علي بك الكبير 5
(5) في سنة 1488م، أكتشف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح، وده يبقي طريق بحري حوالين قارة أفريقيا. الاكتشاف ده كان أول مسمار في نعش الدولة المملوكية، وسبب مهم في انهيارهم وانهزامهم قصاد جيوش العثمانيين. قولتلي ازاي، حلو الكلام هقولك ازاي.
أكبر مصدر اقتصادي في مصر كان من التجارة،
وفي مصر كان فيه أهم طريق تجاري في العالم، واللي بيوصل مابين دول أسيا وأوروبا. كانت
السفن بتمشي في المحيط الهندي اللي كان بالكامل تحت سيطرة المماليك ومنه علي البحر
الاحمر لحد ميناء السويس، وينزلوا حموله المراكب علي الجمال اللي تفضل ماشية بيهم
لحد ميناء الأسكندرية، واللي فيها بتستناها مراكب البلد اللي رايحيين لها، يحملوا
فيها الحمولة تاني وينطلقوا لأوروبا.
العملية دي كانت بتحصل لسنين طويلة وكانت
المماليك بتشرف علي مرور السفن والبضايع وبتأمن لهم العبور في مقابل مادي محترم
طبعا. لكن كان ليها سلبيات خطيرة أهمها أن فيه بضايع بتتلف من التحميل المتكرر
والمشي بيها في الصحرا فترة كبيرة، وده بيسبب خساير مادية تقيلة جنب فلوس العبور
في المحيط الهندي والبحر الاحمر والانتقال في مصر من السويس للاسكندرية، يعني ممكن
تجار يتخرب بيتهم فيها وسعيد الحظ مكسبه قليل مقارنة لو تفادي الشيل والحط والرسوم
اللي بيدفعها دي كلها.
عشان كده أكتشاف رأس الرجاء الصالح كان فتحة
الخير وباب السعد للتجارة العالمية، التجار مبقوش يدفعوا رسوم زيادة للمماليك،
سفنهم مبقتش تدخل البحر الأحمر أصلا وبقت هي رحلة واحدة لافة أفريقيا لحد أوروبا.
صحيح خدت وقت أكبر لكن جنبهم خساير البضايع في الشيل والحط، الي جانب زيادة المكسب
من الفلوس اللي وفروها.
من بعد اكتشاف الطريق ده، قوة المماليك هزلت
وخزاينهم فضيت، وجيشهم مبقاش مجهز كويس زي الأول، وكانت دي بداية النهاية اللي
حصلت سنة 1517م بدخول جيش السلطان العثماني سليم الأول مصر.
"علي بك الكبير" كان قارئ كبير للتاريخ،
وكان حلمه يرجع أمجاد المماليك من تاني زي ما كان أيام قدوته "بيبرس"
و"قلاوون". ومن هنا جاتله فكرة اعادة السيطرة علي البحر الأحمر، ويوسع
موارده المالية عن طريقه، ومع وجود طريق رأس الرجاء الصالح اللي خلت القوافل
التجارية تستغني عن طريق مصر القديم، قرر "علي بك الكبير" يستولي علي
جدة ويخليها مقر تجارة الهند، وبكده تتحول التجارة الشرقية للطريق البري القديم
اللي في مصر غصب عنهم.
في الجزء الرابع قلنا أن جيش مماليك
"علي بك الكبير" وصل لأكتر من 6 ألاف مملوك وضم ليهم كمان متطوعيين من
المصريين فوصل جيشه من المصريين والمماليك لأكتر من 10 ألاف جندي، وبكده يكون أول
حاكم يدخل المصريين في الجيش تاني بعد تهميشهم وابعادهم عن الجيش بألاف السنين.
وأهتم "علي بك الكبير" بتدريب الجنود كويس جدا، ودايما كان وسطهم، وبيحمسهم
علي الاجتهاد أكتر بإعطاء المتفوقين منهم مكافآت مجزية، وبكده أصبح جيشه قوي وقادر
ينفذ بيه مخططه.
في
أوائل سنة 1770م، استعد جيش "علي بك الكبير" لدخول بلاد العرب وقسم جيشه
لقسمين، القسم الأكبر منه مهمته فتح الجزيرة العربية من الداخل وده كان بقيادة مملوكه
"محمد بك أبو الدهب"، أما القسم التاني مهمته الاستيلاء علي السواحل
والمواني وده كان بقيادة "حسن بك الجداوي".
المهمتين نجحوا فعلا، ورجع "محمد بك أبو الدهب" و "حسن بك الجداوي" علي مصر في أكتوبر 1770م، بالانتصار وهم مسيطرين علي بلاد الحجاز كلها واليمن. وبدأت منابر مكة والمدينة وباقي الحجاز واليمن تدعي ل"علي بك الكبير" كسلطانها الجديد ومذكروش السلطان العثماني خلاص ماهم كده استقلوا عنه، وبقي أسم "علي بك الكبير" علي منابر مصر والحجاز واليمن مقرون بلقب " سلطان مصر وخاقان البحرين والبرين وخادم الحرمين".
برده عشان "علي بك الكبير" قاري تاريخ كويس، كان عارف أن أدام فيه استقلال لمصر، يبقي لازم ولابد وحتما يبقي مرافق ليها الشام، صمام أمان مصر الشرقي، فحدود مصر الغربية متأمنة طبيعي بالصحراء الغربية، أما الشرق نقطة ضعف مصر اللي دايما أعدائها بيدخلوا منها، فكان لازم تكون حدود مصر في جبال طورس.
في ديسمبر 1770م، خرج الجيش مرة تانية بقيادة "محمد بك أبو الدهب" للزحف علي الشام، وأهتم "علي بك الكبير" في حملته المرة دي علي العامل الاعلامي وده عن طريق اصداره منشور لأهالي الشام في كل البلاد المارين بيها، بيبشرهم فيها بالحرية والقضاء علي طغيان العثمانيين. والمنشور ده عمل مع أهالي الشام مفعول السحر، وأتفتحت الابواب بكل سهولة قصاد جيش "علي بك الكبير"، وأهل الشام أتعاونوا معاه فكان دخوله بلادهم أسهل بكتير من دخول الحجاز. وأنضم ليه جيش صديقه والي عكا "ضاهر العمر"، وبسرعة بقت في ايده غزة والرملة ونابلس والقدس ويافا وصيدا. وفي ابريل 1771م، كان جيش "علي بك الكبير" و "ضاهر العمر" علي أبواب دمشق فارض حصار، وفي نوفمبر من نفس السنة أستسلم الجيش العثماني وأنسحب وأتفتحت أبواب دمشق ل "علي بك الكبير".
في الحلات العادية بيبقي قائد الجيش مبسوط وفخور بأنتصاراته، لكن الواقع ان "محمد بك أبو الدهب" مع كل بلد بيدخلها كان بيزيد جوه قلبه الكره ل "علي بك الكبير" والغيرة منه ومن علوه، فهو شايف أن الانتصارات دي بايده هو يعني الأولي بكل المجد ده منه، ده غير أنه كان طمعان في منصب المستشار المالي لكن "علي بك" شاف أن "المعلم رزق" أفضل منه وأن "أبو الدهب" متميز في قيادة الجيش، وكل الحقد ده كان متراكم جواه فوق غضبه منه من ساعة ما والد "علي بك الكبير" رفض جوازه من "يوهود" أخت "علي بك" زي ما حكينا في الجزء الرابع.
بعد ما وقعت الشام في ايد "علي بك الكبير" والطريق بقي مفتوح وسهل لجبال طورس، بقت الدولة العثمانية حاسة بخطر كبير من قضاء "علي بك الكبير" علي وجودها خالص في المنطقة، والله أعلم طموح "علي بك الكبير" هيقف لحد كده، ولا هيصحوا هيلاقوه داخل عليهم الاستانة. وبما أن القوة العسكرية مش نافعة معاه بسبب تشتت الجيش العثماني بينه وبين حربها مع قيصرة روسيا، فقرروا أستخدام السلاح الخفي واللي غالبا للأسف بينجح في قلب ميزان الحروب، وهو الخيانة.
بيقول الأستاذ "محمد كرد" في كتابه "حروب الشام": "ان عثمان باشا السركي بعث الي أبو الدهب بصرة ثقيلة من الدنانير، للرجوع عن محاربته، فأرتشي منه وأمر العسكر برفع الحصار عن دمشق".
الصرة التقيلة من الدنانير مع أطماع وأحقاد "محمد بك أبو الدهب" عملوا شغل، فأنسحب "محمد بك أبو الدهب" من دمشق مع فرقة من جنوده ورجع بيها علي أسيوط في مصر، وأجتمع مع قادة العربان اللي كان "علي بك الكبير" محجمهم قبل كده زي ما حكينا في الجزء التالت، وقالهم يتعاونوا معاه في خلع "علي بك الكبير. طبعا العربان ما صدقوا يا خدوا بتارهم، فلموا بعضهم وطلعوا مع "محمد بك أبو الدهب" علي القاهرة.
في نفس الوقت بلغ الكلام "علي بك الكبير" ما هو برده مش سهل وجواسيسه في كل حتة، وكان وقتها بيحضر نفسه يطلع بفرقة علي دمشق يلحق الفراغ اللي عمله انسحاب "محمد بك أبو الدهب" هناك، وأمر "اسماعيل بك" علي قيادة فرقة عددها 3 ألاف جندي يستنوا "محمد بك أبو الدهب" ويمنعوه دخول القاهرة، وعلي الاساس ده ساب مصر وأتجه للشام. وللاسف بيكتشف "علي بك الكبير" وهو برا مصر أن كل أعوانك خانوك يا ريتشارد.
بيقدر "محمد بك أبو الدهب" ياخد "اسماعيل بك" لصفه ومش هو بس ده كمان خد في صفه كبار كبار مماليك "علي بك الكبير" وهم "ابراهيم بك" و"مراد بك"، صحيح "مراد بك" زرجن شوية بس "محمد بك أبو الدهب" كان عارف بحبه الخفي لمرات "علي بك الكبير" " "نفيسة البيضا"، فأغراه بيها ووعده أنها هتكون ليه هي وممتلكاتها بعد ما يقضوا علي "علي بك الكبير"، فوافق "مراد بك" علي طول، ودخلوا القاهرة. وصل "علي بك الكبير" لصديقه "ضاهر العمر" اللي مده بالرجال والاسلحة من كل بلاد الشام بقيادة "علي بك طنطاوي" وفرقة من رجال "ضاهر العمر" بقيادة أبنه "الشيخ شبلي". وأستمر "علي بك الكبير" في المقاومة والمحافظة علي البلاد اللي أخدها ودخل مع العثمانيين في حرب في يوليو 1772م، وأنتصر فيها وخلاهم ينسحبوا تاني. ولما وصلت أخبار أنتصاراته لمصر، العامة المصريين اللي بتحبه فرحوا واستبشروا أنه راجع تاني والغمة هتنزاح.
ورجع "علي بك الكبير" علي مصر بعدها ومعاه رجال "ضاهر العمر" ورجال حاكم مدينة صور، وفي الصالحية أتقابل "علي بك الكبير" مع "محمد بك أبو الدهب"، وفي الأول كانت الغلبة ل"علي بك"، لكن انقلبت كفة الميزان وبدأ جيش "علي بك" ينكسر. حاول حاشية "علي بك الكبير" ينصحوه بالهرب والنجاة بعد ما اتقتل "الشيخ شبلي" و"علي بك طنطاوي" في المعركة، لكنه رفض وفال : "إنى ملازم هذا الوضع، لا أبرحه، حتى تبرحنى نفسى، لأن الموت هنا أفضل عندى من الفرار.."، وأستمر بالقتال لحد ما اتلم حواليه 50 مملوك فضل يقاتلهم لوحده، وقتل منهم اتنين وجرح اتنين، فضربوا عليه البنادق وجرحوه في دراعه اليمين، واستمر يقاتل بايده الشمال، وفجأة بيتصاب بجرح في دماغه بيوقعه من علي حصانه وبيغمي عليه.
شالوه المماليك ودخلوه خيمة "محمد بك أبو الدهب" اللي أول ما بيشوف مولاه سايح في دمه ورغم أنه خانه، الا أنه بيأمر بسرعة الأطباء يعالجوا جروح "علي بك الكبير". ولما فاق "علي بك الكبير" وشاف محمد بك أبو الدهب جنبه" بقي مدايق من وجوده وطلب رغم جروحه الخطيرة أنه يرجع القاهرة. فأمر "محمد بك أبو الدهب" المماليك يشيلوا "علي بك الكبير" ويرجعوه لقصر مراته "نفيسة البيضا" في الأزبكية بالقاهرة، وهناك بعد أيام من أصابته في يوم 8 مايو سنة 1773م، بيموت "علي بك الكبير" صاحب أول محاولة للاستقلال من السيطرة العثمانية.
بالنسبة ل"محمد بك أبو الدهب" بيتعين شيخ بلد، وبترجع ريما لعادتها القديمة كولاية عثمانية، وفي سنة 1775م بيخرج "محمد بك أبو الدهب" عشان يحارب حليف "علي بك الكبير" حاكم عكا "ظاهر العمر"، لكنه بيتصاب بالحمي في الطريق ومات يوم 8 يونيو 1775م، بعد موت "علي بك الكبير" يسنتين وشهر بالظبط.
فاضل في سلسلتنا جزء أخير هنرد بيه علي سؤال سألته الجزء الأول اللي متابع وفاكر أكيد هيعرفه. وكمان هرد علي أسئلة صادفتني في بعض كومنتات السلسلة. وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
(يتبع)
تعليقات
إرسال تعليق