وضح النهار، عزيز قوم ذَل، وأي ذُل يجي بعد عبودية يُهون.  عادة كانت بلاد ماوراء النهر ( وسط آسيا وغربها) كانت أهم البلاد اللي بيجلبوا منها العبيد والجواري، وده بسبب القلق والحروب المستمرة بين القبائل فيها - زي ما وضحنا في الجزء التاني والتالت - وكان أغلب العبيد إن مكنش كلهم، من القبائل غير المسلمة، وكل ما كترت الحروب والدمار، أنتعش سوق النخاسة أو العبيد. وكان أشهر أو المنبع الرئيسي للعبيد هو سوق سمرقند بالتحديد. في أوائل القرن السابع الهجري، بعد سقوط دولة خوارزم شاه، أستقبل سوق العبيد دفعات كتيرة من سبايل الحرب، أغلبهم غلمان وفتيات صغيرين. وفي اليوم ده أستقبل سوق أعز الناس مقاماً في الدولة الخوارزمية، أطفال الأسرة الحاكمة وفلذات أكبادهم، وغالبا دي كانت ...