الظاهر بيبرس البندقداري 5
(5) في سنة 648 هجرية/ 1250 ميلادية، تزوجت "شجر الدر" من "عز الدين أيبك" وتنازلتله عن عرش مصر، وعشان برده ميخرجش العرش من البيت الأيوبي، قام المماليك بإحضار طفل من العائلة الأيوبية عنده 6 سنين، وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى" وأعلن "أيبك" أنه مجرد نائب للملك، حاجة صورية كده وشرفية للأيوبين.
في البداية فضل "فارس الدين أقطاي" هو قائد الجيوش، ونائب قائد الجيوش كان "ركن الدين بيبرس البندقداري" في بداية حكم "أيبك". وفعلا ساعده مع "بيبرس البندقداري" علي هزيمة حاكم دمشق "الملك الناصر" اللي فكر ياخد الحكم من "أيبك" في معركة كورا، وفي سنة 1251م قدر يستولي علي جزء من سوريا. وقدر"أيبك" ينهي كل الخلافات والصراعات مع العائلة الأيوبية في الشام، وعمل اتفاقية معاهم بوساطة الخليفة العباسي "المستعصم بالله" سنة 1253م. وكمان قدر "أيبك" بمساعدة "أقطاي" و "بيبرس"، يسيطروا علي تمرد العربان في صعيد مصر بقيادة الشريف "حصن الدين ثعلب" وأسره. وكمل "أقطاى" و"بيبرس" رحلتهم في القضاء علي تمردات العربان في الغربية والمنوفية، لحد ما قضوا علي أحلام العربان كلها في السلطة، وشتتوا شمل العربان في مصر.
وبعد ما خلصوا معاركهم في بلبيس وسخا وسنهور وأسكندرية، رجع المماليك وهم سخنين كده علي القاهرة، ونزلوا دبح في الأهالي في الشوارع. في كتاب المواعظ والاعتبار قال "المقريزي": "فنزل بالناس من البحرية بلاء لا يوصف ما بين قتل ونهب وسبى بحيث لو ملك الفرنج بلاد مصر ما زادوا في الفساد ما فعله البحرية، وكان كبراؤهم ثلاثة الأمير فارس الدين أقطاى، وركن الدين بيبرس، و وسيف الدين بلبان الرشيدى".
عارف النكتة بتاعة الأم اللي بتقول لأبنها لو مشربتش اللبن هضربك بالقلم كده، وقامت ضرباه علي وشه بالقلم. أهو بنفس المبدأ ده - مع أختلاف التشبيه طبعا عشان المماليك مكنوش أم - أتعامل المماليك البحرية مع الناس، اللي هو وروهم جزء من العين الحمرا اللي هيشوفوها لو فكروا يتمردوا.
وبعد انجازاته العظيمة دي قرر"أقطاي" أن ده الوقت المناسب اللي ينفذ فيه أنتقامه من "شجر الدر" اللي فضلت عليه "أيبك" وطيرت من ايده الحكم اللي كان أولي بيه. وراح ضامم الاسكندرية لاقطاعية خاصة بيه وبدأ يعمل قلق كبير واتكتب في وصف أفعاله : "فلما استفحل أمر الأمير الفارس أقطاي الجمدار وانحازت إليه البحرية، بحيث إذا ركب أقطاي من دارِه إلى القلعة شغل بين يديه جماعة بأمره، ولا ينكر هو ذلك منهم فكانوا يأخذون أموال الناس ونساءهم وأولادهم بأيديهم، فلا يقدر أحد على منعهم، وكانوا يدخلونَ الحمامات ويأخذون النساءَ منها غصبا، وكَثر ضررهم كثيرا"، وكان أخر تجاوزاته أنه اتجوز من بنت حاكم حماة وبعت ل "أيبك" يقوله أن عروسته لازم تقيم في القلعة بما انها بنت ملك.
طبعا لحد هنا وصبر "شجر الدر" نفذ – هي مين دي اللي تقعد معايا في القلعة – لكنها ملكت أعصابها وكظمت غيظها، وفكرت بهداوة ورتبت ودبرت وقررت ان هو ده الوقت المناسب للتخلص من "أقطاي" وقلقه. وهنا "أيبك" يبعت ل "أقطاي" عشان يناقشه في الموضوع ده – يختار انهي سويت في القلعة يريحه – وفعلا راح "أقطاي"، ومعاه نائبه "بيبرس" ومماليكه اللي وقفوا يستنوه برا. وأول ما دخل "أقطاي" قاعة الحكم، طلع عليه "سيف الدين قطز" وراح مطير راس "اقطاي".
خرج "سيف الدين قطز" شايل راس "أقطاي" بين ايديه وقصاد 700 مملوك راح شايط برجله راس "اقطاي" ضربة حرة مباشرة. وهنا اترعب المماليك التابعين ل "أقطاي"، وعرفوا أن الدور جاى عليهم. وبكده الرسالة وصلتلهم أن الروس أينعت وحان وقت قطافها علي رأي "الحجاج"، فركبوا خيولهم وعلي راسهم "بيبرس" و"قلاوون" وقالوا يا روح ما بعدك روح ويافكيك من مصر علي الشام. وهم خارجين حاول "أيبك" يلحقهم ويمنعهم عشان عارف أنهم لو فلتوا من مصر هيجيبوله وجع القلب والراس، وهيعملوله قلق وهم بعيد عن أيده، فالأسهل يقضى عليهم وهم جوا بسرعة. فقفل أبواب القاهرة عشان المماليك الهاربة متهربش برة مصر، لكنهم قاموا بحرق باب القراطين – واحد من أبواب القاهرة – واللي اتعرف بعد كده باسم الباب المحروق، وخرجوا منه.
لحد الآن كل تصرفات "أيبك" وحروبه وقراراته كانت مصدرها الأساسي من "شجر الدر"، لحد الآن "شجر الدر" هي الحاكمة الفعلية للبلاد. وفي سنة 650 هجرية/ 1252 ميلادية، بتوصل الأخبار للقاهرة أن المغول قضوا علي الاسماعيلية النزارية (الحشاشين)، وبعدها بتوصل أخبار الفاجعة الكبري اللي عملوها المغول في بغداد والقضاء علي الخلافة العباسية. ساعتها حس "أيبك" أن ده الوقت المناسب لحريته وللتخلص من "شجر الدر" وسيادتها عليه.
قبض "أيبك" علي الطفل الأيوبي "الملك الأشرف موسي" وشال أسمه من الخطبة، وسك عملة جديدة شال فيها أسم "شجر الدر" وحط أسمه وأنفرد بالحكم، وعين "سيف الدين قطز" نائب له علي السلطنة. حاجة غريبة تغير سلوك "أيبك" كده فجأة وتحول 180 درجة من صاحب شخصية ضعيفة تابعة، لواحد صاحب قرارات ثورية وانقلابية عنيفة بالشكل ده. الحقيقة أن "أيبك" شخصيته متغيرتش ولا حاجة هو بس غير دفة أتخاذ قراراته من "شجر الدين" ل "سيف الدين قطز". فمن اللحظة دي لحد "عين جالوت" كان الحاكم الفعلي والمحرك الحقيقي والخفي للأحداث هو "سيف الدين قطز"، وده هنحكى فيه بالتفصيل ان شاء الله في سلسلة "سيف الدين قطز" قريبا.
خرج "بيبرس" والمماليك اللي معاه من مصر، فريق منهم هرب علي الشام وفريق منهم لجأوا لحماية سلطان الروم، فبعت "عز الدين أيبك" رسالة لسلطان الروم قاله فيها: "البحرية قوم مناحيس أطراف لا يقفون عند الايمان، ولا يرجعون الي كلام من هو أكبر منهم، وإن إستأمنتهم خانوا، وإن إستحلفتهم كذبوا، وإن وثقت بهم غدروا، فتحرز منهم علي نفسك فإنهم غدارون مكارون خوانون، ولا آمن أن يمكروا عليك". لما قرأ سلطان الروم الرسالة بعت في طلب "علم الدين سنجر الباشقردى" كبير المماليك البحرية اللي عنده وقاله: "يا أمراء، مالكم ومال أستاذكم؟. فقال "سنجر": "من هو أستاذنا؟". قال سلطان الروم: "الملك المعز صاحب مصر". قال "سنجر": "إن كان المعز قال في كتابه إنه أستاذنا فقد أخطأ، إنما هو خوشداشنا - يعني زميلنا زينا زيه واللي فينا فيه - ونحن وليناه علينا وكان فينا من هو أكبرمنه سنا وقدرا وأفرس وأحق بالمملكة. فقتل بعضنا وحبس بعضنا وغرق بعضنا فهربنا وتشتتنا في البلاد ونحن التجأنا اليك".
لما وصل الفريق التاني من المماليك البحرية اللي فيهم "بيبرس" غزة بعتوا رسالة ل "الناصر يوسف" صاحب حلب، يحكوله اللي حصل وغدر "أيبك" بيهم ويستأذنوه يجوا عنده ويعطيهم حمايته، فأذن لهم. ولما وصلوا حلب، أستقبلهم بترحاب وأكرمهم وسكنهم علي الساحل. ولما أجتمع "بيبرس" مع "الناصر يوسف" بدأ يزن علي ودانه ويغريه بدخول مصر، ويطمعه أنه والمماليك اللي معاه هيحاربوا في جيشه، وأن في دماغه خطط هتخليه ينتصر ويبقي سلطان مصر.
"الناصر يوسف" عجبه كلام "بيبرس"، وبدأ يجهز جيشه. وفي سنة 654 هجرية/ 1256 ميلادية، أتحرك بيه من الشام وأتوجه لمصر. لكن في نص السكة فوجئ بجيش مماليك مصر بيقابله في قرية العباسة برا مصر. وأتقهر "بيبرس" لما لقي أن المماليك المعزية - نسبة لأسم "عز الدين أيبك" - جايين بالسلام مش للحرب وأقترحوا التفاوض. وفعلا قعد "الناصر بيبرس" معاهم في جلسة تفاوض، وأتراضي الطرفين علي شرط يطرد "الناصر يوسف" المماليك البحرية من عنده.
نفذ "الناصر يوسف" شروط المعاهدة، خصوصا كمان أنه عرف أن "بيبرس" والمماليك البحرية بدأوا يتأمروا علي قتله. وأنطرد "بيبرس" والمماليك من حلب وفضل يطاردهم لحد ما رجعوا غزة تاني. وهم في غزة بعتوا رسالة ل "الملك المغيث" صاحب الكرك، فلما شم "الناصر يوسف" بخبر الرسالة، عرف أنهم هيتحالفوا معاه ضده، فقال يسبق ويقضى عليهم قبل ما يروحوله. لكن جيش "الناصر يوسف" أنهزم قصاد المماليك البحرية. "الناصر يوسف" ميأسش وبعتلهم جيش تانى والمرة دي قدر ينتصر علي المماليك البحرية وطردهم لحد البلقاء - في الأردن مش عارفة ده بيطردهم ولا بيقربهم - ومن البلقاء خدوها مشى لحد الكرك.
راح "بيبرس" ل "الملك المغيث" وقعد معاه نفس القعدة اللي قعدها قبل كده مع "الناصر يوسف"، لحد ما طمع "الملك المغيث" برده - مين يعني اللي يقدر يقاوم الطمع في مصر - وجهز جيشه فعلا وطلعوا علي لمصر. وسنة 656 هجرية/ 1258 ميلادية، في الصالحية لقوا "سيف الدين قطز" مستنيهم بجيش المماليك المعزية، وأنتصر علي المماليك البحرية وجيش "الملك المغيث" وأسروا "قلاوون" و"بلبان الرشيدى"، ورجع "المغيث" هربان علي الكرك، وهرب "بيبرس" وباقي المماليك البحرية للطور.
في الطور قابل "بيبرس" الجنود الأكراد الفارين من التتار. خاف "الملك الناصر" صاحب دمشق من لمة المماليك البحرية علي الأكراد في الطور. بعت "الملك الناصر" ل "الملك المغيث" رسالة بيهدده فيها لو ما تخلاش عن حمايته للماليك البحرية، فأتفق الاتنين يحلقوا علي المماليك البحرية ويقبضوا عليهم، وفعلا أتلم المماليك في سجن قلعة حلب.
في نفس السنة قرب المغول علي دمشق، وطبعا غارات المغول ورعب المذابح وجيشهم الي المنيع مالية الشرق. فركب "الملك الناصر" خبطت في بعض والمغول علي أبواب دمشق وحلب. فجمع كل القيادات والأمراء ومن ضمنهم طلع "بيبرس" من السجن وخلاه معاه، قام الأمير "زين الدين الحافظى" ينصح الملك أنه يجاريهم ويسمع كلامهم والدخول في طاعة "هولاكو". سمع "بيبرس" الكلمتين دول والدم فار في عروقه، وراح قام ضارب "زين الدين" بالقلم علي وشه وقاله بثورة وغضب: "أنتم سبب هلاك المسلمين".
كان الوقت ديق ومفيش مساعدات وصلت ل"الملك الناصر"، نص البلاد الاسلامية دمرها المغول، والنص تاني خايف، ومصر مكنتش لسه مستعدة، وبالتالي أكل المغول دمشق وحلب بمنتهي السهولة، وأسروا وقتلوا ونهبوا وسلبوا وأغتصبوا، كعادتهم في كل البلاد وسابوها أطلال.
هرب "بيبرس" من المجزرة اللي حصلت في دمشق وسافر علي غزة، ومن هناك بعت رسالة ل"المظفر سيف الدين قطز" سلطان مصر.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق