الفاطميين
(2) الفسطاط 10 محرم سنة 356 هجرية/ 967 ميلادية، دخل مجموعة من دعاة المذهب الإسماعيلي التابعيين للفاطميين في المغرب، لمسجد السيدة نفيسة ووراهم مجموعة من المصريين اللي أقتنعوا بمذهبهم وتشيعوا، وعند ضريح السيدة نفيسة بدؤا مراسم أحتفالاتهم بيوم عاشورا. طريقة أحتفالهم صدمت المصريين السنة اللي أول مرة يشوفوا الطريقة دي. فغلي الدم في عروق السنة وقاموا أشتبكوا مع الشيعة في خناق وضرب، وخرجوا للشارع وأشترك العامة وقلبوا السوق والمحلات والدكاكين. والاسماعيليين بردوا مكنش عددهم قليل، كان دعاة الاسماعيلية نشيطين وشايفين شغلهم جامد، فقدروا يجذبوا عدد كبير من المصريين لمذهبهم، فكانت العركة كبيرة والدم للركب. ووصل الخبر للجنود الاخشيديين من السودان والمصريين، وحضروا فورا بخيولهم وسيوفهم وكرابيجهم ودوروا الضرب في الشيعة الاسماعيلية لحد ما فضوا الخناقة، ولموا اللي لسه سلام منهم.
"أبو المسك كافور الأخشيدي" (292 - 357 هـجري / 905 - 968 ميلادي)، حاكم مصر في الدولة الأخشيدية واللي كانت تابعة للخلافة العباسية. الراجل ده كان واقف في زور "المعز لدين الله الفاطمي" (932 - 975 ميلادية) رابع الخلفاء الفاطميين، واللي قاعد في المغرب بيتابع دعاة الاسماعيلية اللي بعتهم يلعبوا في ثوابت عقيدة السنة في مصر ويستغلوا جهل الناس بدينهم - مش عارفة ليه أفتكرت حاجة كده - عشان يجذب مؤيدين تزيد بالوقت والأيام، ومن هنا يعمل جبهة داخلية قوية جوا البلد، ساعة ما يقرر يهجم عسكريا يكونوا له عون وحليف يسهلوله الاحتلال. لكن أحلام وأماني "المعز" كل مرة كانت بتتكسر علي صخرة "كافور" الناشفة، ونابه بيطلع علي شونة.
عشان نعرف مين هو "كافور الاخشيدي" تعالي نشوف وصف الامام "الذهبي" ليه في كتابه سير أعلام النبلاء: ( كان مهيبا ، سائسا ، حليما ، جوادا ، وقورا ، لا يشبه عقله عقول الخدام). "كافور الاخشيدي" كان عبد من السودان أو الحبشة، أتخطف وأتباع طفل، وعملوله عملية من أحقر العمليات في تاريخ الانسانية اللي كانت بتحصل للعبيد، فأصبح عبد مخصي. وهو ماشي جنب عبد تاني متقيدين في السلاسل ومتساقين وسط العبيد زي الحيوانات ورا النخاس، قاله صاحبه: ( أتمني لو اشتراني طباخ فأعيش عمري شبعان بما أصيب من مطبخه)، لكن "كافور" قال :( أتمني أن أملك هذه المدينة). غالبا كانت أبواب السما مفتوحة ساعتها.
أشتراه واحد من تجار الزيوت وشاف معاه مر أقسي الأيام، لكن الصعاب دايما بتصنع الرجال. كل الشدائد والمصاعب والشقا اللي عاشه "كافور"، صنع منه رجل قوي وقادر علي مواجهة الصعاب وشد من أزره وقوى عزيمته. من بعده أصبح عبد لواحد من الكتاب أسمه "محمود بن وهب بن عباس" واللي حياة "كافور" أتغيرت للأحسن كتير معاه. قدر يتعلم من الكاتب القراءة والكتابة، وخدمته كانت أهدي وأحسن. ولعب الحظ مع "كافور" لما طلب منه سيده يودي هدايا للأمير "محمد بن طغج الأخشيدي" اللي أتعجب بقوة وأسلوب وعقل "كافور" فأشتراه من سيده ب 18 دينار سنة 923 ميلادية. ويظهر أن "كافور" كان وشه حلو علي "محمد بن طغج"، لأنه بعدها أصبح حاكم مصر، وأصبح "كافور" له منصب في بلاط "محمد بن طغج"،فأتعين في الأول مشرف علي التعاليم الأميرية لأولاده، وبعدها أعتقه وخلاه ظابط في الجيش وبعدها قائد للجيش نفسه. أظهر "كافور" نبوغ وذكاء وكفاءة في منصبه عشان كده أصبح مسؤول عن الشؤون الدبلوماسية بين الأخشيديين والخلافة العباسية.
لما مات "محمد بن طغج" سنة 334 هـجرية / 946 ميلادية، كان "كافور" هو الوصي علي عرش "أنجور بن محمد بن طغج" اللي عنده 15 سنة. وبذكاء "كافور" قدر يمحي "أنجور" خالص من الصورة، وفضل هو صاحب الكلمة والقرار والتدبير الفعلي، لحد ما قدر ياخد حكم مصر والشام رسميا بعد موت "أنجور" وأخوه "علي" سنة 966 ميلادية.
قال "الامام الذهبي" في كتابه عن "كافور الاخشيدي": ( كان شديد اليد ، ولا يكاد أحد يمد قوسه فيعطي الفارس قوسه ، فإن عجز ضحك واستخدمه ، وإن مده قطب ). عرفت بقي أهو كان أوديسيوس حقيقي أهو، عنده قوس محدش بيعرف يشده ويضرب منه سهم غيره، وده دليل علي شدة قوته البدنية كمان.
وقال "الامام الذهبي" كمان عنه: ( وكان ملازما لمصالح الرعية، وكان يتعبد ويتهجد ، ويمرغ وجهه ، ويقول : اللهم لا تسلط علي مخلوقا . وكان يقرأ عنده السير والدول . وله ندماء وجوار مغنيات ، ومن المماليك ألوف مؤلفة ، وكان فطنا يقظا ذكيا ، يهادي المعز إلى الغرب ، ويداري ويخضع للمطيع ، ويخدع هؤلاء وهؤلاء. وله نظر في الفقه والنحو).
طبعا أدام أتكلمنا عن "كافور الأخشيدي" يبقي لازم نذكر حكايته مع الشاعر "أبو الطيب المتنبي"، لما راحله وحب يتملقه ويمدحه بقصيدة عشان ياخد العطايا والهدايا زي ما بيعمل مع أي حاكم. لكن "كافور" كان مختلف، كان جايبها من تحت أوي ومبياكلش معاه الكلام ده، مكنش من الناس اللي بيطربه المدح، وشايف كويس أوي معادن الناس وأهوائها، وفاهم كويس أطماع "المتنبي". فلما شاف "المتنبي" عطايا "كافور" البسيطة، هجاه بقصيدة مشهورة جدا، حتي من شهرتها جيلنا درسها في منهج اللغة العربية في ثانوي، واللي كان مطلعها بيقول: عيد بأي حال عدت يا عيد .... بما مضي أم لأمرفيك تجديد. وهجاه كتير أوي بقصايد لدرجة أنه كتبله قصيدة هجاء بعد ما مات وعلقها علي قبره في القدس. عنيفين أوي الشعراء دول.
واحد بصفات "كافور الأخشيدي" قدر يخلي واحد زي "المعز لدين الله الفاطمي" يلف السبع لفات حوالين نفسه. لدرجة أن "جوهر الصقلي" قائد جيش الفاطميين قال: ( اذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعز لدين الله الأرض كلها٬ وبيننا وبينكم الحجر الأسود )، وكان يقصد بالحجر الأسو "كافور الاخشيدي" وده عشان كان شديد السواد.
لحد ماحصلت حاجتين كانوا الفرج بالنسبة للفاطمين في تحقيق حلمهم في مصر والشام. أول حاجة حصل جفاف شديد في النيل أتسبب في أنهيار أقتصادي شديد للدولة الاخشيدية. تاني حاجة وفاة الحجر الأسود "كافور الاخشيدي" سنة 357 هجري/ 968 ميلادي. أنا متخيلة فرحة "المعز لدين الله الفاطمي" لما جاله خبر وفاة "كافور الأخشيدي" تلاقيه قام نط من علي كرسي عرشه من الفرحة، وصقف وقال هييييه.
من بعد "كافور" وكمان في وقت الجفاف، مكنش فيه أي فرصة للنجاة، البلد وقعت ومستنية الأكيل. حاول الوزير "أبو الفضل جعفر بن الفرات" يعمل أي حاجة وينقذ ما يمكن أنقاذه، لكن الأمور خلاص كانت خرجت عن السيطرة. يعني جفاف وغلاء أسعار وزيادة ضرايب والناس خلاص كفرت من الجوع. هنا ظهر دور "يعقوب بن كلس" وده يهودي أسلم في زمن "كافور الأخشيدي" ولما الدنيا خربت، نط من المركب الغرقانة وركب الترند الجديد وتشيع مع الطائفة الاسماعيلية الفاطمية، وهرب متخفي من مصر وراح علي المغرب. قابل هنا "المعز لدين الله" وحكاله كل الأوضاع السيئة اللي في مصر، وكل المفسدات اللي فيها. وضربله مثل وقاله أن "بنت محمد بن طغج الأخشيدي" أشترت صبية مغربية ب 600 دينار عشان تستمتع بيها. فجمع "المعز" رجاله والقواد والامراء، يعلن نيته في غزو مصر وقال لهم: (إن الغيرة قد ذهبت من نفوس الرجال بمصر حتي إن إمرأة من بنات ملوكهم تخرج لتشتري لنفسها جارية تتمتع بها).
ومن هنا كانت خطوة البداية للغزو الفاطمي، ضاع الدين وضاعت الأخلاق وضاعت الهيبة والقوة، ساعتها تبقي لقمة طرية في فم الضباع..... (يتبع)
مروة طلعت
10 / 5 / 2024
الجزء الأول
https://www.facebook.com/share/p/QAr1BJLtRE5vf8mq/?mibextid=oFDknk
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
#الفاطميين
المصادر:
اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الخلفا ج1 - المقريزي.
الكامل ج 8 - ابن الأثير.
سير أعلام النبلاء الطبقة العشرون - الذهبي.
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج4 - ابن تغري بردي.
الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد - د/ أيمن فؤاد سيد.
تعليقات
إرسال تعليق