فرط الرمان

 الوداع يابونابرت ... فيلم من أخراج "يوسف شاهين" وإنتاج سنة 1985م. لو شفت الفيلم وبغض النظر فهمته ولا لأ أو عجبك ولا لأ، بس أكتر ممثل هيلفت أنتباهك فيه هو الجميل "جميل راتب" في دور "بارثلميو ينى" أو "بارتلمي"، كان لابس شخصيته صح، لدرجة أني لما قريت فيما بعد اللي كتبه "الجبرتي" عن الشخصية دي، علي طول رسمه خيالي بشكل "جميل راتب"، حقيقي محدش كان يعرف يأدي شخصية "فرط الرمان" غيره. ايه الأسم الغريب ده، هو مش أسمه "بارتلمي" يطلع ايه "فرط الرمان" ده كمان.

خلينا متفقين أن أبشع شئ في الكون هو الأ.حTلا.ل مش بس بسبب الانتهاكات والفظائع والسرقة والنهب والمهانة اللي بتحصل، ده كمان له أثر اجتماعي مهم، أنا بعتبره جهاز كشف الكدب يعني في الوقت ده هتلاقي الناس أتقسمت ل3 أنواع. النوع الأول الغيور علي بلده وأرضه ودينه وده بيتحول لمناضل بشكل أو بأخر سواء بيجاهد بنفسه أو بماله أو بتحفيزه. النوع التاني اللي بيخاف علي عمره وعلي عمر عياله ويقفل بابه علي نفسه وهو فاكر أنه لما يتحامي في الحيطان هيسلم، لكن الحقيقة أن الحيطة في الأخر بتقع علي دماغه. النوع التالت ده بقي الخيانة بتجري في دمهم، بس مداريين وعلي حسب كفة الميزان ماتتقل بيجروا ناحيتها، لا يهمهم وطن ولا أنتماء ولا حتي بلد أحتضنتهم وأمنتهم، عندهم أستعداد يبيعوا روحهم للشيطان طالما الشيطان دافع بقي. ومن النوع التالت ده كان "فرط الرمان" أو "بارتلمي".

مصر قبل الحملة الفرنسية كانت رسميا تحت الخلافة العثمانية، إنما عمليا وواقعيا كان بيحكمها المماليك. العثمانيين في تعاملهم مع مصر دخلوها وخدوها من المماليك عشان يسلموها تاني للماليك بس يبعتولهم المعلوم كل سنة ومش مهم بقي بتتجاب منين ولا ازاي المهم الفلوس توصل في ميعادها. وبالتالي المصري بقي همه همين في رقبته المماليك يصرف عليهم وكمان العثمانيين، الكل بيقطع من لحمه الحي المهم الضرايب والأتاوات تتحصل وكرش السلطان والوالي والأمراء يتملي. وزي محنا عارفين المماليك دول مكنش ليهم موطن كانوا في الأصل عبيد وأتوالدوا واتناسلوا علي عبادة السلطة ملهمش انتماء لمكان الا مجرد السيطرة عليه، والجيش العثماني كمان عبارة عن عدد من العسكر الملمومين من كل البلاد اللي تحت السيطرة العثمانية يعني لا يهمهم بلد ولا ناس ولا مكان المهم الكرش عمران والخزنة مليانة. وكمان دخل مصر أصناف وألوان من جنسيات كتيرة مقطوعين كده ومصدقوا يلاقوا بلد كلها خير زي مصر، وناس طيبة ومسالمة مضيافة وعاطفيين مغلوبين علي أمرهم، يعيشوا ويكبروا علي قفاهم ويسحبوا من خيرهم، فكانوا سفلة الأجانب زي ما وصفهم "صلاح عيسي". واللي كان مسكت الناس أن الناس دي مسلمين زينا وطاعة ولي الأمر فرض ديني، أما لما جم الفرنجة عليهم فالأمور أختلفت في نظر المصريين.

"بارتلمي" كان يوناني جريجي عايش عمره كله في مصر، من مماليك الأمير المملوكي "محمد بك الألفي" من ضمن فرقة الطوبجية - المدفعية - بتاعته، وكان عنده مشروعه الخاص. جنب وظيفته كطوبجي كان فاتح محل زجاج في الموسكي، ودي كانت منطقة الأمراء وعلية القوم وقتها.

سنة 1798م دخل "نابليون بونابرت" بحملته الفرنسية مصر، وبعد هروب "محمد بك الألفي" لقي "بارتلمي" أن كفة الميزان بتميل ناحية الفرنسييس، وفي لمح البصر كان ناطط من مركب المماليك الغرقانة لمركب "بونابرت". وحط نفسه من ضمن كتيبة مكونة من 100 أجنبي ومغربي في خدمة جيش "بونابرت". 

أيام "محمد بك الألفي" كان "بارتلمي" أحيانا بيمسكه مهمة تحصيل الضرايب من المصريين، فكان مفيد جدا للفرنسيين بما أنه عنده خبرة. ومع وجود الفرنسيين خرجت شخصيته القذرة اللي كان مخبيها شوية في وجود المماليك. مع الفرنسيين الفرنج بقي معاملته للمصريين اللي لموه كان فيها كمية دموية وسادية غير طبيعية، وكانت دليل علي عقدة النقص والحقد علي المصريين اللي كانت عنده.

لما شاف الفرنسيين معاملة "بارتلمي" السادية الدموية للمصريين فرحوا بيه جدا ورقوه وأشادوا بيه والمكافأت بقت نازلة ترف عليه، كل ما تضرب وتق.تل وتطير رقاب أكتر كل ما هتتكافئ. وفضل يترقي لحد ما بقي كتخدا أو مستحفظان القاهرة يعني نائب محافظ القاهرة، حاجة مكنش يحلم بيها مع المماليك. وتعيينه ده بسبب جملة "الشيخ الشرقاوي" لما قال: "ان العامة أو السوقة لا تهاب الا الأتراك أو المماليك"، فقرر الحاكم العسكري "ديبويه" يعين "برثلميو".

كانت سياسة "بارتلمي" في جمع الضرايب هي لو باقي علي عمرك أدفع يا تدفع يا اخد راسك تذكار. المؤرخ "جاي كريستوفر هيرولد" بيوصفه ويقول: "كان فارع القامة لا ينسى الناظر منظره وهو يخرج على رأس أتباعه من الأوغاد في عمامةٍ بيضاء ضخمة تظهر بشرته البرونزية وعيناه تلمعان وعلى شفتيه ابتسامةٌ يجمد لها الدم في العروق وقد ارتدى ثوبه اليوناني الموشى بالقصب وحزاماً أحمر وسراويل ضخمة ومعطفاً تعلوه رمانتان مما يضعهما الكولونيل على كتفه. وكانت زوجته العملاقة الرهيبة تركب أحياناً إلى جواره. وكان بارتلمين يحب العراك لأنه يتيح له إظهار شجاعته والتباهي بثيابه، ولكن أحب الأشياء إلى قلبه هو قطع الرقاب”

  وعشان المصريين طبعهم السخرية واستخدام سلاح التريقة علي أصعب أحوالهم، لما كانوا بيشوفوه لابس المعطف أبو رمانتين بتاع الفرنسيس اللايق علي لون بشرته المحمر، وبعد ما يعدي يوصفوه ويقولوا "فرط الرمان".

كان هواية "بارتلمي" تجميع الرقاب في زكيبة أو بأضعف الايمان جلد الفلاحيين وتقييدهم بالحبال ويمشيهم وراه وهو شاهر سيفه لحد القلعة. منظره لوحده وهو هالل علي الفلاحين كان ممكن يجيبلهم أزمة قلبية من كتر الرعب. 

 في يوم دخل "بارتلمي" وهو مبتسم ومبسوط علي "ديبويه" الحاكم العسكري وهو بياكل في قاعة السفرة مع بعض القادة الفرنسيين، وقاله أنا جايبلك هدية هتعجبك، ورمي تحت رجل "ديبويه" زكيبة كبيرة. أتهيأ ل "ديبويه" أنه جايبله كنز ولا دهب بقي أدام هدية هتعجبه، فطلب من عسكري يفتحها، وياريته ما فتحها. لقي قصاده رؤوس كتيرة لفلاحين قطعها "برتملي" وبيصفله انهم فلاحين متمردين. الحاكم الفرنسي ذات نفسه مستحملش بشاعة المنظر، وشخط في "برتلمي" مش عشان قطعهم لا، عشان قلب معدته علي الأكل بالمنظر البشع ده، وطرده بزكيبته برة.

"برتملي" كان هو المسؤول عن أستجواب "سليمان الحلبي" والشيوخ التلاتة المتهمين في قضية مقتل "كليبر" - حكينا الحكاية دي في جزءين بالتفصيل هسيبلك اللينك أخر المقال - ولك أن تتخيل واحد زي "برتملي" جاب الاعترافات من المتهمين ازاي. الراجل ده مكنش بيستخدم التعذيب كده وخلاص لا ده كان كيف عنده، كان بيتلذذ بيه، كان وحش آدمي حرفيا. وهو اللي نفذ بنفسه حكم اعدام المشايخ وحرق ايد "سليمان الحلبي" وقعده علي الخازوق بنفسه، وده كان يوم عيد بالنسبة له. حتي أنه نهر العسكري الفرنسي اللي صعب عليه "سليمان الحلبي" وكان هيشربه ماية، عشان لو شرب هيموت وهيقطع عليه متعته في مشاهدة عذاب "الحلبي" وهو حي علي الخازوق.

في ثورة القاهرة التانية لما أنفجر المصريين وثاروا علي الفرنسيين وحصلت مذابح وأحداث كتيرة عنيفة، كان الأطفال في الشوارع بيهتفوا بأعلي صوتهم ويقولوا: "الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان". 

في سنة 1801م أنتهي كابوس "فرط الرمان" مع خروج الحملة الفرنسية من مصر. بمجرد خروجهم كان "فرط الرمان" فص ملح وداب، أختفي تماما ومحدش عارف راح فين ولا نهايته ايه، مفيش غير أقاويل واشاعات أنه هرب علي الشام وأن واحد من القادة الفرنسيين قتله ورماه في البحر، لكن كلها اقاويل غير مثبتة. الحاجة الوحيدة المثبتة هي فظاعة كائن خاين وناكر للفضل والجميل كان أسمه "فرط الرمان"، راح في مزبلة التاريخ وبقيت مصر.

مروة طلعت

13 / 6 / 2024

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس - الجبرتي.

عجائب الآثار في التراجم والأخبار - الجبرتي.

بونابرت في مصر - جاي كريستوفر هيرولد.

هوامش المقريزي - صلاح عيسي.

سليمان الحلبي الجزء الاول 

https://www.facebook.com/share/p/orezQF74caQDrqcL/?mibextid=oFDknk

سليمان الحلبي الجزء التاني

https://www.facebook.com/share/p/4P6WbwLsWHoskUKU/?mibextid=oFDknk





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6