أحمد بن طولون 7

(7) لما وصل "أحمد بن طولون" مصر سنة 254 هجرية / سبتمبر 868 ميلادية، كان شاب عنده 33 سنة، باعته الوالي "باكباك" نائب ليه على ولاية مصر، تابع للدولة العباسية. "أحمد بن طولون" وقتها مكنش شخصية بارزة أو صاحب سلطة، كانوا القادة الترك والخلافة بصينله على أنه مجرد ضل أو سد خانة، مكنش مؤثر في الأحداث ولا بيتدخل في حاجة، عشان كده كان أمان بالنسبة ل"باكباك" وللخليفة مفيش خوف منه، مطرح ما بنحطه بيتحط عادي. ده غير أنه كان إنسان بسيط، ووضعه المالي على قده. فلما دخل مصر والناس شافته، عرفوا من لبسه ومن تواضع قافلته، أنه على الله حكايته، والمصريين في الوقت ده كانوا بيحتقروا أصلا الغريب من كتر المرار اللي داقوه على ايديهم، فما بالك بغريب وفقير ومعندوش نفوذ.

حال ومظهر "أحمد بن طولون" هو اللي شجع "أحمد بن المدبر" أنه يشتريه بالألف دينار، وأطعم الفم تستحى العين، فيفضل واخده تحت جناحه وكاسر عينه، ويقدر يتجبر زي ما هو من غير ما يسأله أنت بتعمل ايه - راجع الجزء السادس - ولنفس السبب برده رفض "أحمد بن طولون" فلوسه، هو صحيح على قد حاله ومش مؤثر ومعندوش نفوذ، بس هو كان داخل مصر ومقرر أنه يعمل كل ده فيها.

حكينا برده في الجزء اللي فات أن "أحمد بن المدبر" بعت رسالة لسامرا عاصمة الدولة العباسية، بيحذرهم فيها من "أحمد بن طولون" على مبدأ اللي متقدرش تشتريه متثقش فيه. بس "ابن المدبر" بعت الرسالة دي بعد ما شاف "أحمد بن طولون" قبل من "علي بن معبد البغدادي" 10 آلاف دينار، بعتهاله "بن معبد" اللي كان من كبار الأعيان في مصر. فقال "بن المدبر" أه ده جايلي أنا بقى، فخاف منه فبعت الرسالة للخليفة. وبعد رسالة "ابن المدبر" بعت "شقير" - راجع الجزء السادس - رسالة تانية ل"قبيحة" أم الخليفة "المعتز بالله" يحذرها ويقولها أن "ابن طولون" ناوي يستقل بمصر. وأشتغلت الرسايل والمكايد، لكن "ابن طولون" كان له علاقات طيبة ببعض أقطاب الحكم في سامرا، ده غير أن الكل عاش وعاشر وشاف "ابن طولون" المهاود المستكين اللي مبيخرجش من بقه العيبة، فكان ده أخر راجل حد يصدق أنه ممكن يعمل كده، فمحدش أدى رسايل "ابن المدبر" و "شقير" أي اهتمام.

"أحمد بن طولون" برده كان ليه حليف مهم في سامرا، وهو "حسن بن مخلد" واحد من قادة الترك الكبار، واللي كان ما بينهم علاقات طيبة وودية، وزيادة عليها كان "أحمد بن طولون" بيبعتله هدايا من مصر، فكان "حسن بن مخلد" أكبر عون ل "احمد بن طولون" وعينه في سامرا، فمكتفاش "بن المخلد" بأنه يقوله على دسائس ومكايد "ابن المدبر" وشقير" وبس، لا ده كان بيبعتله أصلا رسايلهم اللي بتوصلهم سامرا.

في سنة 255 هجرية / 869 ميلادية، لما أعتزل وأتقتل الخليفة "المعتز بالله"، شم "ابن طولون" نفسه شوية، عشان خلص من "قبيحة" أم "المعتز"، وبالتالي خلص من "شقير" تابعها، واحد من الاتنين اللي كاتمين على نفسه. وراح باعت الحراس قبضوا على "شقير"، وعرض عليه رسايله اللي بعتها لسامرا، اللي كلها تحريض ودسيسة. وأمر "أحمد بن طولون" الحراس، يضربوا "شقير"، والحراس مصدقوا وقاموا بالواجب وزيادة، وفي الآخر رجعوه بيته عشان يموت فيه.

بالنسبة ل"أحمد بن المدبر" مكنش يقدر "أحمد بن طولون" يعمل فيه كده، عشان اللي ليه ضهر مبيضربش على بطنه، و"ابن المدبر" كان ليه أنصاره وأعوانه في العراق، ده غير أخوه "ابراهيم بن المدبر" اللي كان قريب من بلاط الخليفة في سامرا. يعني وقت "ابن المدبر" لسه مجاش.

في نفس السنة وبعد تولي الخليفة "محمد المهتدي بالله" الخلافة، قامت ثورة الزنج ضد الدولة العباسية. وصف العلماء المعاصرون ثورة الزنج بأنها واحدة من أكثر الثورات دموية وأكترهم تدمير.

في جنوب العراق، بالتحديد جنب البصرة، اندلعت واحدة من أخطر الثورات في التاريخ الإسلامي، واللي خلت العباسيين يواجهوا تحدي كبير جدا هدد الخلافة نفسها. الحكاية بدأت في شوال سنة 255 هجرية / سبتمبر 869 ميلادية، لما واحد اسمه "علي بن محمد" ظهر على الساحة وادعى إنه من أهل البيت حفيد سيدنا "الحسين" - معظم المؤرخين قالوا أنه من الخوارج ومفيش بينه وبين سيدنا "الحسين" أي صلة نسب أو قرابة - وبدأ يستغل حالة الفوضى اللي كانت ضاربة العراق وقتها.

البصرة كانت مليانة عبيد زنوج - جايبينهم من شرق أفريقيا - شغالين في الأراضي السبخة، بيحاولوا يستصلحوها تحت ظروف معيشية في منتهى السوء. تخيل ناس طول اليوم في الوحل وتعب، ومع ذلك بياخدوا أقل حاجة تكفيهم يأكلوا ويعيشوا. وكان العبد مبيربطش بينه وبين سيده أي شعور بالولاء، بالعكس كان العبيد الزنوج بيكرهوا أسيادهم العرب جدا (حياة الماعز حرفيا) فوق ده كله كانت المدينة نفسها بتشهد صراعات بين قبائل زي البلالية والسعدية، يعني الوضع أصلا ملتهب، والفتنة جاهزة تنفجر في أي لحظة.

"علي بن محمد" شاف إن الجو مناسب عشان يشعل نار الثورة. بدأ يجمع العبيد حواليه ويقنعهم إنه جاي ينقذهم من الظلم اللي عايشينه. خطب خطب حماسية ولعب على مشاعرهم، لحد ما قدر يجند آلاف منهم - حاجة كده ألعن من ثورة عبيد سبارتكوس - وبدأوا يعملوا هجمات على المدن القريبة.

وقت الثورة دي كانت الدولة العباسية في حالة يرثى لها بسبب فوضى سامرا بين القادة الجند والخلافة، اللي عملت مشاكل سياسية كبيرة وأثرت على استقرار الدولة. الخليفة "المهتدي بالله" كان عنده خطة إنه يصلح الخلافة، لكن الثورة دي جاتله زي الكابوس وخربت كل حاجة كان بيحاول يعمله.

"علي بن محمد" مع جيشه من العبيد الزنوج، قاموا بحروب كثيرة ضد الدولة العباسية، وغزوا بالفعل بلاد اسلامية حوالين البصرة. ولما جم عند اقليم الأهواز - شرق البصرة - سجنوا "ابراهيم بن المدبر" عامل الخراج اللي فيها، وبعدها بفترة قدر يهرب. 

ثورة الزنج دي استمرت 14 سنة وكانت أقل وصف ليها أنها مرعبة، لدرجة إنها ما اتقمعتش بسهولة، وأثرت بشكل ضخم على تاريخ الدولة العباسية. "علي بن محمد" استغل حالة غضب العبيد والفوضى السياسية، وفعلا كان قريب إنه يعمل دولة مستقلة، لكن في الآخر العباسيين قدروا يسيطروا، لكن بعد ما دفعوا تمن دموي فادح.

ثورة الزنج دي جت ل"أحمد بن طولون" زي الهدية على صينية من دهب، فرصة عظيمة مقشرة ومستنية اللي يستغلها. أولا الخليفة والترك مشغولين، ثانيا "ابراهيم بن المدبر" أخو "أحمد بن المدبر" أتأسر، ثالثا أعوان وحلفاء "ابن المدبر" في العراق ما بين محارب يا جريح يا قتيل، ومحدش فاضي لحد. "أحمد بن طولون" سمع الأخبار الحلوة بالنسبة له دي، وابتسم ولف ل "أحمد بن المدبر" وقاله تعالالي، أنت وقعت ولا الهوا راماك. 

"أحمد بن طولون" أمر بحبس "أحمد بن المدبر" وصادر كل ثروته، وبعد فترة من الزمن خرج من السجن معدم تماما، بعد ما كان أغنى الأغنياء، من النهب وسلب مال الغلابة. بقى فقير لدرجة إنه اضطر يكتب الشعر عشان يعيش. وفي النهاية مات وهو في حالة بؤس شديدة، بعيد جدا عن أيام العز اللي كان عايشها.

ومن هنا كانت بداية صعود "أحمد بن طولون" وزيادة نفوذه، وبداية خطواته الجدية في خطة الاستقال.
(يتبع)
مروة طلعت 
29/11/2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/15S5pbGhCy/
الجزء الثاني 
https://www.facebook.com/share/p/19YH9rSbEb/
الجزء التالت
https://www.facebook.com/share/p/1G6MQJ8jPA/
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/19fGndQh69/
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/1Ax7r7wwx1/
الجزء السادس 
https://www.facebook.com/share/p/13yWSkeVUZ/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#أحمد_بن_طولون
#القطائع
#السيرة_الطولونية
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج2 ـ إبن تغري بردي.
الخطط المقريزية ج2 - المقريزي.
سير أعلام النبلاء الطبقة 15 - الامام الذهبي.
الطولونيون دراسة لمصر الاسلامية في نهاية القرن التاسع الميلادي - دكتور ذكي محمد حسن.
أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية - دكتور عبد العزيز سالم.
تاريخ مصر في عهد أحمد بن طولون - محمد كرد علي.
سيرة أحمد بن طولون - أبو محمد عبد الله محمد المديني البلوي.
أحمد بن طولون - دكتورة سيدة إسماعيل كاشف.
البداية والنهاية ج14 - ابن كثير.
مروج الدهب ومعادن الجوهر ج4 - المسعودي.
تاريخ الطبري ج9 - الامام الطبري.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد

الليث بن سعد 6