الظاهر بيبرس البندقداري 19
(19) وصلت حملة الأمير "أدوارد" الصليبية - ودي كانت الحملة الصليبية التاسعة على بلاد الشرق - علي عكا يوم 24 ربيع الأول 670 هجرية / 9 مايو 1271 ميلادية ومعاه 7 ألاف جندي صليبي، وكان جاي وراه باقي الحملة الصليبية واللي كانت خارجة من قبرص. السلطان "الظاهر بيبرس البندقداري" فكر أنه يسبق اللي لسه خارجين من قبرص، ويمنعهم من الخروج. فبعت أسطول لجزيرة قبرص في سنة 669 هجرية / 1271 ميلادية في محاولة منه لغزوها، لكن أرادة الله خالفت تخطيط السلطان "بيبرس"، وقابلت أسطولة عاصفة شديدة حطمت 11 سفنينة وهم عند ثغر اللمسون قبل ما يوصلوا، ولما عرف أهل قبرص باللي حصل، أنقضوا على اللي فاضل وأسروا اللي فيها من المسلمين.
بعت ملك قبرص رسول للسلطان "الظاهر بيبرس" يقوله: "إن صاحبي يسلم عليك ويقول لك قد أخذت مراكبك". رد عليه السلطان في ثقة وقاله: "قل له لا تفرح فما أخذها إلا بسيفي، ولو سلموا المراكب لأخذوا جزيرته بحول الله وقوته. وقد أخذت في سفرتي هذه أربعة عشر حصنا. ولا شك أن العين لها حق والحمد لله الذي فدى عسكري بالملاحين والعوام، وأرجو من الله تعالى تعويض ذلك". حتى "بيبرس" أخد عين لا حول ولا قوة الا بالله الدنيا مبقاش فيها أمان.
مكتفاش السلطان "الظاهر بيبرس" بالرد الشفهي ده، وبعت رسالة مكتوبة لملك قبرص قاله فيها: "إلى حضرة الملك أوك، جعله الله ممن يوفى الحق لأهله ولا يفتخر بنصر إلا إذا أتى قبله أو بعده بخير منه أو مثله. نعلمه أن الله إذا أسعد إنسانا دفع عنه الكثير من قضائه باليسير وأحسن له بالتدبير فيما جرت به المقادير. وقد كنت عرفتنا أن الهواء كسر عدة من شوانينا. ونحن الآن نبشره بفتح القرين، وأين البشارة بتملك القرين من البشارة بما كفى الله ملكنا من العين. وما العجب أن يفخر بالاستيلاء على حديد وخشب، الاستيلاء على الحصون الحصينة هو العجيب. وما النصر بالهواء مليح إنما النصر بالسيف هو المليح. وإن عدمت من بحرية المركب آحاد فعندنا من بحرية المراكب ألوف. وأنتم خيولكم المراكب ونحن مراكبنا الخيول. فلئن كنتم أخذتم لنا قرية مكسورة فكم أخذنا لكم من قرية معمورة، وإن استوليتم على سكان فكم أخلينا بلادكم من سكان، وكم كسبت وكسبنا فيرى أينا أغنم، ولو أن في الملك سكوتا كان الواجب عليه أنه سكت وما تكلم". أنا من رأيي أن "بيبرس" مكنش قائد وحاكم عظيم ده كمان كان صاحب ردود وقصف جبهات تدرس والله.
في يولية سنة 1271 ميلادية، طلع الأمير "أدوارد" مع ملك قبرص وجنودهم من عكا وراحوا علي الناصرة - في فلسطين - وأنتهزوا الفرصة أن السلطان "الظاهر بيبرس" ساب الشام ورجع علي مصر، وراحوا هاجمين على الرملة واللد غرب القدس. الحملات الصليبية الجديدة اللي بتطلع من أوروبا، بيبقى ملوكها وأمراءها شايفيين أنهم قادرين يعملوا اللي ما تعملش، واللي فشل فيه اللي كانوا قبلهم، فبيبقى هدفهم مش بس مجرد مدد ومساندة للبلاد المفروض عليها حصار، أنما بيبقى غرضهم أستعماري جديد، يرجعوا البلاد اللي راحت منهم، وسقف طموحاتهم بيبقى عالي في أنهم يتوسعوا ويستوطنوا زيادة، وده طبعا في المشمش وأحلام العصاري في وجود شخص زي السلطان "الظاهر بيبرس".
حكينا في الجزء اللي فات أن "أبغا خان بن هولاكو" طبع بحملة بعد ما سلطه الملك "بوهمند السادس"، والسلطان "الظاهر بيبرس" قدر يردهم وينتصر عليهم. وفي نفس الوقت أستغل الصليبيين الموقف وطلع الأمير "أدوارد" بجيشه على قاقون، راح السلطان بعت جزء من الجيش بقيادة الأمير "أوش الشمسي" وأخد الصليبيين العلقة المتينة خلاهم يهربوا من أرض المعركة وأتأسر منهم 20 فارس.
وعلى الرغم من أنتصار السلطان "الظاهر بيبرس" عليهم، ألا أنه وافق على عقد الصلح والهدنة معاهم برده زي ما حكينا وشرحنا أسباب ووجهة نظر السلطان في الجزء اللي فات. وفي سنة 1272 ميلادية عقد السلطان "الظاهر بيبرس" أتفاق الصلح مع ملك قبرص لمدة 10 سنوات.
في أثناء تصفحي لبعض الكتب والمصادر التاريخية للفترة دي، أكتشفت أن فيه كذا مصدر وكتاب لمؤرخين أوروبيين زي "ماثيو باريس" و "رالف كوكشال" و "جان دو جوانفيل"، كتبوا وقالوا أن الأمير "أدوارد" أتعرض لمحاولة أغتيال بتسليط من السلطان "الظاهر بيبرس" لما كان في عكا، وده كان السبب الرئيسي في رجوعه لأنجلترا بعد نجاته منها. المعلومة دي متذكرتش في المصادر الاسلامية خالص، كل المذكور فيها أن الأمير "أدوارد" رجع أنجلترا بعد توقيع الصلح، وعشان أبوه ملك أنجلترا "هنري التالت" توفى، فسافر لتسلم عرش انجلترا ويصبح الملك "أدوارد الاول". الرواية الصليبية دي أنا برفض حدوثها جملة وتفصيلا، وشايفاها أكذوبة من أكاذيب الصليبيين، وهقولك ليه.
الحكاية الصليبية بتقول أن في يونيو 1272 ميلادية لما كان الأمير "أدوارد" في عكا، بعت السلطان "الظاهر بيبرس" واحد فدائي من تنظيم الحشاشين - وحطلي تحتها دي كده خط - عشان يدخل عكا بحجة أنه رسول جاي بمقترح للسلام من السلطان. وأول ما دخل على الأمير "أدوارد" طلع خنجر مسموم وطعنه بيه في جنبه تحت دراعه، وعشان الأمير "أدوارد" كان فارس قوي، قدر يصارع الحشاش وقتله، لكن الجرح كان خطير وعميق وكمان مسموم، فوقع الأمير "أدوارد" وجت مراته "إليانور" تجري عليه وقعدت تمصله السم من الجرح. وجت الأطباء وعالجوه لحد ما أتنجي منها بمعجزة، وبعد ما خف خد بعضه ومراته ورجعوا أنجلترا.
تعالى بقي نفصص الحكاية اللي تتعب المرارة دي بهدوء. بالنسبة لحكاية الحشاش الفدائي أولا كده المغول هدموا قلعة الحشاشين - ألموت - سنة 1256 ميلادية. ثانيا وده اللي هنعرفه في الأجزاء الجاية ان شاء الله أن السلطان "الظاهر بيبرس" هو اللي قطع دابرهم خالص كتنظيم عسكري في الشام سنة 1273 ميلادية، يعني بين "بيبرس" والحشاشين ما صنع الحداد، يبقى هيساعدوه ازاي في حاجة زي كده، من باب أولى العكس هو اللي كان يحصل. وبالنسبة لموضوع الاغتيال ذات نفسه، ألا ما عملها "بيبرس" من بعد مقتل "قطز" في المماليك أعداؤه ذات نفسهم - زي ما حكينا قبل كده أيام أجزاء المؤامرات - هيعملها ليه في حتة أمير من مئات الأمراء اللي بيحاربهم كل يوم عادي. معروف اللي بيلجأ لمؤامرة الأغتيال ده هو الطرف الأضعف اللي مفيش في ايده حيلة غير دي، أنما "بيبرس" كان طرف قوي وفارض شروطه على الكل في الوقت ده، والكل من الصليبيين والمغول بينخ ويركع تحت سلطته يبقى هيغتاله ليه. وبالنسبة لحكاية "أليانور" فده أثبات صريح أن الحكاية ما هي الا حدوتة متألفة - أدام الحكاية فيها تفاصيل درامية كده تبقى تزوير - بتمص السم ازاي يعني مش فاهمة هي عضة تعبان ده جرح خنجر، هتدخل بوشها كله فيه ولا عملت ايه، أعقلوا الكلمة.
عاوز يبينلك الأمير "أدوارد" الراجل المسالم المغدور بيه الطيب الكيوت وفي نفس الوقت الفارس الصنديد القوي اللي استحمل طعنة خنجر مسموم لا قتل قاتله، وتدخل تبص على صوره تلاقيه شبة البرص الجعان. وأن السلطان "الظاهر بيبرس" كان ياحرام غدار وكان بينتصر عليه بالخسة والغدر والمؤامرات مش بالمواجهات الحربية النزيهة. طيب أنا بعرض الحكاية دي ليه وأنا متأكدة أنها محصلتش؟. تقدر تعتبرها تأكيد على أكاذيب الغرب قديما وحديثا، وتشويهم للتاريخ وتشويه شخصيات القادة والأبطال، خصوصا الأبطال المسلمين، وبرده هقولك شد خط تحت كلمة قديما وحديثا وحاضرا.
لاحظ أن السلطان "الظاهر بيبرس" كان دايما المنتصر في كل غزواته على الصليبيين. نازل هزيمة في جيوشهم وياخد حصونهم والمدن المحتلينها واحدة ورا التانية. طبعا ده كان توفيق من ربنا في المقام الأول، ومن بعدها ذكاء وبراعة وعزيمة "بيبرس"، وكمان كان فيه أسباب تانية من ناحية الصليبيين خدمته وساعدته في نول مراده.
أول سبب أن الصليبيين رغم أنهم كانوا على دين واحد، ومفروض أن بداية حملاتهم كان الهدف المعلن ليها أساسه ديني، إلا أنهم كانوا متنافسين بينهم وبين بعض وحاسدين وحاقدين على بعض، وفي وقت "بيبرس" كان وصل بيهم الحال للشقاق والنزاع بينهم وبين بعض، وطبعا في الاتحاد قوة وفي الشقاق ضعف، عشان كده فشلوا في كل حروبه، كل واحد كان بيبص علي حصن التاني ويقول أحسن يستاهل ويشمت في أخوه بدل ما يساعده، وفاكر أنه بصلحه مع "بيبرس" أنه كده في أمان واللي حصل لأخوه مش هيحصله. وناسي أن الدايرة هتلف وتقفل عليه زي ما عملت في أخوه. مش عارفة ليه حاسة أني شفت الحوار ده قريب.
تاني سبب أن الصليبيين مكنش ليهم حاكم واحد مسيطرعلى كل المدن الموجودة في الشام، كل بلد ليها حاكم مستقل عن البلد اللي جنبه، أو ملك مسيطر علي بلد وكام قرية كده حوالية ع الديق، يعني متقسمين - زي ما قسمونا في سايكس بيكو - وده سبب مهم وخطير في التشتت وكل واحد بقى يبص على مطامعة وأهدافه الشخصية وازاي يوصلها حتى لو على حساب أخوه، ونسيوا الهدف الأساسي اللي جم عشانه من أوروبا.
تالت سبب كانت مصالح الصليبيين متشعبة لأن كل حاكم فيهم جاي من بلد مختلفة عن التاني، فنقلوا صراعاتهم وحروبهم بين بعض في أوروبا لأرض الشرق، وقاتلوا بعض فيها، وده سبب مهم لضعفهم قصاد "بيبرس".
رابع سبب كذا مرة شفنا في حكايتنا مع "بيبرس" قد ايه كانوا بينقضوا العهود معاه وبيمتنعوا يسلموا حصونهم بعد استسلامهم فده خلى "بيبرس" عنيف جدا معاهم.
خامس سبب التحالف اللي حصل بين الصليبيين والمغول، نفس التحالف ده اللي فكروا أنه هيقوي جبهتهم قصاد "بيبرس"، هو نفسه اللي كان السبب في ضعفهم. وده لأن بسبب تحالفهم فكر "بيبرس" يتحالف مع "بركة خان"، وتحالف "بيبرس" كان أقوى لأنه كان تحالف حقيقي علي محبة الاسلام والدفاع عنه، والدفاع عن العقيدة بإخلاص بيبقي أقوى وأمر وأقسى من مجرد دفاع عن مصالح دنيوية.
وللأسباب دي مجتمعة قدر السلطان "الظاهر بيبرس" يهزم الصليبيين، ولنفس الأسباب حقد الصليبيين ومؤرخينهم على "بيبرس" وحطوا في مؤلفاتهم اللي بيشوه صورته وسمعته، كقائد وبطل مسلم مغوار دافع عن أرضه وطهرها من دنس المحتلين.
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق