الظاهر بيبرس البندقدارى 15
(15) في سنة 664 هجري / 1266 ميلادي، أنتصر السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري" على فرسان الداوية من الصليبيين، وأسقط قلعة صفد ومن قبلها قيسارية وأرسوف، زي ما حكينا في الجزء ال 13.
خرج السلطان "الظاهر بيبرس" من دمشق رايح ناحية مصر، وبالمرة يقابل جيشه المنتصر اللي باعته يحارب "الملك هيثوم" الأرمني في مدينة سيس. وبعد ما أتقابل معاهم وتلقي التهاني والتبريكات، وتم توزيع الغنائم بين الجنود والقادة المنتصرين. جت أخبار للسلطان "الظاهر بيبرس" أن الصليبيين اللي في قرية قارا - في سوريا مابين دمشق وحمص - كل شوية بيغيروا على المسلمين اللي في القرى اللي حواليهم وأصحاب الضياع ويضربوهم ويقتلوهم ويسرقوهم ويخطفوا الناس من جوا بيوتهم يبيعوهم عبيد في أسواق الرقيق عندهم وفي البلاد اللي لسه الصليبيين فيها.
سمع السلطان "الظاهر بيبرس" الأخبار دي وحلف ميت يمين لينتقم. هجم السلطان "الظاهر بيبرس" بجيشه على قارا، وهجم عليهم هجمة من غير فرملة، حرق صوامعهم، ومزق جنودهم وعساكرهم، وخرجهم كلهم من بيوتهم، وحول كنيستهم لجامع، وخد شبابهم عبيد لمماليكه. العين بالعين والبادي أظلم.
لم السلطان "الظاهر بيبرس" جيشه وغنايمه والعبيد والأسرى، ورجع بيهم على مصر. قضى فترة صعبة من الحروب والفتوحات المتوالية، وكان محتاج ياخدله بريك هو وجنوده ويرجعوا لأهليهم يفرحوا معاهم بإنتصاراتهم ويستعيدوا قوتهم ونشاطهم من تانى، الراحة النفسية للجنود وسط الأهل والخلان مهمة. لكن قعدة السلطان "الظاهر بيبرس" مطولتش في مصر، كان حاسس أن عليه ألتزامات لازم ينهيها في سواحل الشام مع الصليبيين.
في نفس السنة 664 هجرية / 1266 ميلادية، خرج السلطان من مصر مع جماعة من أمرائه وفرقتين من جنوده. أول محطة أستقروا فيها كان في غزة، تابع شئونها وسير الاصلاحات وتنفيذ الأوامر، وبعدها أتحرك بجيشه ناحية قلعة صفد عشان يشوف سير الترميمات والاصلاحات فيها ماشية ازاي.
أول ما خرج السلطان "الظاهر بيبرس" من غزة، هجم "أباقا بن هولاكو" زعيم المغول الجديد من بعد وفاة "هولاكو"، على مدينة الرحبة - أسمها الحالي الميادين موجودة في سوريا على نهر الفرات - فلما وصل للسلطان "الظاهر بيبرس" خبر هجوم المغول على الرحبة، غير وجهته بدل ما كان رايح الصفد، أتحرك على سكة دمشق عشان ينطلق منها على الرحبة. لكن قبل ما يوصل السلطان "الظاهر بيبرس" لدمشق، جاتله أخبار أن جيش "أباقا" المغولي أنسحب، لف ورجع تانى. ابتسم "بيبرس" وغير تاني أتجاهه وكمل لقلعة صفد زي ما كانت عاوز في الأول بكل هدوء.
طب هو ليه جيش "أباقا" أنسحب بالسرعة دي، جاي في أيه وسافرت في أيه. السلطان "الظاهر بيبرس" بعد سلسلة الحروب اللي خاضها مع المغول عمل تكتيكات دفاعية وهجومية ذكية، قدر يبني جيش قوي في كل مدينة سيطر عليها، وجهزهم بتجهيزات حربية خلت من الصعب على المغول التقدم في أي بلد من بلاد مملكته. ده غير أن جيش المغول كان مشتت - متنساش دور "بركة خان" وابنه من بعده في تشتيت جيش المغول - كل ما "أباقا" ينوي الهجوم على المسلمين، يجي جيش القبيلة الذهبية ضاربه من ورا ملففه حوالين نفسه. ورغم قوة جيش المغول إلا أن مدينة الرحبة كانت بعيدة أوي عن مراكز سيطرة المغول، وده سبب أنعدام المدد من مراكزهم، فكان استمرارهم فيها مكلف وصعب. ده غير العامل الطبيعي من درجات الحرارة العالية فى المنطقة اللى زودت الصعوبة على المغول أنهم يقعدوا فيها فترة طويلة.
لما وصل السلطان "الظاهر بيبرس" لصفد، جاله رسول من يافا بيطلب منه يجدد الصلح اللي كان بينه وبينهم، لأن الصلح القديم سقط بوفاة حاكم يافا، لكن السلطان "الظاهر بيبرس" رفض تجديد صلحه مع يافا.
في سنة 665 هجرية / 1267 ميلادية، هجم أخو الأميرة "إيزابيلا الأولي" الأميرة الصليبية حاكمة بيروت، على مركب فيها مجموعة من التجار المسلمين اللي كانوا رايحين قبرص. وفي نفس الوقت السلطان "الظاهر بيبرس" كان باعت غلامه المخلص "شاهين" فى مهمة لمدينة صور - غالبا كان رسول - اللي كانت تحت الحكم الصليبي لسه، فأتقتل "شاهين" هناك، وغالبا مش الحاكم اللي أمر بقتله. هنا أميرة بيروت لطمت هي وحاكم صور، وقعدوا سوا وهو بيتخيلوا اللي هيعمله فيهم "بيبرس" وهم مدن صغيرة يا ولداه مش زي المدن اللي فرمها قبل كده "بيبرس"، يعني مش هياخده في ايده غلوة.
بعتت أميرة بيروت و حاكم صور رسالة للسلطان "الظاهر بيبرس" بيطلبوا منه السماح والصلح. "الظاهر بيبرس" طبعا كان هيتخذ ضدهم رد فعل أنتقامي عشان يفضل فارض هيبته في المنطقة وناشر بين الصليبيين الرعب. لكن لما بعتوله رسالة طلب الصلح، قال so what نتصالح. الحقيقة أن "بيبرس" كان عاوز يركز جهود جيشه للمدن الكبيرة، الصغيرة دي خليها سناكس بعدين مش وقتها، فخلينا دلوقتي نتصالح.
طلب السلطان "الظاهر بيبرس" من حاكم صور، دية مقتل "شاهين" وقدرها 15500 دينار صوري، وده كان مبلغ مهول. وأمر أميرة بيروت تخرج كل الأسرى المسلمين اللي عندها. ولما دفع حاكم صور الدية وخرجت أميرة بيروت الأسرى، دخل في الصلح الاسبتار - منظمة صليبية عسكرية لحماية الحجاج المسيحيين المتوجهيين للأراضي المقدسة في القدس - وحصن الكرد، فقعد السلطان "الظاهر بيبرس" يكتب نصوص معاهدة الصلح بشروطه وكان نصوصها كالآتي:
1- أن يكون أمدها عشر سنين وعشر أيام وعشر ساعات تبتدئ من يوم الاتنين الرابع من رمضان سنة 665 هجرية.
2 - ألا تنقض بموت أحد الطرفين.
3 - أن يتولى أمر سكان هذه البلاد فيما يخص الحبس والإطلاق والجباية، نائب من قبل الظاهر ونائب من قبل الاسبتار، فإن كانوا مسلمين حكم عليهم بشريعة الإسلام، وإن كانوا مسيحيين عوملوا بمقتضى الشريعة المسيحية.
4 - ألا يأخذ بيت الاسبتار الجزية التي كانت مفروضة على بلاد الاسماعيلية وحماه وشيزر وأفامية وأبي قبيس.
ووقعت معاهدة الصلح جميع الأطراف من غير ما حد يطلب تعديل ولا يفرض شروط بمنتهي الخضوع والانكسار للسلطان القوي العظيم "الظاهر بيبرس البندقداري".
في سنة 666 هجرية / 7 مارس سنة 1268 ميلادية، كان السلطان "الظاهر بيبرس" وجيشه قصاد أسوار يافا، اللي رفض تجديد صلحه معاهم لما كان في صفد. هجم جيش المسلمين علي يافا وهدوا أسوارها وأقتحموا أبوابها، فلما بقوا جوا المدينة، هرب أهل يافا من الصليبيين وأتحاموا في قلعتها، ورفعوا راية الاستسلام، وبعتوا رسول منهم للسلطان يطلب الأمان، وأداهم السلطان الأمان وأخد منهم القلعة.
خرج السلطان "الظاهر بيبرس" من يافا واتجه ناحية الشمال لحد ما وصل قلعة الشقيف أرنون - في لبنان حاليا - في 6 ابريل سنة 1268 ميلادية، ودي كانت تحت حكم الفرسان الداوية أو فرسان المعبد - أتكلمنا عنهم قبل كده في الجزء ال 13 - والقلعة دي كانت متحصنة تحصين شديد، ففضل جيش المسلمين بقيادة السلطان "الظاهر بيبرس" محاصرها، ونصب حوالين القلعة 26 منجنيق وفضل يضرب فيها.
القلعة كانت مستعصية أوي الصراحة علي جنود المسلمين، وكمان مقاومة فرسان الداوية معروفة لينا من قبل كده، بس ربنا لما بيريد بيسبب الأسباب. وقع في ايد جيش المسلمين رسالة مبعوتة لفرسان الداوية من الصليبيين اللي موجودين في عكا، وعرف من خلالها السلطان أسرار وأمارات ما بينهم. وهنا عقل السلطان "الظاهر بيبرس" الجهنمى المتمرس علي المؤامرات أشتغل وحبك لعبة جديدة. كتب السلطان رسالة لحاكم الشقيف علي أنها رسالة عكا اللي مستنيها وعشان يقنعه كتبله أمارات سرية مابينهم وعرفها السلطان طبعا من الرسالة، وحذره فيها من الوزير اللي عنده في الشقيف وقاله أنه جاسوس للمسلمين، ومن جماعة معينة عنده برده عرف أساميهم من الرسالة إياها. وراح باعت رسالة تانية للوزير بنفس الأمارات عشان يصدق أنها رسالة من زمايله في عكا، وحذره من الحاكم أنه هيغدر بيه. أحلي كرسي في الكلوب ده ولا إيه. وقامت العركة جوا أسوار قلعة الشقيف - هم التنين خلصوا على بعضيهم - وبعد 9 أيام حصار وقعت الشقيف لوزة مقشرة فى ايد المسلمين.
طلع السلطان "الظاهر بيبرس" وهو سخن كده مع جيشه علي شمال سوريا وهاجم البلاد اللي حوالين طرابلس. ومقدرش الأمير "بيموند السادس" حاكم أنطاكية يدافع عن البلاد دي للى تعتبر داخله جوا حزام سيطرته. بعدها أنطلق الجيش ناحية صافيتا وأنطرسوس - في سوريا حاليا - وأول ما طلائع الجيش هلت عليهم فوجئ "الظاهر بيبرس" بحكامهم بيرحبوا بيه وطلعوا 300 أسير مسلم كانوا عندهم أحتفالا بالسلطان، وقالوا خدهم وفي عرضك سيبنا نعيش. فالسلطان عرف أنهم علي الله حكايتهم فقالهم طب يلا علي بيتك يا حبيبي منك له. وكمل لحد ما وصل لحماة - واحدة من مملكته - قعد فيها يستريح وقسم فيها جيشه 3 فرق للزحف.
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق