الجاسوس علي العطفي
(1)عرض خدماته على الموساد واشتغل جاسوس عشان كان مريض شهرة وسلطة.. أخطر وأغرب جاسوس كشفته المخابرات العامة المصرية على ايد العميد "محمد نسيم قلب الأسد". جاسوس القصر الجمهوري "علي العطفي".
في أواخر سنة 1977م، بعد حرب أكتوبر 73، وصل معلومات لجهاز المخابرات العامة المصرية أن فيه جاسوس مجهول في موقع حساس وميعرفوش مين هو، بس فيه معلومات مؤكدة بأن هذا الجاسوس المجهول بينقل لإسرائيل أسرار دقيقة عن شئون رئاسة الجمهورية وعن حياة الرئيس "محمد أنور السادات" الخاصة. وأتفتح ملف سري مخصوص له في المخابرات بأسم (الجاسوس المجهول). والجاسوس المجهول ده مفيش عنه غير إنه قريب جدا من دائرة صنع القرار السياسي، فهو بيبلغ إسرائيل أولا بأول بكل تحركات الرئيس "محمد أنور السادات"، وده كل اللي عرفه وبلغ بيه جواسيس المخابرات المصرية المزروعة في قلب الموساد نفسه. وبسبب حساسية الموقف وصعوبته وغموضه، أتسلم الملف للذئب الأسمر العميد "محمد نسيم" الشهير بقلب الأسد. العميد "محمد نسيم" قام بدوره الفنان "نبيل الحلفاوي" في مسلسل رأفت الهجان، وكمان قام بدوره الفنان "نور الشريف" في مسلسل الحفار، ويُقال أنه اللي أستوحى منه "د/ نبيل فاروق" شخصيته المشهورة رجل المستحيل "أدهم صبري"، ومن هنا نقدر نفهم ليه أطلقوا عليه أسم (قلب الأسد).
أستلم العميد "محمد نسيم" ملف (الجاسوس المجهول) وبدأ يشتغل عليه بفريق محدود للغاية عشان شدة السرية، حتى الرئيس "السادات" نفسه في المرحلة دي مكنش عنده خبر، عشان الأمور تفضل ماشية طبيعي جدا جوا القصر الرئاسي وطبقة صنع القرار. العميد "محمد نسيم" وفريقه جمع كل المعلومات المتاحة ونتيجة المراقبات على كل الموجودين حوالين الرئيس، حتى ولاده ومراته، الكل أتحط في دايرة الشك، وأستمرت الدراسة والبحث والتمحيص والمراقبات شهور، وبرده الجاسوس مظهرش، كل الناس مفيش عليهم غبار، كل اللي حوالين الرئيس من الصغير للكبير نضاف فوق مستوى الشبهات. لكن معلومات جواسيسنا في الموساد فضلت توصل للمخابرات وتؤكد أن فيه جنب الرئيس جاسوس. ده غير أن المخابرات العامة المصرية بدأت تلقط إشارات لاسلكية غريبة مصدرها القاهرة، وتحديدا من مناطق قريبة جدا من دوائر حساسة زي القصر الجمهوري، وده اللي زود اليقين في دقة المعلومات الواردة. وهنا قرر العميد "محمد نسيم" يخرج برا الصندوق، وجنب تركيزه في المراقبات الداخلية، يعمل مراقبات خارجية على كل سفارات اسرائيل في أوروبا، وده لأن تجنيد المصريين وتعاملاتهم مع الموساد كانت عادة بتم في اوروبا.
وفي أوائل سنة 1979م، بتوصل للعميد "محمد نسيم" صور من أمام سفارة اسرائيل في أمستردام، لدكتور "علي العطفي" دكتور العلاج الطبيعي والمساج الخاص بالرئيس "محمد أنور السادات"، وهو داخل السفارة وبعدها وهو خارج يتمشى مع أتنين من ظباط الموساد المعروفين لجهاز المخابرات المصرية.
"علي خليل العطفي" أكبر الأبناء الستة لموظف في مصلحة السكة الحديد، أتولد سنة 1922م في حي السيدة زينب. وبسبب ضيق الحال وذات اليد، أخد "العطفي" الاعدادية ومكملش وخرج من التعليم، عشان يشتغل ويساعد أبوه في مصاريف البيت. وأتأزم أكتر الموقف المالي للأسرة بموت الأب، وأصبح "العطفي" هو العائل الرئيسي للبيت وأمه وأخواته، فأشتغل شغلانات مختلفة زي صبي بقالة، وفران في فرن بلدي، وعامل في صيدلية، يعني خد الدنيا من تحت أوي، داسها وداست عليه، لحد ما اشتغل شغلانة كانت هي وش السعد عليه.
في الوقت ده كان فيه مهنة مش معروفة للمصريين، لكنها كانت منتشرة جدا عند الاجانب، وطبقة الباشاوات والامراء، وهي مهنة أخصائي التدليك والمساج أو المدلكاتي. من حظ "العطفي" الحلو أنه أشتغل مساعد خبير أجنبي في التدليك، وحب المهنة دي أوي، وفضل فيها سنين طويلة شرب فيهم الشغلانة شرب، لدرجة أن خبير التدليك كان بيطلعه شغل لوحده من كتر ضغط الشغل عليه، لحد ما أصبح حريف في التدليك.
بعد ثورة 1952م وبعد تأميم قناة السويس سنة 1956م، خرج خبير التدليك الأجنبي من مصرمع باقي الجاليات الأجنبية، وفي يوم وليلة لقى "علي العطفي" نفسه مطلوب بالأسم لزباين خبير التدليك لأن مبقاش في غيره بديل. وأتحول "العطفي" من مساعد لخبير، ومع مرور الوقت بقى يعرف نفسه على أنه أخصائي علاج طبيعي. الحظ لما يواتي يخلي الأعمى ساعاتي.
شهرة "علي العطفي" وصيته وصله أنه يبقى من ضمن مدربين اللياقة البدنية والعلاج الطبيعي وأصابات الملاعب في النادي الأهلي. طبعا مكانته الجديدة دي زودت علاقاته جدا، وخصوصا بين طبقة الكبار وصانعي القرار في العصر الجديد بعد الثورة. في الفترة دي أتجوز "علي العطفي" من هولندية وبالتالي كان طبيعي أنه يسافر هولندا ويرجع مع مراته على فترات وبأستمرار.
في سنة 1962م، سافر "علي العطفي" مع مراته لهولندا، وهناك راح لسفارة اسرائيل في أمستردام منه لنفسه كدة، وعرض خدماته عليهم بما أنه قريب من الطبقة المخملية، السؤال هنا عمرك شفت سفالة أكتر من كده. تصرف "علي العطفي" إنه يروح بنفسه للموساد ويطلب يتجند ليهم شكل صدمة حتى للمخابرات الإسرائيلية نفسها، أنت غريب يا هاني.
خليني أقولك السياق النفسي والاجتماعي واللي خلى التصرف دا يحصل، بناء على ما تم تحليله في ملفات المخابرات ومقالات صحفيين مخضرمين زي "عادل حمودة" و"سامي شرف".
"علي العطفي" كان شخصية نرجسية وعنده هوس بالشهرة، كان عنده شعور مبالغ فيه بأهميته، وبيقول إنه يستحق يكون أشهر من اللي حواليه. كان شايف إن شغله في العلاج الطبيعي مش كفاية، وعايز دور أكبر وتأثير سياسي. يعني كان عنده غرور وتعظيم ذات مش طبيعي. وقتها كان "العطفي" بيكسب كويس جدا، وكان بيدلك وزراء وسفراء وأغنياء، لكنه كان شايف إن ده أقل من اللي يستحقه، وعايز وضع عالمي. يعني مبعش نفسه للموساد علشان الفلوس، ده علشان الإحساس بالقوة والهيمنة والتفوق النفسي.
طبعا الموساد مش أي حد يدخل عليهم ويقولهم سلامو عليوا انا عاوز أتجند عندكوا هيجندوه، مهياش سبيل، مش جايز ده حركة من حركات المخابرات المصرية، مش وارد يكون هو نفسه عبيط أو عنده خال أهبل. هم تعاملوا معاه زي اي أتش أر وقالوله سيب بياناتك ولو أحتجناك هنوصلك.
خرج "العطفي" ورجع مصر وعاش حياته عادي، وفضل مستني الموساد يرد عليه، وفضل مستني اسبوع واتنين، شهر وأتنين. لحد ما وصله الرد بعد 6 شهورعن طريق واحد من عملاء الموساد في مصر، وقاله سافر أمستردام في خلال اسبوع. "العطفي" مكدبش خبر وبعد 4 أيام كان في أمستردام. وصل "العطفي" أمستردام وبرده لا حس ولا خبر، الايام بتعدي ومحدش كلمه. فضل 4 أيام يلف في الشوارع والحدائق لحد ما اصطدم ببنت جميلة وهو ماشي في حديقة، ومن شدة الصدمة كانت هتقع علي الأرض، ولما حاول يساعدها فوجئ بتناديه بأسمه وقالتله اقرا الورقة اللي في جيبك، وزي ما ظهرت فجأة اختفت خلال ثواني. رجع "العطفي" جري ع الفندق، وطلع الورقة من جيبه وقراها، لقى فيها عنوان والمطلوب منه الذهاب إليه في نفس اليوم.
وفي الميعاد والعنوان المحدد بص شاف عربية سودة واقفة جنبه، ركب فيها ووثلته لعمارة فيها نفس البنت اللي اصطدم بيها في الحديقة. طلع وراها العمارة لحد ما وصلته لحجرة مجهزة تجهيز خاص كان فيها شخص بملامح مصرية قدم نفسه له بأسم "إيلي برجمان" ضابط الموساد والمكلف بيه، وقاله بأنه كان مولود بالقاهرة وعاش شبابه فيها، وبعدين هاجر مع اسرته إلي إسرائيل. وعرضه علي جهاز كشف الكذب قبل البداية في أي حاجة ولما أتأكدوا من كلامه وصدقه معاهم، بدأت دورة مكثفة من التدريبات على أعمال التجسس. دربوه علي استخدام الأجهزة للإرسال والإستقبال بالشفرة والتصوير بالكاميرات الدقيقة لأهم المستندات وطريقة الإستخدام للحبر السري والتأهيل نفسيا ومعنويا للتعامل مع المجتمع بوضعه الجديد. لحد ما بقى "علي العطيفي" جاهز ومؤهل تماما للقيام بأعمال التجسس لصالح الموساد داخل مصر.
رجع "علي العطفي" مصر في ثوبه القذر الجديد، وفي سنة 1963م فوجئ "العطفي" أنه من ضمن البعثة اللي طالعة أمريكا لأخدشهادة الدكتوراة في العلاج الطبيعي. تخيل يا مؤمن واحد معاه الاعدادية، حلانجي ونصب ع الناس كلها أنه اخصائي علاج طبيعي، طالع ع نفقة الدولة ياخد الدكتوراة حتة واحدة من امريكا. طبعا مش عاوزة ألفت نظرك أن الحركة دي كانت من تخطيط وترتيب "إيلي برجمان"، عشان ينقل "العطفي" في خانة تانية جديدة وأعلى تفيد مصالحهم اللي هيقدمهالهم.
ومكتفاش الموساد بكده، ود اتعمد يعمل ضجة كبيرة في شغل الدعايا والتسويق ل "علي العطفي" بأنه يطلع يعمل مؤتمرات علمية في الخارج، ويخلوا الجرايد والمجلات العالمية تكتب عنه، وبالتالي الجرايد والمجلات المصرية لما تشوف اخباره في العالمية هتكتب عنه، وتفتخر بأنه مصري ومشرف مصر عالميا في المجال الطبي. كل الشقلبة والفرهدة دي كانت كفيلة تجذب نظر الرئيس "محمد أنور السادات" اللي كان بيهتم بصحته ولياقته، غصب عنه ل"علي العطفي".
وفي سنة 1972م بيجي أتصال ب"علي العطفي" من رئاسة الجمهورية، وبيطلب منه الحضور لمقابلة الرئيس. ومن اللحظة دي نجح الموساد في ادخال جاسوسهم جوا القصر الرئاسي، وجنب رئيس الجمهورية، في مهنة شديدة الخطورة والحساسية. تخيل أنت كمية المعلومات أو التصريحات اللي أخدها من الرئيس نفسه وهو تحت تأثير استرخاء المساج.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق