في حضرة العيد 3
الموضوع هنا كان فيه تبادل مصالح. الملك يفرّح الناس ويوزع عليهم العطايا، والشعب يهلل ويبارك للملك، وياخد يوم أجازة، ويشيل على راسه النِعم اللي بتتوزع بكرم ملوش حدود. في المناسبات الملكية دي، كان الملك ممكن يدي هدية دهب وزنها يوصل لسبعة كيلو كاملة دهب صافي، لكل واحد حضر الاحتفال.
وكان من أهم الأعياد هي اللي بتتعمل بعد الانتصارات الكبرى، زي ما حصل بعد ما الملك "تحتمس التالت" رجّع الكرامة في معركة مجدو، أو لما الملك "رمسيس التاني" وقف بكل فخر في معركة قادش. وبرغم إن المصري القديم مكانش بيحب يحتفظ بتفاصيل الاحتفالات اللي ملهاش طابع ديني في نقوشاته، لكن ذكرى انتصار رمسيس التالت على الليبيين – اللي كانوا بيهددوا حدود مصر – كانت استثناء. العيد ده اتعمله يوم عيد مخصوص فضل بيتكرر كل سنة، حاجة كده زي عيد 6 أكتوبر عندنا.
وبرضه لما الملك كان بيموت، كانت بتتعمل جنازات وطنية عظيمة، مش بس وداع لملك، لكنه عيد رسمي بيلم الشعب كله حوالين لحظة فارقة في تاريخ بلدهم.
من اللحظة اللي بيتم فيها تتويج الملك الجديد في مصر القديمة، كانت صفحة جديدة بتتفتح في كتاب الزمن. حفل التتويج مش مجرد لبس تاج وخلاص، ده كان طقس له هيبة، وله قدسية، وله معاني أبعد بكتير من مجرد تنصيب ملك جديد. ده بداية عهد يُفترض فيه إنه هيكون كله عدل وفرح وسعادة، زي ما قالوا وقت تتويج الملك مرنبتاح – ابن رمسيس التاني – "العدل يقضي على الظلم... والقمر يأتي في وقته... ونحن على باب أيام كلها سعادة".
بس لازم نفرّق بين "الصعود للعرش" و"التتويج". أول ما الملك يموت، ابنه أو الوريث بيصعد للعرش تاني يوم على طول. بس التتويج بقى حكاية تانية خالص. التتويج ممكن يتأجل شهور أو حتى سنين، وبيتعمل له طقوس مخصوصة. فيه نقوش تفصيلية، بتحكي لنا لحد النهاردة عن تفاصيل اليوم اللي اتوحدت فيه الأرضين من جديد.
الملك الجديد، مهما كانت طريقه للعرش – وراثة، أو زواج، أو نبوءة، أو حتى حلم – لازم يعدي على ٣ محطات أساسية: "إعداده"، "الاحتفال بيه"، و"وصوله الكامل للملكية". وفي الاحتفال ده بنشوف مشاهد الكهنة وهما لابسين أقنعة على شكل حيوانات بتمثل الآلهة، وبيقدموا طقوس تطهير للملك، وبعدين يسلموه بنفسهم للآلهة. بعدها الملك بيتقاد لمكان اسمه المقصورة المزدوجة – "بر ور" و"بر نسر" – وهناك بيلبسوه تاج القطرين، التاج الأبيض والتاج الأحمر - مش أهلي وزمالك ده تاج الشمال والجنوب - يعني أصبح ملك على الوجهين الشمال والجنوب. وده مش بس تتويج، ده إعادة رمزية لتوحيد مصر كلها، زي ما عمل الملك "مينا" موحد القطرين أول مرة.
وفي لحظة من لحظات الطقوس، بنشوف الإله تحوت ومعاه الإلهة سشات، ماسكين ورق شجرة المشد (إشد)، وبيكتبوا عليها ألقاب الملك وسنوات حكمه اللي لسه هتبدأ. هنا الملك بيركع احترام لقدسية اللحظة... والكهنة اللي بيرمزوا للآلهة بتثبت التاج الملكي على راسه، وساعتها يبقى إقرار ببداية العهد الجديد بفرحة عظيمة وحفلة كبيرة متتنسيش.
اليوم ده بيسجل في سجل الأعياد المصرية الرسمية طول ما الملك عايش، وبيتكرر الاحتفال ده كل سنة. بس العيد اللي بيبقى بجد استثنائي، هو لما يعدّي على التتويج تلاتين سنة. وقتها بيحتفلوا بعيد اسمه "عيد سد"، عيد ميتعملش غير للملوك الكبار اللي طوّلوا في الحكم، وبيكون إعادة تتويج وتجديد لقوة الملك وشرعيته، كأنه بيتولد من تاني.
السحر الحقيقي والرمزية العميقة اللي تخلي الواحد يحس إن ملوك مصر القديمة مش بيحتفلوا وخلاص، أنهم كانوا بيكتبوا أدوارهم في مسرحية كونية، فيها زمن، وقمر، وشمس، وخلود. وما إن يعدي على الملك ثلاثين سنة في الحكم – أو حتى قبل كده بشوية لو قلبه حس إن أجله قرب – كانت بتتجهز مصر كلها لعيد اسمه "عيد سد"، أو زي ما كانوا بينطقوه "حب سد". العيد ده من أقدم الأعياد اللي ظهرت في تاريخ مصر القديمة، وباحثين كتير شايفين إن له جذور بتوصل لعصر الملك "مينا نعرمر" موحد القطرين.
الغريبة بقى إن رغم عظمة العيد ده، إلا إنه مش مكتوب في تقاويم الأعياد المعروفة، يمكن علشان هو مش مجرد عيد عادي، ده لحظة بيعيد فيها الملك لنفسه شرعية وجوده وقوته، كأنه بيحكم من أول وجديد من جديد.
زمان كانوا فاكرين إن اسمه معناه "الاستيلاء على ذيل ابن آوي" (اللي هو رمز أنوبيس)، بس مع الوقت والاكتشافات، وبالذات لما "د. أحمد فخري" كشف عن مقبرة خرو إف في طيبة، الصورة بدأت توضح. بقينا نعرف إن العيد ده كان فعلاً احتفال ملوكي عظيم، ومرتبط بالقمر، اللي بيلف في السما تلاتين يوم... زي سنين الحكم اللي بيستنوها علشان يقيموا العيد ده.
بس مفيش قاعدة ثابتة للعيد ده، يعني في ملوك احتفلوا به بعد ٣٠ سنة فعلاً، وفي ملوك زي الملك "تحتمس الرابع" احتفل بيه مرتين رغم إن حكمه كله ماكملش ٢٥ سنة، وزي الملك "رمسيس التاني" احتفل بعيد سد على الأقل ١٣ مرة، رغم أنه حكم 66 سنة يعني كان مفروض يحتفل بيه مرتين بس، وده لأنه كان بيحب يعيد لنفسه شبابه في كل مرة يحس فيها إن الزمن بيزحف على كتافه. "رمسيس التاني" كان بيحب الهيصة والبهرجة والأوفر في كل حاجة، ده سابلنا تماثيل ليه في كل شبر في مصر، وتحت كل حجر.
الملوك كانوا بيحتفلوا بالعيد ده عشان بيظهر فيها الملك وكأنه بيستدعي قوته من الآلهة، وبيجدد عهده، وكأنه بيثبت للناس قوته المستمرة وأحقيته بالحكم
والعيد ده رغم طابعه القمري، إلا أنه كان متلون بالصبغة الأوزيرية، يعني فيه شمس ورع، وفيه موت وبعث من جديد زي أسطورة أوزير. وده يفسر وجود المسلات، اللي كانت رمز للشمس، في احتفالات العيد. بس الغريب برضه إن الملك "رمسيس التاني" رغم كتر المسلات اللي بناها، نادراً ما كتب على مسلاته إنه احتفل بعيد سد، إلا في واحدة من أصل ٢٢ مسلة موجودة في تانيس.
علماء آثار كتير شايفين إن الهدف الأساسي من العيد ده، كان تجديد روح الملك، ومنحه طاقة جديدة، كأن الآلهة بتمده بعمر إضافي بدل ما يتم التضحية بيه لما يضعف.
في الجزء الجاي، هاخدك في جولة جوه المقابر والمعابد، ونشوف إزاي المصري القديم سجل الأعياد في نقوشاته… وهنحكي كمان عن عيد تاني مهم جدًا وهو عيد افتتاح المعبد. استنوني 🙌
تعليقات
إرسال تعليق