(12) لما عرض الصليبيين الصلح
علي السلطان "الظاهر بيبرس البندقدارى"، وافق "بيبرس" فى سبيل
إستعادة أسري المسلمين من عندهم، بعد ما بلغه أنهم بيتهانوا وبيتعاملوا معاملة
العبيد عندهم. وعلى الرغم من أن "بيبرس" وافق على الصلح ونفذ من عنده
الشروط ووصل الأسري الصليبيين لحد نابلس علي حدود الصليبيين، إلا أنهم رفضوا تسليم
الأسري المسلمين، ومصعبش عليهم أخواتهم أبناء دينهم، وسابوهم فى أيد
"بيبرس" عادى، ما هم عارفين أن أسراهم بخير واكلين شاربين نايمين
متبغددين، ماهم المسلمين بيعاملوا أسراهم بأنسانية ورحمة. ف"بيبرس" قالك
بس كده يعنى هم أسري الصليبيين أغلي عندى من المسلمين اللى عندكم مثلا، وراح
جاررهم فى بني أسوار دمشق بالسخرة. ولما
خرج "بيبرس" بجيشه لحرب الصليبيين، التانيين ركبهم خبطت فى بعض وبعتوا
رسلهم يجروا ناعم مع "بيبرس" ويقولوله بينا صلح يا خبيبى، قالهم
"بيبرس" ده كان زمان قول للزمان أرجع يازمان. وطلع جنوده هدوا كنيسة
الناصرة اللى تابعة للصليبيين من غير أى مقاومة منهم، ولمعلومات أكتر راجع الجزء
الحادى عشر.
"بيبرس" مكتفاش بهد كنيسة الناصرة، ده أمر جيشه بأقتحام عكا اللى كانت تحت سلطة الصليبيين. وطلع بنفسه معاهم حاصر عكا من ناحية البر سنة 661 هجرية / 1263 ميلادية، وخرج الصليبيين يجروا لحد تل الفضول جنب عكا وكانوا مجهزينه بخندق حوالين منه من ساعة ما عرفوا بخروج "بيبرس" من مصر، عشان يحصنوه ويحاربه من فوقه. حوار التل والخندق اللى حواليه ده مفرقش مع "بيبرس"، وطلع بجيشه ورتب جنوده وبدأوا بردم الخندق بكل همة وسرعة ونشاط، وكانت أيد "بيبرس" سابقة ايد جنوده فى شيل وحط الرمل وردم الخندق. وبسرعة الخندق أتردم وطلع "بيبرس" بجنوده فوق التل وهجموا على الصليبيين، ومن شدة المعركة هرب الصليبيين وجروا ناحية عكا وقفلوا أبوابها عليهم - عكا طوال التاريخ كانت مشهورة بأسوارها الحصينة العالية ونابليون نفسه بعد كده بمئات السنين فشل أنه يقتحمها - وجرى "بيبرس" وجيشه وراهم، وشال الأمراء والجنود جذوع النخل وبقوا يهدموا فى الأبواب واحد ورا التانى لحد ما كسروا الأبواب كلها، وأقتحم جيش المسلمين عكا، وبعتروا شمل الجيش الصليبى اللى بقى يجرى من الفزع زى الفيران وسيوف المسلمين بتحصد فيهم حصد، ويومها كان عدد قتلي الصليبيين كبير جدا، وكذلك الأسري والغنائم. وأتفك حبس أسري المسلميين اللى عندهم ورجعوا لجيشهم من تانى، ماهو اللى ميجيش بالذوق يجى بالعافية.
بدأ "بيبرس" يصلح اللى أفسده الصليبيين فى عكا، ويلم جيشه، ويعالج الجرحى، ويسلحهم أكتر، ويجهزهم أكتر، ويزيد فى تدريباتهم القتالية أكتر وأكتر. فى سنة 663 هجرية / 1265 ميلادية وصل ل"بيبرس" خبر أن المغول أستغلوا أنشغاله مع الصليبيين وأغاروا علي مدينة البيرة - حاليا تابعة لرام الله شمال القدس - وحاصروها ونصبوا عليها المجانيق، فجهز "بيبرس" جيش تحت قيادة الأمير "عز الدين إيفان" وكان القائد ده من أقوي قواد جيش "بيبرس، لدرجة أن الجنود كانوا مسميينه "سم الموت". طلع "عز الدين إيفان" بجنوده علي غزة، وأول ما عرف المغول بمجئ "سم الموت" سابوها المجانيق وفكوا الحصار وهربوا. بعت السلطان "الظاهر بيبرس" رسالة ل"عز الدين إيفان" بيأمره بتنضيف كل القذارة اللى أتسبب فيها المغول حوالين البيرة وإعادة إعمارها وتحصينها كويس.
تفتكر "بيبرس" كان باعت "عز الدين إيفان" بداله علي البيرة عشان بيستجم مثلا أو ملوش مزاج يطلع الطلعة دى. ده كان فى نفس ذات الوقت "بيبرس" علي راس جيشه رايح ورا الصليبيين لحد مدينة قيسارية - فى فلسطين علي ساحل البحر المتوسط جنوب حيفا - وحاصرها ونصب عليها المجانيق وفضل يضرب فيها 5 أيام لحد ما الصليبيين أتشوا حرفيا، ونزل "بيبرس" يهد فى أسوار قيسارية بأيديه وسط جنوده عشان يحمسهم زيادة، لحد ما هدوا الأسوار وأقتحموا المدينة، وأستسلم الصليبيين قصاد الأسود اللى داخلة عليهم.
من الأمور المضحكة أن فى عز ما "بيبرس" نازل هد فى سور قيسارية، وصلته رسالة من أمير حماة اللى كلفه "بيبرس" بإعادة أعمار البيرة بيقولوا أن الجنود تعبوا من كتر تنضيف الخنادق من الحجارة اللى رماها فيها المغول وبدأوا يتذمروا، فكتب "بيبرس" رسالة لجنوده فى البيرة قالهم فيها:
"إنا بحمد الله ما خصصنا عنكم براحة ولا دعة، ولا أنتم فى ضيق ونحن فى سعة، ما هنا إلا من هو مباشر الحروب الليل والنهار، وناقل الأحجار ومرابط الكفار، وقد تساوينا فى هذه الأمور وما ثم ما تضيق به الصدور".
طبعا الرسالة دى بتوضحلنا أد إيه "بيبرس" كان قائد عظيم، مكنش منشغل بالغارات والحروب وبس، ده كمان كان يهمه الروح المعنوية لجنوده وتشجعيهم، ومفيش تشجيع أكتر من مشاركتهم كل الأعمال الشاقة عليهم إيده بإيديهم، حتى الجنود البعيدة عنه بيبعتلهم رسالة فيها نوع من الملاطفة والمزاح، بيقولهم أنا زيي زيكوا أهو الهم طايلنى وطايلكوا. أهم ميزة فى القائد الذكى الناجح المؤثر هو أنه بينزل فى أرض الواقع وسطهم كتف بكتف، ومحسس جنوده أنهم أصحابه بجد، بيخفف عنهم وبيساعدهم، وده مردوده عليه كله خير، فهم كمان بيساعدوه بجد وقوة فى تحقيق أمانيه فى القضاء على الصليبيين والمغول، ويرتاح ويريح البلاد الاسلامية من أذاهم.
بعت ما دخل "بيبرس" قيسارية، كمل غزواته وفتوحاته ودخل عثليت وحيفا، وكمل لحد قلعة أرسوف البحرية - جنوب قيسارية - وحاصرها. القلعة دى كان مرابط فيها فرسان الهوسبتاليين، ودول منظمة خطيرة زى فرسان المعبد كده. الفرسان الهوسبتاليين مكنوش جنود عادية زى باقى جنود الصليبيين المرتزقة، دول كانوا بيحاربوا بناء عن عقيدة بجد، واللى بيدافع عن عقيدة أى إن كانت هى إيه بتكون حربه أشرس لأن ساعتها عمره مابيساويش حاجة فمش فارق معاه. عشان كده فضل حصار "بيبرس" للقلعة 40 يوم بحالهم كان فيها فرسان الاسبتاليين بيدافعوا عنها بشكل رهيب. وبسبب تعصب الفرسان الاسبتاليين فى حربهم ودفاعهم نقلوا الاحساس ده للمسلمين فتحولت لحرب دينية حقيقية. فوجئ "بيبرس" وجنوده بإشتراك أهالى البلاد المجاورة من المسلمين ـ أهل فلسطين البواسل ـ رجالة وستات وشيوخ وأطفال فى مهاجمة القلعة وحفر الخنادق من تحت أسوارها بكل همة وقوة عشان يوقعوها ويفتحوا منافذ لدخول الجيش.
فى النهاية فرسان الاسبتاليين أعلنوا أستسلامهم بس على شرط أن "بيبرس" يأمنهم علي حياتهم. وافق "بيبرس" وأمنهم على حياتهم بس بشرط من عنده قصاد شرطهم، يدمروا حصونهم بإيديهم. وفعلا دمر فرسان الاسبتالية حصونهم بنفسهم وهم متكرهين، عشان "بيبرس" يسيبهم يمشوا فى سلام. وبعد ما مشيوا وحط "بيبرس" حامياته علي قلعة أرسوف، ساعتها قرر يكافئ قادة جيشه والأمراء اللى كانوا معاه، فوزع عليهم قطائع من الأرض اللى رجعها من إيد الصليبيين، وسجل عطاياه دى بأسم كل قائد وأمير فى صكوك وبعتهم علي مصر عشان يوقع عليه الوزير والخازندار وديوان الجيش. وبعدين بعتوله الصكوك تانى علي الشام، فكتب قاضى القضاة "شمس الدين بن خلكان" إقرار بتمليك الأراضى الممنوحة من السلطان للأمراء، وفى الأخر صدق السلطان "الظاهر بيبرس" عليهم ومضي. وبعدها أتجمع الأمراء عشان كل واحد يستلم صك الملكية بتاعته من السلطان، فيقوم الأمير يبوس ايد السلطان وهو بياخد منه ورقة الملكية، ويمدحه ويشكر عطاياه. وبعد توزيع الصكوك، شكرهم السلطان علي تفانيهم وخدماتهم الجليلة اللى خلته يؤثرهم علي نفسه ويمنحهم البلاد والضياع. كان "بيبرس" قائد حكيم كما يجب أن تكون القادة.
بعدها جهز "بيبرس" نفسه وجيشه عشان يرجعوا تانى علي مصر بعد رحلة فتوحات دامت سنتين، وزين موكبه وهو راجع للقاهرة بالأعلام المنكسة للصليبيين فى البلاد والقلاع اللى فتحها وأنتصر فيها على الصليبيين.
(يتبع)
مروة طلعت
28/9/2024
الجزء الاول
https://www.facebook.com/share/p/dHKjqH82wXYD8m56/?mibextid=oFDknk
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/TcGE4e5npC63CfwS/?mibextid=oFDknk
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/3CWpLYExqUEheRfM/?mibextid=oFDknk
الجزء الرابع
https://www.facebook.com/share/p/LQpTcWvusxvUi8bE/?mibextid=oFDknk
الجزء الخامس
https://www.facebook.com/share/p/gyhwmTQVhHJVLZuS/?mibextid=oFDknk
الجزء السادس
https://www.facebook.com/share/p/4Z49Uto1wiWAQiSv/?mibextid=oFDknk
الجزء السابع
https://www.facebook.com/share/p/Yx4vD6KK4PKPKbPd/?mibextid=oFDknk
الجزء الثامن
https://www.facebook.com/share/p/ZCwCKUew3ysnQyT2/?mibextid=oFDknk
الجزء التاسع
https://www.facebook.com/share/p/guCAqC8dUmzW9E9h/?mibextid=oFDknk
الجزء العاشر
https://www.facebook.com/share/p/8kRo4aJVYmADB68K/?mibextid=oFDknk
الجزء الحادى عشر
https://www.facebook.com/share/p/46VfUKJyLsr4e8zK/?mibextid=oFDknk
المصادر:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج3،4 - ابن تغري بردي.
السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 - المقريزى.
تاريخ الخلفاء - الامام السيوطى.
سير أعلام النبلاء الطبقة 34 - الامام الذهبي.
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار ج2 - المقريزي.
دولة الظاهر بيبرس في مصر - د/ محمد جمال الدين سرور.
دولة المماليك في مصر - سير وليم موير - ترجمة سليم حسن.
عصر سلاطين المماليك - أ.د/ عطية القوصي.
الظاهر بيبرس مؤسس دولة سلاطين المماليك بمصر - أ.د/ محمد مؤنس عوض.
تعليقات
إرسال تعليق