الظاهر بيبرس البندقداري 25

(25) القاهرة في القرن ال13 الميلادي، تحت حكم السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري". الشوارع مليانة ناس، الأصوات العالية في كل مكان، بين ضحكات الباعة ونقاشات الحرفيين. ريحة الأقمشة الفاخرة، مع ريحة العيش الطازة وألوان الفواكة المبهجة، مالية الجو.

أسواق مليانة بالحركة، أسواق القاهرة كانت مكان كل شيء. في السوق، الناس بيجروا بين المحلات، تلاقي الباعة بينادوا بأعلى أصواتهم عارضين منتجاتهم. هنا بائع الأقمشة بينادي على الحرير، وهناك الحرفي اللي بيصنع الفخار ومشغول في قطعته الجديدة. الأطفال بيلعبوا بين الأكشاك، والكبار يتفاوضوا على الأسعار. الأسواق كانت مليانة بالبهجة والنشاط، وكأن الحياة كلها تدور حوالين التجارة والصناعة.

ورش الصناعات اليدوية كانت في كل حتة، تلاقي الحرفيين مشغولين في شغلهم. الحرفي اللي بيعمل الأثاث الخشبي، والنجار اللي بيقطع الخشب بدقة، والجواهرجي اللي شغله دقيق وبيستخدم تقنيات متقدمة. في كل ورشة، تلاقي الزبائن ييجوا ويشوفوا المنتجات، وبيتفقوا مع الحرفيين على تفاصيل الطلبات. الحياة كانت مليانة بالكفاءة والمهارة والفن والذوق العالي في المشغولات والمنسوجات وكمان الإتقان، وكل حرفي كان فخور بشغله.

اهتم "بيبرس" جدا بالصناعة عموما، وبالخصوص بكل حاجة متصلة بالحروب والجيش، فالجيش القوي اللي بيحمي حدود مملكة واسعة وكمان لسه بيتوسع أكتر، محتاج عجلة صناعية دايرة من وراه، تمونه بالملابس والأدوات الحربية من سيوف ودروع ورماح وخوذ وخلافه.

أهتم "بيبرس" بالصناعات النسيجية اللي بيعمل منها الملابس الملونة والمزركشة والمطرزة، وفي عهده ظهرت أهمية مدينة تنيس ـ في الدقهلية على بحيرة المنزلة ـ ومدينة دمياط، بأعتبارهم أهم مدينتين برع فيهم سكانهم في صناعة الملابس والمفروشات والملابس الكتانية، وصناعة قماش القصب الملون اللي بيستخدم في صناعة العمائم، وبصناعة قماش القصب الأبيض وده كان عبارة عن قماش رقيق، وكانوا مشهورين بصناعة قماش البوقلمون وده له ألوان براقة وزاهية بتلمع في نور الشمس وبيتغير لونه علي حسب شدة أشعة الشمس عليه، وكمان كانوا مسؤولين عن تفصيل وتطريز كسوة الكعبة المشرفة. 

يجي بعدهم مدينة القيس ـ حاليا قرية تابعة لمركز الواسطى بمحافظة بني سويف ـ ومدينة البهسنا ـ حاليا قرية في محافظة المنيا ـ واللي كانوا مشهورين بصناعة الملابس الصوفية. ومن المنسوجات دي كلها كان السلطان "الظاهر بيبرس" بيمد جيشه، وبينزلهم في الأسواق، وبيهادي أصداقاءه، أو حلفائه من خلال علاقاته مع باقي الدول ـ زي هديته ل"بركة خان" على سبيل المثال ـ وكان بيستخدمهم في التجارة الخارجية.

كان فيه في القاهرة أسواق مخصوصة لبيع وصناعة السلاح، زي سوق السلاح في الدرب الاحمر واللي كان موقعه مميز لأنه قريب من جيش القلعة، وغيره في اماكن تانية. وكانت الأسواق دي بتبقى مليانة بالأمراء والجنود بغرض الشراء، وكان سعر الحديد وأجر الحدادين بيغلى وقت ما بيجهز السلطان لغزوة، عشان الطلب في الوقت ده بيزيد على الأسلحة.

ومن الصناعات الجديدة اللي نشأت في عهد السلطان "الظاهر بيبرس" كانت صناعة السكر في ملوي ـ في محافظة المنيا ـ وسمهود ـ في محافظة قنا ـ واللي كان فيهم أحجار كتيرة لعصر القصب. وكان أيام السلطان "الظاهر بيبرس" فيه عيلة مشهورة أوي في ملوي أسمها عيلة "أولاد فضل" عندهم أرض 1500 فدان بيزرعوها قصب السكر، وأزدهرت صناعة السكر أكتر في عهد حكم أسرة "قلاوون".

ومن الصناعات اللي أهتم بيها برده السلطان "الظاهر بيبرس"، كانت صناعة السفن، واللي أنشألها مخصوص دار لصناعتها في جزيرة الروضة في المنيل بالقاهرة وفي ميناء أسكندرية ودمياط، ومش شدة أهتمامه بصناعة السفن وبناء أسطوله كان بيروح بنفسه في زيارات متكررة لدور صناعة السفن عشان يتابع عملية البناء وشغل العمال.

ده غير بقى صناعة الزجاج الابيض والملون، واللي كانوا بيتفننوا فيه علي إيد أمهر الحرفيين، ويزينوا بيه شبابيك المساجد المملوكية العظيمة، وشبابيك بيوت السلاطين والأمراء والأعيان، وطبعا مش هنتكلم عن جمال ودقة وفن صنع المشكاوات. وصناعة الأواني النحاسية والمدنية والفضية والدهبية، والخزف والفخار اللي كان بيهاديه للملوك، من شدة روعة وجمال وابداع صناعته. مش كده وبس ده الحرفيين كمان كانوا منظمين في نقابات، وده ساعدهم يحافظوا على حقوقهم. وفي الأسواق كانوا يبرزوا شغلهم، ويتنافسوا على أفضل المنتجات. الجو كان مليان بالتعاون بين الحرفيين، وكل واحد كان بيسعى لتحسين شغله وكسب ثقة الزبائن.
 
السلطان "الظاهر بيبرس" جعل القاهرة مركز تجاري مهم. التجار كانوا يجيبوا سلع من الشام وبلاد الرافدين ـ العراق ـ والشام، ويبيعوا هنا في الأسواق. تخيل قافلة تجارية جاية من بعيد، محملة بالحرير والبهارات، ورجالها بيدفعوا عرباتهم في شوارع القاهرة. كانت الحياة هنا بتتنفس تجارة متنوعة، وكل سلع جديدة بتيجي تجيب معاها أفكار وثقافات جديدة.

التجارة كانت من الأمور اللي ركز عليها السلطان "الظاهر بيبرس"، خصوصا إنه كان عايز يقوي الاقتصاد ويزيد دخل الدولة. فأنشأ طرق تجارية آمنة وخلى التجار من كل مكان ييجوا يبيعوا ويشتروا في مصر. وده خلى مصر وقتها مركز تجاري كبير بيجمع تجار من آسيا وأوروبا وإفريقيا، وساعده في ده طبعا وجود طريق التجارة العالمي اللي مصر كانت بتشرف عليه، وعبور السفن التجارية من البحر الأحمر للبحر المتوسط عن طريق مصر.

كمان، جهوده كانت واضحة في حماية القوافل التجارية من الهجمات، وكان بيشرف على تأمينها. وده عن طريق عقد المعاهدات التجارية مع "شارل" صاحب أنجو ـ غرب فرنسا ـ و"ألفونس" أمير أشبيلية ـ جنوب أسبانيا كانت إشبيلية جزء من الأندلس، بس مكنتش تحت السيطرة الإسلامية في الوقت ده. وقت حكم "بيبرس"، كان ما تبقى من الأندلس الإسلامية ينحصر في مملكة غرناطة تحت حكم بني الأحمر (النصريون) ـ وعمل اتفاقية تجارية كمان مع "جيمس" ملك أرجونة ـ جنوب أسبانيا برده ـ لكن "جيمس" في سنة 1274م قطع علاقاته مع مصر، ومنع تصدير المعادن وأدوات البناء ليها، بسبب "جريجوري العاشر" بابا الكنيسة الكاثوليكية اللي أمر بقطع العلاقات التجارية مع المسلمين، عشان ميقواش "بيبرس" عليهم أكتر في حروبه ضدهم في الشرق.

 ده كله خلى التجارة تزدهر في عهده بشكل كبير، وزاد دخل الدولة بشكل واضح، وكانت مصر بتصدر سلع زي القمح والنسيج لكتير من البلاد. ومن أهم الأسواق التجارية اللي كانت في القاهرة، عندك سوق الفرائين ـ في حي الأزهر ـ وكان بيبيع الفراء بكل أنواعه، وسوق البزازين ـ في حي الحسين ـ كان بيبيع القماش القطن والكتان، وسويقة أمير الجيوش ـ في حارة برجوان مكان دار أمير الجيوش بدر الجمالي عشان كده أتسمى على أسمه ـ وكان فيها دكاكين اللي بيشتغلوا في الرفا ودكاكين الرسامين، وسوق الشرابشيين ـ الشرابيش هى الطواقي اللي بتتلبس من غير عمامة زي اللي بيلبسوها الرجال عندنا وهم رايحين صلاة الجمعة ـ ودي سوق مخصوصة للخلع اللي كان بيمنحها السلطان للأمراء والوزراء والقضاء وغيرهم من رجال كبار الدولة، وسوق الحلاويين ـ في حي الحسين ـ وده كان من أحلى وأجمل وأبهج الأسواق وطبعا معروف على أسمه وصفته هو سوق الحلويات بكل أشكالها وأنواعها. طبعا فيه أسواق تانية كتيرة جدا بس دي أمثلة من أشهر الأسواق وقت السلطان "الظاهر بيبرس".

في عهد السلطان "الظاهر بيبرس"، اتعملت مشاريع ضخمة، زي القناطر والطرق الجديدة. لما تمشي في الشوارع، تلاقي الطرق واسعة وممهدة، تسهل حركة الناس والبضائع. المعمار كان جميل، مع مساجد وقلاع بتفخر بتاريخها، وكل بناء جديد كان علامة على ازدهار الاقتصاد.

قدر السلطان "الظاهر بيبرس" يحقق التوازن ما بين موارد الدولة ومصارفها، وعين القاضي "كمال الدين طاهر" وكيل لبيت المال. وكانت مصادر الدولة تنحصر في:
1- (الخراج) وده كان بيتاخد من غلة الأراضي، وأحيانا كان بيتاخد من الصعيد على كل أردب درهم أو درهمين، أما من الوجه البحري فدائما كان بيتاخد على هيئة فلوس، وكان الخراج بيزيد أو بينقص على حسب إنتاج الأرض.
2- (الزكاة) وكانت بتتاخد أغنام من القبائل العربية والتركمانية، أما باقي الناس كانت بتتاخد 5 دراهم على كل 100 درهم.
3- (الجزية) ودي اللي كان بيدفعها أهل الذمة ـ اليهود والمسيحيين ـ وكانوا بيدفعوا مابين 10 دراهم ل 25 درهم على كل شخص.
4- (الرسوم الأجنبية) ودي اللي بيدفعها التجار الأجانب، وكانوا بيدفعوا عشر ـ بضم العين ـ تمن بضاعتهم.
5- (رسوم الجمارك) على التجارة الخارجية اللي بتمر في ثغور عيذاب واسكندرية ودمياط، وفيه ضرائب تانية بتتفرض على السفن اللي بترسو على سواحل مصر وهي رائحة في طريقها للشام.
6- (المعادن الثمينة) زي الزمرد وغيره اللي بيستخرج من قوص والواحات والنطرون، كان بيطلع على طول على الخزائن السلطانية في بيت المال.
7- (التركات اللي ملهاش وريث) ودي كانت بتتجمع ويشرف عليها ناظر مخصوص للتركات اللي من النوع ده ويوصلها لبيت المال بعد ما يحسبها ويتأكد أن مفيش ورثة مستحقين.
(يتبع)
مروة طلعت
2/11/2024
الجزء الاول 
https://www.facebook.com/share/p/dHKjqH82wXYD8m56/?mibextid=oFDknk
الجزء الثاني 
https://www.facebook.com/share/p/TcGE4e5npC63CfwS/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/3CWpLYExqUEheRfM/?mibextid=oFDknk
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/LQpTcWvusxvUi8bE/?mibextid=oFDknk
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/gyhwmTQVhHJVLZuS/?mibextid=oFDknk
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/4Z49Uto1wiWAQiSv/?mibextid=oFDknk
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/Yx4vD6KK4PKPKbPd/?mibextid=oFDknk
الجزء الثامن
https://www.facebook.com/share/p/ZCwCKUew3ysnQyT2/?mibextid=oFDknk
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/guCAqC8dUmzW9E9h/?mibextid=oFDknk
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/8kRo4aJVYmADB68K/?mibextid=oFDknk
الجزء الحادى عشر
https://www.facebook.com/share/p/46VfUKJyLsr4e8zK/?mibextid=oFDknk
الجزء الثانى عشر
https://www.facebook.com/share/p/2xEdCeUKXKVoCobu/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث عشر
https://www.facebook.com/share/p/cQe3udaX474RNsDz/
الجزء الرابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/iRV6U6Q3NzrqLqyi/
الجزء الخامس عشر
https://www.facebook.com/share/p/BC757btSNUH6uLZU/
الجزء السادس عشر
https://www.facebook.com/share/p/DPovuQ8iNUw1wwTY/
الجزء السابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/aUyQZGA3Np3Jr7mu/
الجزء الثامن عشر
https://www.facebook.com/share/p/7xjxyj7ntK6wutCW/
الجزء التاسع عشر
https://www.facebook.com/share/p/bDhd6HZdsMp5qLkb/
الجزء العشرين
https://www.facebook.com/share/p/adpd1s38r4vmsYhh/
الجزء الواحد والعشرين 
https://www.facebook.com/share/p/PG1WgEpwue2yu93s/
الجزء الثاني والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/mgnfBALrYQiWkdMA/
الجزء الثالث والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/15FVfHKsJW/
الجزء الرابع والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/149ngTfh95/
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج3،4 - ابن تغري بردي.
السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 - المقريزى.
تاريخ الخلفاء - الامام السيوطى.
سير أعلام النبلاء الطبقة 34 - الامام الذهبي.
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار ج2 - المقريزي.
دولة الظاهر بيبرس في مصر - د/ محمد جمال الدين سرور.
دولة المماليك في مصر - سير وليم موير - ترجمة سليم حسن.
عصر سلاطين المماليك - أ.د/ عطية القوصي.
الظاهر بيبرس مؤسس دولة سلاطين المماليك بمصر - أ.د/ محمد مؤنس عوض.
النهج السديد في تاريخ المماليك - علي بن عبد الله بن أيوب النويري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الليث بن سعد 5

"ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون" الجزء الأول

هل تعلم أن جدك الأكبر كان من آكلي لحوم البشر؟