علي بك الكبير 6
(6) - مين اللي قتل الله يرحمه علي بيه الكبير؟
- ...
- ما تنطق ياواد مين اللي قتله.
- والله مانا يأ أستاذ.
- بقولك ايه هو مين اللي قتل علي بيه الكبير ده؟
- أكيد طالب من مدرسة تانية.
ده كان من المشاهد المشهورة والمضحكة في فيلم الناظر للفنان علي ولي الدين الله يرحمه. بس علي قد ما ضحكنا واحنا عارفين الاجابة بعد ما درسناها في المدرسة، جينا هنا عشان أقولك الاجابة اللي أنت عارفها غلط. قرينا في الجزء الخامس من سلسلتنا هنا ازاء "علي بك الكبير" مات، نعم ماقريتهاش طب ليه بس كده، ع العموم لا تروح ولا تيجي هسهلهالك.
"علي بك الكبير" أتصاب في معركة الصالحية بينه وبين مماليك "محمد بك أبو الدهب"، ومات نتيجة اصابته بعدها بأيام، يعني كان قتيل حرب، "محمد بك أبو الدهب" خانه صحيح وأنقلب عليه وحاربه، بس مقتلوش بإيده، ده حتي ال 50 مملوك اللي اتلموا حواليه مكنش فيهم، وكمان لما جاله "علي بك الكبير" متصاب، عالجه وأهتم بيه وحاول ينقذه ولبي طلبه في نقله للقاهرة عشان يموت في بيته. يبقي اجابة السؤال اللي أتعلمناه: س- مين قتل علي بيه الكبير؟، ج- علي بك الكبير، هي اجابة غير دقيقة أو أستسهال. صحيح أنا ضد اللي عمله "محمد بك أبو الدهب" لكني برده أحب أنظر للأمور بموضوعية.
نيجي بقي للسؤال اللي سألته في الجزء الأولاني، ليه تاريخ "علي بك الكبير" أتشوه وأتحط في دماغ الناس أنه وحش؟. هو لسببين أول سبب التشويه اللي عملته الدولة العثمانية لأنه اول شخص أستقل منها وكان مهدد الأستانة ذات نفسها لولا الخيانة. تاني سبب وده الأعمق والأهم بالنسبة لي هو "محمد علي باشا".
"علي بك الكبير" توفي سنة 1773م وكان من المماليك، أما "محمد علي باشا" والي مصر من 1805م الي 1848م وكان ألباني من الجيش العثماني دخل معاهم مصر أثناء حرب العثمانيين ضد الحملة الفرنسية.
لو لسه مفهمتش قصدي هوضحالك، أنت شايف الاتنين كده، بصلهم كويس، أنا عن نفسي شايفة "محمد علي باشا" شافف كتير من اللي عمله "علي بك الكبير" بالكربونة. لاحظ ان بينهم فرق ميجيش 40 سنة زمن، يعني "محمد علي" أكيد سمع عن "علي بك الكبير" وخصوصا أنه لف ودار وقعد مع عوام وأعيان كتير يتمسح فيهم عشان يأمنوله ويحطوه علي كرسي الحكم.
هتقولي "محمد علي باشا" مستقلش بمصر. مين قال كده ده أحنا حتي مسمينه مؤسس مصر الحديثة، بس كل اللي عمله راضي السلطان العثماني ونزل تحت عبايته وأستقل بمصر من الباطن زي ما عمل "أحمد بن طولون" مع الدولة العباسية.
"محمد علي" عمل نفس قانون الاحتكار الزراعي اللي عمله "علي بك الكبير"، محمد علي" عمل جيش نصه مصري ونصه ألباني وأتقال صاحب أول جيش مصري، مع أن "علي بك الكبير" عمليا هو أول واحد دخل العامة المصريين في الجيش جنب المماليك. "محمد علي" أهتم بالصناعة المحلية والتجارة علي نفس نهج وأفكار "علي بك الكبير". "محمد علي" عمل اتفاقات مع الفرنسيين وبسببها كانوا بيضغطوا علي السلطان العثماني وأداله فرمانات كتير لصالحه غصب عنه وجاب خبراء وودي بعثات للطلبة المصريين ليها ومتقلش عليه الخاين عدو الدين زي ما تقال علي "علي بك الكبير" لما أتفق مع روسيا.
"محمد علي" حارب في الحجاز وأجهض الثورة الوهابية فيها بأمر السلطان العثماني وعمل هناك مجازر ومذابح أصعب من اللي بنشوفها دلوقتي في التليفزيونات، وأتمجد وأتخلد في التاريخ كبطل عشان علي هوا العثمانيين. مع أن "علي بك الكبير" برده دخل الحجاز واليمن ومحاربش غير العثمانيين والناس مصدقت تدعو بأسمه علي المنابر هناك، وهناك برده أذكر الأسمين هتلاقي كره ل "محمد علي" غير طبيعي. بلاش الحجاز تعالي السودان، جيش "محمد علي" كان بيفتح فتوحات خاصة ب"محمد علي" أساسا، ومن شدة عجرفة "أسماعيل بن محمد علي" ومعاملته للسودانيين بغلظة وعدوانية حتي تعدي حدوده مع كبير قبيلة عريقة هناك، فالقبيلة انتقمت وقتلت "أسماعيل"، راح "محمد علي" رادد بحرق البلد كلها باللي فيها. "علي بك الكبير" لما دخل الشام الناس كانت بتساعده وبتفتحله أسوار بلادها عشان يخلصها من العثمانيين.
وبالنسبة لأن "الجبرتي" اللي كتب كتير عن "علي بك الكبير" مذكرش حكاية أهله ووصولهم مصر، أحب أفكرك أني قلت في الجزء الاول أن الشيخ "حسن الجبرتي" والد المؤرخ "عبد الرحمن الجبرتي" كان صديق "علي بك الكبير"، يعني "الجبرتي كان وقتها صغير ومش كل حاجة ممكن يكون شافها أو سمعها، وبالنسبة لأني جيبت الحكاية من كتاب صديق "علي بك الكبير" المستشرق "ستافرو لوزينيان" فأحب أقولك أن معظم تاريخنا الحديث واخدينه من كتب المستشرقين وده عشان "محمد علي" مكنش بيحب المؤرخين وقتل ابن "الجبرتي" وأتسبب في قهرة وموت الجبرتي علي ابنه وعلي كتبه اللي "محمد علي" حرقله غالبيتهم، لمجرد أنه كان راجل نزيه بيقول الحق ومرضاش يزيف اللي بيحصل علي هوا "محمد علي".
وعشان "محمد علي باشا" عاوز يقول أنه باني مصر الحديثة وعمل اللي متعملش فكان لازم يخفي "علي بك الكبير" ويردم سيرته ويشوهها. وبما أن أبناء وأحفاد محمد علي باشا" مسكوا الحكم وكونوا الأسرة العلوية، ففضلت سيرة "علي بك الكبير" علي نفس المنوال الراجل الخاين العميل الفاسق المنشق علي الدولة الاسلامية، مع أن جدهم عمل نفس اللي عمله "علي بك الكبير" بس بفظاعة وبمدابح ودم أكتر بكتير، بس الفرق بس ان ده من الجيش العثماني وده مملوك.
نيجي بقي لسؤال هوارة واللي عملوا "علي بك الكبير" مع "شيخ العرب همام". صعيد مصر كان طول عمره قلعة حصينة، تحس أنهم دولة جوا دولة، مفيش دولة سلكت معاهم الا باتفاقات مع شيوخ قبايلها ومحايلات، حبايبنا وأهلي في الصعيد جدعان وعندهم عزة نفس وكرامة، أنما وقت الأزمات والمحن كانوا بيبقوا عقبة كبيرة. يعني مثلا في الشدة المستنصرية لما جه "بدر الجمالي" ينقذ الموقف دخل القاهرة الدلتا وبحري زي السكينة في الحلاوة وضب الدنيا ورمم الترع والمصارف وفهم الفلاحين يعملوا ايه وأمن الطرق والخير بقي يندع من تاني. راح الصعيد بقي لقاها شبكة معقدة مقفولة علي أهلها ومفيش وقت لمحايلات ولا معاهدات البلد بتموت، فدخلها بالسيف والحرب لحد م اقضي علي زعماء القبائل وخلي الناس تسمع كلامه بالخوف والرعب، ولما الخير ظهر عشقه "بدر الجمالي" وعرفوا ان عنده حق.
ده نفس اللي أتعرضله "علي بك الكبير"، دلوقتي "همام" كان من قبيلة هوارة وهي قبيلة ليها فروع كتيرة في بلاد عربية كتيرة وأصلها أمازيغي من المغرب، ولبعد الصعيد عن القاهرة كان "همام" شايف "علي بك" مش مصري، و"علي بك" شايف "همام" مش مصري، وكل منهم شايف نفسه مصري أكتر من التاني وأحق بالأرض. ففي "عز ما "علي بك" كان بيحارب في كذا ناحية من قطاع الطرق العربان والمماليك أعداؤه والعثمانيين، طلعله شيخ العرب "همام" بيعلن استقلاله منه وبيبعت الضريبه منه للسلطان العثماني علي طول.
أنا مش ببرر اللي عمله "علي بك الكبير" في هوارة، بس أنا بفهمك أن نظرتنا للأمور دلوقتي مختلفة عن وقتها، وكل واحد كان بيعمل لمصلحته سواء "علي بك" أو "همام"، واو كان جت الفرصة ل"همام" كان عمل في "علي بك" وأهل بيته زي ما اللي أتعمل فيه علي فكرة. وبعدين دي الخلافة العثمانية أصلا عملت بلاوي كتيرة في المصريين أكتر من اللي حصل في هوارة. ده كفاية يوم دخول العثمانيين القاهرة وأفتح بنفسك وأقرا بدائع الزهور ل"ابن اياس" الجزء الاخير. العثمانيين كانوا داخلين زي الغيلان اللي طالقها سيدها، نزلوا قتل في كل بني أدم ماشي في الشارع، راجل ست طفل عجوز كله مخلوش، فالناس هربت من فزعها واتحامت في جامع السيدة نفيسة وجامع الامام الشافعي، دخلوا وراهم وقتلوهم جوا الجامع، وخلعوا الرخام وسرقوا المشكاوات وصندوق النذور. وشنقوا السلطان "طومان باي" وسط صراغ ودموع المصريين عليه. والسلطان سيدهم "سليم الاول" اللي قتل أخواته ومنهم طفل رضيع عشان ميخدوش منه الحكم، أخد كل الحرفيين والصنايعية من القاهرة ووقع الصناعة فيها عشان يلعلطوله الأستانة. حتي تاريخ مصر في 300 سنة حكم عثماني لحد تاريخ "علي بك الكبير" مكنش معروف، لأن فيه جهل محدش يعرف يقرا ويكتب الا نادر، واللي بيعرف لسانه مقطوع، كل كتب الفترة دي كتبها مؤرخينهم وبالتركية القديمة كمان حتي مهتموش يترجموا، ماهي الثقافة والعلم مكنش من أولوياتهم فقيادة شعوب جاهلة كالأنعام أسهل، تاكل وتشتغل وتخلف وتنام.
المقال النهاردة مش دفاع عن "علي بك الكبير" المقال عن الموضوعية، كلهم غلطوا وكلهم فيهم العبر، بس متجيش تقولي ده خاين، ماهو خان الخاين، وقتل القاتل، وزيتهم في دقيقهم، بس الفرق هنا أن "علي بك الكبير" كان بيحب بجد مصر وشايف نفسه مصري، والرعية والعامة والاعيان كانوا بيحبوه وألتفوا حواليه وناصروه ودافعوا عنه، وهو كمان نصفهم وفرج من حالهم كتير، وهو ده الفيصل.
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق