الظاهر بيبرس البندقداري 21
(21) على الرغم من أن السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري" عقد صلح وهدنة مع "أبغا خان بن هولاكو" زعيم مغول فارس، وبالغ في إظهار المودة بأنه بعتله هدية ـ ميستهلهاش أصلا ـ مع عقد الصلح، إلا أن اللي فيه داء مبيسيبوش أبدا.
في سنة 671 هجرية / 1273 ميلادية كان السلطان "الظاهر بيبرس" في دمشق لما بلغه أن جيش المغول دخلوا "الرحبة" ـ مدينة الرحبة في سوريا على نهر الفرات اشتهرت كحصن دفاعي ومركز للتجارة والزراعة، وكانت لها أهمية استراتيجية لأنها تشرف على طرق التجارة والحج ـ ومن بعد ما أسقطوها فضلوا ماشيين لحد مدينة "البيرة" ـ في الضفة الغربية بالقرب من رام الله في فلسطين وتعتبر برده مركز تجاري حيوي ـ رغم البعد بين المدينتين، لكن المغول كانوا بيتنقلوا في بلاد الشام بسرعة بسبب قواتهم الضخمة وقدرتهم على التحرك لمسافات طويلة، وكانوا بيدمروا المدن اللي بيدخلوها واحدة ورا التانية في سرعة زي الجراد.
أتحرك السلطان "الظاهر بيبرس" بجيشه بسرعة وخرج من دمشق، يلحق الدمار اللي بيحصل ده، وبعت رسالة طائرة مستعجلة ل"حمص" ـ في سوريا شمال دمشق وقريبة من نهر العاصي ـ يأمر واليها بتجهيز عشر مراكب، وشحنوهم علي ضهور الجمال ورا جيش السلطان، لحد ما وصل لنهر الفرات. وهنا شاف جيش المسلمين، جيش المغول ع الضفة التانية من النهر، فأمر السلطان "الظاهر بيبرس" جنوده بإقامة جسر، ونزل المراكب من ع الجمال للنهر. وابتدا القتال بالسهام من وهم لسه علي الضفة التانية، ووقت العبور في النهر، جنود المسلمين في المراكب لسه بيعدوا، وجيش المغول على الضفة التانية، والسهام شغالة بينهم رايح جاي، لحد ما وصل السلطان "الظاهر بيبرس" للضفة اللي فيها المغول، ونزل جنود المسلمين من المراكب، وعدا الباقي بخيولهم من على الجسر، وبدأ القتال بعنف من جهة المسلمين في "الرحبة"، وكانت النتيجة عدد قتلى كبير جدا من المغول وهزيمتهم.
بعدها ركب السلطان "الظاهر بيبرس" المراكب تاني مع جنوده، واتحركوا في نهر الفرات لحد الشاطئ الشرقي للشام عشان يكمل منه على "البيرة"، بس أول ما وصل الشاطئ وصلته الأخبار أن المغول اللي في "البيرة" لما عرفوا اللي حصل لأخواتهم في "الرحبة" أترعبوا وهربوا، وسابوا كل معداتهم وأسلحتهم والمجانيق عشان يبقوا خفاف في الجري. كمل السلطان "الظاهر بيبرس" ل "البيرة" وسابلهم 1000 دينار عشان يصلحوا اللي دمره المغول، ورجع تاني قاصد "دمشق".
لما وصل السلطان "الظاهر بيبرس" ل"عسقلان" وصله أخبار أن "أبغا خان" راجع بجيشه ل"بغداد"، فكر "بيبرس" أنه يلحقه ويوقع به، فبعت ل"القاهرة"، يأمرهم يخرجوا جيشه اللي فيها ويجوا وراه، فلما وصلوا ل"يافا" كان جت للسلطان أخبار تانية أن خلاص "أبغا خان" دخل بغداد، فأمر الجيش اللي في "يافا" يرجع "القاهرة" تاني ـ وفروا طاقتكم ياولاد أحنا داخلين على ليالي بيضا ـ وكمل هو ل "دمشق".
وصلت للسلطان "الظاهر بيبرس" أخبار تانية من على جانب تاني، الملك "هيثوم" ملك الأرمن نقض الاتفاق بينهم اللي أتعقدت سنة 1266 ميلادية - راجع الجزء ال 13 - وقتها السلطان "الظاهر بيبرس" أنبسط أوي وقال حلو جدا التوقيت ده، فالملك "هيثوم" كان مائل لمساندة "أبغا خان" وسبق قبل كده كان وسيط للصلح اللي طلبه "أبغا خان" قبل كده ورفضه "بيبرس" ـ راجع الجزء ال 17 - فكانت فرصة ل "بيبرس" أنه يكسر أجنحة المساعدة اللي مع "أبغا خان".
من ضمن المساعدات اللي حصل عليها السلطان "الظاهر بيبرس" في قراره، كان أتفاقه السري مع الوزير " معين الدين سليمان براوناه" وزير السلطان السلجوقي "ركن الدين قلج أرسلان الرابع". السلاجقة اللي كانت دولة عظيمة في الماضي ـ أتكلمنا عن أمجادهم قبل كده في سلسلة الحشاشين ـ في الوقت ده كانت في قمة ضعفهم ومقهورين تحت رحمة المغول، فحاول الوزير "براوناه" ـ ده لقب فارسي معناه الحاجب ـ أنه يعمل الصح ويمد ايده ل"بيبرس" أخوه في الدين والملة، لعلها وعسى تكون المنجية. كتب "معين الدين براوناه" للسلطان "الظاهر بيبرس" رسالة في غاية السرية، يحرضه فيها على دخول بلاد الروم، لكنه بعدها بعتله رسالة تانية كتبله فيها أن من الأفضل يقضي على الأرمن الأول والسنة اللي بعدها الروم، وبكده تكون كسر كل نجاحات "أبغا خان" وقهرت اللي مساندينه ومقوينه علينا. الكلام عجب السلطان "الظاهر بيبرس" ومشي على هواه واللي بيفكر فيه.
في سنة 673 هجرية /1275 ميلادية، طلع السلطان "الظاهر بيبرس" بحملات على حدود آسيا الصغرى وكلها ربنا كتبله فيها الانتصار، ودخلت تحت نفوذ وسيطرة المماليك. واتجه بعدها لمدينة "سيس" - عاصمة مملكة أرمينيا في شمال سوريا حاليا وقريبة من حدود تركيا - وبعدها مدينة "المصيصة" ـ قريبة من سيس كانت تابعة برده لمملكة أرمنيا ـ ودخلت جيوش السلطان "الظاهر بيبرس" على الأرمن دخلة إنك لميت وأنهم لميتون على رأي "محمود عبد العزيز " في فيلم "إبراهيم الأبيض".
فاكر اللي حصل في "أنطاكيا" ـ راجع الجزء ال 16 ـ نفس اللي عمله "بيبرس" فيهم عمله في "سيس" و "المصيصة" لا زاد قلم ولا نقص. دخل جيش "بيبرس" دخلة في منتهى الوحشية من القتل والتخريب والدمار ـ وأدي جزات اللي ينقض العهد من السلطان "الظاهر بيبرس" ـ وأخد من مملكة الأرمن اللي بقت خلاص تابعة لمملكة المماليك، أطنان من الغنائم، حتى أتقال أن من كترها ملت فضاء "أنطاكيا" لما ودوهم فيها.
يعني لو كان الملك "هيثوم" لم نفسه وملعبش من الولاد الوحشة زي "أبغا خان"، وحفظ عهده مع السلطان "الظاهر بيبرس"، مش كان فضل بعيد عن غضب السلطان بالشكل ده. "هيثوم" لعبها بغباء حقيقي، فاتاخد مجرد سلمة للوصول للهدف الأكبر، وهو القضاء على "أبغا خان" وجيشه المغولي.
في نفس السنة 674 هجرية / 1275 ميلادية، أستغل "داوود" أنشغال "السلطان الظاهر بيبرس" في حروبه، وأنقلب على عمه "شكندة" حاكم النوبة وأخد منه الحكم، ورفض دفع الجزية للسلطان.
في الوقت ده كانت النوبة خاضعة لمملكة مصر، أي إن كان مين الحاكم، هم تبع مصر. وكان عليهم جزية بيدفعوها للسلطان كل سنة. جه "داوود" وعمل قلق في جنوب مصر ـ ماهو فاكرها سايبة والسلطان مش فاضي ـ ومكتفاش بالانقلاب والامتناع عن دفع الجزية، ده كمان أغار على قرى وبلاد من أسوان وعيذاب، وأخد من الفلاحين أسرى.
لما "شكندة" مقدرش على انقلاب إبن أخوه، جري على القاهرة يستنجد بالسلطان "الظاهر بيبرس". طبعا السلطان مكنش في مصر، بس مين قال أنه محتاج يكون في مصر عشان يتصرف، هي كفاية رسالة مستعجلة بالحمام الزاجل مطرح ماهو موجود، والدنيا تتقلب عاليها سافلها.
السلطان "الظاهر بيبرس" أول ما وصلته رسالة النوبة، أمر بتجهيز حملة قوية تطلع على "النوبة" وراسها "شكندة" وبقيادة الأمير "شمس الدين أقسنقر الفارقاني" ومعاه الأمير "عز الدين الأفرم". وأول ما وصلت الحملة ل"دنقلة" ـ حاليا في شمال السودان وكانت مركز مهم للحضارة النوبية زمان ـ قابلوا جيش "داوود" ودارت حرب شرسة بين المماليك والنوبيين، انهزم فيها النوبيين وانتصرت المماليك، وأسروا من النوبيين أعداد كبيرة، واتباعوا في أسواق العبيد الواحد ب 3 دراهم.
"داوود" خلع من المعركة وهرب واتحامى في واحد من ملوك بلاد النوبة، حتى من خوفه ساب وراه أمه وأخته وبنت أخوه مسألش فيهم، فوقعوا في ايد المماليك. وبعدها رجعوا "شكندة" للحكم تاني، وخلوه يحلف يمين الطاعة والولاء للسلطان "الظاهر بيبرس" وكان نص اليمين اللي قاله:
"والله والله والله وحق الثالوث المقدس والإنجيل الطاهر والسيدة الطاهرة العذراء أم النور والمعمودية والأنبياء والرسل الحواريين والقديسين والشهداء والابرار وألا أجحد المسيح كما جحد يودس وأقول فيه ما تقول اليهود. أنني أخلصت نيتي وطويتي من وقتي هذا وساعتي هذه لمولانا السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس خلد الله ملكه وأنني أبذل جهدي وطاقتي في تحصيل مرضاته وأنني ما دمت نائبه لا أقطع ما قرر علي في كل سنة تمضي وهو ما يصل من مشاطرة بلادي علي ما كان يتحصل لمن تقدم من الملوك بالنسبة وأن يكون النصف من المتحصل لمولانا السلطان والنصف الآخر مرصدا لعمارة البلاد وحفظها من عدو يطرقها، وأن يكون علي في كل سنة من الأفيلة ثلاثة ومن الزرافات ثلاثة ومن إناث الفهود خمسة ومن الصهب الجياد مائةومن الأبقار الجيدة ربعمائة رأس وأنني أقرر على كل نفر من الرعية الذي تحت يدي في البلاد من العقلاء البارزين دينارا عينا".
ولما رجعت الحملة للقاهرة ومعناها الأسرى العبيد وأسرة وأقارب "داوود"، كتبوا رسالة للسلطان "الظاهر بيبرس" يحكواه بشكل تفصيلي اللي حصل واللي كان. فبعتلهم السلطان رسالة فيها الرد يأمرهم بحبس أم "داوود" وأخته وبنت أخوه وميتباعوش عبيد، ومفيش يهودي ولا نصراني يتباع عبد، واللي هيتباعوا ميفرقةش فيهم بين الست وأولادها، يعني كل ست لازم تتباع مع أولادها سوا لمالك واحد.
شوية كده في أوائل سنة 675 هجرية، خاف الملك النوبي اللي كانت مخبي عنده "داوود" من السلطان وغضبه، فقبض عليه وسلمه تسليم أهالي للقاهرة، فأعتقلوه مع أهل بيته في قلعة الجبل
وبكدة خضعت بلاد النوبة خضوع حقيقي وتام لأول مرة للنفوذ الإسلامي، بعد ما كانت هجمات النوبيين وتمرداتهم دايما متكررة، على إيد السلطان المملوكي ومؤسس الدولة المملوكية "ركن الدين بيبرس البندقداري".
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق