الشقي من ذكره أهل الدنيا ونسيه أهل الآخرة
انتهيت من قراءة رواية "رؤوس الشياطين" للكاتب "أيمن العتوم" الصادرة عن دار المعرفة في طبعتها الحادية والثلاثون بعدد صفحات 199 صفحة.
تلك الرواية هي لقائي الأول مع "أيمن العتوم" فقد سبق وأن سمعت
عنه استحسانا كثيرا ولكني لم أقرأ له وحين قررت التعرف عليه فأخترت أخر أعماله حتي
كتابة هذه السطور وهي رواية "رؤوس الشياطين".
عند اعلاني لبداية قراءتي للرواية تلقيت انطباعات سلبية عنها بأنها اضعف ما
كتب "العتوم" وكنت قد انتهيت توا من اجتراع كتاب شديد المرارة واصبت
بخيبة أمل فيه فخشيت أن أتلقي خيبة أمل أخري في تلك الرواية أيضا وبدأت في القراءة
ونفسي تتردد خيفة ولكني أنتبهت أني قرأت نصف الرواية في جلسة دون أن أشعر ونظرت
الي غلافها ورددت:- "ان كانت هذه أضعف روايات العتوم اذا فهو دوستويفسكي المعاصر".
الرواية تصنف بالرواية الفلسفية النفسية أجاد فيها الكاتب بالغوص داخل النفس
البشرية المريضة نفسيا وتطرح تساؤلات وجودية كثيرة حول الحياة والموت النجاح
والفشل وطريقة نظرة المريض النفسي لنفسه هل ما اذا كان يدرك مرضه؟.
نسج الكاتب روايته بمنتهي الحرفيه وبلغة عربية فصحي سردا وحوارا أستخدم
أسلوب البدء بنقطة تحول البطل في الاحداث ثم تراجع بالفلاش باك الي بداية الميلاد
حتي يضع القارئ في موضع الملم بكافة النواحي النفسية والحياتية فينسج خيوط روايته
بأسلوب شائق فيدخل في داخل أعماق شخصية البطل حتي لتشعر أنه فيه الكثير منك بتخبطه
وحيرته ونزاعه فيطرق الكاتب علي الوتر الحساس داخل ضمائرنا.
نلتقي مع بطل الرواية "دكتور نديم" صاحب الست أسماء وست شخصيات
أجبر عليها من قبل الآخرين دون ارادته ذلك الطفل المعجزة والدكتور العبقري الذي
كان ضحية أب شيوعي أم مسلمة متدينة.
كلا من الأم والأب يريد أن ينشئ الابن كما يري ويحب فتصرفوا فيه كالآله أو الوعاء
يلقون فيه بقناعاتهم وميولهم ومن حسن الحظ او سوءه كان الطفل عبقري يحفظ كل مايلقي
عليه فحمل في جنبات عقله الشتيتين من العلم الدين واللادين أمه تجذب قلبه وأباه
يسيطر علي عقله وعندما مات الأب أخذ معه عقل ابنه. سار في دروب
التيه يبحث عن ذاته وأصله عن قناعاته الشخصية عن طينته الحقيقية تتقاذفه افكاره
الشاذة وأوهامه تسيطر علي عقله رؤوس الشيطان يبحث عن الراحة يبحث عن المأوي يبحث
عن الحب ويظن أن أفكار أبيه الفلسفية الدنياوية هي الأصلح فلا تزيده الا ضياع وغرق. ظل طيلة
حياته يبحث عن الحقيقة ويجري بحثا عنها وهو يوليها ظهره ويصم أذنيه عن من يذكره
بها "ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا".
يمر الكاتب من خلال رحلة "نديم" الي بعض الأحداث التي لها
اسقاطات سياسية ومجتمعية فنراه مابين السطور يدين المجتمع لما وصلنا من حالة تخبط
وتشوش في المعتقدات فعن طريق التنمر وكره الناس لمن هو أفضل تغير "نديم
" من العبقرية الي الجنون كما يدين الحكومات لما تعانيه شعوبها من فقر وظلم
أجبرت الكثيرين الي الهجرة غير الشرعية أملا وبحثا عن الحياة الأفضل مضحين بكل
نفيس وغالي حتي وان وصل الامر الي التضحية بحياتهم نفسها.
النهاية أختارها الكاتب أن تكون سعيدة ففي حالة "نديم" فله
نهايتين اما شاكرا واما كفورا فاختار الكاتب له أن يكون شاكرا ويعود الي الانبثاق
من جديد والميلاد الجديد.
رواية "رؤوس الشياطين" تغلغلت الي نفسي كثيرا وشعرت كأنها تطبطب
علي روحي.
مروة طلعت
25/8/2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق