علي بك الكبير 2
(2) كان من عادة كبار المماليك لما الأمير يموت يتجوز الأمير اللي بعده من زوجة الأمير المتوفي، تكريم له ولذكراه وعشان متتهانش من بعده. عشان كده أتجوز "علي بك الكبير" من "عائشة قادن بنت عبد الله البيضاء" أرملة مولاه "ابراهيم بك". وكان علي ذمته أربعة وهم "عائشة قادن" و "كلسن خاتون" و "منور خاتون" و الرابعة أحبهن لقلبه "نفيسة خاتون" ودي قصتها لوحدها حكاية، حكيناها زمان قبل كده، اختصارا من حبه ليها أصبحت حرفيا سيدة مصر الأولي وميزها عن نسائه في عدد الأملاك اللي سابهالها، وفيما بعد أتسمت بأسم "أم المماليك" وكان ليها دور كبير ومشرف في مقاومة الحملة الفرنسية. وهي كمان من حبها ليه أختارت مدفنها بجواره، رغم أنها أتجوزت بعده "مراد بك".
تعالي كده نسمع وصف "الجبرتي" ل "علي بك الكبير" عشان نقدر نكون صورة عنه أكتر في أذهانا ونعرف شكل الشخصية دي كانت عاملة ازاي، قال "الجبرتي": "كان عظيم الهيبة، حتي قيل ان بعض الناس ماتوا فرقا من هيبته، صادق الفراسة، متوقد الذكاء يفهم موضوع الدعوي بين الخصمين بغير حاجة الي ترجمان، بل كان يقرؤها بنفسه، وما كان يبصم ورقة تعرض اليه الا بعد قراءتها وفهم مدلولها. وكان يطالع كتب التاريخ وسير ملوك مصر الغابرين، ويقول لخاصته ان ملوك مصر كانوا مثلنا من المماليك، كالسلطان بيبرس والسلطان قلاوون، وان هؤلاء العثمانيين قد أخذوا مصر بالتغلب، فيجب أن نسترد البلاد منهم بهذه الوسيلة، وكان في حديثه هذا يشي بسريرته، ويرهص بما حققه بعد ذلك من الاستقلال التام لمصر وتحريرها من التبعية العثمانية".
نفهم من كلام "الجبرتي" أن "علي بك الكبير" كان شخصية ليها حضور طاغي اللي ليها كاريزما وهيبة، شخصية ذكية جدا وعنده من علم الفراسة اللي يخليه لماح، شخصية مثقفة قارئ للتاريخ وبياخد منه العبرة، وده شئ مهم جدا لأي حاكم قوي، والا مكنش الله عز وجل ذكر قصص الأولين والأمم السابقة في كتابه الكريم، لازم نفهم الماضي بأسبابه ودوافعه ونتائجه عشان نفهم الحاضر ونخطط صح للمستقبل. كان "علي بك الكبير" بيميل كمان لمجالسة أهل الوقار والعلم وملوش في حفلات المماليك الخليعة، وكان الشيخ "حسن الجبرتي" والد المؤرخ "عبد الرحمن الجبرتي" من أقرب الناس ليه، وأول أعضاء مجلسه، عشان كده كتب عنه "الجبرتي" تفاصيل كتيرة عشان شافه وقعد معاه كتير.
من ضمن الكلام اللي قاله "الجبرتي" عن "علي بك الكبير" أنه بسبب ملامحه الصارمة وقوة كاريزمته وحضوره المهيب، لما كان بيدخل مجلسه حد من الرعية قاصد شكوي ويكون أول مرة يجيله، لازم كان يتلجلج ويبقي خايف وبيترعش لدرجة أنه ممكن ينسي الكلام اللي جاي يقوله. وفي الحالة دي كان "علي بك" يبتسم وينزل من مجلسه ويروحله ويربت علي كتفه بود ويقوله: "هون عليك"، لحد ما اللي جاي يشتكي يطمن ويبدأ يتكلم عدل.
"علي بك الكبير" عمل الليالي الملاح لفرح بنت مولاه الراحل "ابراهيم بك"، واللي كان قاصد بيها - زي ما حكينا في الجزء الاول - الظهور وأخد اللقطة ولم الرعية وحبهم وتأييدهم ليه. ومن بعدها زي ما كسب حب الناس كسب برده عداوة المماليك، ماهو مبروم علي مبروم ميلفش، ودول واكلين شاربين قاتلين مع بعض وفاهمين حركات بعض كويس، وشافوا في التفاف الرعية حوالين "علي بك" وقوته في جيش مماليكه الجديد خطر كبير عليهم.
جت سنة 1177 هجرية/ 1763 ميلادية، اللي كانت سنة مهمة في حياة القاهرة كلها، عشان حصل فيها أهوال بين "علي بك" ومماليكه و"خليل بك" شيخ البلد في الوقت ده، فبعتله "حسين بك كشكش" طلع علي "علي بك" وهو ماشي في الشارع وحاول يقتله، لكن "علي بك" نجي منها، والصراع ده أمتد لحرب شوارع عملت رعب وفزع للناس، بسبب أن الناس كانت مأيدة "علي بك" وعاوزه توصله لمشيخة البلد، فأنضموا ليه وهاجموا مع مماليكه، المماليك المنافسة له، وأتبهدلت الشوارع وأتخربت الأسواق ومات خلق كتير. لحد ما وصل الأمر بثورة قام بها مشايخ الأزهر علي المماليك خصوم "علي بك"، وطلع "الشيخ الحفناوي" واحد من علماء الأزهر، يقول لهم: "لقد خربتم البلاد وكل ساعة خصام وحروب مع علي بك".
هرب "علي بك" لما الخطر شد عليه مع أعوانه ومماليكه علي الصعيد. ساعتها "خليل بك" ما صدق وراح خالعه والأمراء اللي معاه من رتبهم ومناصبهم. "علي بك" مهربش للصعيد كده عمياني، ده واحد عارف كويس وحاسب تحركاته رايحة فين. "علي بك" هرب للصعيد علي الأمير "صالح بك" اللي كان من مماليك "مصطفي أنور بك" واللي "خليل بك" كان نفيه، وبالتالي "صالح بك" كان يطيق العما ولا يطيق "خليل بك". واللي خططله "علي بك" حصل، ورجع للقاهرة ايده في ايد "صالح بك" وباقي أنصار ومماليكهم كلهم جمعاء. والله "خليل بك" ده مفروض كان يتحاكم بتهمة الغباء السياسي.
"خليل بك" و "حسين بك كشكش" مصمدوش قصاد الجيش الزاحف، فهرب "خليل بك" و "حسين بك كشكش" وقع في ايد "علي بك" اللي مسماش عليه وقتله، وفي اسكندرية أتقبض علي "خليل بك" الهربان واتقتل بالخنق، ورجعت راسه للقاهرة والمماليك شالوها مع راس "كشكش" ورؤوس باقي أتباعهم، وطاف بيهم أنصار "علي بك" في شوارع القاهرة محتفلين بالطبل والزمر بتولي "علي بك" منصب شيخ البلد الجديد.
أول حاجة أمر بيها "علي بك" وهو في منصب شيخ البلد، أنه ياخد بتار قاتل مولاه "ابراهيم بك كيخيا" ويقتل الأمير "ابراهيم بك الشركسي"، ويمكن الخطوة دي محسبهاش "علي بك" كويس، واللي دفعه ليها شده حبه لمولاه الراحل "ابراهيم بك" ورغبته في الانتقام، وده عشان بمجرد ما قتله ثار عليه مماليكه الشراكسة، وكانت الهجمة منهم شديدة جدا، لدرجة خلت "علي بك" يسيب القاهرة ويهرب علي بيت المقدس.
في نفس الوقت وصلت رسالة للسلطان العثماني من المماليك الشراكسة، حكوله فيها كل اللي عمله "علي بك" - طبعا ما هو كان نايم علي ودانه أهم حاجة الفلوس بتوصل تمام - وزودوله فلفل وشطة خلوه طلع فرمان مستعجل لحاكم بيت المقدس بالقبض علي "علي بك". حاكم بيت المقدس كان صديق قديم ل "علي بك" فسربله الخبر عشان يخليه يهرب ويعفيه من الحرج والمسؤولية. وفعلا هرب "علي بك" لعكا، وهناك والي عكا الأمير "ضاهر العمر" سبق وبعت رسالة للسلطان العثماني يصحح فيها صورة "علي بك"، واتدخل كمان الصدر الأعظم للسلطان - منصب زي رئيس الوزراء كده - "راغب بك" اللي كان والي القاهرة قبل ما يبقي الصدر الاعظم وصديق مقرب ل "علي بك"، وقدروا بالفعل يصفوا نفس السلطان من ناحية "علي بك"، فلغي الفرمان وكمان أمر برجوع "علي بك" للقاهرة ولنفس منصبه شيخ البلد.
في سنة 1180 هجرية/ 1766 ميلادية بيرجع "علي بك الكبير" للقاهرة وبيستلم منصب مشيخة البلد للمرة التانية. لكن الايام مبتمشيش هادية كده مع "علي بك"، فترة قليلة من جلوسه في منصبه وحصل بينه وبين "صالح بك" اللي ناصره من الصعيد، خلاف اتحول لعداء. وبمنتهي البساطة راح "ابراهيم بك الكاشف" وقتل "صالح بك" عشان نلتفت لمصالحنا من غير وجع دماغ. طب وهي ايه مصالحنا، مش خلاص بقي شيخ البلد وأرتاح من منافسية.
"علي بك الكبير" طموحه مكنش مشيخة البلد، ده مجرد سلمة للهدف الأصلي، ده راجل مبينساش تاره، وتاره لسه متاخدش من العثمانيين. وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
(يتبع)
مروة طلعت
20/7/2024
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج2 - الجبرتي.
تاريخ ثورة علي بك الكبير ضد العثمانيين - ستافرو لوزينيان.
علي بك الكبير - أحمد خيرت سعيد.
تعليقات
إرسال تعليق