الظاهر بيبرس البندقداري
(1) "جزيرة الورد" قبل ما يبقي أسمها "المنصورة" سنة 647 هجرية/ 1249ميلادي. في واحدة من بيوت جزيرة الورد، واقف "بيبرس البندقداري" بوضع الاستعداد وفي أيده سيفه، وعينه علي الشارع مستني اللحظة المناسبة، يدي فيها أشارة الهجوم لجنوده من المماليك، عشان يهجموا علي جنود الجيش الصليبي، اللي داخلين المصيدة ومش مدين خوانة وفاكرين أن المدينة فاضية وأهلها هربوا زي ما أهل دمياط هربوا منهم من كام يوم. "بيبرس" وجيش المماليك اللي تحت قيادته فضلوا مستخبيين كتير علي ما الصليبيين خدوا ؤاحتهم ع الآخر وخلعوا أسلحتهم وفيهم اللي ريح ونام. وهو واقف كده وعينيه الزرقا صاحية زي الصقر وعضلاته مستعدة للأنقضاض زي الفهد، مر في عقله شريط ذكرياته من يوم ما أتحول من انسان حر لعبد ومن بعدها لمملوك، لحد ما وصل وأصبح قائد جيش المماليك في مصر في قلب خطة محكمة حطها بنفسه ونفذها وأتسمت بعد كدة بخطة "مصيدة المنصورة".
في سنة 640 هجرية/ 1242 ميلادية، هجم المغول علي بلاد القفجاق اللي كانت عبارة عن تحالف من القبائل التركية وتوسعت وعاشت في بلاد روسيا والصين ومنغوليا وكازاخستان. وطبعا المغول كانوا عاملين زي يأجوج ومأجوج كده، لما بيدخلوا بلد بيدمروها، يقتلوا الرجال ويغتصبوا النساء ويبعوا الأطفال في أسواق العبيد، ويقضوا علي الأخضر واليابس. من ضمن اللي أتباعوا في سوق العبيد من أهل بلاد القفجاق، كان ولد نحيف عنده 14 سنة، لا هو أبيض ولا أسمر وشعره أسود ناعم وعينيه زرقا بس عين فيهم كان النني عليه نقطة بيضا غالبا ماية بيضا. وقف الولد وسط قرايبه وجيرانه من صغار أهل القفجاق في سوق عبيد مدينة سيواس - في تركيا حاليا ما بين أنقرة العاصمة ومدينة كارس - وأشتراه من هناك تاجر عبيد.
من عادة تجار العبيد في الوقت ده لما بيشتري العبيد من المنبع كان بيلاحظهم ويشوف فيهم مين اللي يصلح مملوك من حيث قوته البدنية وذكاؤه ومعرفته حتي لو بسيطة لفنون القتال، يكون ولد عصب يعني، وفي نفس الوقت بيشوف أبرز صفة بيه ويسميه بأسم تليق ع الصفة دي، ماهو كان لازم يغير أسم العبد اللي أتولد بيه عشان ينسيه أصله ويقبل بحياته كعبد.. فلما قعد معاهم لاحظ عليه أنه سريع في الجري والصيد ونبيه وذكي فسماه "بيبرس" يعني بالتركية "السيد فهد".
لم تاجر العبيد الأولاد اللي قرر يبيعهم علي أنهم مماليك، وسافر بيهم ل "حماه" في الشام - في سوريا حاليا - عشان يعرض مماليكه علي ملوك وأمراء البيت الأيوبي واللي مشهور عنهم حب شراء المماليك عشان يكبروا بيهم جيوشهم، فقرر التاجر أنه يعرض "بيبرس" ومملوك تاني معاه علي "الملك المنصور محمد" حاكم حماه. في الوقت ده "الملك المنصور محمد" كان لسه صغير وكان بيستعين بوالدته في أنها تختارله المماليك اللي يشتريها. فيوم ما حضر تاجر العبيد ومعاه المملوكين يعرضهم علي الملك، كانت والدتة الملك حاضرة في القاعة لكن يفصل ما بينها وبينهم ستارة، عشان تشوف وتنقي وتختار المماليك. فلما شافت المملوكين قالت لأبنها "الملك المنصور محمد": "خذ المملوك الأبيض، والأسمر لايكون بينك وبينه معاملة، فإن عينيه فيها شر لايح". يعني أم الملك رفضت تشتري "بيبرس" عشان عينه اللي فيها ماية بيضا.
أخد تاجر العبيد "بيبرس" وسافر بيه مع باقي المماليك ل "دمشق"، وهناك باعه لتاجر عبيد تاني ب 800 درهم، ومفيش كام يوم وراح راده للتاجر الأولاني تاني ورجع فلوسه عشان نفس السبب الماية البيضا اللي في عين "بيبرس". لك أن تتخيل غيظ تاجر العبيد من "بيبرس" ساعتها قد ايه، "بيبرس" بالنسبة له كان قرش براني بيلف ويرجعله تاني. في الوقت ده عدي علي التاجر في سوق العبيد الأمير "علاء الدين أيدكين البندقدار"، وده كان أمير من أمراء مماليك "نجم الدين أيوب"، وبما أنه مملوك أراري قديم شاف في "بيبرس" اللي مشافتوش والدة "الملك المنصور محمد"، وعلي الفور بيشتري "بيبرس" وأخيرا بقي مملوك رسمي من مماليك "علاء الدين أيديكين البندقدار"، وخد لقب مولاه فبقي "بيبرس البندقداري". يعني ايه بقي "بندقدار" قال القلقشندي في كتابه صبح الأعشي، أن "بندقدار" هو حامل الجراوة اللي هو كيس البندق، اللي بيمشي بيه جنب السلطان عشان يقزقز ويتسلي في سكته.
في الوقت ده كان "نجم الدين أيوب" معتقل ومسجون هو وزوجته "شجر الدر" وأبنهم الرضيع "الخليل". واللي وقع نتيجة مؤامرة مابين أخوه "السلطان العادل التاني بن الكامل الأيوبي" وعمه "الملك الصالح اسماعيل"، واللي كانت مؤامرة نتيجة صراعات علي الحكم في البيت الأيوبي، وكانت نتيجتها سجنه وأهل بيته في حصن الكرك، بالأردن حاليا.
بعد 7 شهور سجن قدر "الناصر داوود" ابن عم "نجم الدين أيوب" يخرجه من سجنه مع أهل بيته. وأول ما خرج أستقبله مملوكه "علاء الدين أيديكين البندقدار" وأهداه "بيبرس" كمملوك جديد مع توصية بصلاحه وشكرانية جامدة فيه. فأنتقل "بيبرس البندقداري" لصفوف مماليك "نجم الدين أيوب بن الملك الكامل الأيوبي".
أنضم "بيبرس" لمماليك "نجم الدين أيوب" وخضع لكل التدريبات القتالية الشاقة، وكمان للدروس الدينية من حفظ القران لفقه وشريعة، ودراسة اللغة العربية قراءة وكتابة. ولما أظهر "بيبرس" كفاءة لفت نظر "نجم الدين أيوب" فضمه سنة 644 هجرية/ 1246 ميلادية، لفرق حرسه الخاص ومن بعدها رقاه لرئيس فرقة من فرق حرسه الخاص، ولما أظهر كفاءة أكتر أظهر همته وفطنته وسرعة بديهته وذكاؤه الحاد، رقاه أكتر وبقي قائد لفرقة من فرق جيش المماليك التابع ل "نجم الدين أيوب".
في الوقت ده فوجئ "نجم الدين أيوب" بدعوة من أمراء مصر، بيستنجدوا بيه من سفه وظلم أخوه "العادل التاني" اللي انشغل باللهو والشراب وساب البلاد سداح مداح. جهز "نجم الدين أيوب" جيش مماليكه، وطبعا معاه زوجته "شجر الدر" وابنه "الخليل"، ودخل مصر مع مماليكه اللي رباهم وعمل منهم جيش قوي جدا يكاد لا يقهر، وكانت مصر أبوابها مفتوحة ليه، فأخدها من غير تعب ولا مشقة، وقبض علي أخوه "الملك العادل التاني" وسجنه، ما هي الدنيا كده يوم ليك ويوم عليك. وأصبح "الملك الصالح نجم الدين أيوب" هو سلطان مصر والشام. وهنا ظهر نجم "بيبرس البندقداري" أكتر كقائد قوي في صفوف جيش "نجم الدين أيوب" وأثبت صحة وجهة نظر الأمير "علاء الدين البندقداري" فيه من الأول، وأثبت أنه كفاءة يعتمد عليه.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق