الظاهر بيبرس البندقداري 26

(26) لو كنت عايش في زمن السلطان "الظاهر بيبرس"، كنت هتشوف بنفسك سلطان مش زي أي سلطان، قائد فاهم اللعبة وقادر يحكم بذكاء وشدة. بيبرس ما كانش مجرد محارب شجاع، لكنه كمان عرف يبني نظام حكم قوي يمسك الدولة المملوكية من كل أطرافها ويثبتها قدام العالم. في عهد السلطان "الظاهر بيبرس"، الدولة المملوكية أتغيرت وأتنظمت بقواعد جديدة، تخلي كل واحد في مكانه عارف اللي ليه واللي عليه. ياترى السلطان "الظاهر بيبرس" كان ممشي نظام الحكم والإدارة في مصر والشام إزاي؟!.

السلطان "الظاهر بيبرس" كان لسه متأثر بنظام الحكم الأيوبي في التشكيل الإداري، بمعني أن كان ل"بيبرس" وزير، وكان الوزير في عهده هو صديقه المخلص "بهاء الدين بن حنا"، واللي كان له مكانة كبيرة ومنزلة عالية ورتبة رفيعة وسط الأمراء وكبار رجال الدولة. كان السلطان "الظاهر بيبرس" بيستشير وزيره في أمور الدولة وكان الوزير بيخلص للسلطان النصيحة والإرشاد، فكان السلطان بيسمع رأي الوزير ويدور كلامه في عقله ويوزن مابين رأيه ورأي وزيره وفي الأخر بيشوف أي رأي فيهم أصلح وينفذه، وكان فعلا بيختار الرأي الأفضل حتى لو كان رأي وزيره، مش بيتكبر على اللي يفيد المصلحة العامة. وكان الوزير برده هو الواسطة ما بين السلطان والرعية في غياب السلطان، لكن الوزير مكنش بياخد كاملة سلطة السلطان في غيابه بيظل مكانه كوسيط، لأن في غياب السلطان كان بيحط مكانه نائب واللي كان الأمير "قلاوون الألفي". وعين السلطان "الظاهر بيبرس" وزير تاني مخصوص يبقى معاه في حروبه وسفرياته وسماه وزير الصحبة عشان يسيب الوزير الأساسي يباشر مهامه مع النائب في القاهرة. وكان الأمير "بيبرس الجاشنكير" هو زير صحبة السلطان "الظاهر بيبرس البندقداري".

نظام الوزارة ده فضل قائم بعد "بيبرس" في عهد "المنصور قلاوون" وابنه "الخليل بن قلاوون"، لكن في عهد "الناصر محمد بن قلاوون" لغى نظام الوزارة وخلى مكانه ناظر الدولة واختصاصاتها أقل من الوزير، وفضل نظام "محمد بن قلاوون" هو المتبع بعد كده في الدولة المملوكية، وده بسبب خوف السلاطين من قوة الوزراء وانقلابتهم المتوقعة، وده كان معناه أن "الظاهر بيبرس" كان من القوة أنه مخفش من حاجة زي كده ممكن تحصل.

من ضمن الوظائف المهمة في بلاط السلطان "الظاهر بيبرس"، كان "الحاجب" واللي كان الأمير "شمس الدين سنقر الأشقر" ماسك الوظيفة دي. الحاجب كان يعتبر مدير أعمال أو مدير مكتب السلطان، بينظم جدوله ولقاءاته وعلاقات السلطان مع الملوك والأمراء. ومش بس كده ده مسك كمان ملف المغول اللي سكنوا مصر ـ راجع الجزء ال 14 - يعني يفصل ما بينهم وده عن طريق أحكام قوانين المغول ذات نفسهم طبقا لكتاب القانون "ياسة" اللي كتبه "جنكيز خان"، واللي تمسك المغول بأحكامه في النزاعات ما بينهم حتى بعد دخولهم في الإسلام.

 وكان في وظائف في بلاط السلطان "الظاهر بيبرس"، أقل من رتبة الحاجب، زي "الإستادار" وده كان متولي إدارة البيوت السلطانية ومتابعة الخدم وأمور البيوت وطلباتهم. و "الدوادار" وده كانت مهمته يوصل للسلطان الرسايل اللي كانت بتوصله سواء من ملوك البلدان أو من الأمراء ورجال الدولة أو الشكاوي من الرعية،وكمان المنشورات الإدارية اللي لازم ياخد موافقة السلطان وتوقيعه عليها. و "الجاندار" وده مهمته يقف على باب السلطان ويستأذنه في دخول الضيوف أو الرسل أو كبار رجال الدولة والمشايخ والعلماء اللي بيستقبلهم السلطان في قصره. و"رأس نوبة الأمراء" اللي كان متولي رئاسة أمراء الدولة والفصل ما بينهم ومحاكمة المماليك السلطانية، يعني تقريبا زي رئيس المجلس العسكري. و"أمير المجلس" وده كانت مهمته خطيرة عشان كان كبير حرس السلطان الشخصي، وكان ورا السلطان زي ضله، لدرجه أنه كان بيقف يحرس السلطان كمان وقت نومه. و"أمير السلاح" وده من أسمه باين، كان هو المسؤول عن مخازن الأسلحة ومعدات الحرب.

ومن الوظائف المهمة اللي ظهر بقوة من أول عصر السلطان "الظاهر بيبرس"، زي وظيفة "الولاية" ودي اللي أتعرف في النظام الإداري في العصر الإسلامي الأول بأسم "الشرطة"، والوظيفة طبعا مهمتها حفظ النظام والقبض على المجرمين والمفسدين. وكانت وظيفة "الولاية" دي متوليها في القاهرة 3 أمراء مش واحد. الأول مسؤوليته يفض الاشتباكات والخناقات والمشاكل اللي بتحصل بين الرعية في القاهرة الفاطمية، والتاني بيعمل نفس المهمة بس في الفسطاط، والتالت كان ماسك شئون وأمور وتنظيمات القرافة، أصل القرافات أيامها مكنتش صحرا مهملة دي كانت عبارة عن جنائن ومهتمين بعمارتها ومنشأتها العظيمة وكانت كلها فن وإبداع وجمال محصلش لا قبل المماليك ولا بعدهم، اللي النهاردة بنهد آثارها. كان مسؤول القرافة بيحفظ النظام وقت مرور الجنازات، ويراعي الآداب العامة في زيارة القبور ـ عشان محدش يروح بأوت فيت المقابر مثلا ـ وخاصة أيام المواسم والأعياد، وكمان كان بيحرس المقابر من اللصوص.

وكان فيه وظيفة "صاحب العسس" وده كان رجل المطافي، وكانوا مسمينه العسس عشان كان بيسعر طول الليل قصاد محطة المطافي بتاعته اللي في سوق الجملون القريب من حارة الجدارية في الغورية، قصاد الحطب والنار في الشارع، عشان لو حصلت أي حريقة بالليل يجري بسرعة يلحقها مع اللي شغالين معاه.

كان للسلطان "الظاهر بيبرس" ولاة بيعينهم بالنيابة عنه في ولايات مصر ـ المحافظات ـ ومهمتهم تنفيذ أوامره وجمع الخراج والرسوم الجمركية. وكانت إسكندرية أهم ولاية عند السلطان "الظاهر بيبرس" عشان مواطنيها التجارية، وكمان ثغر عيذاب في البحر الأحمر ـ جنب مدينة حلايب حاليا ـ عشان كان بيستخدم نقة أنطلاق الحجاج للحجاز. ومن أهم الولايات في الوجه البحري كانت "بلبيس و منوف و المحلة ودمنهور وقليوب ودمياط"، وأهم ولايات الوجه القبلي "قوص وأشمون والبهسنا والجيزة".

السلطان "الظاهر بيبرس" أنشأ برده دواوين جديدة ـ الوزارات حاليا ـ زي "ديوان الإنشاء"، والديوان ده أنشأ مخصوص بسبب كتر المخالفات والمعاهدات والاتفاقات اللي عقدها السلطان "الظاهر بيبرس" مع الملوك والأمراك، سواء اتفاقات حربية أو تجارية، وكان نتيجة كتر التحالفات دي أن حصل كثرة في الرسائل الواردة أو المرسلة، وهنا ظهرت الحاجة لديوان مخصوص لتنظيم عملية الكتابة والقراءة. ديوان الإنشاء كان مقسم لطبقتين، الأولى كانت "كتاب الدست" ـ بضم الكاف وأسمهم نسبة لمكان قعدتهم جنب السلطان وأعتقد اللفظ ده خده الانجليز وأتحرف لكلمة ديسك في الانجليزية ـ دول كانوا مهمتهم ياخدوا الرسايل الواردة من رئيس ديوان الإنشاء بعد ما يقراها، ويقعد جنب السلطان يقراله الرسائل دي. والطبقة التانية هم "كتاب الدرج" ودول كانوا بيكتبوا اللي بيمليهالهم رئيس الديوان وكتاب الدست من رسائل أو مكاتبات أو مراسيم تتبعت خارجيا، يعني الديوان ده يعتبر مكان وزارة الخارجية حاليا.

السلطان "الظاهر بيبرس" لما أختار يعين حد لرئاسة دار الإنشاء، عين "فخر الدين بن لقمان" اللي كان مشهور عنه أنه مثقف جدا ودودة كتب، وواسع الاطلاع في الأدب والعلوم والفنون، ده غير قدرته العالية في فن الإنشاء والكتابة والبلاغة، يعني كان بيختار دايما الرجل المناسب في المكان المناسب، وعشان كده عمل دولة في غاية القوة والصلابة.

كمان أنشأ السلطان "الظاهر بيبرس" "ديوان البريد" وعمل شبكة بريد ضخمة ومنظمة ربطت كل أنحاء مملكته في مصر والشام ببعضها سواء بريد بري أو بحري أو جوي ـ. لا موصلتش الطيارات، جوي هنا معناها بالحمام الزاجل ـ وكانت قلعة الجبل هي مركز شبكة البريد. وكان البريد في عهده بيوصل لقلعة الجبل مرتين في الأسبوع من حكام الولايات في مصر والشام ـ كان فارض على الولاة يبعتوله تقرير عن حالة الولاية بشكل منتظم مرتين في الاسبوع ـ وزود السلطان "الظاهر بيبرس" مراكز البريد بكل ما يحتاجه سعاة البريد في سفرهم، من أكل وشرب وعلف لخيولهم، ده غير أنه عمل أستراحات في طرق سير خطوط البريد، يستريح الساعي فيها وياخد منها اللي نقص من المرنة اللي معاه، عشان تكون رحلته مريحة ويقلل مشقتها عليه، ده غير أنه في الأصل مأمن السكك دي كلها يعني لا فيه هجام ولا قاطع طريق ولا أي من كان يقدر يتعرض له في سكته، الدار أمان. 

كان كل ساعي بريد بيخرج برسائل بيعلق علي صدره لوحة معدنية من الفضة مكتوب عليها من جهة "لا إله إلا الله محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ضرب بالقاهرة المحروسة" وعلى الجهة التانية مكتوب "عز لمولانا السلطان. سلطان الإسلام والمسلمين".  وكان سعاة البريد بيختاروهم بالانتخاب من خدم السلطان، وبيدخلوا في أختبارات بتحدد الكفاءة والذكاء وسرعة البديهة وحسن التصرف واللياقة في الحركة واللباقة في الكلام، مش بقولك الرجل المناسب في المكان المناسب، كان بيهتم بأدق التفاصيل حرفيا. وكانت مهنة ساعي البريد مهنة محترمة جدا وليهم مكانتهم الرفيعة وتقديرهم بين الناس. 

بالنسبة بقى للبريد الجوي، أهتم السلطان "الظاهر بيبرس" بأبراج الحمام الزاجل جدا، وكان عاملها عنده في القلعة، وليهم عناية وأهتمام خاص ومعينله مسؤولين لأكلهم، وشربهم، ونضافتهم، وتقسيمهم حسب المكان اللي هيروحوا ليه. طب أفرض المكان ده بعيد أوي عن الحمامة مش هقدر تطير المسافة دي كلها، دي حاجة مش هتروح عن السلطان ده عملها أبراج استراحة زي ما عمل للنقل البري بالظبط. الحمامة تطلع بالرسالة تروح لمكانها في برج الاستراحة، يجي المسؤول عن البرج مستقبلها ومطلع الرسالة منها وناقلها في حمامة تانية تكمل السكة للبرج اللي بعده، وهكذا لحد ما توصل اخر حمامة الرسالة للمكان المراد له الوصول. وكان السلطان بيكتب رسالة البريد الجوي بإيجاز بيخش في المهم على طول من غير مقدمات ولا سلامات ولا طيبات عشان الرسالة بتكون مساحتها صغيرة وكأنها برقية، يادوب كان بيزود التاريخ والوقت عشان يبقى معروف الأخبار دي طازة ولا بايتة. وكانت الرسالة بتتربط تحت جناح الحمامة أو تحت ديلها. والحمام الزاجل السلطاني كان بيبقى معروف، كان يا إما منقار الحمامة مختوم أو بيتقص ريشه بطريقة معينة، عشان يبقي ياويله اللي يصطاده. والحمام اللي كان بيوصل لبرج القلعة أو للمكان اللي قاعد فيه السلطان، كان السلطان بيطلع بنفسه يقص منه الرسالة ويقراها. 

كده أحنا أخدنا فكرة عامة عن نظام حكم السلطان "ركن الدين بيبرس البندقداري" وأساس نظامه السياسي والإداري. الجزء الجاي إن شاء الله هنتكلم عن جانب جديد من جوانب حكم السلطان مؤسس الدولة المملوكية.
(يتبع)
مروة طلعت
3/11/2024
الجزء الاول 
https://www.facebook.com/share/p/dHKjqH82wXYD8m56/?mibextid=oFDknk
الجزء الثاني 
https://www.facebook.com/share/p/TcGE4e5npC63CfwS/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/3CWpLYExqUEheRfM/?mibextid=oFDknk
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/LQpTcWvusxvUi8bE/?mibextid=oFDknk
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/gyhwmTQVhHJVLZuS/?mibextid=oFDknk
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/4Z49Uto1wiWAQiSv/?mibextid=oFDknk
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/Yx4vD6KK4PKPKbPd/?mibextid=oFDknk
الجزء الثامن
https://www.facebook.com/share/p/ZCwCKUew3ysnQyT2/?mibextid=oFDknk
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/guCAqC8dUmzW9E9h/?mibextid=oFDknk
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/8kRo4aJVYmADB68K/?mibextid=oFDknk
الجزء الحادى عشر
https://www.facebook.com/share/p/46VfUKJyLsr4e8zK/?mibextid=oFDknk
الجزء الثانى عشر
https://www.facebook.com/share/p/2xEdCeUKXKVoCobu/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث عشر
https://www.facebook.com/share/p/cQe3udaX474RNsDz/
الجزء الرابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/iRV6U6Q3NzrqLqyi/
الجزء الخامس عشر
https://www.facebook.com/share/p/BC757btSNUH6uLZU/
الجزء السادس عشر
https://www.facebook.com/share/p/DPovuQ8iNUw1wwTY/
الجزء السابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/aUyQZGA3Np3Jr7mu/
الجزء الثامن عشر
https://www.facebook.com/share/p/7xjxyj7ntK6wutCW/
الجزء التاسع عشر
https://www.facebook.com/share/p/bDhd6HZdsMp5qLkb/
الجزء العشرين
https://www.facebook.com/share/p/adpd1s38r4vmsYhh/
الجزء الواحد والعشرين 
https://www.facebook.com/share/p/PG1WgEpwue2yu93s/
الجزء الثاني والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/mgnfBALrYQiWkdMA/
الجزء الثالث والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/15FVfHKsJW/
الجزء الرابع والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/149ngTfh95/
الجزء الخامس والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/15VERyVAmE/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج3،4 - ابن تغري بردي.
السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 - المقريزى.
تاريخ الخلفاء - الامام السيوطى.
سير أعلام النبلاء الطبقة 34 - الامام الذهبي.
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار ج2 - المقريزي.
دولة الظاهر بيبرس في مصر - د/ محمد جمال الدين سرور.
دولة المماليك في مصر - سير وليم موير - ترجمة سليم حسن.
عصر سلاطين المماليك - أ.د/ عطية القوصي.
الظاهر بيبرس مؤسس دولة سلاطين المماليك بمصر - أ.د/ محمد مؤنس عوض.
النهج السديد في تاريخ المماليك - علي بن عبد الله بن أيوب النويري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6