الظاهر بيبرس البندقدارى 10
(10) الملك "الظاهر بيبرس البندقدارى" هو مؤسس دولة المماليك الحقيقى، قدر يخلق من مجموعة مماليك "الصالح نجم الدين أيوب" - اللى هم فى الأصل عبيد - سلاطين ورجال دولة ولهم سلطنة كبيرة وضخمة، وهو اللى ثبت أركان الدولة دى وبنالها جدور قوية تحمى كرسى السلطنة. الداعم الرئيسى لكل نجاحات "الظاهر بيبرس" كان موقع مصر الجغرافى الفريد بين الشرق والغرب وإمكانياتها البشرية والاقتصادية الكبيرة واللى من خلالها قدر "بيبرس" يواجه الصليبيين والمغول مع بعض زى ما هنعرف فى الأجزاء الجاية ان شاء الله. والثروة الطائلة اللى جناها المماليك من مرور السفن والقوافل فى طرق التجارة العالمية فى مصر، كان ليها دور فعال فى تقديم الأموال لدعم القوة العسكرية المملوكية، وعطايا السلطان لمماليكه للحفاظ على عرشه وجعلهم قوة عظمى. ده غير أن موقع مصر سهل على "بيبرس" التواصل وعمل علاقات بين الشرق والغرب.
طموح "الظاهر بيبرس" موقفش عند إعادة إحياء الخلافة العباسية بس، ده حلم كمان أنه يرجع الخليفة لعاصمته فى بغداد، منها ترجع الخلافة الاسلامية لأصلها وطبيعتها، ومنها يبقى له الفضل علي العباسيين فى بغداد ومملكته توسع وصلاته تكبر. وبدأ "بيبرس" فعلا يخطط ويدبر لكده، وأقنع الخليفة "المستنصر بالله العباسى" بالفكرة.
بدأ "الظاهر بيبرس" فى تنفيذ مخططه وجمع للخليفة بعض الأمراء المماليك والعساكر وكمان جيش من الموصل، وخرج السلطان "الظاهر بيبرس" بنفسه على راس الجيش مع الخليفة "المستنصر بالله العباسى" متجهين ناحية بغداد، ويواجهوا المغول المستوليين عليها. لما وصل الجيش لدمشق، أستضافهم صاحب دمشق "علاء الدين أيدكين البندقدارى"، اللى كان مولي "بيبرس" الأولانى أول من أشتراه زمان - تقدر تراجع الجزء الأول - واللى يعتبر الأب الروحى بالنسبة ل"بيبرس". قعد "علاء الدين" مع "بيبرس" ونصحه نصيحة الأب لأبنه وقاله متعملش كده، عشان الخليفة لو راح بغداد هيقوى والله أعلم ممكن يغدر بيك ولا لا، فالأحسن خلى الخلافة فى القاهرة وأهو يبقى ملك ايدك وتحت عينيك.
"بيبرس" سمع النصيحة وقلبها فى دماغه فحس أن كلام "علاء الدين" معقول، بس يعمل ايه فى الخليفة اللى مستنى بره ده وهم فى نص السكة لبغداد، شكله هيبقى وحش أوى لو رجع فى كلامه من غير سبب منطقى. راح "بيبرس" للخليفة "المستنصر بالله العباسى" وقاله كمل أنت سكتك لبغداد ومعاك قوة من الأعراب والترك، أما أنا هرجع للقاهرة عشان فيه أمر هام من شئون السلطنة، كل الدعم يا خليفة وقلبى معاك. وساب "بيبرس" الخليفة يخترق الصحرا بقوة أقل من اللى خرج بيها من القاهرة حتى جيش الموصل أنسحب وقالوله مش معانا مرسوم بالمهمة ويادوب سابوا معاه 60 مملوك، كل حلفاؤك خانوك يا ريتشارد.
ولما قرب الخليفة "المستنصر بالله العباسى" من بغداد، أستعد المغول لمقابلته. وفى 2 محرم سنة 660 هجرية / 1262 ميلادية، قرب مدينة الأنبار هجم جيش المغول علي جيش الخليفة العباسى، وكانت النتيجة الطبيعية هزيمة الخليفة - الكترة بتغلب الشجاعة - وبعتروا الجيش وهرب منهم اللى نجى من المذبحة، وأستشهد الخليفة "المستنصر بالله العباسى" فى قلب المعركة. ولما وصلت الأخبار ل "الظاهر بيبرس" حزن على أستشهاد الخليفة، وحزن أكتر على الفلوس اللى اتصرفت فى سبيل اعادة إحياء الخلافة، واللى وصفها المؤرخين أنها أموال لا تعد ولا تحصى.
بتوصل رسالة للسلطان "الظاهر بيبرس" من الأمير البدوى "عيسي بن مهنا" صاحب تدمر - كان يلقب بقائد البدو بالشام - بيبلغه فيها أن الأمير "أبو العباس أحمد" قريب الخليفة الشهيد "المستنصر بالله العباسى"، واللى خرج معاه من القاهرة فى الجيش وحارب معاه فى الأنبار، جاله تدمر من ضمن الناجيين الهربانيين من المعركة. فأمره "الظاهر بيبرس" بإكرام وفادته وإرساله للقاهرة فى موكب عشان ده الخليفة الجديد.
وفى 22 نوفمبر 1262 ميلادية، بيرجع تانى "أبو العباس أحمد" علي القاهرة، فى موكبه. وعمل معاه "بيبرس" نفس تشريفة الاستقبال اللى عملها مع "المستنصر بالله العباسى"، وبنفس خطوات التنصيب. وأجتمع القضاة والأمراء والعسكر والمماليك والعلماء والشيوخ وكبار الدولة فى الايوان الكبير بقلعة الجبل. وفيه قرأ قاضى القضاة "تاج الدين بن بنت الأعز" نسب "أبو العباس أحمد"، والمرة دى مكنوش محتاجين شهادة من حد عشان هو كان مع الخليفة الأولانى من الأول وعارفين أنه قريبه من نسل العباسيين. وبايعه قاضى القضاه علي الخلافة، ومن بعده بايعه السلطان "الظاهر بيبرس البندقدارى"، ووراه كل الحاضرين بايعوا "أبو العباس أحمد علي الخلافة، واللى أصبح أسمه "الحاكم بأمر الله العباسى". وبعد مبايعة الخلافة، قام الخليفة الجديد وبايع "الظاهر بيبرس" علي السلطنة وقلده أمور البلاد والعباد، وجعل إليه تدبير الخلق وفوض إليه سائر الأمر وعقد به صلاح الجمهور. وكل ده كان فى جلسة واحدة عكس الخليفة الأولانى توفيرا للنفقات. وأصبح الخليفة "الحاكم بأمر الله العباسى" هو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أسما فقط من غير ما يتدخل فى شئون الحكم، وأصبح مقر الخلافة فى القاهرة بدل بغداد.
المرة دى "بيبرس" كان بيتعامل مع موضوع الخلافة بحرص أكتر من الأول. فعلي الرغم من أن الخليفة فوض "بيبرس" فى كل صلاحياته، الا أن ده ممنعش بيبرس ياخد حذره ويحط الخليفة تحت المراقبة المستمرة، عشان لو فكر يتحالف مع حد أو يقوى نفوذه بأى شكل، يكون "بيبرس" عارف من أول لحظة ويقدر يتصرف ويحبط أى مؤامرات، كانت عينه فى وسط راسه يعنى.
بعد 3 سنين فى رمضان سنة 664 هجرية، فوجئ الخليفة "الحاكم بأمر الله العباسى" بوصول راجلين من العباسيين للقاهرة، الاولانى "مبارك بن المستعصم" والتانى واحد من أبناء الخلفاء، ووراهم جه "على بن المستعصم"، اللى كانوا أسرى عند "هولاكو"، وجابهم "بيبرس" معاه لما كان فى دمشق. ده معناه أن "بيبرس" بيثبت قاعدة أن القاهرة أصبحت المقر الرسمى للخلافة العباسية، وحرصه على بقاء العباسيين فيها. لكن كان فيه سبب فى نفس "بيبرس" أهم من السبب اللى فات، وهو أنه يحط الخليفة قصاد بدائل تانيين، يعنى بيوصله رسالة أنك مش أخر قطعة، وزى ما عملتك هعمل غيرك فيه منك بدل الواحد تلاتة فخليك ماشى مطيع أحسن.
وبمرور الوقت تعاظم شأن "بيبرس" وأصبح مالك زمام الأمور كلها خصوصا بعد أنتصاراته على الصليبيين والمغول اللى هنتكلم عنهم بالتفصيل فى الاجزاء القادمة ان شاء الله. ولما وصل "بيبرس" للمكانة اللى كان بيسعى ليها، فأصبح فى غني عن خدمات الخليفة العباسى، فأنزله من القلعة وخلاه يسكن هو وأسرته فى مناظر الكبش - منطقة قلعة الكبش حاليا - واللى بناها "الصالح نجم الدين أيوب" وكانت تعتبر من أرقي المناطق المملوكية وكان بيحاوطها البساتين و كانت بتطل على بركة كبيرة تسمى بركة قارون يفصلها عن بركة الفيل قنطرة كبيرة، حاجة عظمة برده تليق بالخليفة "الحاكم بأمر الله العباسى". لكن "بيبرس" حول قلعة الخليفة لسجن أو معتقل ممنوع علي الخليفة يخرج منها أو يوصل له حد من رجال الدولة أو العامة، يادوب بس عشان البروتوكولات كان بيسمحله يطلع من قلعته لقلعة الجبل فى الأعياد عشان يحتفل بالمناسبات الدينية ويتلقى التهانى. ومن اللى حصل ده يتأكد لنا أن "بيبرس" أعاد إحياء الخلافة العباسية مش عشان غرض دينى، ده كان غرض سياسى بحت.
(يتبع)
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق