حكايا المنسيين
انتهيت من قراءة رواية "حكاية الأشبوني" للكاتب "ابراهيم أحمد عيسي" في طبعتها الأولي الصادرة عن دار كتوبيا بعدد صفحات ۲٥۲ صفحة.
مرة اخري يشدو الكاتب بحكاية من حكايات المنسيين في الأندلس اذ أن "الأشبوني" تعتبر الجزء الثاني من رواية البشرات التي سبق وتحدثنا عنها هنا.
إسلوب كتابة " الأشبوني" سلس بسيط بلغته الفصحي٬ أبسط من طريقة كتابة الرائعة رواية باري. تدور الرواية حول ما بعد سقوط الأندلس وضياع الحضارة الإسلامية علي يد غوغاء أسبانيا٬ تعتبر حالة رثاء شديده القتامة علي ملك ضاع وحق مسلوب. يظهر فيها معني الارهاب الحقيقي والوجه الفاجر لكلمة قمع وعنصرية٬ عندما تم أرغام المسلمين علي ترك دينهم وتنصيرهم حتي يتسني لهم العيش في أرضهم وأملاكهم٬ تم خلع المسلمين من تاريخهم والردم علي حضارة الأندلس التي كانت منارة أوروبا والعالم علي مدار ٧ قرون.
تظهر الرواية ومن قبلها رواية "البشرات" كيف وصل الحال لتسمية المسلمين باسم الموريسكين أي المسيحين الجدد٬ والنظر اليهم كفئة حقيرة دونية٬ ومراقبة انفاسهم لدرجة اجبارهم بفتح ابواب بيوتهم للمراقبة العلنية ومن يتم الشك في انه يحتفظ باسلامه يتم تعذيبه وحرقه في محاكم التفتيش. حتي الهروب من ذلك الجحيم قد يكون مستحيلا.
من يدعون الحضارة اليوم ويصدرون السلام ويرتدون ثوب الحملان٬ تاريخهم ملطخ بالدماء والوحشية والتعصب والعنصرية. وإنائهم دائما ماينضح بما فيه.
"الأشبوني" شاب بحار موريسكي شهد في طفولته علي حرق أمه وأبيه بتهمه تمسكهم بالدين الإسلامي. وتربي في خدمه قاتلي والديه في سجون محاكم التفتيش. فشاهد كافة الفظائع والتعذيب للمسلمين. قادته الصدفة لمقابلة مجموعة متنوعة من البشر. ك "سعد القرطبي" العاشق لتراب الأندلس ولديه الأمل لرجوعها لأصحابها الحقيقيين ومن أعاد اليه ذكريات أجداده التي سلبها منه الأسبان. و "سمية" المرأة التي تحمل علي عاتقها الارث الأندلسي وتمسك علي دينها كالقابض علي جمرة من نار. و "أوفيليا" الموريسكية التي قررت أن تبيع وطنعا ودينها وأصولها عن طيب خاطر والانضماُ الي الجانب الذي يبيد أهلها لمجرد النجاة بنفسها. وعلي العكس شقيقتها "آنا" التي قررت الفرار بدينها والاحتفاظ بأصولها أملا في العوده. و "دي لافيجا" الهجين نصف اسباني ونصف من البيرو ذو اصول من حضارة الانكا التي قضت عليها أسبانيا كما قضت علي الحضارة الاسلامية في الأندلس٬ الصديق الذي جمع بينه وبين الاشبوني طريقة اقتلاع الجذور والاجبار علي حياة غير مقبولة ومرفوضة.
و"ريتا" الهجينه نص موريسيكية يهودية ونص غجرية _ نعم فالموريسكيين لم يكونوا مسلمين فقط بل كان معهم يهود أيضا فالبلاد الاسلامية كانت نسيج متسامح من الثلاث اديان علي عكس ما فعلوه الأسبان بدعوي نشر الدين _ تلك الفتاة التي أحبها "الأشبوني" والغريب أن الكاتب في اهداء الرواية شبهها ب "ريتا" اليهودية التي أحبها الشاعر "محمود درويش". فأنا لا اجد تشابها بينهما الا ان كان يقصد ان مدلول البندقية في قصيدته هي من فرقت بين كلا الحالتين٬ ولكني اجده تشبيه ظالم ل "ريتا" الموريسكية علي الاقل هي ليست خائنة ك "ريتا" درويش.
افتتاحية الرواية كانت ممتازة بالبدء بمشهد مطارده غامض ثم الرجوع فلاش باك. وتصاعد الرواية في احداثها كان سريع دون املال. مشاهد حب الأشبوني وريتا كانت جميلة للغاية علي قدر ما أسعدت القارئ علي قدر ما كانت غصة في حلقه عند الفراق. اخر فصل في الرواية علي الرغم من ان الكاتب مر علي احداثه المترابطة مع احداث رواية البشرات وثورتها مرور الكرام علي اعتبار انها ذكرت قبل سابق الا ان كان فيها بعض الملل والرتابة٬ من الممكن ان احساس الألم والوجع فيها هي من اوحت لي بهذا الشعور. مشهد النهاية كعاده روايات "ابراهيم احمد عيسي" صادم ومؤلم كحال الأندلس وكحال العرب والمسلمين عموما.
"حكاية الأشبوني" تذكرة لبلاد "الأندلس" المفقودة وحكاية جديده من حكايا المنسيين.
مروه طلعت
٧ / ٦ / ۲۰۲۱
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق