الظاهر بيبرس البندقدارى 11
(11) قعدة السلطان "الظاهر بيبرس البندقدارى" علي كرسى العرش مكنتش قعدة مريحة ولا علي ريش نعام، ولا هو كان من نوعية السلاطين اللى بيطلعلهم كرش من كتر الأكل والمرعي. "الظاهر بيبرس" لو حسبنا عدد قعاده على عرشه فى القلعة مش هيوصلوا لعدد صوابع الايدين طوال فترة حكمه، الراجل ده كانت دماغه دينمو مبينامش، وكان شغال فى كذا جهة مع بعض، يعنى يقضى علي التمردات الخارجية والداخلية، فى نفس الوقت اللى بيحط فيها خليفة عباسى، فى نفس ذات الوقت اللى بيطلع فيها حملات على قواعد الصليبيين فى سواحل الشام، فى نفس الوقت اللى بيعمل تحالف مع المغول المنشق عشان يضرب بيهم المغول التانيين، فى نفس الوقت اللى بيحدد شكل حكمه جوا مصر وبيتابع الرعية والقضاة والاداريين وبيحدد الضرايب وبيحاكم الفاسدين والمخالفين، فى نفس الوقت اللى بيبنى فيه حضارة وبيشيد العمائر المملوكية، يعنى كان راجل بكذا دراع وعينه بتلف حواليه 360 درجة، وكل ده عمله فى 17 سنة بس خلا فيها الدولة المملوكية قوية وجدورها ركزة فى الارض.
وضع السلطان "الظاهر بيبرس" أسس النظام السياسى لدولة المماليك ونظم إدارتها وكان صاحب الأمر المطلق فيها، يعنى مكنش فيه مجلس نيابى يستشيره، يعنى كانت دولة مركزية من غير دستور، وقيادتها الوحيدة ومركزها هو السلطان.
كان العُرف عند المماليك من قبل حتى ما يمسكوا الحكم، من أيام ما كانوا بيعينوا قائد ليهم، أن أقوي الأمراء نفوذ وأكترهم أنصار وأشدهم دهاء هو اللى ليه الأولوية فى الريادة. وده أحنا شفناه فى اعتراضهم علي "أيبك" وتفضيلهم "أقطاى"، وشوفناه برده فى أنحيازهم ل"بيبرس" ضد "قطز" لما الأخير أختار حد تانى غير "بيبرس" يديله ولاية حلب. وده عشان كل من "شجر الدر" و "قطز" خالفوا عُرف أو شريعة المماليك بأختياراتهم.
لكن "الظاهر بيبرس" كان من ضمن طموحاته أنه يغير عُرف المماليك ده خالص ويخليها نظام توريث ملكى وحصر وراثة العرش فى أسرته. وبدأ فعلا فى تنفيذ رغبته دى، وعشان يخلى الموضوع شرعى وأمر واقع، لم الأمراء وولاة البلاد كلهم فى القهرة بقلعة الجبل، وقالهم أنه قرر يخلى أبنه "السعيد ناصر الدين محمد" ولى عهده والسلطان من بعده. طبعا الخبر نزل على أمراء المماليك زى الصاعقة، بس مين ده اللى يقدر يقول ل"بيبرس" بم، وهو فى قمة سطوته وهيلمانه وجبروته. فكل الأمراء قالوا سمعا وطاعة وقاموا يقسموا يمين الطاعة لأبنه "الملك السعيد" سنة 660 هجرية / 1262 ميلادية، فى نفس السنة اللى أتعين فيها الخليفة العباسى بالقاهرة. هقولك كلمة سر كده بينى وبينك، ايد المماليك دابت من كتر الحلفان الكدب طول تاريخهم بعد كده فميغركش القسم والحلفان.
المهم أن "الظاهر بيبرس" وقتها كان عنده 33 سنة، وأبنه ولى العهد "السعيد ناصر الدين محمد" كان وقتها عنده سنتين بس. أنت عارف بقى أم أسم الله عليه "السعيد ناصر الدين محمد" دى تبقي مين؟. تبقي حفيدة "حسام الدين بركة خان بن دولة خان الخوارزمي"، يعنى تقرب لمين؟. الله ينور عليك تقرب ل "سيف الدين قطز"، عشان "قطز" قبل ما يتسمي "قطز" فى سوق العبيد، كان "محمود بن ممدود" اللى خاله يبقي السلطان "جلال الدين الخوارزمى" سلطان الدولة الخوارزمية اللى قتله المغول وسبوا عيلته. شوف يا أخى الدنيا دى صغيرة أوى.
- معنى كلامك أن "السعيد ناصر الدين محمد" كان عنده سنتين سنة 1262 ميلادية، يعنى أتولد سنة 1260 ميلادية، فى نفس سنة موقعة "عين جالوت".
-أيوه برافو عليك بدأت تربط الأحداث أهو، يعنى "بيبرس" أتجوز أم "السعيد" فى حياة "قطز" ومش بعيد يكون "قطز" اللى جوزهاله لما رجع "بيبرس" مصر.
- ورغم كده قتله وبينهم نسب.
- بينهم نسب وزمالة وصداقة وعشرة ومعارك، بس كل ده ميفرقش حاجة عند المماليك عموما مش عند "بيبرس" بس، المماليك كانوا شريعتهم شريعة الغاب القوى بياكل الضعيف، ولو عكست الأدوار كان "قطز" هيعمل نفس اللى عمله "بيبرس"، مش قبل كده "قطز" غدر ب"أقطاى" برده وشاط راسه برجله زى الكورة.
بس فيه سبب تانى خلانى أجيب سيرة أم "الملك السعيد"، لأن أسمه الكامل كان "الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان بن الملك الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي النجمي" ففيه بعض بعض المؤرخين الأوربيين والعرب المعاصرين، قالوا أن أمه كانت بنت "بركة خان بن جوجي"، حفيد "جنكيز خان" وملك مغول القبيلة الذهبية. لكن الحقيقة أن أمه تبقى حفيدة الخوارزميين.
- طب وإيه اللى يخليهم يفكروا فى حفيدة هولاكو، هو "بيبرس" أصلا أتجوز من المغول؟.
- ما هو ده بقي اللى أنا جاية أحكهولك صبرك بس عليا.
لما أخد "الظاهر بيبرس" الحكم سنة 1260 ميلادية، وبعد موقعة "عين جالوت" وما تلاها من تحرير لبعض بلاد الشام من الوجود المغولى. فضل موجود فى الشام المغول، والصليبيين علي سواحل الشام، والاتنين وجودهم كان مهدد مصر، وواقف حائط صد لأحلام "بيبرس" التوسعية، ومن هنا بدأت حملات "بيبرس" العسكرية فى الناحيتين مع بعض، شوية يضرب فى الصليبيين وشوية فى المغول.
فى الوقت ده كان فيه تمرد وأنقسام فى قوات المغول، التمرد ده كان علي ايد "بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان" رئيس القبيلة الذهبية وملك مغول بلاد القفجاق وابن عم "هولاكو"، واللى أسلم سنة 650 هجرية / 1252 ميلادية علي ايد " نجم الدين مختار الزاهدي" واحد من علماء السنة الخوارزميين. طبعا "بركة خان" بما أنه مسلم، كان معارض لكل تصرفات "هولاكو"، وهاجمه جامد لما قتل "هولاكو" الخليفة العباسى "المستعصم" فى بغداد. فلما شاف "هولاكو" تصرفات "بركة خان" معاه، قرر حرمانه ومنع عنه نصيبه المعتاد من غنايم الحرب.
الفرص لا تأتى إلا للصياد الماهر، و"بيبرس" كان شيخ الصيادين. فى سنة 659 هجرية / 1261 ميلادية، بعت "بيبرس" رسله ل"بركة خان" بيطلب منه التحالف، فوافق "بركة خان" وعملوا معاهدة حماية وتعاون ضد "هولاكو" و مغول فارس. ومش بس كده ده دمر كل الطرق والوديان اللى توصل المغول للشام. وبعت "بيبرس" رسله لإمبراطور الدولة البيزنطية "ميخائيل باليولوجس" وأتفق معاه علي محالفة دفاعية مع بعض. وبعت كمان رسله لملك صقلية وتسكانيا وتحالف مع سلطان السلاجقة الروم. كل ده عشان "بيبرس" قرر يبتدى بحاميات الصليبيين اللى علي شواطئ الشام، وعاوز يعطل المغول شوية.
خدت بالك من التاريخ، "بيبرس" عرف "بركة خان" سنة 1261ميلادية، فى حين أن أبنه "ناصر الدين محمد بركة خان" أتولد 1260ميلادية. ورداً على سؤالك أن كان "بيبرس" أتجوز من المغول فالإجابة لا محصلش. أما عن تشابة أسم أبنه بأسم "بركة خان" هو مجرد تشابة أسماء، ونطق أسم أبنه كان "بيركاى خان" وهو أسم تركى بس المؤرخين العرب سهلوها ل"بركة خان". مختصر القول "بيبرس" متجوزش من بنات "بركة خان المغولى"، إنما أتجوز حفيدة "حسام الدين بركة خان بن دولة خان الخوارزمي".
أبتدي "الظاهر بيبرس" يناوش الامارات الصليبية اللى علي سواحل بلاد الشام عن طريق بعض أمراؤه اللى هجموا علي أنطاكية وأنتصروا علي الصليبيين وده كان فى بداية حكم "الظاهر بيبرس" سنة 1260ميلادية. وكانت نتيجة هزيمة الصليبيين أنهم بعتوا رسلهم ل"الظاهر بيبرس" يطلبوا منه الصلح، فوافق "بيبرس" بشرط تبادل الأسري. لكن الصليبيين منفذوش شرط "بيبرس"، رغم أن "بيبرس" خرج فعلا الأسري الصليبيين لحد نابلس ودمشق ومحدش من الصليبيين جه يستلمهم ولا حصل تبادل للأسري، ورفضوا الافراج عن الأسري المسلمين. أتغاظ "بيبرس" وقالهم هى بقت كدة طيب، يعنى أنتوا حتي مرحمتوش أخواتكم أبناء دينكم، هبقي أنا أحن عليهم يعنى، وراح جايب أسري الصليبيين مشغلهم بالسخرة فى بناية حصون دمشق.
أنشغل "الظاهر بيبرس" فى شوية التمردات والعصيان اللى حصل وحكينا عنه قبل كده - راجع الجزء السابع والتامن - وكان أخرهم تمرد "الملك المغيث" سنة 1262 ميلادية. بعد ما نفض "بيبرس" ايديه من الصراعات دى وأثبت كفاءة وعرف كل اللى حواليه حجمهم، ولم التعابين والعقارب فى جحورهم بتولية خليفة عباسى للمسلمين وأحيي الخلافة العباسية من تانى - راجع الجزء التاسع والعاشر - وأخد منه تفويض سلطانى رسمي كتم بيه بق التخين فيهم.
فاق بقي "بيبرس" خلاص وقام مرجع عقارب الساعة تانى عشان يأدب الصليبيين علي نقضهم للصلح معاه، هو أنت فاكر سخرة الأسري ده هو كده الرد المناسب اللى يشفى غليل "بيبرس" تبقي لسه معرفتوش. فى سنة 662 هجرى / 1263 ميلادى، "الظاهر بيبرس" جهز جيشه وحضر نفسه عشان يخرج علي راس الجيش ناحية الشام. وقبل ما يخرج عمل أحتفال كبير وزين القاهرة وفرد الولائم فى الشوارع، وجمع أمراء المماليك وكبار رجال الدولة والقضاة يقسموا يمين الطاعة للمرة التانية لأبنه "الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان"، وعينه - اللى عنده 3 سنين - النائب بداله علي كرسى السلطنة طول ما هو غايب وخلي الأمير "عز الدين أيدمر الحلى" أتابك - الوصى - ولى العهد. وبعد الاحتفال خرج "الظاهر بيبرس" وجيشه من مصر.
الصليبيين عملوا حركة من حركات بنات ثانوى الحقيقة، عملوا نفسهم مش واخدين بالهم أن "الظاهر بيبرس" خرج من مصر وجاى عليهم، اللى هو ايه ده أنا مش شايفك أصل أنت صغير أوى. بعتوا رسل من الصليبيين علي القاهرة علي أساس يسلموا رسالة للسلطان. طبيعى أستلمها "عز الدين الحلى" وبعتها للسلطان اللى أصلا فى طريقه للشام بجيشه. "بيبرس" أستلم الرسالة وضحك أوى وراح كاتب الرد فى رسالة قال فيها:
"إن من يتولي أمراً فعليه باليقظة ومن خفي عليه خروج هذه العساكر وجهل ما عليه الوحوش فى الفلاه والحيتان فى المياه من كثرتها التى لعل بيوتكم ما فيها موضع إلا ويكنس منه التراب الذى أثارته خيل هذه العساكر. ولعل وقع سنابكها قد أصم أسماع من وراء البحر من الفرنج ومن فى موقان - بلد فى أذربيجان - من التتار. فإذا كانت هذه العساكر تصل جميعاً إلي أبواب بيوتكم ولا تدرون فأى شئ تعملون".
بحب أنا فنون الرد دى اللى بتيجى فى نص الجبهة. لما وصلت الرسالة للصليبيين، قاموا بعتوا رسل تانية للسلطان "الظاهر بيبرس" اللى قاعدوا يراوغوه بالكلام ويقولوله أحنا بينا معاهدة وصلح وممقضناش المعاهدة ولا حاجة وأحنا متمسكين بيها. فرد عليهم "الظاهر بيبرس" وقال:
"لم لا كان هذا قبل حضورنا إلي هذا المكان وإنفاق الأموال التى لو جرت لكانت بحاراً، ونحن لما حضرنا إلي ها هنا ما أذينا لكم زرعاً ولا غيره. وأنتم منعتم الجلب والميرة عن العسكر وسيرتم إلينا بدمشق نسخة يمين حلفنا عليها وسيرنا نسخة يمين لم تحلفوا عليها، وسيرنا الأساري إلي نابلس ثم إلي دمشق، وما سيرتم أنتم أحدا، وسيرنا رسولاً يعلمكم بوصول الأسري، فلم تبعثوا أحداً ولم ترحموا أهل ملتكم وقد وصلوا إلي أبواب بيوتكم. كل ذلك حتي لاتبطل أشغالكم من أسري المسلمين عندكم. اذا ما زالت الحرب قائمة".
رد الرسل عليه بأنهم برده منقضوش الصلح وأنهم هيفكوا سجن أسرى المسلمين خلاص. لكن السلطان "الظاهر بيبرس" قالهم فات الميعاد كان فيه وخلص it's too late، محدش قالك تلعب مع الأسد يا بابا وترجع تعيط. وقام طرد رسل الصليبيين برا مجلسه.
وفى نفس القعدة بعد خروج الرسل، ألتفت "الظاهر بيبرس" للأمير "علاء الدين طيبرس" وأمره يطلع علي كنيسة الناصرة ويهدها. وفعلا خرج "علاء الدين طيبرس" بفرقة من الجيش علي كنيسة الناصرة اللى كانت كنيسة تابعة للصليبيين وهدها، ومقدرش حد من الصليبيين يقرب منهم وهم شايفين كنيستهم بتتهد.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق