الظاهر بيبرس البندقدارى 7
(7) بعد ما "ركن الدين بيبرس البندقدارى" قتل "المظفر سيف الدين قطز" بالقرب من الصالحية، أتلم المماليك البحرية حوالين "بيبرس" وبايعوه علي سلطنة مصر. وفى عز المبايعات قام واحد منهم أسمه "فارس الدين أقطاى المستعرب" وقاله: "لا تتم لك السلطنة إلا بعد دخولك القاهرة وطلوعك إلي قلعة الجبل". وفعلا لم المماليك البحرية بعضهم واللي كان من أبرزهم "قلاوون" و "بلبان الرشيدى"، وركبوا أحصنتهم وطلعوا ورا "بيبرس" علي القاهرة. وفى الطريق قابلهم الأمير "عز الدين أيدمر الحلبى" نائب السلطنة اللي كان خارج من القاهرة عشان يستقبل السلطان "المظفر قطز" فى السكة وهو داخل فى مصر، فقابل بداله الجنود البحرية وقالوله أنت معانا ولا مع الناس التانيين، فالراجل خاف علي عمره وقالهم معاكم طبعا، وبايع "بيبرس" علي السلطنة.
دخلت المماليك البحرية وفي مقدمتهم "بيبرس" القاهرة واللى كانت متزينة ومستنية السلطان قاهر المغول "المظفر سيف الدين قطز" عشان يحتفلوا بيه وبنصره العظيم. لكن وعلي طريقة الفتوات لقوا المنادى بيقول بدل أسم الله عليه أسم الله عليه، لقوه بيقول: "ترحموا علي الملك المظفر وأدعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس".
الناس جالها حالة من الذهول والصدمة، ومجموعة مشاعر كده عكس بعض متركبة فوق بعضها. الناس كانت ليها خبرة سابقة وذكريات فى منتهي السوء مع المماليك البحرية، بسبب اللي عملوه فيهم قبل كده أيام "أقطاي" - لو نسيت راجع الجزء الخامس - وطبعا حزنوا علي البطل اللي أنتصر في عين جالوت ونجاهم من المغول "سيف الدين قطز"، مع العلم برده أن فترة حكم "قطز" ليهم كرعية مكنتش سعيدة لأن "قطز" أرهقهم في الضرايب والمكوس فوق طاقتهم، فكان بياخد منهم تلت الزكاة ودينار علي كل فرد، ولولا كلام الشيخ "العز بن عبد السلام" اللي كان بيشجعهم ويصبرهم علي ما بلاهم من أن الفلوس دي ضرورة لتسليح الجيش اللي هيدافع عنهم ضد المغول، كانوا أنفجروا. فكان أستقبال المصريين للخبر أستقبال صامت ما بين الخوف والحزن والرغبة فى تخفيف حمل الضرايب والمعيشة.
أعلن "بيبرس" عن لقبه السلطانى وهو "الملك القاهر"، بس الوزير "زين الدين بن الزبير" خده كده علي جنب وقاله مفيش ملك سابق سمي نفسه "القاهر" وفلح، فغيره أحسن. وسمع "بيبرس" كلام "زين الدين" وغير لقبه ل "الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى الصالحى"، وخلا شعاره "الأسد" ماهو ترجمة أسمه أصلا يعنى "السيد فهد".
بعد ما أخد "بيبرس" الحكم أصدر أول قرار له بأبطال كل المكوث والضرايب اللي فرضها "قطز" علي الرعية.ساعتها الناس هتفت من قلبها للسلطان الجديد وقالوله أسم الله عليه أسم الله عليه. وبعد ما أخد حب الرعية بحركة ذكية في خطوة كانت مهمة ولازمة عشان يعرف يصفي حساباته مع المخالفين له واللي طامعين في الحكم علي رواقة.
فى البداية بدأ "بيبرس" يحاوط نفسه بالأمراء وكبار رجال الدولة، ويديهم الألقاب والإقطاعات الواسعة، وأستخدم معاهم مبدأ أطعم الفم تستحى العين، وده عشان يبقوا سند له ويستقوي بيهم في وقت الأزمات والصراعات. وبدأ يعين أمراء المماليك فى المناصب الحيوية، فعين "فارس الدين أقطاى المستعرب" أتابك للعسكر، وحط "بدر الدين الخازندار" نائب على السلطنة، وعين الشيخ "تاج الدين ابن بنت الأعز" - اللي شار علي "شجر الدر" قبل كده أنها تتجوز وتدى جوزها السلطنة - منصب قاضى القضاة، وعزل "زين الدين بن الزبير" من الوزارة وعين مكانه "بهاء الدين بن حنا".
طبعا حركة قفز "بيبرس" علي كرسى السلطنة بالشكل المفاجئ ده مكنش مرضى لكل الناس. فكان من الطبيعى يظهر معارضين وتحصل تمردات ومحاولات للاستيلاء علي العرش.
فى ذى الحجة سنة 658 هجرية/ 1260م، أعلن "علم الدين سنجر الحلبى" - اللى عينه "قطز" علي أمارة دمشق - تمرده على "بيبرس" ورفض الاعتراف بيه كسلطان، ونادي بنفسه سلطان علي دمشق وسمي نفسه "الملك المجاهد"، وأتخطب بأسمه علي منابر دمشق، وسك لنفسه عملة مخصوصة عليها أسمه، وحصن قلعة دمشق عشان المواجهة المتوقعة، يعنى أنشقاق رسمى وكامل. ومكتفاش "سنجر الحلبى" بكده، ده بعت رسايل للأمراء الأيوبيين "الملك المنصور" صاحب حماه و "الأشرف بن شيركوه" صاحب حمص، بيطلب منهم التحالف لكنهم مردوش عليه وتجاهلوه.
أول ما شم "بيبرس" خبر حركة التمرد دي، مستناش لحظة وقرر أنه لازم يقضي عليها بسرعة وهي في مهدها. وفي صفر 659 هجرية جهز "بيبرس" جيش بقيادة "علاء الدين أيديكين البندقدارى" - فاكرينه ده اللي أشتري بيبرس زمان و"بيبرس" أتلقب بالبندقدارى علي أسمه ولو مش فاكر راجع الجزء الأول - وحارب "أيديكن البندقدارى" جيش "سنجر الحلبى" في دمشق، وأنتصر عليه لدرجة أن "سنجر الحلبى" هرب من المعركة، لكن جيش "بيبرس" فضل يطارده لحد ما أتقبض عليه، وجابوه مصر متقيد بالسلاسل عبرة لمن يعتبر سنة 1261م، وعين "بيبرس" مولاه القديم "علاء الدين أيديكين البندقدارى" علي أمارة دمشق.
يخلص الموضوع بقي علي كده والباقى يتعظ ... أبداً. ظهر من حلب "شمس الدين البرلى" اللى لعبت فى دماغه أحلامه، أنه يقدر يتمرد ويقتطع أجزاء من مملكة "بيبرس". لم "الرلى" حواليه عناصر من التركمان والعرب وقدر يدخل "البيرة" و "حرّان"، وكان حلمه أن يستولي علي "حلب"، قال "المقريزي" عن محاولة "البرلى" دخول حلب: "صار يقرب من حلب ويبعد عنها خوفاً من السلطان". الحقيقة أن "البرلى" كان أقرع ونزهى، قوته العسكرية كانت علي أد حالها متقدرش أصلا علي حلب، بس "البرلى" تقريباً مكنش شايف ده، لحد ما سوء حظه وقعه مش مع "بيبرس" لا مع المغول، واللي بعتروا جيشه وخلوه يجري هو واللي فضلوا منهم بعزم ما فيهم علي مصر، يستنجدوا بالسلطان "بيبرس" ويطلبوا الحماية. والغريب أن "بيبرس" لبي طلبه وفتحله أبواب مصر وأمنه عنده وأكرمه هو واللي معاه. هو "بيبرس" تقريبا أكتفي باللى عمله فيه المغول، وأنه أتعلم الأدب وعرف حجمه قصاد السلطان، ده غير أن "البرلى" مواجهش "بيبرس" عسكرياً زي ما عمل "سنجر الحلبى".
نخش ع اللي بعده. زى ما عرفنا وحكينا في الجزء السادس، كانت القشاية اللي قطت ظهر البعير ودفعت "بيبرس" لقتل "قطز" كانت لما خلف "قطز" وعده ل"بيبرس" ومداهوش ولاية حلب وأداها ل"السعيد علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ"، لكن بعد وفاة "قطز" بدأ "لؤلؤ" يحاول يستفرد بحلب ويمشي بدماغه، وفرض الضرايب وعامل عساكره والرعية معاملة فى غاية الظلم والسوء، لحد ما كرهه العسكر والعامة. وفى أواخر سنة 658 هجرية، رجع المغول تانى يحاولوا يدخلوا الشام وأستولوا علي "البيرة" من "شمس الدين البرلى" وقضوا علي جيشه زي ما حكينا الفقرة اللى فاتت. وبدأت قوات المغول تتقدم علي حلب، فخرج "لؤلؤ" عدد قليل من الجنود، عكس ما الأمراء نصحوه وقالوله، وكانت النتيجة المتوقعة أن جيش المغول قضي عليهم تماما. هنا بقي الأمراء والعسكر جابوا أخرهم من "لؤلؤ" قاموا طلعوا عليه كتفوه وقبضوا عليه، وأخدوا كل فلوسه اللى أخدها من الناس غصب واللى كانت 50 ألف دينار.
بعت أمراء حلب رسالة ل"بيبرس" يستأذنوه يولوا عليهم "حسام الدين لاجين العزيزى" ووافق "بيبرس" علي طلبهم. لكن ملحقش "لاجين" يعمل حاجة بين يوم وليلة دخل المغول حلب، وهرب "لاجين" واللى معاه علي حماه. حذر "لاجين" "الملك المنصور" صاحب حماه من المغول اللي مقربين عليه، فأفتكر "الملك المنصور" أن دى خدعة من "لاجين"، لكن لما رجع بصاصينه وحكوله علي اللي حصل في حلب وأنهم جايين عليه صدقهم. جمع "الملك المنصور" جيشه وخرج من حماه لحد حمص عشان يقابل المغول، قام المغول لفين من وراه ودخلوا حماه. لكن جيش "الملك المنصور" فضل مرابط في حمص، وفي محرم سنة 659 هجرية ألتقي الجيش مع المغول، وأنتصر "الملك المنصور" ورجعوا المغول تانى يزحف لورا، وفضل جيش "الملك المنصور" يجرى وراهم ويقتل فى اللى تطوله ايديهم من المغول. وقتها "بيبرس" كان مشغول مع "سنجر الحلبى" وثورته لحد ما قضي عليها، ورجع كل والى علي ولايته، ورجع "حسام الدين لاجين" على مصر، وعين "بيبرس" مكانه "فخر الدين الحمصى" علي حلب.
حادث التمرد اللي بعده، مكنش تمرد عادى، دى كانت مؤامرة أغتيال. فى سنة 1261ميلادية، أتلم "علم الدين الغتمى" و "سيف الدين بهادر المعزى" و "شجاع الدين بكتوت" علي بعض أتفقوا علي ضرورة قتل "بيبرس". وعشان "بيبرس" كانت ايده فرطة علي جنوده ومماليكه، فكشفله جنوده عن طريق بصاصينهم علي المؤامرة دى. قدر ساعتها "بيبرس" يقضي علي المؤامرة في مهدها ويقبض علي المتآمرين. وهنا ظهر "بيبرس" بوش الملك الكريم المتسامح ومقتلهمش. الحقيقة أن خطوات "بيبرس" فى القضاء علي منافسينه والمتمردين كانت محسوبة وبتدل علي أنه مكنش ملك أو سلطان سهل ده كان داهية. "بيبرس" رفض يتبع سياسة دموية مع المتأمرين عشان يكسب الأنصار والأتباع وميخوفش الناس منه، كان عاوز يلم ميربيش عداوات زيادة، فكان لازم يظهر بصورة السلطان الكريم والمتسامح مش الفتاك وخصوصاً أنه عاوز يمحي صورة القاتل من ذهن الناس بعد قتله ل "قطز".
التمرد اللى بعده كان تمرد دينى، وكان بطلها "الكورانى"، و"الكورانى" ده كان شيعى. فوجئ الناس فى القاهرة بجموع من الفرسان من السودان ومن الركبدارية - يعنى التابعين للبيوت اللى فيها السروج واللجم الخاصة بالخيول - والغلمان القائمين علي خدمة الخيول، طالعين ينادوا "بآل على"، ففزعوا الناس ودخلوا علي دكاكين السيوفيين وبين القصرين لموا السلاح اللى فيه، وأقتحموا الاسطبلات وسرقوا الخيوا، وكان يوم هلع ودمار وخراب. الحقيقة أن حركة الشيعة دي كانت حركة عشوائية متهرجلة ومش متخطط لها كويس، وعشان كده كان من السهل جدا على قوات وعسكر"بيبرس" يحاوطوهم ويقبضوا عليهم. وأتقبض علي "الكورانى" وأتباعه، وأمر "بيبرس" بأعدامهم بالصلب علي باب زويلة.
الله طب أشمعني بقي، مش قلنا أنه كان عاوز يظهر بدور السلطان الرحيم المتسامح. بس قلنا برده أنه كان عاوز يكسب الأتباع وحب الناس، وأعدامه للمتمردين اللي رعبوا وسرقوا الناس، هيحببهم فيه، ده غير يا صاحبى دول شيعة فى بلد سنية، يعنى أعدامهم أمر مفروغ منهم بعد جريمتهم، عشان يبقى درس قاسى لكل من تسول له نفسه الخروج عليه من العناصر الشيعية في المستقبل، وده دليل على ذكاء "بيبرس" كحاكم قوى مؤسس لدولة جديدة.
طب ده بالنسبة للمماليك والشيعة، ايه أخبار الأيوبيين اللى بخلافة "بيبرس" ضاعت دولتهم. ده اللى هنعرفه الجزء الجاى ان شاء الله.
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق