علي بك الكبير 3
(3) قالوا في الأمثال ( اديني قيراط حظ ولا فدان شطارة)، و"علي بك الكبير" كان شاطر صحيح بس الحظ فجأة خدمه خدمة العمر. البداية في سنة 1180هجرية/ 1766ميلادية، لما أتمكن "علي بك الكبير" من منصب شيخ البلد للمرة التانية زي ما حكينا في الجزء التاني، وكان قراره الأول المرة دي كشيخ للبلد، ترقية 18 مملوك من أنصاره وأداهم البكاوية، من اللي ضامن ولائهم واخلاصهم ليه عشان يبقوا دراعاته القوية اللي يحزم بيهم البلد، وكان من بينهم "مراد بك" و"إبراهيم بك" و"محمد بك أبو الدهب".
كان هدف "علي بك الكبير" هو التخلص من السيادة العثمانية، والاستقلال بمصر ويرجع أمجاد المماليك اللي قرا عنهم كتير زي "بيبرس" و"قلاوون" اللي كان معتبرهم مثله الأعلي. وعشان بس نفهم تفكيرهم في الوقت ده أكتر، أحب أوضح أن المماليك مكنوش معتبرين نفسهم أغراب عن البلد، معظمهم معتبر نفسه مصري أصلا، ولما بيجي ذكرهم بين العامة كان بيتقال عنهم الأمراء المصرالية عشان يميزوهم عن العثمانيين، فيهم اللي هو وأبوه وجده اتولدوا وعاشوا وماتوا في مصر، ومنهم اللي عاش وأتربي في مصر وميعرفش له أرض غيرها، يعني "علي بك الكبير" كان شايف نفسه والمماليك أحق بالبلد وأن العثمانيين غزاة أخدوا بلدهم وحق مش حقهم. حتي لما تقرا قصته مع شيخ العرب "همام" - موجودة بالمناسبة في الصفحة ممكن تعمل سيرش هتلاقيها - هتلاقيه لما كان بيتفاوض معاه يتخلي عن المماليك اللي عنده قاله خرج المصريين من عندك، يعني كان حتي معتبر "همام" أعرابي مش مصري والمماليك هم المصريين، ودي كانت النظرة السائدة حقيقي وقتها مش نظرتنا خالص.
عشان ينفذ "علي بك الكبير" طموحه كان لازم يمشي في خطوات رتبها بذكاؤه من الأهم ثم المهم. عشان ينفذ خطوة الاستقلال لازم يسد أي ثغرات ممكن تعمله قلق داخليا وقت ما هيدخل في صراع خارجي. والصداع الداخلي وقتها كان متركز في 3 محاور، أولا أعداؤه من المماليك وخصوصا الانكشارية واللي كانوا أعوان العثمانيين، ثانيا قطاع الطرق من الاعراب، ثالثا الصعيد المجتمع المغلق واللي يعتبر دولة جوا الدولة ومتحصنة بشيخ العرب.
بالنسبة لقطاع الطرق ده كان أسهل جزء الحقيقة، عمل حملات شرسة وعنيفة لأي تجاوز، وحملات تمشيطية من شرق مصر وغربها، وشد الاسواق والتجار كلهم في ايده بقوانين حازمة تتنفذ علي الكبير قبل الصغير، وخفض الضرائب المفروضة على الفلاحين والتجار، وجعل "المعلم ميخائيل فرحات" القبطى، مسئولا عن الجمارك، بعد قتله اليهودى الخائن "يوسف بن لاوى" وقهر العربان. فأستتب الأمن والطرق كلها من والي القاهرة والمحافظات بحري وشرق وغرب بقت أمنة تماما، وده اللي حبب الناس فيه أكتر ومقامه أرتفع في قلب ونظر الرعية أكتر.
بدأ "علي بك الكبير" بأستماله المماليك له بالمصالح اللي بتتصالح أو بالفلوس أو بأنه يبدل المماليك المتعاونين مع العثمانيين بمماليك تبعه شوية بشوية، مع أنه يزود شرا في المماليك لحد مالم حواليه 6 ألاف مملوك في جيشه الخاص، ده الي جانب أنه أصدر قرار بمنع أي "بك" يتملك أزيد من مملوكين بس، عشان محدش يتمرد عليه ويفكر يقلده ويعمل زيه فايلم مماليك ويكونله عصبة تناطحه ويهدد وجوده السياسي والاداري، ماهو اللي بنعمله في الناس ميتعملش فينا. حلو السؤال اللي أنت سألته ده، ازاي بيشيل المماليك اللي تبع العثمانيين من غير ما يعملوله قلق مع العثمانيين ويقلبوا السلطان العثماني عليه؟. ما هو ده قيراط الحظ اللي أتكلمنا عنه في أول المقال ياسيدنا، في سنة 1182 هجرية دخل العثمانيين في حرب مع قيصرة روسيا "كاترينا"، وكانت حرب عنيفة خدت مجهود وتركيز السلطان العثماني ومكنش فاضي يشوف أي تفاهات، ماهو بالنسبة له في الوقت ده صراع الوالي العثماني في مصر "محمد باشا" مع "علي بك الكبير" علي أعداد المماليك اللي تبعه في مصر هي مجرد خلافات متستحقش التركيز في وقت الازمة اللي بتهدد وجوده شخصيا علي عرش الدولة العثمانية.
لكن لما جه الوقت اللي ركز فيه السلطان العثماني مع "علي بك الكبير" كان الأوان فات وقدر "علي بك" يلعب بيه الكورة. في وقت الحرب بعت السلطان العثماني للوالي بتاعه في مصر يطلب منه مدد ويبعتله جيش قوامته 12 ألف. لقاها "محمد باشا" فرصة وبعت للسلطان وقاله أن شيخ البلد "علي بك الكبير" مستحوز علي الجيش كله وسرح المماليك اللي تبعهم وأنه رافض ينفذ الأوامر. هنا طلع السلطان فرمان وأمر للوالي بقطع راس "علي بك". في الوقت ده وصل "علي بك" في قوته أنه بقي له عيون في قلب قصر الباب العالي ذات نفسه، والعين ده بعت رسالة بالحمام الزاجل ل"علي بك" بلغه بأمر الرسول اللي شايل رسالة السلطان للوالي. راح "علي بك" مطلع فرقة من مماليكه برا القاهرة، تستقبل رسول السلطان وتقبض عليه وتعدمه وتاخد منه الرسالة.
قالوا الاعور وسط العمياان سلطان، فمابالك بالمتعلم المثقف الذكي وسط الجهلة. "علي بك" أستغل جهل غالبية باكوات المماليك باللغة التركية اللي هو متقنها، وجمع أمراء المماليك عنده بصفة عاجلة ووراهم الرسالة اللي هم مش فاهمين فيها ايه، وبأسلوبه المسرحي قدم عرض عالمي، وفهمهم أن الرسالة دي كانت رايحة للوالي العثماني من السلطان يأمره فيها بقتلهم جميعا، جمعااااء بصوت محي اسماعيل. وختم عرضه بجملة هزت أركان القاعة وقال: "اعلموا أن مصر ما برحت منذ القدم يحكمها دول من المماليك، كانوا سلاطين أشداء، تفاخر بهم الأرض السماء، فهيا نسعى للاستقلال فإن فيه حياتنا وحريتنا..".
في نفس ذات الوقت فوجأ بشيخ العرب "همام" بيستقل منه شخصيا وبيبعت جزية الصعيد للسلطان العثماني شخصيا، وبيعلن الصعيد أمارة لوحدها مش تابعة ل "علي بك"، وبرده قدر يتغلب علي ثورة شيخ العرب "همام" ويقضي عليه كأخر شيخ عرب سنة 1769م، تقدروا تقروا قصة شيخ العرب بالتفصيل علي صفحة عايمة في بحر الكتب.
وبعد ما كل الثغرات أتسدت وأخد كل المماليك في صفه بعد ما فهمهم أن غدر السلطان طايلهم طلهم، فلازم يتحدوا ويتغدوا بيه قبل ما يتعشي بيهم. المماليك كلهم أتحدوا معاه وهجموا علي الوالي العثماني "محمد باشا" اللي خد ديله في سنانه وهرب من مصر. وبعت "علي بك الكبير" رسالة لصديقه والي عكا "ضاهر العمر" يبلغه فيها بأستقلال مصر عن الدولة العثمانية.
(يتبع)
مروة طلعت
22/7/2024
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج1 - الجبرتي.
تاريخ ثورة علي بك الكبير ضد العثمانيين - ستافرو لوزينيان.
علي بك الكبير - أحمد خيرت سعيد.
تعليقات
إرسال تعليق