الظاهر بيبرس البندقداري 24
(24) الظاهر بيبرس البندقداري كان واحد من أبرز سلاطين المماليك اللي حكموا مصر والشام في القرن الـ13، وقدر يوحد المناطق دي ويحميها من أعداء كبار زي المغول والصليبيين، وده خلاه شخصية فريدة في التاريخ الإسلامي. حياته كانت مليانة إصلاحات وإنجازات على مستويات كتيرة زي الحياة الاجتماعية، القضاء، الثقافة، التجارة، الصحة، السكان، الاقتصاد، وكمان المنشآت اللي أنشأها في مصر والشام.
في عهد بيبرس (1260م : 1277م – 658 هـ : 676 هـ) كانت الحياة الاجتماعية بتشهد تغييرات كتيرة. "بيبرس" كان ليه طبع حازم، وكان دايما بيشجع على تطبيق العدل، وده خلاه محبوب من فئات كبيرة من الشعب، خاصة الناس البسيطة اللي كانوا بيحسوا بحماية قوية في عهده.
المؤرخين أجمعوا على أن السلطان "الظاهر بيبرس" هو مؤسس دولة المماليك رغم إن فيه مماليك حكموا قبله زي "شجر الدر" و"قطز"، وده عشان "بيبرس" هو اللي أسس فعلاً قواعد الدولة دي وقوى نظامها. يعني مش بس حكم، لا، ده نظم الإدارة، ووسع الحدود، وساب تأثيره في كل حاجة في الحكم، حتى إنه ركز على بناء جيش قوي ومستقل ليهم، وعمل نظام سياسي يستمر بعده، فبقى له الفضل في تكوين الكيان المتماسك اللي عاش سنين بعد كده.
كان المجتمع مقسم لطبقات، منها طبقة المماليك اللي كانت هي الحاكمة والأقوى، وبعدها طبقة العلماء والمشايخ، اللي كان ليهم مكانة خاصة عند "بيبرس"، لأنه كان بيهتم بآراء العلماء والمشايخ في القضايا المهمة، وبيستعين بيهم في قراراته.
زي مثلاً الشيخ "العز بن عبد السلام"، اللي كان من أكبر فقهاء عصره وكان بيثق فيه "بيبرس" وقبل منه الخليفة العباسي في بغداد قبل أنهيار الخلافة على ايد المغول. وأحنا حكينا حكاية مهمة للشيخ "العز بن عبد السلام" في كتابي "حدوتة مصرية" بتبين أد إيه كان أعل ثقة وله كلمة مسموعة على رقاب الكل حتى الخليفة.وكان للشيخ "العز بن عبد السلام" كمان قصة مشهورة مع "بيبرس" نفسه، لما دخل القاهرة وأعلن نفسه السلطان بعد موت "سيف الدين قطز" سنة 685 هجري 1260 ميلادي. في عز رعب العامة والشيوخ والأمراء من اللي حصل، طلع الشيخ "العز بن عبد السلام" القلعة ودخل ل"بيبرس" وقاله بكل جرأة وشجاعة: «يا ركن الدين، أنا أعرفك مملوك البندقدار» يعني مينفعش مملوك يحكم السلطنة. الكل حبس أنفاسه من رد فعل "بيبرس"، لكن اللي حصل أن "بيبرس" وقف قصاد زي التلميذ وقدمله بكل احترام صك تحريره من عبوديته اللي أخده من مالكه الملك الصالح "نجم الدين أيوب" بعد ما أهداه ليه "علاء الدين البندقداري"، ساعتها هز الشيخ "العز بن عبد السلام" رأسه وربت على كتفه وبايعه بالحكم.
"بيبرس" اهتم كتير بالقضاء، وكان عايز ينشر العدل بأي شكل. عشان كده أسس نظام قضائي منظم بيوصل للناس كلها في مصر والشام. وقرر كمان إنه يكون فيه أكتر من قاضي لكل مذهب من المذاهب الأربعة، وده كان شيء جديد لأن المذاهب الفقهية المختلفة كانت بتحصل بينهم اختلافات كتيرة، زي ما حصل فعلا لما أشتكى الناس من تعنت قاضي القضاة في مصر "تاج الدين بن بنت الأعز" وأصراره على وجهة نظره، فلما اتكررت الشكوى حب "بيبرس" يتأكد بنفسه. فبعت "بيبرس" لقاضي القضاة "تاج الدين" وسأله في مسألة تخص بيت الملك الناصر اللي أشتروا دار من "بدر الدين السنجاري" وبعدين الورثة أدعوا أن الدار عبارة عن وقفية. فقاله القاضي لو ثبت أن الدار فعلا وقف يبقى يستعاد التمن من تركة البايع، فقاله "بيبرس" هم مش معاهم حقه، فرد قاضي القضاة يبقى الدار يفضل على وقفيته. الحكم معجبش "بيبرس" وشاف أن فيه تعنت فعلا، وفي نفس اللحظة دخل على "بيبرس" شكي جديد وقاله: " يا مولانا السلطان، سألت هذا القاضي أن يسلم إلي المال الذي تحت يده من الوقف لأنفقه في فقراء المدينة فلم يفعل". فسأل السلطان القاضي عن اللي حصل فقال القاضي: "صدق هذا الرجل، أنا لا أعرفه ولا أسلم المال إلا لمن أعرفه. فإن سلمه السلطان أحضرته بين يديه". فقال "بيبرس": "تخرجه من عنقك وتجعله في عنقي، لا تسلم المال إلا لمن نختاره ونرضاه". بعدها دخل مجموعة من الأمراء يشتركوا برده القاضي للسلطان، وقال واحد فيهم: "شهدت عند القاضي فلم تسمع شهادتي في ثبوت الملك وصحته". فسأل السلطان القاضي اللي رد وقال: "ما شهد أحد عندي حتى أثبته". فقال الأمير: "إذا لم تسمع قولي فمن تريد". فقال السلطان: "لم لم تسمع قوله". قال القاضي: "لا حاجة في ذكر ذلك".
وعشان كده طلع السلطان "الظاهر بيبرس" قرار بوضع أربع قضاة من المذاهب الأربعة، والقرار ده قلل من النزاعات الدينية بين الناس. فعين القاضي "تاج الدين بن بنت الأعز" كبير قضاة المذهب الشافعي، والقاضي "شرف الدين أبا حفص عمر بن صالح السبكي" كبير قضاة المذهب المالكي، والقاضي "بدر الدين بن سليمان" كبير قضاة الحنفية، والقاضي "شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين إبراهيم القدسي" كبير قضاة الحنبلية. وكل القضاة كتبوا لكل أقاليم وأنحاء مصر بيولوا فيها نواب قضاة لمذاهبهم فيها. وكمان عين قاضي مخصوص معاه في حملاته وسفرياته وحروبه عشان يحل لو فيه منازعات أو شكاوي فقهية بين الجنود في الجيش، وكانت مرتبته في الجلوس موازية لمرتبة جلوس السلطان "الظاهر بيبرس".
ورغم أن سلطة القضاة ضعفت في ايد القاضي "تاج الدين بن بنت الأعز" بسبب قرار التقسيم، لكن كان كل قضاة المذاهب التانية بيحترموه جدا ويبجلوه، وإذا حضر مجلس مكنش حد بيتكلم في وجوده احترام وتقدير. حتى السلطان "الظاهر بيبرس" زود على مهامه كقاضي الشافعية، ديوان الأحباس وأموال الأيتام والورثة.
أسس السلطان "الظاهر بيبرس" كمان دواوين تراقب الأحكام وتضمن إنها تتنفذ بالعدل. كان مشهور إنه بيشرف بنفسه على تنفيذ بعض الأحكام، وبيتابع سير الأمور القضائية، وده خلى الناس كلها تثق في نظامه القضائي.
الاقتصاد في عهد السلطان " الظاهر بيبرس" كان مستقر وقوي، وده بسبب الإصلاحات اللي عملها، زي تنظيم الضرائب وتقليل الفساد. كمان "بيبرس" كان بيحاول يقلل الضرائب على الفلاحين ويخفف العبء عنهم، وده زود الإنتاج الزراعي وخلى مصر تقدر تعتمد على نفسها في الأكل وتصدر جزء منه.
الفلاحين في عهد السلطان "الظاهر بيبرس" كانوا جزء مهم من المجتمع، لأنهم كانوا بيشكلوا الطبقة الكبيرة اللي بتعتمد عليها الدولة في الإنتاج الزراعي. "بيبرس" كان عارف أهمية الزراعة في الاقتصاد، وده خلاه يهتم بالفلاحين وبيراعي ظروفهم، رغم إن طبقة المماليك كانت دايما الأعلى وبتحكم زمام الأمور.
الفلاحين كانوا يعتبروا الطبقة البسيطة اللي عايشة على الأرض وبتعتمد على الزراعة لتأمين لقمة العيش. كانوا بيواجهوا صعوبات كبيرة في حياتهم اليومية زي تحمل الشغل الشاق من زراعة وحصاد وري، بالإضافة للضرائب اللي بتفرضها الدولة عليهم. رغم كده "بيبرس" حاول إنه يحسن حياتهم شوية ويخفف عنهم.
"بيبرس" قرر إنه يقلل الضرائب اللي كانت مفروضة على الفلاحين ويخفف العبء عنهم، وده كان عشان يشجعهم على الإنتاج أكتر، وكمان يحسوا بنوع من الحماية من الدولة. ده خلى الفلاحين يحسوا ببعض الاستقرار، خاصة إنهم كانوا دايما بيخافوا من القهر والضغط اللي بيواجهوه من الحكام والملاك الكبار. حتى لما حصل جفاف النيل، حاول يخفف على الرعية والفلاحين الاحساس بالخوف والجوع، ففرض على كل أمير من أمراء المماليك كفالة 10 أسر يومية من أكل وشرب، وده حمس الناس والفلاحين على الاهتمام أكتر بالأرض وزراعة المحاصيل بأي شكل وطريقة، فكان مكسب له الايد البشرية العاملة في عز المحنة، بالأمان مش بالترهيب.
"بيبرس" كان عنده اهتمام بتطوير الزراعة وتنظيم الري، وده انعكس بشكل إيجابي على الفلاحين. عمل مشاريع ري جديدة، وكمان اهتم بتطوير القناطر والأنظمة اللي بتنقل المياه للأراضي الزراعية، وده كان بيسهل عليهم ري الأراضي وزيادة إنتاجهم الزراعي.
واحدة من الجهود دي كان بإنه ينظم حقوق الفلاحين على الأرض، ويدخل أنظمة لتقنين الحصص الزراعية. الدولة كانت بتساعد في توفير البذور أو أحيانًا بتقدم الأدوات الزراعية الأساسية، وده خلاهم يقدروا يشتغلوا بأريحية أكتر.
في الوقت ده، كانت الزراعة بتركز على المحاصيل الأساسية زي القمح والشعير والرز، ودي كانت بتعتبر مواد رئيسية لتأمين احتياجات الناس. "بيبرس" كان مهتم بزراعة القمح بشكل خاص، وده لأن مصر كانت واحدة من الأماكن اللي بتنتج محاصيل كتير وبتصدرها للخارج. كان دايما بيتأكد إن الفلاحين بيقدروا يزرعوا ويحصلوا محاصيل جيدة لأن ده بيخدم مصالح الدولة وبيزود من دخلها.
رغم التحسينات اللي عملها "بيبرس"، كان فيه تحديات بتواجه الفلاحين، زي الأوبئة اللي كانت بتنتشر من وقت للتاني بسبب نقص الرعاية الصحية في الأقاليم أو النجوع البعيدة، وكمان الفيضانات اللي كانت ممكن تدمر المحاصيل. برضه كان أحيانا بيزيد فرض الضرائب على الفلاحين لما بيحصل نقص في الموارد، وده كان بيزيد من معاناتهم.
"بيبرس" حاول يوفر الأمان للفلاحين ويمنع أي اعتداء عليهم، سواء من المماليك أو أي حد من الحكام اللي ممكن يستغلوا الفلاحين. وده خلى الفلاحين يحسوا بشيء من الأمان في عهده، وده شجعهم على البقاء في الأرض والاستمرار في الزراعة من غير خوف من المصادرة أو الاعتداء على محاصيلهم.
كمان، دعم الصناعة المحلية، وده ساعد إن مصر تكون قوية اقتصاديًا وقادرة على مواجهة الأزمات. وكان دايمًا بيشجع على تصنيع السلاح والآلات الحربية محليًا عشان ما يعتمدش على حد، خصوصًا بعد الحروب الكتير اللي خاضها، وده اللي هنعرفه الجزء الجاي أن شاء الله.
(يتبع)
مروة طلعت
1/11/2024
الجزء الاول
https://www.facebook.com/share/p/dHKjqH82wXYD8m56/?mibextid=oFDknk
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/TcGE4e5npC63CfwS/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/3CWpLYExqUEheRfM/?mibextid=oFDknk
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/LQpTcWvusxvUi8bE/?mibextid=oFDknk
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/gyhwmTQVhHJVLZuS/?mibextid=oFDknk
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/4Z49Uto1wiWAQiSv/?mibextid=oFDknk
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/Yx4vD6KK4PKPKbPd/?mibextid=oFDknk
الجزء الثامن
https://www.facebook.com/share/p/ZCwCKUew3ysnQyT2/?mibextid=oFDknk
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/guCAqC8dUmzW9E9h/?mibextid=oFDknk
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/8kRo4aJVYmADB68K/?mibextid=oFDknk
الجزء الحادى عشر
https://www.facebook.com/share/p/46VfUKJyLsr4e8zK/?mibextid=oFDknk
الجزء الثانى عشر
https://www.facebook.com/share/p/2xEdCeUKXKVoCobu/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث عشر
https://www.facebook.com/share/p/cQe3udaX474RNsDz/
الجزء الرابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/iRV6U6Q3NzrqLqyi/
الجزء الخامس عشر
https://www.facebook.com/share/p/BC757btSNUH6uLZU/
الجزء السادس عشر
https://www.facebook.com/share/p/DPovuQ8iNUw1wwTY/
الجزء السابع عشر
https://www.facebook.com/share/p/aUyQZGA3Np3Jr7mu/
الجزء الثامن عشر
https://www.facebook.com/share/p/7xjxyj7ntK6wutCW/
الجزء التاسع عشر
https://www.facebook.com/share/p/bDhd6HZdsMp5qLkb/
الجزء العشرين
https://www.facebook.com/share/p/adpd1s38r4vmsYhh/
الجزء الواحد والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/PG1WgEpwue2yu93s/
الجزء الثاني والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/mgnfBALrYQiWkdMA/
الجزء الثالث والعشرين
https://www.facebook.com/share/p/15FVfHKsJW/
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج3،4 - ابن تغري بردي.
السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 - المقريزى.
تاريخ الخلفاء - الامام السيوطى.
سير أعلام النبلاء الطبقة 34 - الامام الذهبي.
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار ج2 - المقريزي.
دولة الظاهر بيبرس في مصر - د/ محمد جمال الدين سرور.
دولة المماليك في مصر - سير وليم موير - ترجمة سليم حسن.
عصر سلاطين المماليك - أ.د/ عطية القوصي.
الظاهر بيبرس مؤسس دولة سلاطين المماليك بمصر - أ.د/ محمد مؤنس عوض.
النهج السديد في تاريخ المماليك - علي بن عبد الله بن أيوب النويري.
تعليقات
إرسال تعليق