أحمد حلمي
أحمد حلمي اتجوز عايدة .. كتب الكتاب الشيخ رمضان .. جابو الشمع من العطار .. وكان شاهد العسال .. زعل منه أحمد بدوى .. زعل منه سلام بالأيد .. انزل بينا محمد فريد. وايييييه.
الاغنية دي كانت أول أغنية يتعرف بيها شعبان عبد الرحيم الله يرحمه، وعشان أنا بنت شبرا فالأغنية دي كانت مسمعة عندنا جامد في الافراح، مفيش حد من شبرا مكنش عارفها وبيغنيها. الاغنية كانت ضامة مناطق من شبرا وأشهر الأحياء اللي حواليها، وخصوصا منطقة أحمد حلمي كانت الاشهر على الاطلاق عشان دي محطة رئيسية للاتوبيسات والميكروباصات وكمان فيها محطة قطر في مدخل شارع شبرا.
وأنا صغيرة لفت سمعي اسم أحمد حلمي، وفضلت اسأل مين أحمد حلمي ده؟ وكان الجواب أهو واحد اكيد كان ساكن هنا واتسمى الميدان على اسمه. ولما كبرت شوية وظهر الفنان أحمد حلمي، قلت ما جايز هو ده اللي كان ساكن في الميدان واتسمى على اسمه، معلش اعذروني بقى كان لسه عقل عيال.
لفت ودارت الأيام لحد ما وقع في ايدي كتاب (تطور الصحافة المصرية) ل"إبراهيم عبده" - أستاذ الفن الصحفي ورئيس معهد الصحافة بجامعة القاهرة سابقاً - وعرفت من خلاله مين هو "أحمد حلمي" الحقيقي اللي أتسمى على أسمه المكان اللي عاش فيه أخر حياته، ميدان "أحمد حلمي" بشبرا.
"أحمد حلمي" هو أول صحفي سياسي في مصر. "أحمد حلمي" هو أول معتقل سياسي بتهمة العيب في الذات الملكية. "أحمد حلمي" هو جد الشاعر الثائر "صلاح جاهين".
حي الحسين بالقاهرة سنة 1875م - أيام "الخديو اسماعيل" قبل الاحتلال البريطاني لمصر - اتولد "أحمد حلمي" طفل يتيم الأب، مات أبوه وترك عائلته من قبل ما يشوف ابنه. لكن ربنا رحيم بالأم وأبنها، وعوضهم عن غياب الأب، بالخال الحنين. خال "أحمد حلمي" كان بيشتغل كاتب في وزارة الاشغال، يعني موظف برده على قد حاله، رغم كده مستغناش عن أخته وأبنها وعاشوا معاه في بيته وسط ولاده. عاش "أحمد" طفولته في حضن خاله يربيه ويرعاه وأصر يعلمه كويس، على الرغم من أن خيار التعليم في الوقت ده مكنش سهل ومكلف، كان الخال بياخد "أحمد" الطفل لمكتب خان جعفر في الحسين، حاجة كدة زي الكُتاب، يتعلم فيه القراءة والكتابة والحساب ويحفظ القرآن الكريم. مكتفاش الخال بالتعليم العادي لابن أخته اليتيم، لما أكتشف الحس الأدبي في "أحمد" وحبه للقراءة والمطالعة، كان كل يوم وهو راجع من الشغل يجيب معاه نماذج شبيهة بالنماذج اللي بتتكتب عنده في وزارة الاشغال، عشان يقراها "أحمد" ويقلد طريقة كتابتها بطريقته الطفولية، وكان نظرة الخال أنه يدرب أبن أخته من صغره على الكتابة عشان لما يكبر يشغله كاتب معاه في وزارة الاشغال، لكن اللي مخطرش في بال الخال ساعتها، أنه هيأه لما هو أكبر من مجرد كاتب موظف.
لما وصل "أحمد" لسن ال 15 سنة، حس بالوضع اللي هو وأمه فيه، حس أن مهما كان الخال حنين وشهم، لكنه مهما كان مش أبوه، والحمل تقيل عليه، وبيتقل أكتر كل ما بيكبر، وجه الوقت أنه يكون راجل مسؤول عن نفسه وأمه ويرد لخاله الجميل. ولأن قرار زي ده ممكن يسبب حساسية لخاله، فقرر الخروج من البيت من غير ما يحرجه ولا يقوله، وأتجه لأبعد مكان ممكن يلاقوه فيه، مشي ناحية اسكندرية، ولما أقولك مشي يبقى فعلا أقصد أنه مشي. "أحمد" اللي عنده 15 سنة مكنش معاه فلوس خالص، فخدها مشي من الحسين في القاهرة لأسكندرية على رجليه.
سنة 1890م - ايام "الخديو توفيق" وبعد الاحتلال البريطاني ب 8 سنين - وصل "أحمد حلمي" اسكندرية، هلكان جعان مبهدل من طول المسافة اللي مشيها، وهناك بيدخل جامع يستريح فيه، بيشوفه أمام الجامع فبيرق قلبه لحاله، ويسأله ايه اللي مبهدله كده، ولما بيعرف حكايته، بيسمحله يبات في الجامع وبيجيبله أكل، لحد ما ولاد الحلال بيدبروله مكان يقعد فيه، وكمان بيتوصطوله في واحدة من الشركات الاجنبية الفرنسية في اسكندرية يشتغل فيها. أشتغل "أحمد حلمي" في الشركة، وأستفاد من وجوده فيها ومن تعاملة مع الفرنسيين، أتقن اللغة الفرنسية، وفي نفس الوقت من خلال صلته بإمام الجامع وشيوخه، أتعلم منهم التعاليم الاسلامية وعلومها. يعني كان بيستغل وقته كما ينبغي، يشتغل ويبعت لأمه فلوس في القاهرة، ويتعلم ويكتسب خبرات ومعرفة.
في الوقت ده وزارة المالية عرضت مسابقة لوظائف فيها، فأستغل "أحمد حلمي" الفرصة وقدم فيها وبالفعل نجح. وجوده في وزارة المالية مطولش كتير، لما لقى فرصة أحسن في مصلحة المساحة، أستقال من وزارة المالية، واشتغل في مصلحة المساحة.
في مايو سنة 1898م، تم الاعلان عن صدور جريدة جديدة أسمها "السلام" في اسكندرية، لصاحبها ورئيس تحريرها "غالب محمد طليمات"، وكان وصفها بأنها "جريدة يومية سياسية تجارية". ساعتها قرر "أحمد حلمي" يراسل جريدة السلام ببعض من المقالات اللي عجبت "طليمات" جدا، وبعتله موافقته على اشتراكه معاهم كأحد صحفيين الجريدة بالمراسلة. ساعتها توالت مقالات "أحمد حلمي" للجريدة بشكل يومي عن أخبار القصر والوزارات والمصالح.
في يناير سنة 1900م، أصدر الزعيم "مصطفى كامل" جريدته الشهيرة "اللواء"، بعد ما قفل الانجليز جريدته "المؤيد". ركزت الجريدة على مقاومة الاحتلال البريطاني، وكانت تنشر مقالات "مصطفى كامل" اللي غالبا كانت تتصدر الافتتاحية بتوقيعه. وشارك في الكتابة فيها عدد من أعلام الكتاب والشعراء الوطنيين، منهم "محمد فريد"، "خليل مطران"، "أحمد شوقي"، "إسماعيل صبري"، "مصطفى نجيب"، "إسماعيل شيمي"، "ويصا واصف"، "محمود سالم"، "فؤاد سليم"، وطبعا "أحمد حلمي" اللي صيته سمع من جريدة السلام.
يوم 13 يونيو سنة 1906م، كان تاريخ فاصل في حياة مصر، وحياة جريدة اللواء، وحياة "أحمد حلمي" نفسه. 6 جنود إنجليز راحوا على قرية دنشواي في المنوفية، يصطادوا الحمام، وده كان تقليد عند الإنجليز، لكن الحمام ده كان ملك للفلاحين، بياكلوا منه وبيبيعوه، يعني مش مجرد حمام سارح ده كان رزق الفلاحين الغلابة. واحدة من زوجات الفلاحين كانت قاعدة بتخبز قصاد الفرن وقت ما الانجليز كانوا بيلعبوا ويتسلوا بصيد الحمام، جت رصاصة طايشة من واحد من الضباط الانجليز في قلب الست الغلبانة قتلتها في الحال، ومش بس كده ده الرصاصة كمان أتسببت في أن الفرن اللي كانت قعدة قصاده الفلاحة يولع في القش اللي حواليه، وفجأة النار مسكت في الاخضر واليابس والقرية أغلبها بقى يولع. ده عمل حالة هياج في القرية، والناس بدأت تتجمع، والصويت ملا سما البلد، اللي يجري يلحق يطفي النار من أبراج الحمام ومن البيوت، واللي جري يلحق الست اللي اتقتلت واتحرقت، واللي طلع يجري غضبان ورا الضباط الانجليز. واحد من الضباط الإنجليز وهو بيجري وقع ميت من ضربة شمس، الراجل برده نايتي وجو يونيو في مصر مش مناسب له وكمان فيه جري وفرهدة. أصحابه الانجليز خافوا يقفوا يشيلوا صاحبهم من الفلاحين اللي بيجروا وراهم، فسابوه وطلعوا يجروا، لكن مجموعة من الفلاحين اللي بيجروا وراهم وقفوله وشالوه وحاولوا كمان ينجدوه لكنه كان خلص خلاص. لما وصل الضباط الانجليز للمعسكر بتاعهم، وحكوا اللي حصل، ووصل للمندوب السامي البريطاني، اتهموا الفلاحين إنهم قتلوا الضابط الانجليزي. طب بالنسبة للبلد اللي ولعت يا خواجة والست اللي اتقتلت، لا ده كلام فاضي الانجليزي اللي قتلها وحرق البلد أهم. حادثة دنشواي بكل تفاصيلها حكيتها في كتابي "أساطير حية".
السلطات البريطانية عملت محكمة عسكرية عاجلة في قرية دنشواي نفسها،
والمحكمة دي أصدرت أحكام ظالمة وسريعة جدا. إعدام 4 فلاحين شنقا في نفس المكان قدام أهلهم، والسجن مع الجلد لعدد من الأهالي التانيين، وطبعا كان الاختيار اصلا بطريقة عشوائية. واحد من الأهالي اتجلد وهو بيصرخ: "يا ناس، هو أنا قتلت حد؟! ده إحنا مظلومين!"، وكان المنظر مرعب ومهين جدا والستات والاطفال والاهالي شايفين ازواجهم واولادهم وأباءهم، بيتعدموا وبيتجلدوا ظلم قصادهم.
جريدة اللواء بما أنها أكبر جريدة سياسية معارضة في مصر، كان لازم تكون موجودة في وقت الحدث، وكان "أحمد حلمي" هو مندوب الجريدة في دنشواي وقت المحاكمة. وساعتها كتب أشهر مقالة عن الحادث هزت مصر كلها وكانت بعنوان "يا دافع البلاء". والمقالة دي مسمعتش بس في مصر، دي وصلت كمان لفرنسا. "مصطفى كامل" كان في الوقت ده في فرنسا، وأخد مقالة "يا دافع البلاء" ل "أحمد حلمي" كدليل اثبات وادانة من قلب الحدث ضد الانجليز، وشن بيها هجوم حاد وشرس في المجتمع الاوروبي، واعتمد عليها في مقالاته في جريدة "لو فيجارو" الفرنسية. وبسبب الضجة اللي عملها "مصطفى كامل" في فرنسا على حس مذبحة دنشواي، أصدرت انجلترا أمر بعزل المندوب السامي البريطاني في مصر "اللورد كرومر".
في سنة 1907م، أسس الزعيم الوطني "مصطفى كامل" الحزب الوطني، وأصبحت جريدة اللواء هو صوت الحزب الوطني الرسمي. وفي سنة 1908م، يتوفى الزعيم "مصطفى كامل" بسبب مرض السل في عز شبابه وذروه جهاده الوطني. من بعده أتولى الزعيم "محمد فريد" رئاسة الحزب الوطني، و"عبد العزيز جاويش" - كتبت عنه مقالة قبل كدة - أصبح رئيس تحرير جريدة اللواء. وفي نفس السنة أستقال "أحمد حلمي" من جريدة اللواء"، وأسس مجلة "القطر العربي" وكان هو رئيس تحريرها.
في سنة 1909، بدأت نية المندوب السامي البريطاني الجديد في مصر "جورست" تبان، وهو انتهاج سياسة فرق تسد كالعادة، وكان قاصد بيها التفرقة العنصرية والحرب الاهلية بين المسلمين والمسيحيين. اللورد "جورست" أصدر قرار وقالك بما أننا في دولة أسلامية وأغلب سكانها مسلمين، فمنع عن المسيحيين كتير من الوظائف وخلاها خاصة بالمسلميين فقط. ياراجل متجيش منك ده أنتوا أهل دين واحد. وعشان كده لعبته مدخلتش على المصريين وفهموها بسهولة، أنت جاي توقعنا في بعض، طب مش هنقع غير فيك وأحنا مع بعض.
كتب "أحمد حلمي" مقالة بعنوان "مصر لكل المصريين"، وبدأ حملة لرفض التفرقة بين المصريين على أساس الدين، ودعى "أحمد حلمي" لتوحيد أبناء النيل في مصر والسودان لمقاومة الاحتلال الإنجليزي. وأبتدى عصر مجلة "القطر العربي" تحت شعار "مصر للمصريين"، وعلى أساسها دعى "أحمد حلمي" لعمل حملة توقيع آلاف العرائض للمطالبة بإنشاء دستور مصري خاص للدولة المصرية. وفي سوم صحي الخديو "عباس حلمي التاني" من النوم، لقى في استقباله على مكتبه عرائض تطالب بالدستور المصري مقدمة من حملة "أحمد حلمي" عليها 75 ألف توقيع بالموافقة.
وفي أبريل سنة 1909م، وفي العدد 27 من مجلة "القطر العربي" كتب مقالة بينتقد فيها الأسرة العلوية، عيني عينك كدة حتة واحدة. كتب "أحمد حلمي" وقال: (إذا عرف المصرى أن شقاؤه وبلاؤه ليس له سبب سوى عائلة محمد علي فقد وجب عليه أن يتخلص منها لأن هذه العائلة سلّمت مصر للإنجليز)، وقال كمان: (بأي حق تأخذ عائلة محمد علي من الخزينة المصرية ٣٥٠ ألف جنيه سنويا، بأي حق، فأي شر دفعوه عنها، وأي خير جلبوه لها حتى يستحقوا هذا الثمن). الكلام ده كان كبير أوي وقتها، وكان أول واحد يوجه نقد أو ذم للخديو والأسرة الحاكمة بطريق مباشر بالشكل ده. طبعا الدنيا هاجت وماجت، قامت ومقعدتش، واتفتحت في وش "أحمد حلمي" أبواب الجحيم. قامت السلطة الحاكمة بتقديمه للمحاكمة بتهمه الدعوة لقلب نظام الحكم، وصدر حكم ضده بتهمة إهانة الذات الخديوية، أصدرته محكمة السيدة زينب الجزئية، وأتحكم عليه بالحبس سنة مع الأشغال الشاقة، وإعدام كل ما يضبط من العدد اللي فيه المقالة، وتعطيل جريدته "القطر المصري" عن العمل 6 شهور. "أحمد حلمي" كان أول ضحية أول حكم تصدره المحاكم المصرية ضد حرية الرأى والتعبير، ومن بعده توالى الضحايا.
"أحمد حلمي" مكنش بيكتب في "القطر العربي" و"اللواء" بس، ده كتب في صحيفة "وادي النيل" و"العلم" و"الشعب" و "الشرق". وفي جريدة "العلم" كتب فيها سلسلة مقالات عن السجون المصرية وطالب بإصلاحها بما يتناسب مع أدمية المسجونين.
مع بداية الحرب العالمية الاولى سنة 1914م، حصل تقييد لحرية الصحافة، وإعلان الأحكام العرفية، وفرض الرقابة على الصحف، واضطهاد الحزب الوطني وملاحقة رجاله ونفي بعضهم، وأضطرت جرايد ومجلات كتيرة تقفل ساعتها، فقفل "أحمد حلمي" مجلته القطر العربي". وفي 25 أغسطس سنة 1919م أنشأ مجلة "الزراعة" وقال أنها بتهتم بشئون الزراعة، وألف كده كتاب على جنب وسماه "السجون المصرية في عهد الاحتلال الانجليزي".
عاش الصحفي الوطني "أحمد حلمي" في أول شبرا مع أسرته، لحد ما توفاه الله سنة 1936م، وتكريما له ولذكراه واعتراف بفضله وجهوده، تم إطلاق اسمه على الميدان اللي كان عايش فيه، واللي أصبح من أشهر ميادين القاهرة، ميدان "أحمد حلمي".
مروة طلعت
29/5/2025
#عايمة_في_بحر_الكتب
المصادر:
تطور الصحافة المصرية - إبراهيم عبده.
مع الصحفي المكافح أحمد حلمي - أحمد أحمد بدوي.
أحمد حلمي سجين الحرية والصحافة - إبراهيم عبد الله المسلمي.
تعليقات
إرسال تعليق