الظاهر بيبرس البندقداري 3
(3) خرجت حملة "لويس التاسع" الصليبية في 1249ميلادية من فرنسا متجهة لمصر. وأول ما وصلت سفن الحملة ناحية قبرص، قامت عواصف وأعاصير، وأتكسر بسببها نص سفن الحملة - دي علامة يا مارد - فوصل لسواحل دمياط 700 سفينة من سفن الحملة الصليبية في يونيو 1249 ميلادية.
نزل الجيش الصليبي شواطئ دمياط لقي قصاده جيش المماليك ومعاهم جيش عرب كنانة وتحصيناتهم الجامدة لمدينة دمياط. وكان فيه دفاع من المماليك شديد، حاولوا بيه ميخلوش الجيش الصليبي ينزل من مراكبهم. وفضل القتال داير، لكن الجيش الصليبي قدر يضغط علي الجيش المملوكي وخلاه كل شوية يتقهقر. لحد ما في يوم انسحب الجيش المملوكي بالليل علي جوا البلد نفسها. فالأهالي وسكان دمياط لما شافوا الجيش المملوكي داخل بيجري عليهم اتفزعوا، والناس عرفت ان الصليبيين اكيد داخلين وراهم، فطلعت الأهالي من بيوتها حافيين من عز نومهم يجروا بكل فزع في نص الليل، ما بين صريخ وصويط والناس بقت تدوس علي بعض سايبين وراهم بيوتهم وفلوسهم وحالهم كله، هدفهم بس كله ينجا بحياته ويلا يا نفسي ياروح ما بعدك روح، طبعا كانت مأساة وهلع وفاجعة شديدة. ودخل الصليبيين دمياط يوم 6 يونية سنة 1249م، واستولوا عليها وعلي كل حاجة فيها من غير اي مجهود، ما هم استلموا مدينة اشباح فاضية مليانة بخيرات الله. وسلبوا ونهبوا، وعاشوا حياتهم، وحولوا جامع دمياط لكنيسة.
"الملك الصالح نجم الدين أيوب" غضب جدا من المهزلة اللي حصلت، ياريته كان انسحاب تكتيكي منظم، ده اتقلب لكارثة، والمدنين العزل أهل البلد اتشردوا. أمر "الملك الصالح نجم الدين أيوب" بمعاقبة قبيلة عرب كنانة اللي اتسببت في الانسحاب والهرجلة دي، بشنق اكتر من خمسين شخص من كبارهم وامراءهم لكن بسبب ضعفه ومرضه اللي بيسوء يوم ورا التاني أجل التنفيذ.
ان كانت الطبيعة أعلنت غضبها ورفضها وتحذيرها لحملة "لويس التاسع" الصليبية في البحر مرة، فرجعت تعلن نفس الغضب والرفض والتحذير للمرة التانية بس المرة دي في النيل. ولأن الغريب أعمي ولو مفتح، ف"لويس التاسع" وقواده مكنوش يعرفوا أن ده موسم الفيضان السنوي للنيل. وفجأة لقي "لويس التاسع" نفسه هو وجيشه متسجونين في دمياط أجباري بسبب الفيضان. وعليه استسلم "لويس التاسع" للوضع وفرد جيشه خيامهم وسكنوا في بيوت الأهالي المتهجرة، وقعدوا في دمياط 5 شهور ونص.
الفيضان كان فرصة ذهبية للمماليك يرجعوا صفوفهم ويزودوا اسلحتهم ومؤنهم، وبالمرة كمان يقوموا بعمليات فدائية زي حرب الاستنزاف كده علي الصليبيين. وبرده الصليبيين مكنوش قاعدين ساكتين ده جالهم مدد من فرنسا وتعبئة في اكتوبر 1249م بقيادة اخو "الملك لويس التاسع" الأمير "الفونسو" كونت بواتييه.
يوم ما أنتهي حصار فيضان النيل وأبتدا الجيش الصليبي يلم حاجته ويتحرك ناحية القاهرة، وابتدا جيش المماليك يقف في وض الاستعداد وتلقي أوامر الهجوم وتوجيهات الملك. في نفس ذات اليوم ده، 15 شعبان 647 هجري/ 21 نوفمبر 1249م، مات "الملك الصالح نجم الدين أيوب".
فاكر مشهد "ليلي علوي" في مسلسل حديث الصباح والمساء لما جوزها "عطا المراكيبي" مات وفرح ولادهم شغال، فاكر أتصرفت ازاي. هو هو نفس التصرف ده عملته "شجر الدر"، بعد ما خدت صدمتها في فراق حبيبها وفي موت الملك في حتة لحظة صعبة جدا حط فيه الجيش والبلد كلها في مزنق ومنعطق خطر جدا. مسحت دموعها ورجعت لثباتها الانفعالي تاني، وخرجت من أوضته عادي جدا وأمرت محدش يدخل علي الملك ولا يصحيه عشان واخد الدوا ونايم. وبسرعة البرق طلبت استدعاء القائد العام للجيش "الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ" والمشرف العام الطواشي "جمال الدين محسن"، واختصتهم دول بالذات علي الخبر وأمرتهم بكتمانه، وده لأنها كانت واثقة فيهم وعارفة انهم أهل للثقة، ما هي في قلب الحكم وعندها خبرة كافية بالناس اللي حواليها. وبعتت رسالة مستعجلة ل "توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" اللي كان في حصن كيفا، بسرعة الحضور الي مصر.
وخرج جثمان "الملك الصالح نجم الدين أيوب" من ممرات سرية في قلب قلعة دمياط في سرية شديدة شايلينه في تابوته "فخر الدين يوسف" و "جمال الدين محسن". وركبوا بيه المركب في عز الليل لحد جزيرة الروضة ودفنوه هناك، من غير ماحد حس بيهم اطلاقا، الكل عارف أن الملك نايم تعبان في أوضته وبس، ونائبته "شجر الدر".
شايفة في عينيك سؤال كان ايه اللي يجرا يعني لو الناس عرفت أن "الملك الصالح نجم الدين أيوب" مات في الوقت ده؟. عارف أنت لو كانت المماليك شموا بس خبر بموت ملكهم وسيدهم "الملك الصالح"، مش بس عزيمتهم هتنهار، ده فيه احتمال أكيد انهم يسيبوا الحرب أصلا والمماليك والأيوبين ياكلوا في بعض، مهما في الاصل عبيد والبلد مش بلدهم، والحرب لجل "الملك الصالح" اللي بيكنوله بالولاء بس، وأهو مات. والدنيا تتفكك والصليبيين يحتلوا مصر والدم يبقي للركب، و"شجر الدر" مكنش عنها استعداد أنها تخون ثقة زوجها وحبيبها "نجم الدين أيوب" فيها حتي وهو ميت.
بدأ الجيش الصليبي بقيادة "الملك لويس التاسع" يتحرك لحد ما وصلوا جزيرة الورد في رمضان 647 هجري/ ديسمبر 1249م، وفضل القتال داير بين الجيش المملوكي والايوبي قصاد الصليبيين لمدة شهرين. وكان بيفصل ما بين معسكر الجيشين بحر أشموم، لحد ما عرض واحد من البدو علي "لويس التاسع" يدله علي طريق يعدوا منه البحرمقابل 500 بيزنط - عملة أوروبا في الوقت ده - وفي يوم 4 ذي القعدة 647هجري عدا الجيش الصليبي البحر وانقضوا علي المسلمين علي غفلة، وطبعا مكنوش مستعدين فكانت الخساير في الجيش الاسلامي رهيبة، ومن ضمنهم كان قائد الجيش نفسه الأمير "فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ".
هنا "شجر الدر" وقعت من طولها، الأمير "فخر الدين يوسف" مات، دراعها اليمين ومصدر ثقتها الوحيد. حست أن خلاص الدنيا اتطربقت علي دماغها، وكمان "توران شاه" لسه في السكة مجاش، وشكله هيجي أصلا بعد خراب مالطة. في لحظة الانهيار دي والنظرة السوداوية، بيظهر في الصورة مين؟؟ أه طبعا منتوا ركزتوا مع "نجم الدين أيوب" و "شجر الدر" ونسيتوا احنا بنتكلم علي مين أصلا.
زي الحواديت الشعبية اللي بيظهر فيها البطل المنقذ في لحظة الانهيار، ظهر "بيبرس البندقداري". وعرض عليها خطة فيها نوع من الجرأة والشجاعة والمخاطرة، لكنها كانت محتاجة أنقاذ سريع حتي لو هتخاطر، وحست من كلامه أنه فاهم وواثق من اللي بيقوله، فأعتمدت الخطة علي مسؤولية "بيبرس" وعينته قائد الجيوش بدل الأمير "فخر الدين يوسف" وقالتله توكل علي الله ورينا الهمة.
طار "بيبرس" وقبل ما يوصل كانت رسالته وصلت لصفوف المماليك المرابطة في جزيرة الورد بتعليماته وأوامر "شجر الدر". ولما وصل تمم علي خطته وترتيباته زي ماهو عاوز. دخل الصليبيين في قلب مدينة جزيرة الورد بصوا لقوا الشوارع فاضية والبيوت هادية والمحلات مقفلة، فكرتهم بدخلتهم لدمياط، وقالولك بس الناس هربت زي ما هربوا من دمياط، والبلد فاضية. والجنود الصليبيين فكوا كدة ونزلوا من خيولهم وقلعوا دروعهم وخدوا راحتهم واللي نام واللي أكل واللي لعب. وفجأة يدي "بيبرس" الاشارة فيهجم الجيش الاسلامي علي الصليبيين هجمة حرة مباشرة، واللي كان بيهرب من الصليبيين كانت الأهالي تلحقه بالشوم والنبابيت والحجارة والسكاكين ولو فيه غطيان حلل ميضرش. المهم كانت النتيجة خسران الصليبيين الألاف من جنودهم، وده كان أول نصر عظيم يتحقق علي جزيرة الورد، اللي من فرحة الأهالي بانتصارهم غيروا اسمها وبقت "المنصورة". وكان النصر ده بتوقيع القائد المملوكي الهمام "بيبرس البندقداري".
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق