لن تكون حرا ان لم تحررعقلك
انتهيت من قراءة رواية "أرض الله" للكاتب "أيمن
العتوم" في طبعتها الثالثة الصادرة عن دار الابداع الفكري بعدد صفحات 528
صفحة.
هذا هو لقائي الثاني مع ساحر الكلمات وديستوفسكي العصر الحديث "أيمن
العتوم" بعد لقائي الأول معه برواية "رؤوس الشياطين". مقالها من
هنا
https://marwatalaa.blogspot.com/2020/08/blog-post_25.html
رواية "أرض الله" من أمتع وأقيم وأعمق الروايات التي قرأتها هذا
العام. فعلي الرغم من كبر حجمها الا أنها تخطف أحاسيسك ومشاعرك فتغرق في بحر
كلماتها وعباراتها وسطورها الساحرة فهي من الروايات التي تخطف لب القارئ لتجعله
لايمل ولايرغب في الانتهاء من سيل المشاعر الانسانية والأحداث، وكالعادة أمتعني
الكاتب بأسلوب كتابته بالفصحي الرشيقة التي تروي الروح، والغريب أنه علي الرغم من
أن الرواية تحمل الكثير من المآسي والعبودية والظلم الا أن الكاتب رسم بأسلوبه وكلماته
طريق من السحر والاندماج.
رواية "أرض الله" هي رواية سيرة ذاتية حقيقية - من خلال مخطوطات
وصلت للكاتب عن طريق الصدفة ودفعته لبناء قصة علي ما كتب بها - تتحدث عن العبودية،
تجربة انسانية فريدة تجعلنا نري الجانب الآخر من الشط، حيث جميع الأفلام والجعجعة
الاعلامية تسبح وتقدس باسم العالم الغربي والامريكي المتحضر صاحب احترام حقوق
الانسان، وفي تلك الرواية نري الجانب القبيح من خلال السير مع "عمر بن
سيد" الشاب الأفريقي المسلم في رحلته مع العبودية بكل مافيها من مهانة وذل
وعدم انسانية.
تنقسم الرواية الي ثلاث أقسام، الأول وهي فترة طفولة "عمر بن
سيد" وحياته في بلدته "فوتا تور" الأفريقية لأب هو كبير أعيانها
سليل عائلة عريقة من العلماء والأشراف المسلمين، يحيا داخل بيت ضم بين جدرانه
الكثير من حلقات العلم وعاش به النساخ للقرآن الكريم وكتب الفقه والعقيدة، في هذا
القسم نسج لنا الكاتب حلم جميل أو حياة هي قطعة من الجنة من المشاعر الدافئة بين
أفراد الأسرة وخصوصا الترابط الأخوي البديع بين "عمر" وشقيقته "آمنة"
ومدي الحب بينهما حيث كانت شقيقته له أم صغري رفيقة طفولته بكل مافيها من مبهجات
ثم انحني كل ذلك في حدة مؤلمة بموت "آمنة" في مشهد شديد القسوة، هذه
اللحظة كانت لحظة فارقة وتحول في شخصية "عمر" فمشاعر الحسرة والاحساس
بالذنب نتيجة عدم قدرته لانقاذ شقيقته جعلته يهروب من المكان بقرار الدراسة خارج
المدينة لنتحول الي القسم الثاني.
في القسم الثاني نري رحلة "عمر بن سيد" في مدينة
"توبا" وهي مدينة تشبه الفاتيكان في انعزالها للعبادة ولكنها خاصة
بالمسلمين، يتلقي "عمر" فيها العلم للفقة والعقيدة ومقارنات الأديان
لمدة 25 عاما حتي يصير عالما واماما جليلا.
في القسم الثالث وهو الأخطر نري عوده "عمر" الي والديه في
"فوتا تور" وزواجه وحمل زوجته، وعلي حين غرة ينقلب الحال بهجوم صيادي
العبيد علي المنزل وقتل والده أمامه وهروب زوجته وخطفه الي سفينة العبيد في مشاهد
شديدة القسوه عديمة الانسانية، تبين كيف يستبيح الانسان لمجرد أن في يده السلاح
والسوط أن يستعبد ويتجبر علي أخيه الانسان، وأن العنصرية والعبودية أبشع أنواع
الاستغلال في تاريخ البشرية، الرسول الكريم قال "ألا لا فضل لعربي علي أعجمي
ولا لعجمي علي عربي ولا لأحمر علي أسود ولا أسود علي أحمر الا بالتقوي"
فالبشر كلهم سواء، أما الانسان قرر التفرقة باللون وحكم علي السود بالدونية
والتخلف ومساواتهم بالحيوانات أو أقل ونصب نفسه الحارس ومعدل الكون وهو في الحقيقة
من دمر حياتهم الهانئة وشتت شملهم، وقد كان "عمر" أكبر مثال علي الكذب
والتدليس فهو مثال علي عكس كل مايزعمونه، فهو ليس بالضعيف ولا المتخلف هوعزيز قوم
ذل، وهو ليس بجاهل ولا غبي هو عالم وامام يندر أن يجود الزمان بمثله.
تمر رحلة "عمر" في المحيط رحلة مرة وقاسية عاني من المعاملة
الغير آدمية في مشاهد تخجل البشرية من تذكرها ووسمهم بالنار واغتصاب النساء وتشريد
الاطفال عن أمهاتهم وتجويعهم حتي الموت والتعفن، فثمن الانسان لا يتعدي زجاجة
النبيذ فلا قيمة لهم، حتي وصوله الي سواحل أمريكا المدينة التي بنيت بدماء وفرم لحم
العبيد، لتمر مشاهد أخري بشعة للعبودية حيث بيع لمالك سادي شديد القسوة أذاقه الكثير
من فنون العذاب لمجرد أنه عبد متعلم وله منطق، حتي محاولات هروبه المتكررة ثم
تحوله الي مالك جديد رحيم وأكرم مثواه لاعجابه - من وجهه نظر المالك – بالقرد المتكلم
الفصيح، وأخيرا يصل "عمر" الي ارذل العمر فيبطش به ابن المالك في آخر
ايامه فلا احترام لسن ولا عجز في العبودية.
حكاية "عمر بن سيد"، حكاية 36 سنة في الوطن والعز والأمان والعلم
والتعلم والحرية، وحكاية 57 سنة في العبودية في بلاد أدعت انها بلاد الحريات
والتحضر والتقدم.
مروه طلعت
25/12/2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
حلوة اوووي مقالك بصراحة بيخلص المشاعر المتفاوتة من مرحلة لمرحلة
ردحذفشكرا لرأيك وأسعدني متابعتك
حذف