باري تلك الرواية الخالدة
قرأت رواية "باري أنشودة سودان" للكاتب ابراهيم أحمد عيسي الصادرة عن دار تبارك في طبعتها العاشرة بعدد صفحات 523 صفحة.
تلك هي تجربتي الاولي مع الكاتب ابراهيم أحمد عيسي والجدير بالذكر أن تلك الرواية حاصلة علي جائزة كتارا للرواية العربية 2018 .
في بداية قرائتي للرواية شعرت اني سقطت في احدي روايات الكاتبة الكبيرة رضوي عاشور من حيث طريقة الرسم بالكلمات والصور التعبيرية واجواء الرواية التاريخية الاندلسية الا أن الكاتب اخذنا الي شواطئ ايطاليا وربوع روما.
الكاتب متمكن جدا من لغته الفصحي وبارع في رسم لوحات جمالية تشعرك بوجودك داخل الاحداث حتي انك تتنسم الحدائق وتتكحل بمناظر المروج وتشهد الحروب كأنك احد الفرسان ويعطيك انطباع الزمن التاريخي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة حتي يشعرك انك عدت بالزمن ودخلت في العصور الوسطي كما أنه يتمتع بالعرض الجذاب والحرفة في أنه يسارع الاحداث ويبطأها كل في وقته المناسب فهناك اللحظات التي يجعل الادرينالين فيها مرتفعا واللحظات التي تستمتع فيها بالوصف الهادئ في كلا الحالتين انت متوحد مع الرواية وشخصياتها بكل مشاعرك.
الرواية تعرض اختلاف الثقافات الشرقية والغربية في العصور الوسطي حيث ما كان لنا من حضارة وتقدم علمي وثقافي وتفوق قيادي وعسكري في حين علي الجانب الغربي البدائية والفقر والجهل والمرض وسيطرة رجال الدين علي العقول الجاهلة فينشروا فيها الاساطير والخرافات الخادمة لمصالحهم كما تعرض دور المرأة ومكانتها واسلوب معاملتها في كلا القطبين فنجد المرأة الشرقية لها احترامها ومكانتها العالية وتقديرها والمرأة الغربية تتعامل كالبهائم.
ومن الملفت للنظر أن الكاتب عرض في روايته وجهتي النظر الاسلامية والغربية عن احقية الارض ما اذا الوجود الاسلامي احتلال ام فتح بحيادية لكل من الطرفين فالجانب الغربي ينظر الي المسلمين كغزاة ومحتلين ومغتصبين لاراضيهم اما الجانب الاسلامي يري انه فتح وخلاص للرعية من حكامهم الظلمة والعيش بسلام دون التدخل في عقيدتهم والحفاظ علي امنهم وسلامتهم في مقابل جزية يدفعها الشباب فقط دونا عن النساء والاطفال والشيوخ بالمقابل الزكاه التي يدفعها المسلمون. كما أشعرني الكاتب من خلال عرضه للاحداث أن التاريخ يكرر دائما نفسه مع اختلاف موازيين القوي قديما عن الحاضر ولكن سير الاحداث والمقدمات والمعطيات دائما ماتنتهي الي نفس النتيجة فالحياة وان طالت قصيرة وما طار طير وارتفع الا كما طار وقع.
لا تخلوا الرواية من الجانب الرومانسي والحب العذري الذي يضيف عليها حلاوة ورقة في الاحداث وكأنها سحابة هادئة تروي الرواية برحيق الحياه في وسط اشتعال الاحداث فاستطاع الكاتب ان يحيك لنا شخصية الفارس العربي من كل زواياه الدينية والعقائدية والقيادية والعسكرية والانسانية والرومانسية.
باري أنشوده الحب والفداء، القوة والانكسار، الاخلاص والخيانة، الشجاعه والخسة. رواية تقف أمامها حائرا كيف كنا وكيف اصبحنا.
التقييم 10 من 10
مروه طلعت
16/ 6 / 2020
تعليقات
إرسال تعليق