حكاية فرح (ريفيو)
#مسابقة_سماوي_لأفضل_مقال_نقدي
ريفيو بقلم: مروة طلعت عن رواية "حكاية فرح"
أنتهيت من قراءة رواية "حكاية فرح"
للروائي الكبير "عز الدين شكري فشير" في طبعتها الثانية الصادرة من دار
الشروق بعدد صفحات 333 صفحة.
"حكاية فرح" لم تكن حكاية
ل"فرح" فحسب، بل هي حكاية كثير من الفتيات المصريات. أثناء قراءتي
للرواية كنت أتوقف كثيرا لأتساءل كيف عرف الكاتب تلك التفاصيل الدقيقة عن حياة
النساء ومشاعرهن. أهوي قراءة تلك الروايات التي تمس جانب من جوانب الحياة
الاجتماعية، ولكن تلك الرواية مست شئ مختلف تماما، أقتحمت غرفة موصدة منسية في
تلافيف عقلي، وأكاد أن أجزم أن غالبية فتيات جيلي أو الجيل الأسبق هن
"فرح" بشكل أو بآخر.
"حكاية فرح" أسم علي غير مسمي،
"فرح" لم تعرف للفرح معني. "فرح بنت زينب بنت زينات" تعددت
الأسماء وتعددت الأجيال ولكن النسخة واحدة. "فرح" مجرد أستنساخ مشوه
حاولت التمرد والخروج من القالب فكانت النتيجة أصبحت مشوهة ضائعة، وبرغم ذلك
أستطاعت النجاة بأبنتها علي عكس ما كانت
تظن.
"حكاية فرح" هي الرواية الثالثة
التي قرأتها من روايات الكاتب الكبير "عز الدين شكري فشير" من بعد
"كل هذا الهراء" و "عناق عند جسر بروكلين". ومن خلال قراءتي
للروايات الثلاث أستطيع القول أن الكاتب جراح ماهر، يستطيع بمبضعه – قلمه – فتح
الجروح التي بها قيح حتي تصفي عن طريق وقوفك الكثير والطويل طوال رحلتك في روايته
لتتساؤل وتمعن في تساؤلات حتي تجد علاج لتلك الجروح. فأبطال روايات "شكري
فشير" هم أنا وأنت وكل من حولك ومن مررت عليهم يوما ما، بشرا من لحم ودم
حقيقيين وليسوا مجرد أبطال علي ورق.
"حكاية فرح" يطالعنا في البداية
غلاف الرواية في المنتصف صورة لفتاة عادية جدا تشبه فتيات مصريات كثيرة، الصورة بالأبيض
والأسود وأسفل منها صورة موديل سيارة سبعيناتية أيضا بالأبيض والأسود، كلا من صورة
الفتاة والسيارة تعطي أنطباع أن أحداث الرواية قديمة وبالتحديد منتصف القرن
العشرين. ولكن هناك أكيل من الورود المزهرة الملونة داخل اطار دائري سماوي يعطي
بعض البهجة لصورة الفتاة التي يختفي نص وجهها في الظلال. وهو من رأيي تصميم موفق
لرؤية الرواية.
"حكاية فرح" هي ليست حكاية عن قهر
المرأة في المجتمع الشرقي بشكل تقليدي، الاختلاف هنا أن يكتب رجل بعقل ومشاعر
وكيان أمرأة – وهو أمر صعب للغاية -عن المسكوت عنه أو ما لا تستطيع النساء البوح
به حتي في ظل حرية الرأي والتعبير التي تمتعت بها النساء في عصرنا الحالي. كون
الكاتب أستطاع بكل بساطة أن يعبر عن ذلك ويمحي من ذاكرة القارئ كونه رجل، ويجعله
يشعر ويتفاعل مع مشاعر فرح الأنثي بل ويصدقها تماما كأنها كائن حي حقيقي أمامه،
ذلك يترجم مدي احترافية وبراعة وجسارة الكاتب في طرقه لتلك الحصون المنيعة من
المشاعر. الرواية عرفها لنا الكاتب في ضهر الغلاف بأنها "رواية عن الحب
والأمومة والحرية، وعن الانسانية التي يجرفها نهر الزمن بعيدا" وأضيف علي
وصفه أن الرواية عن التربية والتنشأة الخاطئة للإناث والذكور وأثرها علي الفرد
والمجتمع، وعن تعاقب الأجيال، وعن شعور الوحدة والاغتراب وسط الملايين.
الحكاية عن أربع نساء تربطهم الأمومة والبنوة
(زينة بنت فرح بنت زينب بنت زينات) أربع صور لأربع سيدات في أزمنة و ظروف اجتماعية
وبيئية مختلفة. "زينب وزينات" وجهين لعملة واحدة، المرأة الريفية التي
لا رأي لها ولا قرار، تنفذ كلام الأب أو الأخ أو الزوج بلا مناقشة والا كانت
ملعونة وتحتاج الي التأديب الجسدي العنيف واللفظي والحرمان الحسي. وعلي الرغم من
ذلك كانتا متمردتان ولكن بما يناسب الجو العام ودون أن يلاحظ السلطة الذكورية أن
الأحداث في النهاية تسير حسب رغبتهما، أو كما نطلق عليه فنون الخبث والمكر
بالمحايلة والمسايسة دون أن ينالهما الصفعات.
"فرح" ورثت من أمها وجدتها التمرد،
ولكنها لم ترث منها المكر والمسايسة، كانت واضحة وصريحة مع نفسها قبل غيرها، ومن
أجل ذلك نالها العقاب من الجميع حتي أصبحت وحيدة وهي وسط الآخرين.
"زينب"، وهي كما نطلق عليها (ست
بميت راجل) حُرمت من الرجل الذي تحبه بسبب قرار ظالم من الأب الذي ينظر للعادات
والتقاليد ولا يكترث لحياة ابنته. وعلي الرغم من ذلك أستطاعت "زينب" الحياة
مع رجل لا تحبه، عصبي سريع الاشتعال، أسهل ما يفعله هو الضرب والسباب، فاشل معظم
الوقت ولا يعترف بفشله، غير مسئول اطلاقا، كثير السفر والغياب والنسيان أن له زوجة
وأولاد يجب الصرف عليهم. عاشت "زينب" في دور الأب والأم لولدين وبنت. فكانت
تربيتها قائمة علي التدخل التام والمطلق في حياة أبنتها فلا رأي يصلح غير رأيها في
كل كبيرة وصغيرة. وكان ذلك له أشد الأثر علي نفسية إبنتها "فرح" الفاقدة
لحنان الأب وهوغائب أو حتي وهو حاضر بعصبيته، وأيضا فاقدة لحنان الأم الخائفة علي
أبنائها – وخصوصا البنت التي تحيا وسط مجتمع ينظر للفتاة وكأنها فريسة – من الضياع.
نشأت "فرح" نشأة مراقبة لكل تصرفاتها ومع أصغر هفواتها ينالها العقاب
الأليم بلا مناقشة أو فهم. تلك النشأة المنغلقة مع روحها المتمردة جعلتها دون أن
تعي عندما كبرت تقرر أن تكون منفتحة بأكثر مما ينبغي – زيادة الضغط تولد الانفجار
- وأن تكسر كل القواعد والقيود حتي لو رأها الجميع ساقطة.
نشأت "فرح" كارهة للأمومة والحياة
الأسرية بشكل عام، وتلك الكراهية من الأساس كانت اللبنة الأولي في فشل زواجها
الأكيد. وعندما أنجبت أبنتها "زينة" قررت أن تربيها بأسلوب التربية
الحديثة عكس ما تربت عليه، فأصبحت تدخلاتها في حياة وقرارات أبنتها شبه معدومة.
حتي تكتشف "فرح" أن التربية الحديثة أيضا أسلوب تربوي خاطئ، أسلوب كانت
نتائجه كارثية دفعت "فرح" في النهاية الي التدخل المباشر والسريع كما
كانت تفعل أمها "زينب" حتي تستقيم الأمور، لتدرك أخيرا أن تربية أمها
الضاغطة الشديدة لم تكن سوي شكل من أشكال الحب لكتاكيتها - كما وصف الكاتب - حتي
يشتد عودهم في حياة قاسية.
عاشت "فرح" طيلة حياتها يلاطمها
حزن من بعده انكسار، كان الجميع سيئين في حياتها. ومن تراكمات خبراتها وخيباتها
تغيرت شخصيتها حتي عن نفسها، فطالما توقفت تتساءل عن كنه الشخصية التي آلت نفسها
اليها. تلك الشخصية فجرت كل الغضب المكنون في أعماقها وقررت تهدم كل ما يذكرها
بالماضي القاسي، فهدمت بيت أمها القديم بكل الذكريات، هدمت الماضي لتبني الحاضر والمستقبل
المثمل في ابنتها (علي نضافة). أتخذت "فرح" العديد من القرارات النابعة
عن شخصية "فرح" الجديدة القوية المنبعثة من داخل أحباطاطها وصدماتها وأنكساراتها
كالعنقاء.
حكاية
"فرح" و "زينب" هما حكايتان متداخلتان، سلسلة معقودة بحرفية
في الجزء الأول من الرواية، فالراوي أحيانا "فرح" ثم تتحول بلا تمهيد ل"زينب"
حتي يتوه القارئ بينهما ويراهما كوجهين لعملة واحدة. فلولا أحباطات وأنكسارات
"زينب" ماكانت "فرح"، ولولا نتائج أحباطات "زينب"
التي أورثهم ل"فرح" ما ظهرت شخصية "فرح" الجديدة. فكلها
مقدمات ونتائج، دائرة مفرغة موصولة ببعضها.
من الأشياء الملفتة للنظر عند قراءة الرواية
أن الكاتب يعتمد من بداية الرواية علي أستباق الأحداث، ويضع حرق لبعض أحداث قادمة
هامة كنوع من أنواع التأهب لها أو لزيادة فضول القارئ فيجعله متشوق لقراءة المزيد
حتي يصل للحدث المذكور ومعرفة كيف حدث. الرواية مكتوبة الفصحي البسيطة البديعة،
أسلوب السهل الممتنع، والرواية علي كبرها ألا أن غالبيتها ليست مملة، ماعدا جزء تحرير
أبنتها فكان بها قليل من الأطالة والسرد الزائد، أنما في المجمل الرواية رائعة
وجاذبة مليئة بالمشاعر المتناقضة مابين الحزن والفرح، الألم والأمل، الحب
والكراهية. شحنة مشاعر موزعة بعناية ودقة فأصبحت رواية متكاملة.
نختم بكلام "زينة" عن أمها "فرح" فقالت: "إن كانت فرح قد أتخذت طيلة حياتها موقفا معاديا للأمومة، فقد كانت لي أماً رائعة. وأنا أحبها، ومدينة لها حتي النخاع، وسأحملها معي إلي الأبد".
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق