أحمد بن طولون 17
(17) كان "أحمد بن طولون" عارف إنه مينفعش يفضل قاعد في مصر مستني الأحداث تحصل حواليه كده وخلاص. في سنة 269 هجرية / 882 ميلادية قرر "أحمد بن طولون" يتحرك للشام، وهناك في دمشق وصله خبر خطير، الخليفة "المعتمد"، عمل نفسه رايح يصطاد، قرر يهرب للرقة - شمال سوريا على الضفة الشرقية لنهر الفرات - بعد ما بعت رسالة سرية ل"أحمد بن طولون بيقوله فيها أنه جايله - راجع الجزء ال 16 - كان بيدور على حماية "أحمد بن طولون" من قبضة أخوه "الموفق". فأستغل "المعتمد" انشغال "الموفق" وقتها في حربه ضد صاحب الزنج، وقال يا فكيك.
عيون جواسيس "الموفق" بلغته بخطة الخليفة "المعتمد"، وعلى طول بعت "الموفق" ل"إسحاق بن كنداج" وقاله ألحق الخليفة ورجعه، ولو عملتها هديك فلوس وأراضي. "الموفق" جاتله حالة رعب حقيقي لما سمع الخبر، وقال ل"إسحاق بن كنداج": "إذا تم هذا الأمر استولى احمد بن طولون على أمره فلم يكن لكم، ولا لأحد منكم مقدار، فيكون ذلك سببا في زوال دولة بني العباس". يعني بالبلدي كده قاله "أحمد بن طولون" كسب الخليفة وضمه تحت جناحه، خلاص كده، دولتنا راحت، وكلنا هنضيع. طلع "إسحاق بن كنداج" يجري يلحق الخليفة عند منطقة الحديثة - على ضفاف نهر الفرات - قبل ما يطلع من حدود العراق، وهناك قبض على الكل، لبس رجالة الخليفة الأساور، ومن بينهم كان "إبراهيم بن المدبر" أخو "أحمد بن المدبر فاكرينه. وبدأ "إسحاق بن كنداج" يقنع الخليفة "المعتمد" إن اللي بيعمله غلط، وأجبره يرجع لسامرا في شعبان سنة 269 هجرية / مارس 883 ميلادية، ودخلها وهو شبه سجين. ولما رجع "إسحاق بن كنداج" كافؤه "الموفق" وعينه والي على مصر مكان "أحمد بن طولون".
وعلى الجانب التاني، كان "أحمد بن طولون" شايف نفسه في موقف قوة، خاصة بعد ما امتدت سلطته لحدود ما كانش أي والي يقدر يوصلها. "أحمد بن طولون"، بقى أشبه بإمبراطور، بيحكم إمبراطورية واسعة، امتدت لحدود العراق في الشرق وجبال طوروس في الشمال وطرابلس في الغرب. وبقت مصر الإسلامية حصن الاسلام وخط دفاعه الأول والأقوى قدام أي تهديد. ومع كل ده، مستحيل "أحمد بن طولون" يرضى يخضع لقرار زي تولية "إسحاق بن كنداج" على مصر، كان عارف إن الكلام ده ملوش قيمة، وإن اللي مكتوب على الورق مش هيتطبق على أرض الواقع.
قرار "الموفق" بتولية "إسحاق بن كنداج" على مصر بدل "أحمد بن طولون" كان شبه محاولة أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بعزل "معاوية بن أبي سفيان" عن الشام، وقت ما كان "معاوية" عامل نفسه ملك غير متوج عليها. وده اللي خلى "أحمد بن طولون" يتصرف تصرف قوي ورد فعل بحجم التحدي. يعني تقدر تقول "الموفق" رمى القنبلة ردت في وشه قتلته.
في ذي القعدة سنة 269 هجرية / يوليو 882 ميلادي، أول خطوة عملها "أحمد بن طولون" إنه عقد مؤتمر كبير في دمشق، وطلب من عامله هناك يدعو القضاة والفقهاء وكبار القوم من كل أنحاء إمبراطوريته، وكان من ضمن الحضور القاضي "بكار بن قتيبة". المؤتمر كان هدفه فضح "الموفق" وعمايله في الخليفة "المعتمد" واللي كان أخرها أسر الخليفة "المعتمد" ونكث بيعته. انتهى المؤتمر بكتابة وثيقة خطيرة، وهي خلع "أحمد بن طولون" ل"الموفق" من ولاية العهد واتهامه بالخيانة وفرض على الأمة جهاده، وكأنه بيقول ل"الموفق" أنت خلعتني من غير صفة وأنا زيك بخلعك من غير صفة، ونشوف من فينا صفته أقوى من التاني. كل اللي حضروا وقعوا على الوثيقة، ما عدا القاضي بكار بن قتيبة اللي قال: "لم يصح عندي ما فعله أبا أحمد ولم أعلمه" يعني ما عنديش دليل على اللي عمله "أبا أحمد الموفق" ومسمعتش بالكلام ده، يعني كان قاضي حقاني ونزيه، ومعاه القضاه "محمد بن ابراهيم الاسكندراني" و"فهد بن موسى" برده رفضوا التوقيع. حتى في مصر، خطب الخطيب يوم الجمعة ودعا على "الموفق" اللي حابس الخليفة العباسي وقال: "اللهم فأكفه من حصره ومن ظلمه." يسكت على كده "أحمد بن طولون"، أبدا، ده حتى ميصحش. جهز حملة ضخمة للحجاز ودخلها بجيشه عشان يمنع ذكر اسم "الموفق" على منابر مكة، يا جبروتك يا أخي.
"الموفق" لما سمع باللي حصل، مكنش قادر يلاحق على جبروت "أحمد بن طولون"، بسبب حرب الزنج اللي ضعفته جدا، ومكنش عنده قوة تكفي لحرب جديدة. حتى لما "لؤلؤ" - راجع الجزء ال 16 - حاول يحرض "الموفق" على القتال ضد "أحمد بن طولون"، "الموفق"رفض. كان رده الوحيد إنه يأمر عماله يلعنوا "أحمد بن طولون" على المنابر. خطب الجمعة في بغداد كانت مليانة دعاء زي: "اللهم ألعنه لعناً يفل حده، ويتعس جده، واجعله مثالا للغابرين، انك لا تصلح عمل المفسدين"، كان ناقص يكنس عليه تراب الجامع، يعنى "الموفق" تضاءل من شوكة في حلق "أحمد بن طولون"، لواحدة ست عجوزة أتكب زيتها، قاعد يولول ويقوله منك لله يا بعيد روح.
بعد ما دعا "الموفق" علي "ابن طولون" دعوة ولية ساعة فجرية، خد باله أنه ليس بالدعاء وحده تحل القضايا. قام "الموفق" جاب ورا، وبدأ يبعت رسايل ل"ابن طولون" يطلب الصلح، ويعاتبه على خلعه وإسقاط اسمه - مخاصمك - ويعتذر عن اللعن اللي حصل في بغداد. "أحمد بن طولون" برده كان ذكي، وعارف أن أخرة العند الكفر، وبعد ما تأكد إن الموفق فعلا عايز السلام، وافق على التفاهم واعتذر هو كمان على الشتيمة مش أكتر.
الصلح ده كان له نتايج كبيرة. "الموفق" خرج الخليفة "المعتمد" من حبسه وبدأ يكرمه من جديد، والخليفة بنفسه كتب رسالة ل"ابن طولون" يسأله يرجع الدعاء ل"الموفق" - قلبه قلب خصاية - ويعلن إسقاط اللعن عنه.
وسط كل الأحداث السياسية اللي كان "أحمد بن طولون" بيديرها بحنكة، ما نساش مسؤولياته العسكرية، خصوصا ناحية الثغور اللي كانت خط الدفاع الأول عن بلاد الشام ضد أي هجمات خارجية. "أحمد بن طولون" - راجع الجزء ال 16 - كان ناوي يتحرك على طرسوس، لكن جات له رسالة من الخليفة "المعتمد" خلته يغير خطته مؤقتا. وبعد ما خلص مؤتمر دمشق بكل اللي حصل فيه، رجع "أحمد بن طولون" لخطته الأصلية وتوجه لطرسوس.
وصل "أحمد بن طولون" لمنطقة المصيصة - في سوريا جنب اللاذقية علي شط البحر المتوسط - وهناك حاول يقنع "يازمان" إنه يخضع ليه ويدعي له في الخطبة. لكن "يازمان" رفض. "أحمد بن طولون" مكنش بيقبل الرفض على حاجة هو عاوزها بسهولة، فزحف بجيشه ناحية أذنة وبعدها طرسوس. لما وصل طرسوس، لقى "يازمان" عامل حسابه ومحصنها كويس، ونصب المجانيق عشان يصد أي محاولة للاقتحام. ولجل حظ "يازمان" الحلو، الظروف الجوية خدمته خدمة عمره. الشتاء كان قارس، المطر غزير، والثلج مغطي كل مكان. "يازمان" استغل الظروف، وفتح مياه نهر البردان على جيش "أحمد بن طولون" وغرق جزء كبير منه في عز البرد القارس، فأضطر "أحمد بن طولون" يتراجع لأذنة عشان ينقذ اللي يقدر عليه من عسكره.
لكن القدر كان له كلمة أخيرة في حياة "أحمد بن طولون"، وهو في طريقه من أذنة للمصيصة، تعب تعب شديد، وهناك مرض مرضه الأخير اللي منع أي حد من أهم رجال الإسلام في زمانه إنه يكمل مشواره.
(يتبع)
مروة طلعت
19/12/2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/15S5pbGhCy/
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/19YH9rSbEb/
الجزء التالت
https://www.facebook.com/share/p/1G6MQJ8jPA/
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/19fGndQh69/
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/1Ax7r7wwx1/
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/13yWSkeVUZ/
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/1E6qCSabMT/
الجزء التامن
https://www.facebook.com/share/p/1QLRXzSG7g/
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/1BTtT4WQJk/
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/1B45f1rFHr/
الجزء الحادي عشر
https://www.facebook.com/share/p/18GLuvDrf5/
الجزء الثاني عشر
https://www.facebook.com/share/p/15Fxh2G6mK/
الجزء الثالث عشر
https://www.facebook.com/share/p/15mvpXW2DJ/
الجزء الرابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/1D51eMwEog/
الجزء الخامس عشر
https://www.facebook.com/share/p/1H3GCr6Qdh/
الجزء السادس عشر
https://www.facebook.com/share/p/15NBTe9NkK/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#أحمد_بن_طولون
#القطائع
#السيرة_الطولونية
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج2 ـ إبن تغري بردي.
الخطط المقريزية ج2 - المقريزي.
سير أعلام النبلاء الطبقة 15 - الامام الذهبي.
الطولونيون دراسة لمصر الاسلامية في نهاية القرن التاسع الميلادي - دكتور ذكي محمد حسن.
أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية - دكتور عبد العزيز سالم.
تاريخ مصر في عهد أحمد بن طولون - محمد كرد علي.
سيرة أحمد بن طولون - أبو محمد عبد الله محمد المديني البلوي.
أحمد بن طولون - دكتورة سيدة إسماعيل كاشف.
البداية والنهاية ج14 - ابن كثير.
مروج الدهب ومعادن الجوهر ج4 - المسعودي.
تاريخ الطبري ج9 - الامام الطبري.
تعليقات
إرسال تعليق