أحمد بن طولون الأخيرة
(19 والأخيرة) "أحمد بن طولون" عمل حاجة ماحدش قبله عملها من أيام ما الرومان دخلوا مصر سنة 30 ق.م، خلى مصر مستقلة لأول مرة بعد قرون طويلة من التبعية. هو اللي أسس أول دولة عربية إسلامية مستقلة في مصر، الدولة الطولونية. وعلى الرغم من إن عمر الدولة دي مكملش 40 سنة، إلا إن مصر في عهد "أحمد بن طولون" وابنه "خمارويه" عاشت فترة من الازدهار ماحدش كان متخيلها.
"أحمد بن طولون" مكنش مجرد حاكم عادي زي اللي كانوا قبله. كان راجل صاحب رؤية، مؤمن إن البلد دي تستحق مكانة أعظم. قدر يخلصها من فكرة إن الوالي لازم يبقى مجرد تابع للخلافة العباسية. "أحمد بن طولون" كان زعيم حقيقي، معاه جيش قوي، وأسطول يشيل اسم مصر عالي، وشعب بيحبه وبيآمن بيه.
في عهده، مصر بقت مش بس بلد قوية، لكنها إمبراطورية أمتدت من برقة في الغرب وتخوم العراق في الشرق، ومن حدود الروم في الشمال لحد النوبة في الجنوب. وكأن مصر فجأة صحت من غفلتها وقررت تقول للعالم إنها رجعت تاني لقوتها وهيبتها.
مشاريعه في البلد مكنتش مجرد كلام أو خطط على الورق. "أحمد بن طولون" عمل مشاريع عملاقة تخدم الناس، وتخلد اسمه في التاريخ. البلد بقت غنية بخيرها، والفلوس اللي كانت بتتشحن للخلافة أو تتسرق بقت تتصرف في مصر وعلى ولادها. حقق معادلة صعبة لكنها بتتعمل عادي، خفف ضرايب ولغى مكوس واتاوات، وزود مشاريع وحقق دخل قومي أعلى من ما كان وقت الضرايب الباهظة، يعنى خلى خزينة الدولة من مشاريعه مش من جيب الناس، لأول مرة مصر اللي كانت بتصرف على ولادها مش العكس.
حتى البلاط الطولوني بقى ينافس بلاط الخليفة نفسه، لدرجة إن البيزنطيين كانوا بيبعتوا هدايا فخمة للمصريين وبيطلقوا أسرى المسلمين كنوع من التقرب ليهم. المصريين لأول مرة حسوا إن البلد بقت بلدهم بجد، وإن حاكمها واحد منهم، بيحبهم وبيفكر فيهم. "أحمد بن طولون" بالعشرة والأيام أتحول راجل مصري في روحه بجد، لدرجة من شدة رغبته في التقرب للمصريين اتجوز واحدة من بنات البلد، اسمها "أسماء"، عشان يثبت إن مصرهي أهله وعيلته. يعني كده "أحمد بن طولون" اتجوز من "خاتون بنت يارجوخ" وخلف منها "العباس"، و"خديجة بنت خاقان"، و"أسماء المصرية"، والجارية "مياس" وخلف منها "خمارويه"، غير الجواري المستولدات، منهم جارية خلفتله 3 بنات. في الحقيقة "أحمد بن طولون" خلف 17 ولد و16 بنت، لكن أشهرهم كان "العباس" و"خمارويه".
بعد ما اشتد المرض على "أحمد بن طولون" وهو في المصيصة - راجع الجزء ال 17 - قرر يرجع مصر على طول، ووصل القطائع في جمادي الآخرة سنة 270 هجرية / فبراير سنة 884 ميلادية. المصريين لما عرفوا إنه مريض، الدنيا اتقلبت، رجالة وستات وأطفال وشيوخ، مسلمين ومسيحيين ويهود، لجأوا للجوامع والكنائس والمعابد، وخرجوا للميدان اللي جنب قصره، يدعوا له بأعلى صوتهم، لدرجة إن صوتهم وصل لودانه وهو على فراش المرض. كانت مشاعر حب المصريين ليه فوق الوصف.
رغم المرض، "أحمد بن طولون" ماستسلمش، وكان متابع كل كبيرة وصغيرة في إمبراطوريته. لما سمع إن "إسحاق بن كنداج" - اللي كان "الموفق" عاوز يحطه مكان "ابن طولون" على مصر - و"ابن أبي الساج" طمعوا في أملاكه، كتب لقواد جيشه في الشام يطلب منهم يتوحدوا عشان يواجهوا أي خطر. وبالفعل بعت جيش بقيادة صديقه ونسيبه "محمد بن خاقان" و"يلبق"، وقام من سريره وراح قعد في منية الأصبغ (اللي هي قريب منطقة الدمرداش دلوقتي) لمدة ست شهور لحد ما وصله خبر إن الخطر انتهى.
في آخر أيامه، اجتمع قواد جيشه وأعوانه يقنعوه إنه يشيل ابنه "العباس" من ولاية العهد، عشان "العباس" كان محبوس عنده بسبب تمرده، وماكانش محبوب وسط القادة، ده غير معاملتهم ليه السيئة في سجنه، فخافوا يطلع ياخد العرش وينتقم منهم. اقترحوا عليه يعين ابنه "خمارويه"، اللي كانوا بيحبوه وبيثقوا فيه. وبالفعل وافق "أحمد بن طولون"، وبكده كانت دي آخر قراراته الكبيرة قبل وفاته.
في ليلة حزينة من ذي القعدة سنة 270 هجرية / يوليو 884 ميلادية، "أحمد بن طولون" بيفارق الحياة عن عمر 49 سنة، بعد ما حكم مصر 16 سنة كاملة. يوم وفاته كان من أصعب الأيام اللي مرت على المصريين، بكوه بحسرة، وكان عندهم إحساس إن الأيام الجاية هتكون سودا من غيره. بعد ما مات، قواد جيشه دخلوا على "العباس" في السجن، وقالوا له إن أبوه توفى، وإن أخوه "خمارويه" بقى الحاكم. "العباس" رفض يعترف بأخوه كحاكم، لكن القادة أصروا، و"الواسطي" اللي كان مبينهم ما صنع الحداد - راجع الجزء ال 12 - قاله إن "خمارويه" هو الأمير الجديد غصب عنه، وإنه لازم يسمع الكلام.
الضغوط على "خمارويه" كانت كبيرة، وقرر إنه يخلص من "العباس" نهائيا عشان يضمن استقرار الدولة، وطلع أمر بقتل أخوه "العباس" في سجنه. رغم إن الأمور كانت مستقرة قبل قتل العباس، لكن القرار ده كان نوع من الاحتياط للحفاظ على السلام في البلاد. وبكدة أبتدى عهد "خمارويه" بقتل الأخ لأخوه.
وهنا تنتهي حكاية "أحمد بن طولون"، الراجل اللي كتب فصل جديد في تاريخ مصر، وخلى مصرلأول مرة تحس بالاستقلال. على قد ما كانت أيامه مليانة شغل وتحديات، على قد ما مصر في عهده بقت قوية وغنية. وحتى بعد وفاته، فضل اسمه محفور في قلوب المصريين، اللي مانسوش أبدا إنه كان واحد منهم، وبيحلم معاهم بمصر عظيمة ومستقلة.
(تمت بحمد الله)
مروة طلعت
22/12/2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/15S5pbGhCy/
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/19YH9rSbEb/
الجزء التالت
https://www.facebook.com/share/p/1G6MQJ8jPA/
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/19fGndQh69/
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/1Ax7r7wwx1/
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/13yWSkeVUZ/
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/1E6qCSabMT/
الجزء التامن
https://www.facebook.com/share/p/1QLRXzSG7g/
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/1BTtT4WQJk/
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/1B45f1rFHr/
الجزء الحادي عشر
https://www.facebook.com/share/p/18GLuvDrf5/
الجزء الثاني عشر
https://www.facebook.com/share/p/15Fxh2G6mK/
الجزء الثالث عشر
https://www.facebook.com/share/p/15mvpXW2DJ/
الجزء الرابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/1D51eMwEog/
الجزء الخامس عشر
https://www.facebook.com/share/p/1H3GCr6Qdh/
الجزء السادس عشر
https://www.facebook.com/share/p/15NBTe9NkK/
الجزء السابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/1E2ZFAm44D/
الجزء الثامن عشر
https://www.facebook.com/share/p/15rYzBNiG2/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#أحمد_بن_طولون
#القطائع
#السيرة_الطولونية
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج2 ـ إبن تغري بردي.
الخطط المقريزية ج2 - المقريزي.
سير أعلام النبلاء الطبقة 15 - الامام الذهبي.
الطولونيون دراسة لمصر الاسلامية في نهاية القرن التاسع الميلادي - دكتور ذكي محمد حسن.
أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية - دكتور عبد العزيز سالم.
تاريخ مصر في عهد أحمد بن طولون - محمد كرد علي.
سيرة أحمد بن طولون - أبو محمد عبد الله محمد المديني البلوي.
أحمد بن طولون - دكتورة سيدة إسماعيل كاشف.
البداية والنهاية ج14 - ابن كثير.
مروج الدهب ومعادن الجوهر ج4 - المسعودي.
تاريخ الطبري ج9 - الامام الطبري.
تعليقات
إرسال تعليق