الظاهر بيبرس البندقداري 13
(13) بعد ما وصل السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى" للقاهرة أخيرا بعد سنتين من حروبه مابين الصليبيين والمغول، ولسه يادوب مريح ضهره كده من السكة. فى سنة 664 هجرية / 1266 ميلادية، جاتله أخبار أن ملك أنطاكية "بوهمند السادس" أغار علي مدينة حمص - مدينة فى سوريا حالياً علي الضفة الشرقية لنهر العاصى - فوراً قام "بيبرس" باعت للأمير "جمال الدين أيدغدى العزيزى" وأمره بالخروج مع فرقة من جنود الجيش بصفة مستعجلة علي حمص عشان يلحقوها، علي ما يجهز هو باقى الجيش والأسلحة والعتاد ويخرج وراه. ولما وصل "بيبرس" بجيشه لغزة، بعت فرقة تانية تسبقه علي حمص بقيادة الأمير "سيف الدين قلاوون الألفى".
فرقة "قلاوون الألفى" ساندت فرقة "أيدغدى العزيزى" وحاربوا سوا الصليبيين فى حمص وأنتصروا عليهم. وبعد تحقيق الانتصار وصلهم رسالة من السلطان "بيبرس" يأمرهم فيها أنهم يطلعوا علي طرابلس - فى لبنان حاليا - ويهاجموا الصليبيين اللى فيها.
الصليبيين وقتها كانوا عارفين أن جيش المسلمين هاجم جنودهم فى حمص عشان هم اللى بدأوا وأغاروا علي حمص الأول، وده كان دفاع طبيعى من المسلمين عن بلد تابعة لمملكتهم. لكن مش مديين خوانة وقتها أن "بيبرس" هيكمل خطة فتوحاته بفرقتين بس من جيشه، عشان كده كان هجوم الفرقتين عليهم فى طرابلس مفاجئ، أخدوهم علي حين غرة زى ما بيقولوا يعنى. نزلت فرقة "العزيزى" و "قلاوون الألفى" على قلعة الأكراد فى طرابلس وأستولوا عليها وعلي باقى قلاع طرابلس الساحلية. وقدرت فرقتين بس من جيش المسلمين تتطهر طرابلس من الصليبيين وترجعها تانى لأحضان المسلمين.
مفروض أن باقى الجيش مع "بيبرس" لسه ورا، بس "بيبرس" كان متعمد يأخر نفسه أولا لثقته فى قوة الفرقتين ثانيا عشان خطة الخدعة اللى عملها علي طرابلس. فأستغل "بيبرس" فرصة خروجه للشام وراح زيارة لبيت المقدس - القدس - والخليل اللى زار فيه قبر سيدنا "إبراهيم" عليه السلام، ووزع العطايا علي حراسه وأمرهم ميسمحوش لأهل الذمة - اليهود والمسيحيين - أنهم يدخلوا أو يزوروا الأماكن المقدسة دى. طب ليه "بيبرس" عمل كده؟.
"بيبرس" كان عنده خطة ومنهج ماشى عليها، يعنى تصرفاته محسوبة وعارف كويس هو بيعمل ايه وهدفه ايه. فى الوقت ده اللى فيه "بيبرس" بيحارب فيه الصليبيين، كان بيسعي لتقوية سيطرته علي البلاد وتعزيز الهوية الاسلامية فى مواجهة التهديدات الصليبية والمغولية. وكان عاوز يكسب تأييد علماء الدين والمسلمين، وحماية الأماكن المقدسة تعتبر جزء من جهوده لتوحيد المسلمين تحت قيادته، وتحقيق نوع من الشرعية الدينية لسلطته. ومن الناحية الدينية كان "بيبرس" معروف عنه أنه شديد الانحياز للشريعة الاسلامية - فيما بعد هكتب عن الاساطير اللى طلعت على "بيبرس" من ضمنها أن الناس رفعوه لمرتبة الأولياء من شدة حرصه علي عقيدة الاسلام - وكان بيعتبر أن الأماكن المقدسة فى القدس والخليل لازم تبقي محصورة فى نطاق المسلمين فقط، ومنع أى ممارسات دينية تتعارض مع الاسلام فيها.
راح "بيبرس" بعدها علي عين جالوت - بين نابلس وبيسان فى فلسطين - وبعت عدد من أمراء من المماليك علي رأس عدد من الفرق بأوامر بغزو صور وصيدا - فى لبنان - وتحريرهم من الصليبيين، وخرج "بيبرس" مع باقى جنوده لحد عكا وقعد فيها منتظر فتوحات وأنتصارات جنوده اللى مخيبوش أمله ورجعوله على عكا وهم محملين بالغنائم.
جمع "بيبرس" فرقه المنتصرة علي الصليبيين فى حمص وطرابلس وصور وصيدا، وجهز جيشه بالكامل من أول وجديد وطلع بيهم علي صفد - فى منطقة الجليل بفلسطين - واللى كانت واحدة من معاقل الفرسان الداوية أو المعروفين بفرسان المعبد أو فرسان الهيكل. فرسان الداوية أو المعبد كانوا اول التنظيمات العسكريه الصليبيه و إتأسست جماعتهم سنة 1118 ميلادية عن طريق سبع فرسان أقسموا بحماية الحجاج الرايحين بيت المقدس وبعدين كبر التنظيم وبقي له حكايات كتيرة من التعصب الدينى والقسوة والدموية.
حاصر جيش "بيبرس" مدينة صفد، وزى ما دافع فرسان الاسبتالية عن أرسوف بشراسة - راجع الجزء ال 12 - دافع فرسان الداوية عن صفد برده بشراسة. لكن "بيبرس" وجيش المسلمين فضلوا صامدين، ومكنش "بيبرس" واقف فى مكان ثابت، ده كان رايح جاى بين جنوده يحفزهم ويحمسهم. كمان أصدر أوامر صارمة لجنوده بمنع شرب الخمر ومنع اتلاف المزروعات وشدد العقوبة علي المخالفين لأوامره لدرجة الاعدام.
فضلت الحرب دايرة مابين "بيبرس" وجنوده وبين فرسان الداوية بمنتهى العنف، والحصار فضل أيام طويلة. وأستمر "بيبرس" يضرب بالمجانيق ويحاول يقتحم أبواب المدينة المحصنة تحصين شديد، وفرسان الداوية يرموا الزيت المغلى عليهم من فوق الأسوار ويضربوا المسلمين بالسهام. ورغم كده فضل الجيش مرابط حوالين المدينة ومحاصرها وبيدمر بالمجانيق تحصينات فرسان المعبد فيها.
وبعد حصار شديد وصعب لمدة 3 أسابيع ضعفت مقاومة فرسان الداوية ورفعوا راية التسليم وطلبوا من "بيبرس" يأمنهم علي حياتهم ويسيبهم يرحلوا سالمين. أشترط عليهم السلطان "بيبرس" أنهم لو عاوزين يمشوا سالمين، يخرجوا من القلعة من غير سلاح ولا أمتعة من مالهم ودهبهم، وميبوظوش ذخائر القلعة، ولو حصل منهم غير كده يبقى شرط الأمان ده لاغى.
وقف أمراء المماليك على صفين باب خروج القلعة، وبدأ 2000 من فرسان الداوية يخرجوا منها تحت نظر جيش المسلمين، وهم فاكرين أن عهد الأمان خلاص كده خدوا وعد شرف وأن "بيبرس" مش هيدقق معاهم، لكن "بيبرس" بقي دقق معاهم. أصل "بيبرس" كان عارف فرساس الداوية كويس وسامع حكاويهم من زمان، وعارف أنهم أشر وأخبث تنظيم للصليبيين.
علي باب القلعة والفرسان خارجيين فوجئوا بأمراء المماليك والجنود بيوقفوهم وبيطلبوا تفتيشهم، الفرسان إتبرجلت فألتف فرقة من جيش المماليك عليهم وشهروا السيوف وقاموا بتفتيش اجباري، واللى توقعه "بيبرس" لقاه. لقوا مع فرسان الداوية اللى نقض اتفاق الأمان، فكلهم شايلين أسلحة وأمتعة تحت عباياتهم المميزة اللى عليها صليب أحمر كبير، ومش كده وبس دول لقوا معاهم كمان أسري مسلمين ملبسينهم زيهم وساحبينهم معاهم بالغصب. ده ايه الجبروت ده يعنى الراجل قايلكوا متخدوش أسلحة ولا أمتعة تقوموا تاخدوا أسري بنى أدمين كده فى ايديكوا مش شنط كمان.
طبعا كرد فعل طبيعى للى حصل ده، أمر السلطان "بيبرس" بالقبض علي كل فرسان الداوية وطير رقابيهم كلهم علي تل قريب من مدينة صفد، بس ساب منهم اتنين واحد منهم أسلم وبقي فى خدمة "بيبرس" والتانى سابه حى عشان يروح للصليبيين ويحكيلهم اللى حصل وأن "بيبرس" طير رقبة 2000 فارس من الداوية، كنوع من أنواع الحرب النفسية ويزرع جوا الصليبيين الخوف والفزع من "بيبرس" وجيش المسلمين القوى الرهيب.
الغريب بقي أنى بكتب عن فرسان الداوية اللى هم فرسان المعبد فى الجزء رقم 13 ودى صدفة مش مقصودة، لأن شؤم الأوروبيين من رقم 13 كان بسبب فرسان المعبد دول، وقراء العراب دكتور أحمد خالد توفيق أو اللى قروا شفرة دافنشى لدان براون هيعرفوا ليه.
طبعا الصليبيين فى كتابتهم ذكروا الحادث ده ووصفوا "بيبرس" بالخسة والندالة، عشان نقض عهد الأمان مع فرسان الداوية المسالمين الكيوت وهم معملوش حاجة، و"بيبرس" ظالم ومفترى، طبيعى ده حال بلاد الغرب فى قلب الحقايق. بس وصل بيهم البجاحة أن واحد منهم أعترف أنهم كانوا شايلين أسلحة بس ده ميمنعش أن "بيبرس" برده ظالم ومفترى. يقول "موير" فى كتابه دولة المماليك فى مصر: "إن هذا الجرم الفظيع عزاه فريق إلي أن الأسري حين خروجهم حملوا أسلحتهم وأمتعتهم، كما أن فريقا أخر يري أنه يرجع إلي أن بعض المسلمين وجدوا مسجونين بالقلعة". طب وهو ايه اللى خرج الأسري معاهم لامؤاخذة، والأسري جابوا سلاح ومتاع منين وهم أسري، أعقلوا الكلمة. ماعلينا يعنى هو طبعهم ولا هيشتروه.
دخل "بيبرس" الصفد بعد ما طهرها، وفك حبس الأسري، عشان يكتشف فيهم مين؟؟ مين شاطر وفاكر يقدر يقول. خلاص هقولك أنا، لقي من ضمن أسري المسلمين فى قلعة الصفد "مبارك بن المستعصم" و "على بن المستعصم" من أبناء الخلفاء العباسيين - ولمزيد من التفاصيل ارجع للجزء العاشر - وبعتهم السلطان "بيبرس" علي القاهرة يقعدوا مع قريبهم الخليفة "الحاكم بأمر الله العباسي".
فى نفس السنة دي، سنة 1265 ميلادية مات زعيم المغول "هولاكو"، وأتولي مكانه أبنه "أباقا" أو "أباغا"، واللى كان نسخة من أبوه فى وحشيته وعنجهيته، وسالك نفس سكة أبوه.
السلطان "الظاهر بيبرس" كان لسه فى صفد، وأشترك بنفسه مع جنوده فى إعادة إعمار المدينة بعد الدمار اللى حصلها من المجانيق. وكتب علي اسوارها عبارات تدل على أنتصاره قال فيها: ( "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" أمر بتجديد هذه القلعة المحروسة وتحصينها وتكملة عمارتهاوتحسينها من خلصها من أيدى الفرنج الملاعين وردها إلي أيد المسلمين، ونقلها من مسكن إخوة الداويةإلي سكن إخوة المؤمنين فأعادها للإيمان كما بدأها أول مرة، سلطان الاسلام والمسلمين سيد التتارفاتح القلع والحصون والأمصاروارث الملك سلطان العرب والعجم والترك إسكندر الزمان صاحب القرآن أبو الفتح بيبرس قسيم أمير المؤمنين).
فى سنة 664 هجري / 1266 ميلادية بعد ما أتعمرت صفد، أتحرك "بيبرس" ووصل دمشق وأقام فيها. وأمر جنوده يتحركوا قاصدين مدينة سيس والاغارة عليها. مدينة سيس كانت مدينة أرمينية عاصمة لمملكة قيليقيا - جنوب الأناضول حاليا في بلدة قوزان بمحافظة أضنة بتركيا - وكان ملك قيليقية الأرمنى "هيثوم" موقف مشين منساهوش "بيبرس". الملك "هيثوم" هو اللى نصح "هولاكو" ودفعه يهجم علي بغداد ويقضي علي الخلافة الاسلامية، وأنضم "هيثوم" ل "هولاكو" وتحالفوا سوا فى القضاء علي المسلمين فأصبحت مملكة قيليقيا تابعة لمغول فارس بحق الحماية. وفي سنة 1264 ميلادية بعت "بيبرس" جيش لحلب بعد ما تقدم جيش "هيثوم" لعينتاب علي راس جيش كبير ودارت هناك معركة كبيرة أنهزم فيها الأرمن. الملك "هيثوم" ساعتها أستغاث بحلفاؤه المغول، فبعتوله 700 جندى مغولى يلحقوه، وقدر "هيثوم" بمساعدة المغول يحاصروا حارم - بسوريا علي الحدود مع تركيا حاليا - وقدروا يأسروا الأمير "سنقر الأشقر" نسيب "بيبرس"، ولما التلج اللى نزل على حارم أتفك الحصار وأنسحب المغول والأرمن، بعد ما أستولي الملك "هيثوم" علي حلب وقلاعها. ودارت الأيام عكس ما كان متوقع الملك "هيثوم" وجاء وقت الحساب ودفع التمن.
خرج "الملك المنصور" صاحب حماة في قيادة الجيش وأنطلقوا إلي مدينة سيس، وأخترقوا مضايق قيليقيا. وفى سيس ألتقي جيش المسلمين مع جيش الأرمن، وأنتصر المسلمين علي الأرمن، وأنهزم الملك "هيثوم" وكمان أتأسر إبنه "ليفون"، ودخل المسلمين مدينة سيس.
بعدها بعت ملك "هيثوم" ابنه التانى "فاساك" للسلطان "الظاهر بيبرس" فى دمشق، يطلب منه العفو ويطلق سراح أخوه "ليفون". وافق "بيبرس" أنه يرجعلهم الأمير "ليفون" بس بشرطين، الأول يبادلوه بالأمير "سنقر الأشقر" الأسير عندهم، تانيهم يرجع الملك "هيثوم" حلب وتسليم قلاعها "بهنسا ودربساك ومرزبان وشبح الحديد". الملك "هيثوم" وافق علي الشرط الأولانى لكنه أتردد فى الشرط التانى. فكتبله السلطان "بيبرس" رسالة قاله فيها: "إذا كنت تقسو علي ولدك وولى عهدك فأنا أقسو علي صديق ما بينى وبينه نسب ويكون الرجوع منك لا منى".
الملك "هيثوم" قرا الرسالة وركبه خبطت فى بعضها، "بيبرس" بيقوله خلى رجوع "سنقر الأشقر" والقلاع بايدك أحسن من إيدى عشان إبنك وملكك مش يوحشك. وفعلا رجع الملك "هيثوم" حلب وقلاعها ل"بيبرس" بشكل ودى ورجعله كمان "سنقر الأشقر"، وأخد إبنه "ليفون". وفى أنطاكية أتكتب معاهدة الصلح بين السلطان "الظاهر بيبرس" والأرمن، وأتبعتت للسلطان فى دمشق مضي عليها الملك "هيثوم" وولى عهده الأمير "ليفون.
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق