الظاهر بيبرس البندقداري 4
(4) لما مات "الملك الصالح نجم الدين أيوب" بعتت الأمير المملوكي "فارس الدين أقطاي" برسالة مختومة بختم "الملك الصالح" اللي معاها، يوصلها ل "توران شاه بن الملك الصالح"، اللي كان في حصن كيفا علي أطراف العراق، بتأمره - بصيغة أن أبوه الملك اللي كاتبها عشان محدش يشك في حاجة - بضرورة الحضور علي مصر في الحال. "شجر الدر" كانت عاوزة تخلص من الحملة الصليبية، وفي نفس الوقت تسلم الحكم لإبن جوزها في سلمية من غير صراعات وانقلابات في البيت الأيوبي.
وبعد "مصيدة المنصورة" اللي أنتصر فيها جيش المماليك بقيادة "بيبرس البندقداري" علي الصليبيين، بأيام وصل "توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" مع الأميرالمملوكي "فارس الدين أقطاي" ومعاه 50 فارس من فرسانه. وأول ما دخل قصر المنصورة استقبلته "شجر الدر" بفرحة وحفاوة كبيرة جدا، حست ان المسؤولية التقيلة اللي علي كتافها انزاحت وحضر اللي هينقذها وينقذ مصر من أزمتها. وبعد 3 شهور من وفاة "الملك الصالح" أعلن قصر الحكم عن وفاته رسميا وتولي ابنه "المعظم مغيث الدين توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" الحكم.
وعلي الرغم من سعادة المصريين بانتصار المنصورة، واستبشارهم بحضور "توران شاه" في انه هينهي علي الصليبيين خالص من مصر. لكن خبر موت "الملك الصالح" نكد عليهم، لدرجة بكاؤهم في ساحات المساجد لما الأئمة أعلنوا الخبر، فالملك الصالح واللي كان ملقب بلقب "ذو الهيبة" كان رجل خير ومحبوب من الرعية، وكان أقوي وأعدل الحكام الايوبيين من بعد جده "صلاح الدين الأيوبي".
أول ما وصل "توران شاه" نقل أسطول من المراكب متشال علي ضهر الجمال من سمنود لدمياط قريب من أسطول الحملة الصليبية، وأشتبك الأسطولين في معركة جبارة، قدر فيها "توران شاه" بجيشه من المماليك أنه يستولي علي 80 سفينة صليبية، وحقق أنتصار كبير.
بعد المعركة دي، الدنيا أتبهدلت خالص مع جيش الصليبيين، ورجع "الملك لويس التاسع" يظهر عليه المرض اللي كان خف منه قبل ما يقوم بالحملة. وزاد الطين بلة أن الأكل والمؤن والذخيرة معاهم بدأوا يخلصوا. فأمر "الملك لويس التاسع" جنوده بالأنسحاب جوا دمياط تاني.
لكن "توران شاه" وجيشه من المماليك لحقوه عند قرية فارسكور، وكان المرض والجوع هدهم واشتد علي "لويس التاسع" وجنوده، فهجم عليهم جيش "توران شاه"، وبعتروهم زي ورق الكوتشينة قصادهم مابين قتل وأسر. وحاول واحد من قواد الصليبيين يهرب ب "الملك لويس التاسع" من المعركة وهو مريض، فهرب بيه لحد قرية منية الخولي عبد الله التابعة لقري شرمساح في نص الطريق بين دمياط والمنصورة. لكن جيش المماليك فضلوا وراه لحد ما قبضوا عليهم، واتسحب "الملك لويس التاسع" أسير مقيد بالأغلال، لحد دار القاضي "فخر الدين بن لقمان" بالمنصورة، واتسجن فيها ومعاه اخواته "كونت أنجو" و "كونت بواتييه" في محرم 647 هجري/ ابريل سنة 1250م.
طبعا الخبر وصل للقاهرة بعد الانتصار علي الصليبيين، والناس بقت تتنطط من الفرحة، والستات تزغرط، والرجالة تهلل وتكبر، وأتعلقت الزينات، والناس وزعوا علي بعض الشربات في الشوارع، كانت فرحة عظيم بأنتصار "الملك توران شاه" وجيش المماليك.
راحت السكرة وجت الفكرة، بعد ما قعد "الملك توران شاه" علي كرسي الحكم فوجئ المماليك بأنه بدل ما يكافئهم، لقوه بيعزلهم من مناصبهم، وبيبعت يجيب مماليكه من حصن كيفا اللي أشتركوا في حرب ولا كر وفر معاهم، وبيحطهم في أماكن المماليك البحرية. حتي "شجر الدر" الست اللي عملت المستحيل عشان تسلمه الحكم بيضة مقشرة، حبسها في الحرملك، وهددها بالقتل لو مدتوش كل فلوسها. وزاد الطين بلة، أن وصل لمسامع المماليك أن "توران شاه" بيشرب الخمر لحد الثمالة ويقف بسيفه يكسر الشموع من علي شمعدانات الاضاءة ويقول: "هكذا أفعل بالمماليك البحرية". ومع كسره لكل شمعة يقول أسم كل واحد في القادة اللي نفسه يخلص منهم زي "أقطاي" و "بيبرس" و"قلاوون" وغيرهم.
كل ده خلي هدف المماليك البحرية الأول هو التخلص من "توران شاه". أجنمع أمراء المماليك "بيبرس البندقدارى" و"أقطاى" و "قلاوون الصالحى" و "أيبك التركمانى" وغيرهم وأتفقوا علي قتل "توران شاه" في فارسكور.
وفي يوم الاتنين 9 محرم 648 هجري/ 2 مايو 1250م، كان "توران شاه" قاعد في برجه اللي بناه في فارسكور، فهجم عليه جماعة من المماليك البحرية بسيوفهم، ضربوه فقطعوله صوابع ايده، قام "توران شاه" هرب ودخل برج خشب وقفل عليه الباب، المماليك ضربت البرج بالسهام المشتعلة فحرقوا البرج. خرج "توران شاه" من البرج بيصرخ بعد ما النار مسكت فيه وراح رامي نفسه من البرج في البحر. وفضل يعوم ويصرخ ويقول "خذوا ملككم ودعوني أرجع الي حصن كيفا يا مسلمون، ما فيكم ما يصطعني ويجيرن". لكنه لما خرج من البحر شبه غرقان ومحروق لقي المماليك واقفة مستنياه فمسك في ديل "أقطاي" يستسمحه لكنه نزل عليه هو والمماليك بالسيوف قطعوه، فمات "توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" مقتول محروق غرقان، بعد ما قعد في الحكم 91 يوم بس، فكان السلطان اللي قتله غروره . ولما طلعوه علي البحر فضل مرمي علي الشاطئ 3 أيام محدش راضي أو قادر يدفنه خوف من المماليك. لحد ما الخليفة العباسي بعتلهم رسول يشفع لجثته انها تندفن. وفي الاخر دفنوه ومحدش يعرف اندفن فين.
وبعد ما المماليك خدوا بتارهم من "توران شاه" وشفوا غليلهم. بصوا حواليهم كده، ملقوش حد يقعد علي العرش. أمراء المماليك اتجمعوا، وتناقشوا وتحادوا، بس كانوا متفقين ان العرش ميخرجش بره البيت الأيوبي. بس مين في البيت الأيوبي اللي ينفع يحكم مصر. راح واحد منهم قام وقايل "شجر الدر". وبعد مناقشة وجدل اقتنع المماليك ان انسب حاكم لمصر في الفترة دي هي "شجر الدر"، ماهي كانت بتحكم تحت عباية "الملك الصالح"، وكلهم عارفينها وعاريفين حكمتها وبصيرتها، والأهم من ده كله ايديها الفرطة معاهم، ويبقوا كده مطلعوش برة البيت الأيوبي. وخرج "عز الدين أيبك الرومي" – ده غير "عز الدين أيبك" اللي نعرفه مجرد تشابه أسماء - من الاجتماع طلع علي قلعة الجبل، كرسول من المماليك، رايح ل "شجر الدر" يبلغها بقرارهم، بتوليتها عرش مصر، لتصبح "السلطانة شجر الدر".
ورغم أن السلطانة "شجر الدر" ثبتت كفاءة في الحكم وظبطت الرعية وظبطت كمان المماليك، إلا أن الأئمة والقضاة بقيادة الشيخ "العز بن عبد السلام"،كانوا رافضين حكمها لأن حكم المرأة مخالف للشريعة الإسلامية. وجت ل "شجر الدر" رسالة من الخليفة العباسي "المستعصم" بيستهزئ بيها وقال: "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً". وهنا قررت "شجر الدر" تطاطي للريح وتسمع لنصيحة القاضي "تاج الدين ابن بنت الأعز" اللي قال لها تختار ليها زوج تسلمه الحكم بشكل سلمي بدل ما تتطور الأمور لصراعات ويخشوا في بحر دم. وهنا أختارت تتجوز "عز الدين أيبك" مقدم العساكر و أتابكها، لأنه مكنش قوي الشكيمة، ومستضعف، وكان وجوده في منصبه كمقدم للعساكر في الأصل تحصيل حاصل فالرأي الأول والأخير كان ل "شجر الدر" ومكنش يقدر يتصرف ولا يصدر قرار من غير الرجوع ليها، يعني أختارته عشان كانت عارفة أنه لابيهش ولا بينش، وده كان أختيارها عشان يبقي مجرد صورة في الوش تقطع بيه الألسنة، وفي نفس الوقت تبقي الحاكم الفعلي وهي من وراه.
أختيار "شجر الدر" ريحها شخصيا وريح المدافعين عن الحكم الشرعى للبلاد، لكنه مريحش "فارس الدين أقطاى" قائد الجيش، واللي من المنطقي كان هو الأحق ب"شجر الدر" وبالحكم، لكنه كان شخصية قيادية قوية عكس "أيبك" تماما، وده اللي مكنتش عاوزاه "شجر الدر". وهنا قامت أعاصير من نوع أخر.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق