الظاهر بيبرس البندقدارى 6

(6) بعت "بيبرس" رسالة من غزة للقاهرة وأستلمها "المظفر سيف الدين قطز" اللى أصبح في الوقت ده رسمياً سلطان مصر. حكاله فيها علي فظائع المغول وتدميرهم لدمشق وحلب، ورحلة هروبه من المذابح والمجازر اللى عملها المغول فى الشام، ورغبته فى العودة لمصر للمشاركة في حمايتها من خطر المغول.

"قطز" كان عارف كويس يعنى ايه "بيبرس"، وعارف قوته وبسالته وشجاعته وفوق ده له ذكاؤه وبصيرته الحربية. واحد زى "بيبرس" مكسب قوى ومهم ل "قطز" خصوصا في الوقت الحرج ده. وعلي الجانب الآخر "قطز" عارف كويس مكر "بيبرس" - ماهم متربيين سوا ودافنينه سوا - وعارف أنه من النوع اللى نابه أزرق مبينساش الاساءة ولا بينسي تاره. وفى ربيع الأول سنة 658 هجرية/ 1260ميلادية، عشان السبب الأولانى وافق "قطز" على رجوع "بيبرس" مصر وقاله تعالي، عشان السبب التانى وقف "قطز" مع جيشه علي حدود مصر في استقبال "بيبرس" لعل وعسي تكون خدعة منه وجاى وجايب معاه جنود تحاربه وتقضى عليه. لكن "بيبرس" فعلا المرة دى كان جاى مع كام مملوك معاه يتعدوا ع الصوابع، ومبهدل وشكله طالع من بق مجزرة فعلا. فحضنه "قطز" ورحب بيه وبرجوعه مرة تانية لمصر، وعينه قائد الجيش وأعطاه أعمال مدينة قليوب.

في نفس السنة 1260ميلادية، بعد دخول "بيبرس" مصر بكام شهر، جم وراه علي مصر رُسل المغول ووصلوا للقلعة يسلموا السلطان "المظفر سيف الدين قطز" رسالة من "هولاكو" واللي قال فيها: "من ملك الملوك شرقا وغربا القائد الأعظم.بإسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء. يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلي هذا الاقليم، ينعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله فى أرضه خلقنا من سخطه وسلطنا علي من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ. فنحن ما نرحم من بكي ولا نرق لمن شكي. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تؤويكم، وأى طريق تنجيكم وأى بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبالوعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتالنا لا تنفع ودعاؤكم علينا لا يسمع، أسرعوا برد الجواب قبل أن تضرم الحرب نارها وترمى نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاها ولا عزا، ولا كافيا ولا حرزا, وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية. فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم. والسلامعلينا وعليكم وعلي من أطاع الهدي وخشي عواقب الردي وأطاع الملك الأعلي".

ايه ده معني الكلام أن رسل "هولاكو" راحوا بالرسالة للقلعة وكان "قطز" أصلا من بدري سلطان، يعني مش زي مشهد فيلم واأسلاماه المشهور لما جه الرسول يستهزأ ويقول لما أخاطب شعب مصر أكلم مين. يا صديقى هو أنت لسه بتصدق الأفلام والمسلسلات مش قلنا أن كل ده هبد، الحقيقة أهى وأنسي خالص وااسلاماه والفرسان.

جمع "قطز" الأمراء و قالهم دلوقتي ما قدمناش الا حل واحد من التلاتة يا اما نسيب البلد و نهرب، يا اما نهاودهم و نسالمهم، يا اما نحاربهم. فيه بعض الأمراء خافوا من طريقة تهديد الرسالة وخصوصا أن فيه خلفية عندهم بكل الأحداث الاجرامية اللي عملها المغول في البلاد الاسلامية، ففيه منهم اللي قال نهرب واللي قال نستسلم، لكن "بيبرس" رد وقال بقوة : "نحاربهم". وحبذ "قطز" رأي "بيبرس".

قبض "قطز" على رُسل المغول الأربعه و وسطهم ( يعني قطعهم نصين ) و علق رؤوسهم على باب زويله. ودي كانت أول مره المغول يتعاملوا بالمنظر ده أو حد يرد على "هولاكو" بالطريقه دي. واتنادى في القاهره و كل نواحى مصر بالخروج لمحاربة المغول لبي المصريين من كل حته فى مصر النداء عشان يدافعو عن مصر، و أمر السلطان "قطز" ولاة الأقاليم المصريه بتجميع كل العساكر. اتطوعت أعداد كبيره من المصريين وخرج المصريين دهبهم واموالهم لتسليح الجيش.

يوم الاتنين 15 شعبان سنة 658 هجرية/ 1260 ميلادية، خرج "المظفر سيف الدين قطز" بجنوده من المماليك بكافة أطيافهم وأنتماءاتهم - يعنى بحرية علي صالحية علي معزية - وجنود الشام والعرب والتركمان وكل اللي أنضم ليه في جيشه، من قلعة الجبل. وقبل خروجه قعد "قطز" مع "بيبرس" ووعده لو أنتصروا هيديله أمارة حلب، وبعدها بعت قبله "بيبرس" مع فرقة من جنوده للشام يراقبوا المغول وجيوشهم ويعرفوا أخبارهم. بس "بيبرس" مكتفاش بالمراقبة، ده هجم بجنوده علي حامية المغول فى غزة دشدشها وأضطرهم ينسحبوا، وحرر"بيبرس" غزة من المغول. ولما وصل "قطز" بباقى الجنود، كملوا المسير علي ساحل الشام لحد ما وصلوا عكا اللي كانت حامية للصليبيين. قعد "قطز" مع الصليبيين في عكا وعمل معاهم معاهدة عدم تدخل عشان ميحاربش فى اتجاهين ويشتت جيشه، والحقيقة أن الصليبيين قرروا عدم التدخل فعلا ووقفوا موقف المتفرج، لأن جيشهم هناك مكنش اد المغول من ناحية ومن ناحية تانية كان عندهم أمل أن المغول بجبروتهم هينتصروا وينتهكوا مصر اللي الصليبيين مقدروش عليها قبل كده فى كذا مرة من أيام "صلاح الدين".

وفى يوم الجمعة 25 من رمضان سنة 658 هجرية/ 1260 ميلادية، التقي جيش المسلمين بقيادة "قطز" مع جيش المغول، بالقرب من بيسان بالتحديد في"عين جالوت" المباركة. وزي ما خطط "قطز" مع قائد جيشه "بيبرس"، تم تفريع الجيش وخداع المغول بعدد قليل وبعدين تطويقهم علي غفلة. وانطلقت صيحة "قطز" الشهيرة في وسط المعركة لتحفيز جنوده "وا اسلاماه. يا الله انصر عبدك قطز علي التتار". وفى المعركة حارب "بيبرس" ببسالة وشجاعة وحماس لحد ما أتقتل قائد جيش المغول وهرب فلول جيش المغول. وأستجاب الله لدعاء "قطز" وانتصر جيش المسلمين انتصار ساحق علي التتار (المغول). ودي كانت أول هزيمة بيشربها "هولاكو" وجيش المغول، وكانت مُرة مرار طافح.

بعد الانتصار بدأ "قطز" يحاول يصلح ما أفسده المغول في بلاد الشام، ورجع أمراء الأيوبيين علي حمص وحماه، لكن تحت لواءه ودفع الجزية، وقامت الخطبة بأسم سلطان مصر والشام "المظفر سيف الدين قطز" في البلاد ما بين حلب والفرات. في وسط تقسيمة البلاد علي الولاه قعد "بيبرس" يستني أسمه في الكشف زي ما وعده قبل كده "قطز" بولاية حلب، فضل يستني ويستني لحد ما لقي "علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ" واخد حلب. ودى كانت غلطة "قطز" الوحيدة واللى كلفته حياته.

 "قطز" للأسف حسبها غلط، هو عارف زي ما قلت خطر "بيبرس" كويس، عشان كده فضل أنه يكون تحت عينيه تابع له في القاهرة، إنما في الحقيقة كان أحسنله يديله أمارة حلب، منها صدق بوعده وكان ممكن "بيبرس" يغفرله اللي فات بسبب تقديره، ومنها يبعده عن مصر خالص ولو قل بأصله أهو جيش مصر موجود زي ما حصل قبل كده.

المماليك البحرية لما شافوا تاني قائد ليهم بيتغدر بيه برده زى ما أتغدر ب "أقطاى" وأتاخد منه أحقيته بحكم مصر، هاجوا وغضبوا، و"بيبرس" قلب القديم ع الجديد ونفسه بقي مخنوق بالغل والحقد والكراهية والرغبة في الانتقام. 

وعلي مشارف مصر يوم 22 أكتوبر 1260م، في خط سير رجوع الجيش وبالتحديد في الصالحية، طلع صيد "قطز" مع عدد من المماليك منهم "قلاوون وبلبان الرشيدي وبهادر المعزي وبيدغان الركني وأنص الأصبهاني" واخد معاه "بيبرس" فى رحلة صيد، وهم في الجو الرايق ده طلب "بيبرس" من "قطز" يديله بعض أسري المغول، وافق "قطز" وأداله كمان واحدة ست من سبي المغول هدية، أتقدم "بيبرس" من "قطز" عشان يشكره ويقبل ايده، وفجأة خرج "بيبرس" خنجره وطعن بيه "قطز" فى صدره. ومن وراه خرج المماليك اللي معاه سيوفهم وكملوا طعن فى "قطز"، فلفظ أنفاسه الأخيرة بين ايدين "بيبرس".

بعد قتل "قطز" فضل مرمي علي الارض محدش قادر يجي جنبه لحد ما دفنه غلمانه، بعد ما ساب المماليك البحرية المكان متجهين لمصر. في الوقت ده كانت القاهرة متزينة ومستعدة لاستقبال "السلطان المظفر سيف الدين قطز" بطل الحرب وقاهر المغول، وجيشه المنتصر، للأحتفال. لكن المصريين فوجئوا بدخول المماليك البحرية بس، وفيهم منادى بينادى في الناس وبيقول: "ترحموا علي الملك المظفر وأدعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس".

(يتبع)

مروة طلعت

16/9/2024
الجزء الاول 
https://www.facebook.com/share/p/dHKjqH82wXYD8m56/?mibextid=oFDknk
الجزء الثاني 
https://www.facebook.com/share/p/TcGE4e5npC63CfwS/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/3CWpLYExqUEheRfM/?mibextid=oFDknk
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/LQpTcWvusxvUi8bE/?mibextid=oFDknk
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/gyhwmTQVhHJVLZuS/?mibextid=oFDknk
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج3،4 - ابن تغري بردي.
سير أعلام النبلاء الطبقة 34 - الامام الذهبي.
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار ج2 - المقريزي.
دولة الظاهر بيبرس في مصر - د/ محمد جمال الدين سرور.
دولة المماليك في مصر - سير وليم موير - ترجمة سليم حسن.
عصر سلاطين المماليك - أ.د/ عطية القوصي.
الظاهر بيبرس مؤسس دولة سلاطين المماليك بمصر - أ.د/ محمد مؤنس عوض.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6