أحمد بن طولون 3
(3) "أحمد بن طولون"، الراجل اللي ساب بصمته في تاريخ مصر، حياته كانت مليانة مغامرات وحروب حتى قبل ما يمسك زمام الحكم في مصر. قبل ما يشيل لقب مؤسس الدولة الطولونية، كان ليه محطة مهمة جدا في طرسوس - زي ما حكينا في الجزء التاني - المدينة الحدودية اللي كانت بتشهد مواجهات مستمرة بين العباسيين والروم (البيزنطيين).
طرسوس وقتها كانت خط النار، نقطة انطلاق لحروب كتير ضد الروم اللي كانوا بيحاولوا يسترجعوا نفوذهم على المناطق الحدودية. "أحمد بن طولون" ماكنش مجرد متفرج هناك، لكنه شارك بنفسه في الغزوات اللي كانت بتطلع من المدينة، زي الصوائف والشواتي، وهي الحملات الصيفية والشتوية اللي كانت بتستهدف قلاع وحصون الروم. التجربة دي ماكانتش مجرد تدريب على القتال، لكنها كانت مدرسة عسكرية حقيقية. "أحمد بن طولون" هناك صقل مهاراته كقائد عسكري، إتعلم إزاي يدافع عن الحدود وإزاي يقود جيوش في معارك صعبة ضد عدو قوي زي البيزنطيين. كل ده جهزه للمرحلة المستقبلية الأكبر في حياته.
"أحمد بن طولون" سافر لطرسوس مع صاحبه "محمد بن يحيي بن خاقان"، وقعدوا فيها سوا، يدرسوا الفقة والحديق على ايد علماء طرسوس، وفي نفس الوقت بيشتغلوا في أمور الحكم وخاضوا مع بعض الحروب ضد الروم. وفي سنة 248 هجرية / 861 ميلادية، بيرجع "محمد بن يحيى بن خاقان" لسامرا عاصمة الخلافة العباسية. لما عرفت "قاسم" أم "أحمد بن طولون" برجوع "بن خاقان" لوحده من طرسوس، بعد فترة طويلة من أنقطاع أخبار أبنها عنها بسبب أنشغاله في الحروب. ترجمت علي طول رجوع "بن خاقان" لوحده في عقلها أنه راجع يبلغها بأستشهاد أبنها، فصرخت وقالت أبني مات. وجريت علي بيت "بن خاقان" وهي منهارة عياط، والراجل يهدي فيها ويقولها أن "أحمد" بخير وسالم، وهي برده مش مصدقاه، يهديكي ايه يرضيكي ياستي، قالتله لو هو بخير أرجع وجيبهولي معاك.
"قاسم" كانت في مقام أم "بن خاقان" برده، طبيعي ما هي أم صاحبه وكلهم ترك زي بعض، عشان كده كان رجاءها بالنسبة له واجب النفاذ. خد "بن خاقان" بعضه ولم عبايته اللي كانت لسه منضفتش من تراب السكة وهو جاي، وقام لف ورجع تاني على طرسوس.
قال "محمد بن يحيى بن خاقان": "ثم عدت إلى طرسوس فأخبرته بما رأيت من أمه وقلت له: إن كنت أردت بمقامك في هذه البلاد وجه الله وتدع أمك كذلك فقد أخطأت. فوعدني بالخروج من طرسوس".
في يوم 25 من ربيع الأول 248هـجرية / 30 مايو 862 ميلادي، توفى أمير المؤمنين الخليفة العباسي "محمد المنتصر بالله بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد" مسموم على ايد القادة الترك نفسهم اللي أتأمروا معاه على قتل أبوه الخليفة "المتوكل على الله". وفي نفس يوم وفاته بايعوا عمه، أخو "المتوكل على الله"، الخليفة "أبو العباس أحمد المستعين بالله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد" والمعروف بأسم "المستعين بالله" واللي كان عنده 31 سنة.
صادف طلب "قاسم" برجوع أبنها "أحمد بن طولون"، مبايعة الخليفة "المستعين بالله". ف"أحمد بن طولون" قال يضرب عصفورين بحجر واحد، يرجع سامرا ويبر أمه، وفي نفس الوقت يروح يبايع الخليفة "المستعين بالله". حضر "أحمد بن طولون" حاله وجهز قافلة راجعة معاهم بهدايا ثمينة باعتها ملك الروم للخليفة "المستعين بالله" هدية لأستلامه الخلافة - شغل دبلوماسي بين الطرفين - وكانت القافلة اللي راجعة معاه فيها 500 رجل.
لما وصلت القافلة لمدينة الرها - مدينة بين الموصل والشام - بلغ مسامع "أحمد بن طولون" أن فيه قطاع طرق خطيرين بعد مدينة الرها، والأسلم أنهم يدخلواحصن الرها حفاظا على هدايا الخليفة الثمينة اللي معاهم، لحد ما قطاع الطريق يمشوا. قال "أحمد بن طولون" بحدة: "لا يراني الله فأرا وقد خرجت على نية الجهاد". يعني راجل خرج من القصور والخدور بكامل ارادته واختار يقعد في مدينة على خط النار بينهم وبين الروم، ودخل حروب كتيرة شال فيها روحه على كفه، هيخاف من شوية قطاع طرق.
وكملت القافلة في طريقها عادي جدا، وفعلا طلع عليهم قطاع الطرق، ودي كانت أخر طلعة يطلعوها في حياتهم. "أحمد بن طولون" مكتفاش بحماية القافلة والهدايا الثمينة اللي فيها وبس، ده كمان استرد من قطاع الطرق كل اللي نهبوه وسلبوه من القوافل اللي عدت قبلهم. وسلسل اللي فضل عايش من قطاع الطرق، وسحبهم وراه على سامرا.
أخبار البطولة اللي عملها "أحمد بن طولون" في سكته مع قطاع الطرق، طارت وسبقتهم على سامرا، وعرف بيها الخليفة "المستعين بالله"، وأنبهر بقوة وكفاءة وشجاعة "أحمد بن طولون". ولما وصلت القافلة، أول حاجة عملها "أحمد بن طولون" أنه ساب كل حاجة، وراح لبيت أمه، ويطمنها عليه، ويسلم على زوجته وابنه، وبعت الهدايا مع خادم يوصلها للخليفة. فلما شاف الخليفة الهدايا عجبته جدا، فقال الخادم للخليفة: "لولا ابن طولون ما سلمت ولا سلمنا". فبعت الخليفة "المستعين بالله" ألف دينار ل"أحمد بن طولون" مع الخادم يوصلهاله في السر، عشان كان خايف من سطوة القادة الترك وممكن يفهموا من عطيته دي نوايا خبيثة، أنه بيكون بيتأمر عليهم مثلا، وهيسلط "ابن طولون" عليهم ما هي الدنيا مش صافية والأمور ملبشة، ففي السر أحسن وأضمن. وقال الخليفة "المستعين بالله" للخادم: "عرفه أني أحبه ولولا خوفي عليه قربته". وبعتله كمان مع الألف دينار جارية هدية أسمها "مياس" ودي اللي خلف منها "أحمد بن طولون" أبنه "خماراويه" سنة 250 هجرية، خلفة الشوم والندامة، لو عاوز تعرف ليه هسيبلك لينك قصة خماراوية في الكومنتات.
الخليفة "المستعين بالله" كان فعلا بيحب "أحمد بن طولون"جدًا لعدة أسباب، منها الشخصي ومنها العملي. "أحمد بن طولون" كان قائد استثنائي عنده كاريزما وحضور قوي، وده كان بيلفت نظر أي حد. كمان شخصيته كانت بتجمع بين الطموح، الذكاء، والالتزام، وده خلاه دايما في نظر الخليفة "المستعين بالله" شخص يعتمد عليه. "أحمد بن طولون" كان بيعرف يتصرف بحكمة وده ظهر من أول ما بدأ خدمته في الدولة. مش بس كان قائد قوي، لكنه كان عنده رؤية في كيفية التعامل مع الأمور السياسية المعقدة، ده غير أنه كان عنده سمعة إنه شخص ملتزم ومخلص في شغله، وده أكيد خلا الخليفة يحبه أكتر ويثق فيه، ويتوسم فيه أنه هيساعده في الحفاظ على استقرار الدولة وتحقيق نجاحات.
وعلى الرغم من كده كان الخليفة "المستعين بالله" حريص أشد الحرص، على عدم لفت نظر اللي حواليه أنه متحمس ل"أحمد بن طولون" بأي شكل من الأشكال، لدرجة أن لما كان بيدخل عليه "أحمد بن طولون" المجلس، كان مبيبصلوش نهائي، ويومأله براسه بأشارة خفيفة وسريعة كده في لحظة غفلة من اللي موجودين، دي أيه العيشة المكهربة دي.
الخليفة "المستعين بالله" للأسف كانت سلطته ضعيفة جدا قدام نفوذ القادة العسكريين اللي هما اللي كانوا بيسيطروا على الأمور فعليا. في الوقت ده، كان فيه صراع كبير بين القادة الأتراك اللي ماسكين زمام الأمور في الدولة العباسية. واحد من القادة دول كان اسمه "موسيح بن بغا"، وده كان بيدعم الخليفة "المستعين بالله"، لكن على الناحية التانية كان فيه قائد أقوى وأخطر اسمه "صالح بن وصيف"، وده كان شايف إن "المستعين" مش مناسب للخلافة. الأمور بين القادة العسكريين اتطورت بسرعة، و"صالح بن وصيف" قرر إنه يخلع "المستعين بالله" ويجيب مكانه واحد تاني. الخليفة "المستعين بالله" اضطر إنه يتنازل عن الحكم سنة 251 هـجرية / 865 ميلادية، لصالح ابن أخوه "المعتز بالله بن المتوكل"، بعد ما لقى نفسه متحاصر وما عندوش أي خيار تاني.
لما اتخلع "المستعين بالله" القادة الترك بلغوه أنه مش بس مخلوع، ده أنت كمان منفي، هتسيب سامرا وتسافر واسط - في وسط العراق حاليا - بس أدوله خيار، أنه يختار حد يكون في صحبته هناك في واسط، كتر خيرهم والله. أختار "المستعين بالله" أن يكون معاه "أحمد بن طولون". الاختيار ده مقلقش القادة الترك، عشان كانوا عارفين "أحمد بن طولون" في الفترة اللي قضاها معاهم كان في حاله، راجل نضيف وبتاع ربنا، مفيش منه قلق. وفعلا سافر "المستعين بالله" مع "أحمد بن طولون" لواسط.
بعد ما سافر "المستعين بالله"، وكان المفروض يعيش في واسط بعيد عن السياسة، لكن الخليفة الجديد "المعتز بالله" والقادة الترك اللي حواليه كانوا خايفين إنه في يوم من الأيام يطالب بالخلافة تاني، فقرروا يخلصوا منه خالص. بعتت "قبيحة" أم الخليفة "العزيز بالله" - عشان اللي مكنش عاجبه أسم قاسم - رسالة ل"أحمد بن طولون" بتطلب منه يقتل "المستعين بالله" وله مكافأة كبيرة، رد "أحمد بن طولون" وقال: "لا رآني الله قتلت خليفة بايعت له أبدا".
وفي 3 شوال 252 هـجرية / 17 أكتوبر 866 ميلادية، وصل "سعيد" الحاجب لواسطة وقتل "المستعين بالله" في الحمام عشان يتخلصوا منه من غير صوت. ولما أكتشف "أحمد بن طولون" جريمة قتل "المستعين بالله"، أخده وغسله وكفنه ودفنه في واسطة، وبعدها رجع على سامرا. سمعاك بتسأل أدام "أحمد بن طولون" عارف نيتهم على قتل "المستعين بالله" ليه محذروش أو محاولش يحميه؟!
"أحمد بن طولون" كان في موقف حساس جدا وقت مقتل الخليفة "المستعين بالله". الخليفة الجديد "المعتز بالله" كان مدعوم من الجنود والقادة الأتراك وما أدراك ما هم، و"أحمد بن طولون" كان لسه في بدايات صعوده السياسي، ميقدرش يقف قصادهم، تدخله كان هيعرض حياته للخطر، خصوصا إنه كان لسه بيحاول يثبت مكانه في الحكم، والأتراك كانوا بيشكلوا القوة العسكرية الرئيسية في الخلافة، و"أحمد بن طولون" كان محتاج دعمهم عشان يثبت أقدامه، يعني أي تدخل منه كان هيخسره دعمهم أو حتى يعرضه للإطاحة.
وأهو ده اللي صار وأدي اللي كان.
(يتبع)
مروة طلعت
22/11/2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/15S5pbGhCy/
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/19YH9rSbEb/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#أحمد_بن_طولون
#القطائع
#السيرة_الطولونية
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج2 ـ إبن تغري بردي.
الخطط المقريزية ج2 - المقريزي.
الطولونيون دراسة لمصر الاسلامية في نهاية القرن التاسع الميلادي - دكتور ذكي محمد حسن.
أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية - دكتور عبد العزيز سالم.
تاريخ مصر في عهد أحمد بن طولون - محمد كرد علي.
سيرة أحمد بن طولون - أبو محمد عبد الله محمد المديني البلوي.
أحمد بن طولون - دكتورة سيدة إسماعيل كاشف.
البداية والنهاية ج14 - ابن كثير.
مروج الدهب ومعادن الجوهر ج4 - المسعودي.
تاريخ الطبري ج9 - الامام الطبري.
تعليقات
إرسال تعليق