متسلق الهرم الأكبر
بقالنا كام يوم بنتابع الترند اللي سببه الكلب بوكا في العالم كله، واللي بسبب فيديو صوره أحد السياح وهو نازل بالبراشوت جنب منطقة أهرامات الجيزة لكلب بلدي قاعد بيطارد العصافير على قمة الهرم الأكبر. الفيديو أخد ملايين المشاهدات، وبسبب الكلب البلدي المتسلق ده، رجعت مصر والأهرامات تتصدر قوايم البحث العالمية في جوجل، والناس الخواجات أنبهروا أكتر لما عرفوا أن الكلب نزل عادي جدا لوحده زي ما طلع وكمان نزل في 45 دقيقة بس، لاحظ أننا بنتكلم في صخور علي أرتفاع 140 متر تقريبا، ده أنا لما طلعت سلالم باب زويلة 24 متر بس كنت بلتقط أنفاسي الأخيرة وعملولي أنعاش. المهم أن الأجانب بقي أنبهروا وسموا الكلب بأسم "بوكا"، وجت أفواج سياحية كتيرة عشان يتصوروا مع الكلب البطل، وبوكا أتنغنغ وأستحمى وأتدلع وأكل لحمة لما شبع.
الأجانب برده أستغربوا في عز أنبهارهم ببوكا أن المصريين واخدين الموضوع ضحك وتريقة. صحيح صعود الهرم أنجاز وحاجة صعبة جدا بس مش مستحيلة، وياما مصريين - زمان قبل تجريم صعود الهرم - طلعوه ونزلوه 100 مرة عادي جدا. خواجات عصرنا الحالي معزورين أصلهم معاصروش ترند "عم حفناوي عبد النبي" في الخمسينات لحد التمانينات.
"عم حفناوي" الصحافة العالمية أيامها كانوا عارفينه بلقب "champion" والرئيس "محمد نجيب" كان مسميه البطل. في البداية "عم حفناوي" كان ولد صعيدي عنده 14 سنة، نزح هو وأهله من الصعيد وسكنوا في نزلة السمان جنب أهرامات الجيزة. ومعروف طبعا أن المنطقة دي شغلتها الرئيسية دايما مرتبطة بأي حاجة ليها علاقة بالسياحة والآثار. فأشتغل "حفناوي" وهو صغير مع فرق البحث والتنقيب الأجنبية عن الآثار أيام الملكية. ومن كتر سنين عشرته للأجانب أتقن التحدث ب 7 لغات مختلفة زي أهلها، على الرغم من أنه مكنش متعلم، بصمجي لا بيقرا ولا بيكتب.
كبر "حفناوي" وساب فرق التنقيب عن الآثار وبقى يشتغل مع سياح منطقة الأهرامات، وتخصص في مساعدة الأجانب طلوع الهرم الأكبر، طب ما هو عادي فيه زيه كتير وقتها كانوا بيطلعوا السياح الهرم. لا يا سيدي "عم حفناوي" كان مختلف، الراجل كان ربنا مديله الصحة ووهبه بسرعة التسلق والحركة، وهو عشان كان عنده ذكاء فطري شغل مخه وأشتغل على نفسه كتير، وقدر يحقق رقم قياسي لا قبله ولا بعده عملوها. "عم حفناوي" قدر يتسلق الهرم الأكبر اللي طوله 140 متر تقريبا، وعلى الصخور، في 7 دقايق، أنبهرت كده طب خد دي كمان، وينزل من القمة لسفح الهرم في دقيقتين، بطل ده ولا مش بطل.
"عم حفناوي" هو صاحب أول صورة لحد يمثل أنه ماسك قمة الهرم، وكان متصورها وهو على قمة الهرم الأكبر ماسك فيها قمة الهرم الأوسط، ومن بعده بقت موضة أي حد يروح الهرم يتصوروهو ماسكه، أنا برده أتصورتها بس من سفح الأهرامات مش من على قمة الهرم الأكبر زيه.
"عم حفناوي" بقى يتطلب بالأسم وبقى متخصص للملوك والرؤساء والأمراء وكبار الزوار، لدرجة أنه يوم فرحه قوموه من ع الكوشة من جنب عروسته عشان يطلع من الامبراطور الأثيوبي "هيلاسلاسي" الهرم الأكبر. وطلع مع ملك السعودية "سعود بن عبد العزيز" اللي أداله مكافأة 1000 جنية أسترليني، وطلع مع الرئيس اليوجوسلافي "جوزيف بروز تيتو" اللي أداله علبة سجاير دهب، وطلع مع رئيس الاتحاد السوفييتي اللي أداله ساعة أيده الخاصة، وطلع مع شاه إيران "محمد رضا بهلوي" اللي أداله برده مكافأة كبيرة.
"عم حفناوي" مكنش بس مرشد سياحي ولا متسلق للهرم، ده أستغل شهرته في الترويج للسياحة، وبقى يعمل عروض استعراضية وأكروبات على الهرم وهو لابس زي قدماء المصريين، والكاميرات تصوره وينزل صوره في جرايد ومجلات العالم. لكن كانت أهم وأخطر رحلة صعود وهبوط الهرم كانت لما طلع مع المصور الصحفي "رشاد القوصي".
"رشاد القوصي" كان عاوز ياخد سبق صحفي ويصور القاهرة والجيزة من فوق قمة الهرم الأكبر، وطبعا مكنش فيه أنسب رفيق لرحلة الصعود دي من "عم حفناوي". المشكلة أن "عم حفناوي" مطلعش معاه عادي كده زي ما بيساعد أي حد معاه أنه يطلع، ده "عم حفناوي" تسلق الهرم الأكبر اللي طوله 140 متر تقريبا على الحجارة، وهو شايل على كتافه "رشاد القوصي"، و"رشاد" شايل الكاميرا والحامل بتاعها. ياقوة الله ليه كده يا رشاااد.
يومها كل السياح اللي كانوا موجودين في منطقة الأهرامات وكل المرشدين من نزلة السمان وقفوا في سفح الهرم الأكبر متصنمين، عيونهم متحجرة على "عم حفناوي" وهو شايل "رشاد القوصي" وعدة التصوير وطالع بيهم الهرم الأكبر. كانت لحظات عصيبة وغاية في الخطورة، الكل حابس أنفاسه وقلوبهم في رجليهم، وحصل فعلا أن "عم حفناوي" رجله أتزلت ووقعوا كذا مرة، بس كل مرة كان ربنا بيسترها وبيقدر يسيطر ع الموقف، يعني كانت رحلة أنتحارية من الدرجة الأولى. وأخيرا بعد 45 دقيقة صعود بيوصلوا بفضل الله لقمة الهرم. يومها أخد "رشاد القوصي" صور رائعة ونادرة من فوق الهرم، وأخد "عم حفناوي" صورته المشهورة علي قمة الهرم وهو ماسك قمة الهرم الأوسط، ونشر "رشاد" الصور دي في مجلة أخر ساعة. بعدها شال برده "عم حفناوي" "رشاد" هو وكاميرته ونزل بيهم بالسلامة.
في سنة 1980 ميلادية، طلع قانون منع تسلق الأهرامات للحفاظ على سلامتهم من التآكل، وأكتفى "عم حفناوي" بشغله مع السياح والارشاد. وفي سنة 2002م بيتعب "عم حفناوي" وبعتله ملوك ورؤساء من اللي يعرفوه، فرق من الأطباء تعالجه، لكن أمر الله فوق كل شئ وبينتقل "عم حفناوي عبد النبي" لجوار ربه، بعد 50 سنة بطولة في صعود الهرم الأكبر.
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق