الظاهر بيبرس البندقداري 18
(18) 17 رمضان سنة 669 هجرية / 29 أبريل 1271 ميلادية، ده اليوم اللي صحي فيه حامية حصن عكا من الصليبيين،على حصار جيش المسلمين بقيادة السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري"، واللي كان حصار قاسي وشديد علي حامية الحصن. ولما لقى سكان الحصن أن مفيش فايدة ومش قادرين يقاوموا ويدافعوا عن الحصن، بعتوا منهم رسول للسلطان بيطلب منه الأمان. وافق السلطان "الظاهر بيبرس" وأمنهم علي حياتهم بشرط يسلموه حصن عكا. وفي وقت ما هو كان بيتفاوض مع صليبيين عكا، كان الجيش بيستفر ويستعد عشان يهجم علي طرابلس، أقوي مدن الصليبيين بعد أنطاكية. لكن مش دايما بتأتي الرياح كما تشتهي السفن، يوم 9 مايو 1271 ميلادية في عز المعمعة ما بين حامية حصن عكا والاستعداد لطرابلس، بتوصل أخبار للسلطان "الظاهر بيبرس" أن الأمير "إدوارد" - واللي فيما بعد أصبح ملك أنجلترا "الملك أدوارد الأول" - ومعاه مدد من الصليبيين جايين وخلاص على وصول لشواطئ عكا.
السلطان "الظاهر بيبرس" كان معروف بذكائه السياسي والعسكري ومراوغاته الدبلوماسية، عشان كده شاف أن قبول الصلح مع عكا في الوقت ده مناسب جدا، عشان يديه فرصة يعيد فيها ترتيب قواته والتخطيط لتحركاته المستقبلية. ومع وصول معلومة وصول تعزيزات صليبية لعكا ده خلته يتوقع وقوع خساير بشرية وعسكرية أكتر وزيادة تكاليف الحصار، وبالصلح هيتفادى تصعيد النزاع مؤقتا. يعني خيار الصلح في الوقت ده كان تكتيك يحققله مزايا من غير ما يتورط في مواجهة مفتوحة مع الصليبيين الله أعلم مداها هيوصل لحد فين.
وفي نفس السنة 1271 ميلادية، بيصحى في يوم الملك "بوهمند السادس" - غريم "بيبرس" الأكبر وأتكلمنا عن علاقتهم قبل كده في الجزء ال 16 - يلاقي جيش المسلمين بقيادة السلطان "الظاهر بيبرس" محاصر طرابلس. بص الملك "بوهمند السادس" من طابية الحصن بتاعه، أتخض من منظر جيش المسلمين المحاصر مدينته، وساعتها أفتكر منظر مدينته السابقة أنطاكية بعد ما "بيبرس" خربها وقتل كل ما فيها وحرق قلعتها الحصينة - هتلاقوها في الجزء ال 16 برده - فبعت الملك "بوهمند السادس" رسول برسالة للسلطان "الظاهر بيبرس" قاله فيها: "ما مرادك أيها السلطان في هذه الأرض؟". رد عليه السلطان "الظاهر بيبرس" وقال له: "جئت لأرعى زرعكم وأخرب بلادكم ثم أعود إلى حصاركم في العام الآتي".
لما قرأ الملك "بوهمند السادس" رسالة السلطان "الظاهر بيبرس" المستهزئة، فعرف أن القضاء عليه أصبح أمر واقع. فبعتله رسالة تانية كلها صعبانيات الحقيقة، يعني كان فيها نبرة أستعطاف ورجاء، وضحله فيها أد أيه إنه غلبان وضعيف ميقدرش علي مواجهته. وبعدين رجع يفكره أن فيه بينه وبينهم عهد وأتفاق سابق لازم يحترمه. وطلب منه ورجاه يفك الحصار ويتوسل ليه أنه ميدمرش البلد.
لما قرأ السلطان "الظاهر بيبرس" رسالة الملك "بوهمند السادس" قرر أنه يقبل بعقد صلح جديد معاه وده لأسباب شبيهة بعقد الصلح مع عكا قبل كده، يعني يستفيد من تحالف مؤقت عشان يركز جهوده الجاية مع المغول أو أستقبال الصليبيين الجدد اللي جايين على عكا، وأنه يخلي طرابلس تابعة ليه ومستسلمة ويسيب "بوهمند السادس" في السلطة حاكم ضعيف خاضع للأتفاق، وكمان عشان يوصل رسالة لأعداؤه أنه خصم قوي وباطش لكنه عادل على أستعداد أنه يتقبل الحلول السلمية لو أحترمتوا شروطه.
عشان كد بعت السلطان "الظاهر بيبرس" الأميرين المملوكيين "فارس الدين الأتابك" و "سيف الدين بلبان الرومي الداودار" ومعاهم شروط ومقترحات لعقد الصلح بينهم واللي بتتلخص في:
1- أعتراف "بوهمند السادس" بالسيادة المملوكية على طرابلس والمناطق اللي حواليها التابعة ل"بوهمند السادس".
2- دفع الجزية للدولة المملوكية كنوع من التعويض عن الحماية اللي هيوفرها المماليك لطرابلس والمدن اللي حواليها.
3 - عدم تدخل "بوهمند السادس" في أي شؤون داخلية أو عسكرية خاصة بالمماليك في البلاد، يعني يكون وضع الصليبيين فيها أي كلام وجودهم زي عدمه.
4 - عرض "بيبرس" مقابل موافقة "بوهمند السادس" على الشروط السابقة، أنه يتعهد بحماية المسيحيين في طرابلس والبلاد اللي حواليها وضمان حقوقهم.
قرأ الملك "بوهمند السادس" شروط السلطان "الظاهر بيبرس" وفهم نواياه ورسايله المخفية بين السطور كلها، لكنه في النهاية برده ضعيف قصاده، بس حاول يعمل محاولة أخيرة للأستعطاف بأنه قال للأميرين: "إن السلطان لما أخذ أنطاكية مني كان عذري مبسوطا عند الفرنج، ولما قصد حصن عكا فطلب مني أن أنزل عن نصف بلادي، فلم أجبه خوفا من الفرنج أن يعيروني بتسليمي البلاد من غير حرب وقتال وأنا أعلم أني لا أقدر به، لكنني لا يحسن بي أن أسلم إليه البلد من غير قتال حتي لايكون على عتب من ملوك الفرنج".
لما رجع الأميرين للسلطان "الظاهر بيبرس" ومعاهم رد الملك "بوهمند السادس"، فالمسكنة بتاعته دي مجتبتش مع السلطان سكة. أصر السلطان "الظاهر بيبرس" علي شروطه، ده لو أنت عاوز الصلح، مش عاجباك الشروط الجيش جاهز للأقتحام. وبكده رضخ "بوهمند السادس" وعقد المهادنة مع السلطان "الظاهر بيبرس" على أن تكون الهدنة مدتها 10 سنين.
لكن الملك "بوهمند السادس" مسكتش على كده، قوام بعت رسول لزعيم المغول "أبغا بن هولاكو" بيستنجد بيه وبيحمسه يحارب جيش المسلمين، بما أنهم عاقدين مع بعض تحالف زي ما ذكرنا في الجزء ال 17. وفضل رسول "بوهمند السادس" يحكي اللي عمله السلطان "الظاهر بيبرس" ل "أبغا خان" من أهوال وفتوحات لبلادهم وقضاؤه علي الصليبيين وقوته وبطشه، لحد ما "أبغا خان" أتملت نفسه بالرعب أكتر ما هو مرعوب من السلطان "الظاهر بيبرس" فقام يصرخ في وشه وقال: "أنت ما جئت إلا لتخوفني منه وتنفرني عنه وتملأ قلوب عسكرى رعبا". وراح مطير راس الرسول الصليبي بسيفه من شدة غيظه. ورغم كده أصر "أبغا خان" يخرج جيشه لمحاربة المسلمين، عشان يحسس نفسه أنه مش جبان ومش خايف، وكل دي إشاعات وكلام ملهوش عندك أثبات.
في سنة 670 هجرية، أنطلق جيش "أبغا خان" وأغار علي عين التاب وعمق الحارم - في سوريا حاليا - وكان السلطان "الظاهر بيبرس" في دمشق وقتها، فبعت رسالة مستعجلة للأمير المملوكي "بدر الدين بيسري الشمسي" في مصر، يأمره فيها بالخروج علي رأس 3 ألاف فارس. وبعت لمرعش وحران والرها - كلهم في سوريا حاليا - كل منهم يخرج فريق من جيشه علي راسه أمير مملوكي. وخرج السلطان من دمشق بعساكره وأتقابلت كل الفرق في حلب. ومن حلب خرجت كل الفرق بقيادة الامير "علاء الدين طيبرس الوزيري" ووصل لجيش المغول وحاربهم وأنتصر عليهم وخلاهم يرجعوا تاني لورا.
في الوقت ده وصلت أخبار للسلطان "الظاهر بيبرس" أن الصليبيين أغاروا على قرية قاقون، فطلع السلطان على مصر عشان يجهز جيشه أكتر، وبعد ما خلص "طيبرس الوزيري" مهمته مع المغول، خد بعضه ومشي على مصر يلحق السلطان. المغول بقى أستغلوا الفرصة، وراحوا لافين وداخلين علي حران وغزوها وهدموا أسوارها.
لما رجع السلطان "الظاهر بيبرس" علي مصر، قدر يستعيد ترتيب جيشه ويجهزه أكتر، وشاف لوضع بطريقة أكتر شمولية واللي بناء عليه حد خططه وتكتيكاته وسم تحركاته مع قيادات جيشه، بشكل يناسب الوضع الجديد اللي هم عليه دلوقتي. وقدر جيش المسلمين بقيادة "بيبرس" في حركة مزدوجة يطرد الصليبيين من قاقون، والمغول من حران، وطلع السلطان بعدها على قيسارية ومن بعدها قعد في دمشق. في دمشق حضر رسل من المغول بيطلبوا من السلطان "الظاهر بيبرس" عقد الصلح والهدنة.
المرة دي وافق السلطان "الظاهر بيبرس" على الصلح، ممكن نقول أن السلطان المرة دي وافق كخطوة تكتيكية للتخفيف من التوترات اللي مع بعضها في المنطقة، وده ذكاء وحسن تصرف منه، فتوقيع الصلح هيحقق الاستقرار حتى لو بشكل مؤقت، وهو أمر ضروري في قلب الحروب المستمرة. ده كمان السلطان "الظاهر بيبرس" عمل موقف دبلوماسي وبعت ل "أبغا خان" هدية مع رسله، كمظهر لإدارة العلاقات مع القوى المختلفة في المنطقة.
في 12 يونية 1271 ميلادية، طلع السلطان "الظاهر بيبرس" على حصن القرين - في سوريا - وحصل أقتتال بين جيش المسلميين والصليبيين. وفي النهاية مقدرش الصليبيين يصمدوا قصاد عنف قتال المسلمين، ورفعوا الراية البيضا وطلبوا من السلطان الأمان. وافق السلطان "الظاهر بيبرس" على تأمينهم وخروجهم من الحصن بشرط ما يخدوش معاهم لا فلوس ولا سلاح. ونفذ الصليبيين من مدنيين وجنود شروط السلطان، وخرجوا من حصن القرين على رجليهم، حامدين ربنا أن لسه أرواحهم موجودة في أجسادهم. وبعد خروج الصليبيين منها، أمر السلطان "الظاهر بيبرس" بهدم قلعة القرين.
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق