أحمد بن طولون 8

(8) "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" صدق الله العظيم، معنى الآية الكريمة دي بتقابلنا كتير في أحداث حياتنا، لما بتيجي عقبة ونحس أنها كارثة وشدة، لكنها في الحقيقة رحمة، وكتير بيجي وراها الخلاص، ساعتها بنفهم حكمة ربنا ونحمده ونردد الآية، وده حصل برده مع "أحمد بن طولون". 

أحنا عرفنا من الأجزاء اللي فاتت أن "باكباك"، واحد من قادة الجيش الترك في سامرا عاصمة الدولة العباسية، جاتله ولاية مصر، ولأسباب شرحناها برده في الأجزاء اللي فاتت، بعت "أحمد بن طولون" نائب عنه لمصر، عشان "باكباك" يبقى جوز أم "أحمد بن طولون". لما تولى الخليفة العباسي "محمد المهتدي بالله" كان واخد قرار في بداية حكمه أنه يعدل المايل، ويتخلص من قبضة القادة والجند الترك على الخلافة، لكن - زي ما حكينا الجزء اللي فات - جت ثورة الزنج قضت على خططه دي كلها لصالح الأتراك. من ضمن الحاجات اللي لحق يعملها الخليفة "المهتدي" أنه كان أبتدا يصفى القادة المتحكمين بشكل كبير، واللي من بينهم كان "باكباك" والي مصر. أمر الخليفة "المهتدي" بضرب عنق "باكباك" ورما راسه لأتباعه في حركة ترهيب. طبعا الأخبار كده بتقول أن نيابة "أحمد بن طولون" على مصر خلاص أنتهت. لكن في نفس اليوم اللي وصلت فيه رسالة ل"أحمد بن طولون" بالخبر المشئوم ده، وصلته رسالة تانية رجعتله روحه مرة تانية.

الخليفة "المهتدي" بعد ما خلص من "باكباك"، قرر يعين قائد تركي تاني علي "مصر" بس كان واحد من أتنين مشتركوش مع باقي الترك في الهجوم على الخلفاء، مش خطير زي "باكباك"، وهو "يارجوخ"، اللي يبقى حما "أحمد بن طولون" أساسا، وفي مرتبة عمه لأنه كان البيست فريند لأبوه "طولون". وأن كان جوز أمه أرادله الخير قيراط، فحماه هيريد لبنته الخير 24، وبالتالي فضل "أحمد بن طولون" في مكانه كنائب لوالي مصر، بس المرة دي نيابة عن "يارجوخ"، ومكتفاش "يارجوخ" أنه يسيب "أحمد بن طولون" في مصر كنائب وبس، ده أداله السلطان والتصرف الكامل عليها من غير حتى ما يرجعله في أي شئ.

قال "المقريزي" في كتابه الخطط المقريزية: (وأتفق موت المعتز في رجب سنة خمس وخمسين وقيام المهتدي بالله محمد بن الواثق وقتل باكباك ورد جميع ما كان بيده الى ماجور - ده أسم تاني ليارجوخ - التركي حمو ابن طولون فكتب اليه: تسلم من نفسك لنفسك، وزاده الأعمال الخارجية عن قصبة مصر، وكتب الىاسحق بن دينار وهو يتقلد الاسكندرية أن يسلمها لأحمد بن طولون، فعظمت بذلك منزلته).

ساعتها قدر "أحمد بن طولون" يعزل "أحمد بن المدبر" من منصبه وعين بداله على الخراج "محمد بن هلال" اللي كان خاضع ل"ابن طولون". لكن "محمد بن هلال" كان حظه وحش، مقعدش كتير في منصبه، عشان لما اتقتل الخليفة "المهتدي بالله" على ايد الاتراك، جابوا مكانه الخليفة "المعتمد على الله" وده كان عنده أسهم "ابراهيم بن المدبر" عالية، فأضطر "أحمد بن طولون" يرجع تاني "أحمد بن المدبر" لمنصبه.

  يقف بقى النكد والصراع لحد كده عشان الراجل يفضى بقى لتحقيق حلمه، لا طبعا هي بالساهل كده، لازم يطلع في كل خرابة عفريت. في الوقت اللي كان فيه "أحمد بن طولون" بيحاول يثبت أركان حكمه، مصر العليا (الصعيد) ما كانتش هادية خالص. ظهرت اضطرابات وفتن على يد مجموعة من العلويين، وكان أخطرهم "ابن الصوفي" و"العمري".

خلينا نحكي الأول عن "ابن الصوفي"، اللي كان من نسل "الإمام علي" وبالتحديد من نسل "محمد بن الحنفية" وده أخ غير شقيق لسيدنا "الحسن والحسين". القصة بدأت سنة 253 هجرية / 867 ميلادية، لما قرر "ابن الصوفي" يثور في الصعيد واستولى على إقليم إسنا. وده كان أول اختبار حقيقي ل"أحمد بن طولون" في مصر. السنة اللي بعدها، دخل "ابن الصوفي" المدينة نفسها واستباحها هو وأنصاره بشكل وحشي، لدرجة إن عدد كبير من سكانها اتقتلوا.

"ابن طولون" أكيد مش هيعدي الموضوع ده، فبعت جيش بقيادة قائد اسمه "ازداد" عشان يواجهه. لكن الأمور ما مشيتش زي ما كان متوقع، "ابن الصوفي" هزم الجيش ده وقتل "ازداد"، والأسوأ إنه مثل بجثته كمان.

"ابن طولون" ما استسلمش، وقرر يبعث جيش أقوى بقيادة القائد "بهم بن الحسين". "بهم" ما خيبش أمل "ابن طولون"، وقدر يهزم "ابن الصوفي" في معركة كبيرة قريبة من أخميم. بعد الهزيمة "ابن الصوفي" اضطر يهرب واعتصم بواحدة من الواحات في الصحراء الغربية، وهناك فضل متخفي حوالي أربع سنين.

الفتنة دي كانت من أخطر التحديات اللي واجهها ابن طولون، لكنها في نفس الوقت أثبتت إنه قائد ما بيتهزش بسهولة، وبيعرف يتعامل مع أعداءه بحسم وذكاء. ورغم الفوضى اللي حصلت، ابن طولون فضل مسيطر، وده كان جزء من السبب اللي خلاه واحد من أهم حكام مصر في التاريخ.

في سنة 255 هجرية / 869 ميلادية، قامت ثورة "بغا الأصغر". "بغا الأصغر"، أسمه الكامل "أحمد بن محمد بن عبد الله بن طبا طبا"، ده كان واحد من قادة العراق العلويين، وطبيعي وقع في مشاكل مع الخليفة هناك واتنفى، فقرر يشوف لنفسه فرصة جديدة في مصر. نزل مع شوية أنصار بين برقة - منطقة في شرق ليبيا كانت تابعة لمصر وقتها - والإسكندرية، في مكان كانوا بيسموه (الكنائس). بعد كده، اتحرك هو وأعوانه على الصعيد، وقرر يعمل لنفسه نفوذ هناك بعيد عن عين "ابن طولون".

طبعا "ابن طولون" ما سكتش، أول ما عرف باللي بيحصل، جمع جيشه وبعت حملة عسكرية للصعيد بقيادة "بهم بن الحسين" برده اللي قضى على "ابن الصوفي". الجيش ده واجه "بغا" وأتباعه وهزمهم هزيمة ساحقة. النهاية كانت دموية جدا، الجيش رجع براس "بغا" نفسه، ووداه الفسطاط كدليل على إنهاء التمرد.

الثورة دي قدر "أحمد بن طولون" يثبت فيها قوته وحسن إدارته للأزمات. لكن في نفس الوقت، كانت رسالة واضحة إن حكم مصر مش هيكون سهل وإن الأعداء حوالين "ابن طولون" من كل ناحية، سواء كانوا داخليين أو خارجيين.

 "أحمد بن طولون" كان ماسك حكم مصر، وعايش في وسط صراعات كتير حوالين النفوذ والسيطرة. في نفس الوقت مات "أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني" والي فلسطين والأردن، وساب وراه إبنه اللي استولى على الحكم هناك. "ابن الشيخ الشيباني" مش بس تمرد على الخليفة، ده كمان استولى على 750 ألف دينار كانوا رايحين من مصر للعراق.

الخليفة "المهتدي" قرر يكلف "أحمد بن طولون" بمهمة صعبة، إنه يخضع "ابن الشيخ" المتمرد.. الموضوع كان مهم جدا بالنسبة ل"ابن طولون"، مش عشان الخليفة بس، لكن كمان لأن "ابن الشيخ" كان منافس خطر وطمعان إنه يستولي على مصر. "ابن طولون" ما ضيعش وقت، بدأ يجهز جيش قوي وأستأذن الخليفة أنه يشتري العبيد من كل حتة من الترك والسودان والحبشة وحتى من سكان جزر البحر المتوسط، يجهز بيهم جيش يطلع يخضع "ابن الشيخ".

الموضوع ما وقفش عند كده، "ابن الشيخ" رفض يعترف بالخليفة الجديد "المعتمد على الله"، حتى لما عرض عليه إنه يمسك ولاية أرمينية لو ساب الشام، لكنه رفض لأنه كان عاوز أكتر. هدفه كان يجمع بين الشام ومصر وأرمينية ويعمل دولة خاصة بيه.

"المعتمد" بعت لابن طولون وقال له جهز نفسك للحرب واصرف اللي تحتاجه من فلوس مصر. وبعت رسالة تانية ل"ابن المدبر" وقاله فيها سيب خزاين البلد مفتوحة ل"ابن طولون" ياخد ويصرف لتجهيز الجيش زي ما يحب."ابن طولون "عمل كل اللي يقدر عليه، وبقي يشتري المماليك العبيد من السودان والروم، وجهز جيشه وسلاحه، ومبخلش وبحبح على الآخر في تجهيز الجيش. وبعد ما كمل جيشه علة أكمل وجه، بعت "ابن طولون" رسالة تحذيرية ل"ابن الشيخ" يقوله فيها خليك عاقل وأخضع للخليفة ورجع الفلوس اللي سرقتها، لكن "ابن الشيخ" ركبه العند وما ردش عليه.

"أحمد بن طولون" سافر بجيشه لفلسطين، وساب مكانه على مصر أخوه شقيقه "موسى بن طولون"، لكنه كان حريص برده يتجنب الحرب، لشئ في نفس يعقوب هنفهمه بعدين. وقرر يبعت ل"ابن الشيخ" رسالة تانية، وبرده "ابن الشيخ" ما استجابش. ساعتها "ابن طولون" استعد عشان يهاجم. فجأة جاتله أوامر من الخليفة "المعتمد" إنه يرجع مصر ويسيب أمر "ابن الشيخ" ل"أماجور" اللي كان ماسك الشام.

دلوقتي السؤال، ليه الخليفة "المعتمد" وقف "ابن طولون"؟ هل كان خايف إنه يستولي على الشام ويضمها لمصر؟ ولا كان عاوز يبعد "أماجور" عن الساحة ويخلص منه فبضحي بيه قصاد خصم ثائر خطر زي "ابن الشيخ"؟.

المهم إن "أحمد بن طولون" رجع مصر والابتسامه ماليه وشه، عشان حقق اللي كان في نفسه، وراجع وهو معاه جيشه سليم كامل وقوي جدااااا، وده كان سر قوة حكمه وحكم ابنه "خمارويه" كمان من بعده. ولما رجع "أبن طولون" من فلسطين بدأ يجهز مقر جديد للحكم.

(يتبع)
مروة طلعت 
2/12/2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/15S5pbGhCy/
الجزء الثاني 
https://www.facebook.com/share/p/19YH9rSbEb/
الجزء التالت
https://www.facebook.com/share/p/1G6MQJ8jPA/
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/19fGndQh69/
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/1Ax7r7wwx1/
الجزء السادس 
https://www.facebook.com/share/p/13yWSkeVUZ/
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/1E6qCSabMT/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#أحمد_بن_طولون
#القطائع
#السيرة_الطولونية
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج2 ـ إبن تغري بردي.
الخطط المقريزية ج2 - المقريزي.
سير أعلام النبلاء الطبقة 15 - الامام الذهبي.
الطولونيون دراسة لمصر الاسلامية في نهاية القرن التاسع الميلادي - دكتور ذكي محمد حسن.
أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية - دكتور عبد العزيز سالم.
تاريخ مصر في عهد أحمد بن طولون - محمد كرد علي.
سيرة أحمد بن طولون - أبو محمد عبد الله محمد المديني البلوي.
أحمد بن طولون - دكتورة سيدة إسماعيل كاشف.
البداية والنهاية ج14 - ابن كثير.
مروج الدهب ومعادن الجوهر ج4 - المسعودي.
تاريخ الطبري ج9 - الامام الطبري.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الليث بن سعد 5

"ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون" الجزء الأول

هل تعلم أن جدك الأكبر كان من آكلي لحوم البشر؟