الفاطميين 4

 (5) لما دخل "المهدي" بلاد المغرب الأفريقي وأعلن قيام الخلافة الفاطمية سنة 297 هجري/ 910 ميلادي، تخيل أن الأمور هتبقي في بلاد المغرب أسهل في مد النفوذ الفاطمي وأنتشار المذهب الإسماعيلي عن ما كانت في الشرق. لكنه فوجئ بمقاومة سلبية زي اللي عملها غاندي كده في الهند، يعني البلاد اللي كانت حولين كتامة قاطعوا الفاطميين مقاطعة تامة، لا سلام ولا كلام ولا صباح ولا مسا ولا تجارة ولا تعاملات. طب هم عملوا كده ليه؟.

المغرب الأفريقي في الوقت ده كان منقسم مابين أهل السنة المالكية والخوارج، يعني المكان من قبل دخول الإسماعيلية كان منطقة ألغام وصراعات دينية بين السنة والخوارج. ده غير أن كان فيه تنافس بين القبائل البربرية وخصوصا بين قبيلة زنانة وقبيلة صنهاجة اللي تنتمي ليها كتامة. وكمان فيه أسرتين بتحكم وهم الدولة الرستمية الخارجية في تاهرت والدولة الإدريسية العلوية في فاس والأتنين أصولهم شرقية سنية. فلما دخلت الإسماعيلية كمان الحلبة، وأعلنوا قيام خلافة، علماء السنة  اللي كان مركزهم في القيروان قالوا لا بقي هي المشرحة ناقصة قتلي، وأنكروا مذهب الإسماعيلية وعمموا المقاطعة ونفذها عامة الناس.

"المهدي" وخلافته الفاطمية كانوا بيحلموا يبقوا الخلافة الرسمية للعالم الإسلامي ويقضوا علي الخلافة العباسية خالص، وده مش هيحصل إلا بالتوسع من كتامة إلي ناحية الشرق. لكن الوضع في المغرب كان معاكس تحقيق الأهداف دي، وده بسبب قلة الموارد ومقاطعة السنة ومقاومتهم للمد الشيعي سواء الفكري والمكاني، وكمان بسبب وعورة الطبيعة الجغرافية الجبلية للشمال الأفريقي ومفيش موارد تساعد والمقاطعة مكملة عليهم. 

أول حاجة عملها "المهدي" أنه بعد تماما عن مراكز السنة "رقادة والقيروان" بعد ما شرب من مقاومتهم المر، وأسس "المهدية" مدينة جديدة سنة 303 هجري/ 915 ميلادي علي طرف الساحل الشرقي الإفريقي. وقدر "المهدي" من خلال المدينة الجديدة أنه يوحد صفوف الإسماعيلية ومعاونيهم من كتامة، وينتصر علي البيزنطيين في جنوب ايطاليا، ويمد نفوذ الفاطميين علي جزيرة صقلية، وقعدت فيها أسرة عربية من قبيلة كلب نيابة عن الفاطميين.

بدأ بشاير تحقيق حلم النفوذ الفاطمي تهل، وعشان كده أتجدد تاني الأمل في الإمتداد الشرقي. "المهدي" كان عارف كويس أنه لحد الآن مخدش وضعه ولا شرعيته كخلافة، وعشان يحصل كده لازم يمد نفوذه علي مصر. من غير مصر ضاعت كل أحلام وأهداف الفاطميين، وده بسبب موقعها ومواردها الطبيعية والبشرية، واللي أكيد هتساعده وتدفعه دفعة قوية أنه يكمل مخططه ويستولي علي كل البلاد اللي تحت السيطرة العباسية.

أول محاولة للفاطميين كانت علي أيد "القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله" بعد موت "المهدي" أبوه، لما جهز جيش وخرج من "المهدية" عن طريق البحر، دخل علي "جنوة" الأول أحتلها وسباها وأخد منها غنائم كتيرة، وبعدين كمل المسيرة لحد أسكندرية.

وقتها كانت مصر تحت الحكم الأخشيدي، وحاكمها "كافور الاخشيدي" اللي أتكلمنا عنه قبل كده في الجزء التاني - هتلاقي اللينك في أخر المقال - وقولنا أنه كان حاكم قوي جدا. أول ما وصلت سفن الفاطميين ميناء الأسكندرية سنة 323 هجري/ 934 ميلادي، أستقبلهم جيش "كافور الأخشيدي" أستقبال علم عليهم أبلغ علام، ورجعهم مهزومين وبيتعالجوا من حاجة أسمها "كافور الأخشيدي". 

رجع جيش الفاطميين ل "المهدية" ودخلوا في حروب وصراعات بينهم وبين "القيروان" مركز السنة. وكانت أشهرهم حروب "القائم بأمر الله" ضد قبائل زنانة البربرية بقيادة "أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي"، واللي أستنفذت كتير من طاقة الجيش الفاطمي وأنهكه. 

مات "القائم بأمر الله" سنة 334 هجرية/ 946 ميلادية، بعد مدة حكم 12 سنة، في عز حروبه مع "أبي اليزيد" اللي كان مطلع عينيهم، وأتولي من بعده الفاطميين أبنه "المنصور بنصر الله أبو الطاهر إسماعيل" وهو 39 سنة، واللي خبي خبر وفاة أبوه، فترة لحد ما تملك الأمور كويس، وده من خوفه من "أبي اليزيد". وبسبب الحروب اللي دارت بين الطرفين حصلت مجازر كتيرة من سبي نساء وأطفال ونهب وقتل الرجال وهدم المساجد وحرق البيوت والأسواق وخراب ما بعده خراب عاني منه بلاد المغرب الافريقي علي ايد الفاطميين والخوارج اللي هم قبيلة زنانة البربرية.  

كمل "المنصور بنصر الله" في نفس سكة أبوه "القائم بالله" وأستمر في حروب القضاء علي الثوار والمتمردين علي الخلافة الفاطمية. الموضوع ده أخد من الفاطميين تقريبا 3 خلفاء، وأتسبب في تأجيل حلم التوسع شوية، ماهو مش معقول هخرج جيشي وأتوسع وأنتشر، ومركز الخلافة فيه تمردات كفيلة أنها تقلعني من جدري خالص، أبقي ماشي ساق كده من غير جدر مش معقولة، شوية هوا يطيروني.

مات "المنصور بنصر الله أبو الطاهر إسماعيل" سنة 341 هجري/ 953 ميلادي، وأتولي من بعده الخلافة الفاطمية، ابنه "المعز لدين الله أبو تميم معد بن المنصور أبي الطاهر" واللي كان عنده 24 سنة، وده بقي اللي جاب الناهية مع التمردات الداخلية في المغرب العربي، ومش بس كده ده حقق حلم أجداده في التوسع الخارجي. والحقيقة أن المكاسب دي كلها تنسب فضلها لقائد جيوشه "جوهر الصقلي".

كانت خطة "المعز لدين الله" اللي ميجيش بالدهب يجي بالسيف، والحقيقة الخطة دي كانت فعالة فعلا، بيها قدر يعمل صلح وتحالفات ويقضي علي تمردات وقوي بيها جيشه وعمله قاعدة بتزيد يوم ورا التاني من المناصرين له في كل البلاد، ورجع أسلوب الدعاة السريين القديم تاني اللي بتسبقه في المكان اللي عاوزه - وخصوصا علي مصر - وبقي له جواسيس وبصاصين برا وجوا، يعني بأختصار حزم الأمور كلها بسلاسل حديد في ايده. 

بعد ما قضي "المعز لدين الله" علي التمردات البربرية، بدأ بقي يزحف ناحية الشرق يمهد ملكه. أمر قائد جيوشه "جوهر الصقلي"بالتحرك، ففتح "سجلماسة"، وفضل ماشي لحد ما وصل البحر الأعظم ، وأصطاد منه سمك للخليفة، وفتح مدينة "فاس"و"سبتة"، وأسر ملوكهم وحطهم في قفصين لحد ما وصل بيهم ل "المهدية" وسلمهم ل"المعز لدين الله". يقال أنه أسر ملك "سبتة" بس لكن مقدرش يفتحها عشان كانت تابعة للخلافة الاموية في الاندلس.

ويقال برده أن "المعز لدين الله" بعد سلسلة أنتصاراته وفتوحاته، راودته نفسه أنه آن الأوان يوجه جيشه لمصر، لكن والدته طلبت منه يأجل الغزو لحد ما تطلع تحج في السر عشان علي الأقل تعرف ترجع لو حصل في الأمور أمور. وافق "المعز لدين الله" علي طلب أمه وحجب جيشه لحد ما ترجع بالسلامة من الحج. طلع أم "المعز لدين الله" في طريق قوافل الحج، وطبعا كان لازم تمر علي مصر اللي حاكمها "كافور الأخشيدي" اللي مفيش هاموشة بتعدي من تحت ايده الا وهو عارفها. أول ما دخلت الست "أم المعز" مصر، فوجئت بجنود "كافور" هالين عليها، وبعد ما أتخضت فوجئت أنهم مستقبلينها بالهدايا وشايلينها من ع الأرض شيل، وخدت واجبها من كرم ضيافة الملوك وزيادة حبة، لحد ما عدت وكملت رحلتها لأرض الحجاز. فلما رجعت بعد موسم الحج ل"المهدية" حكت لأبنها اللي حصل، وقالتله الراجل كريم وأكرمني، وأنت لا أبني ولا أعرفك لو خرجت جيشك ورحت مصر. وعشان بر الأم واجب، سمع "المعز" كلام أمه ومراحش مصر بجيشه، بس بعت الدعاة السريين زي ما قلت قبل كده، وبدأ الدعاة يروجوا لل"المعز" الطيب الحنين أبو قلب خصاية والدولة الفاطمية. وجنب لسان الدعاة الحلو في نشر الإسماعيلية، كان فيه برده الدهب والدنانير اللي بيزغلل العين ويفتح الأبواب. 

الغريب بقي أن وصلنا 3 دنانير مسكوكة بأسم الدولة الفاطمية، وعليها مكان السك في مصر، وعليها السنة 341 و 343 و 353 هجري، الموافق 952 و 954 و 964  ميلادية، ودي تواريخ قبل دخول الفاطميين أصلا، عشان "جوهر الصقلي" دخل مصر لأول مرة في 14 ربيع التانى سنه 358 هجري/ 6 مارس 969 ميلادي. وده معناه أن "المعز لدين الله" كان بيروج لدخول الفاطميين من قبل دخولهم بسنين في مصر، وكان عنده فنون الدعاية النفسية كمان لتهيأة المصريين لتقبل دخولهم المنتظر والأكيد، وبكده يزلل أي عواقب أو تصادمات محتملة.

(يتبع)  

مروة طلعت

27 / 5 / 2024

الجزء الأول

https://www.facebook.com/share/p/QAr1BJLtRE5vf8mq/?mibextid=oFDknk

الجزء التاني

https://www.facebook.com/share/p/JpWNfU6iD2RWv5j4/?mibextid=oFDknk

الجزء التالت

https://www.facebook.com/share/p/RE3dqs6dXnpbyhPQ/?mibextid=oFDknk

الجزء الرابع

https://www.facebook.com/share/p/ZUufD7LPtKAPGaZA/?mibextid=oFDknk

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

#الفاطميين

المصادر:

اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الخلفا (ج1) - المقريزي.

الكامل ج 8 - ابن الأثير.

سير أعلام النبلاء الطبقة (18 - 20) - الذهبي.

النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (ج4) - ابن تغري بردي.

الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد - د/ أيمن فؤاد سيد.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6