الليث بن سعد 4
(4) كان الامام "الليث بن سعد" ملياردير بمقاييس زمنا، كان وارث من والده أراضي ملهاش عدد في القليوبية والجيزة وبورسعيد ورشيد، وكانت أراضيه جنان الله في الأرض، بتطرح أحسن أنواع الزرع والفواكة، والخير بيجري بين ايديه أنهار. لكن أنت عارف أن الامام الملياردير "الليث بن سعد" لم تجب عليه زكاة أبدا طول حياته. "الليث بن سعد" كان زاهد وكريم جدا جدا جدا، فكان كل ما يوصله فلوس يتصدق بيها، واللي كان بيطلب منه حاجة كان بيديله منها ضعفين تلاتة، عشان كده فلوسه مكنتش بتوصل لنصاب الزكاة السنوية أبدأ، وعشان كده مكنش بيجب عليه زكاة. يقول "شعيب بن الليث": (قال أبي: ما وجبت علي زكاة قط منذ بلغت).
كان "الليث بن سعد" في كل صلاة وهو خارج من بيته رايح يصلي في المسجد، طول الطريق ده يكون تصدق علي 300 مسكين. يعني كان بيتصدق كل يوم علي 1500 مسكين.
كان كرم "الليث بن سعد" مش علي أهله في مصر بس، ده تعدي الحدود لأي حد بيبعتله من أي مكان يطلب مساعدة. فيه قصة مشهورة عن الامام "مالك بن أنس"، والمعروف أن الإمامين "الليث" و "مالك" كان بينهم مناظرات كتيرة في المدينة، وكانوا مقربين رغم بعد المسافة. في يوم وصل رجلين من مصر للإمام "مالك" وطلبوا الإذن في مقابلته، لكن الإمام "مالك" أمتنع عن مقابلتهم. فقال واحد للتاني: (ليس يشبه هذا صاحبنا)، سمعهم الإمام "مالك" فخرجلهم وسأل: (من صاحبكم؟). قالوا: (الليث بن سعد). شوف بقي كرم الاخلاق في الرد وصون المعروف، قال الإمام "مالك": (تشبهوني برجل كتبت إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ إلينا منه ما صبغنا به ثياب صبياننا، وثياب جيراننا، وبعنا الفضل بألف دينار).
وفي مرة كتب الإمام "مالك" رسالة ل الإمام "الليث" وقاله أن عليه دين 100 دينار، فبعتله الإمام "الليث" 500 دينار، وفضل يبعتله كل سنة زيهم. وفي مرة سافر الإمام "الليث بن سعد" للحج مع ابنه "شعيب"، ولما دخلوا المدينة، عرف الإمام "مالك" فحب يحييه، فبعتله طبق فيه تمر المدينة. وطبعا مننساش أ الإمام "الليث" مصري، والمصريين من يومهم لما حد يبعتلهم حاجة في طبق مبيرجعوش الطبق فاضي لازم يردوه مليان. أخد الإمام "الليث" التمر، ورجع الطبق للإمام "مالك" وهو فيه ألف دينار.
في يوم دخل الإمام "الليث بن سعد" جامع "عمرو بن العاص" فسمع شاب واقف بيخطب في جماعة من الناس، فعجبه كلامه. وبعد ما خلص خطبته بعتله رجلين يندهوه، فلما حضر قاله "الليث": (ما أسمك؟). قال الشاب: (منصور). قال "الليث": (إبن من؟). قال "منصور": (ابن منصور). قال "الليث": (أنت أبو السري؟). قال "منصور": (نعم). قال "الليث": (الحمد لله الذي لم يمتني حتي رأيتك). ونده علي جاريته تجيبله كيس فيه ألف دينار، وقاله: (يا أبا السري، خذ هذا لك وصن هذا الكلام أن تقف به علي أبواب السلاطين، ولا تمدحن أحدا من من المخلوقين بعد مدحتك لرب العالمين، ولك علي في كل سنة مثلها).
يعني الإمام "الليث" بيوصيه أن يحفظ الله وكلامه، وميستغلوش في نفاق أو يكون عون للسلاطين في ظلمهم للرعية بإسم الدين.
لما "الليث" أعطي "منصور" الفلوس، "منصور" أمتنع وقاله: (رحمك الله، إن الله قد أحسن إلي وأنعم). قال "الليث": (لا ترد علي شيئا أصلك به).
الإمام "الليث" هنا كان عنده حكمة، خاف من شاب زيه له لسان فصيح وحجة قوية أن حد يستغل حاجته للفلوس أو يطمعه، فيكون أداة ضلال، فسارع بأنه يسد المدخل ده.
وبعد أسبوع قابل "الليث" الشاب "منصور" تاني، قال "الليث": (أذكر شيئا). فتكلم الشاب، ومن جمال وعظته بكي الإمام "الليث" وقبل ما يقوم الشاب ويمشي أعطاه الإمام 500 دينار تانية، ولما الشاب أمتنع، برده قاله الإمام "الليث": (لا تردن علي شيئا أصلك به).
وبعد أسبوع حضر الشاب عشان يودع الإمام لأنه طالع الحج، وبرده الإمام طلب منه يسمع موعظه، فسمعها وبكي، وراح مطلع 300 دينار وقاله دول عشان حجتك. ونادي علي جاريته وقالها: (يا جارية، هاتي ثياب إحرام منصور). راحت الجارية ورجعت بشنطة فيها 40 ثوب إحرام. قال "منصور": (رحمك الله، أكتفي بثوبين). قال "الليث": (أنت رجل كريم ويصحبك قوم فأعطهم). وسكت شوية وبعدين قاله والجارية دي كمان خدها.
"الليث بن سعد" عاصر دولتين أتولد أيام "سليمان بن عبد الملك الأموي" ومات أيام "هارون الرشيد العباسي". وطبيعي الدولة الجديدة لما بتحكم بتفرض سيطرتها وتمحي أعوان الدولة اللي قبلها. عشان كده العباسيين كانوا بيطاردوا الأمويين ويخلصوا عليهم. ومن ضمن الأمويين كان "أسد بن موسي" اللي هرب علي مصر يستخبي، وأول ما وصل مصر دخل جامع "عمرو بن العاص" وكانت هيئته مع السفر والهروب والتخفي في حالة صعبة، هدومة قذرة ومقطعة وشعره منكوش ومترب، عزيز قوم ذل يعني. دخل "أسد بن موسي" الجامع في لحظة ما كان "الليث بن سعد" في جلسة مع تلاميذه. فلما خلص المجلس وقام الناس، فقام معاهم "أسد" عشان محدش يشك فيه. لكن لحقه واحد من خدام "الليث" وقاله الإمام عاوزك، ودخله في زاوية كده مخفية لوحده.
جاله الإمام "الليث" وهو طبعا ميعرفش مين ده بس اللي فهمه من هيأته وشكله أنه عابر سبيل مش من أهل البلد. أعطاه "الليث" صرة فيها 100 دينار وقاله: ( أصلح بهذه النفقة أمرك، ولم شعثك). طلع "أسد" من جيبه صرة فيها ألف دينار، وقاله هو يبقي مين وإيه نسبه وسبب شكله. فلما عرف أنه مش محتاج الفلوس قاله تبقي الفلوس دي صلة مش صدقة، لكن "أسد" أصر علي الرفض وقاله بعزة نفس: (أكره أن أعود نفسي عادة وأنا عنها غني). قال "الليث": (فأدفعها إلي بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقا لها). من الواضح من كرم وجود الإمام "الليث بن سعد" أنه مكنش يحب أبدا يرجع الفلوس اللي خرجتها إيده لله. عشان كده من كتر إلحاح "الليث" أضطر "أسد" ياخدهم وفرقها علي الناس وهو ماشي.
ومن طبع "الليث بن سعد" في كرمه، أنه لو جاله طالب علم من سفر، كان بيعتبره واحد من عياله وينفق عليه زي ما بينفق علي عياله، وتخيل بقي طلاب العلم اللي بالشكل ده عند "الليث بن سعد" أد ايه. ومش بس الطلاب اللي كان بيعمل معاهم كده، ده كمان شيوخ ورجال الحديث، وكأن لسان حاله بيقول تفرغوا للعلم وميشغلكوش أمور الدنيا أنا كفيل بيها. فلما أحترقت مكتبة صديقه الإمام "ابن لهيعة" - أتكلمنا عنه الجزء اللي فات - بعتله ألف دينار عشان يشتري كتب جديدة.
وكان مشهور عن الإمام "الليث بن سعد" أنه كمان بيطلع من صدقاته الأكل، فكان بيخرج في الشتا الهريسة بعسل النحل وسمنة البقر، وفي الصيف يطلع حلويات باللوز والسكر. حتي الأكل اللي بيطلعه كان بيراعي فيه أحتياج الجسم في كل فصل.
في يوم جاءت أمرأة للإمام "الليث بن سعد" تطلب منه شوية عسل نحل. فنده علي خادمه وقال: (ياغلام أعطها مرطا من العسل). والمرط مقداره 120 رطل، والرطل تقريبا نص كيلو، يعني أعطاها تقريبا 60 كيلو عسل. فبص الغلام لقي في ايدها طبق صغير علي أد ماهي عاوزة، فقال الغلام: (أنها تطلب قليلا من العسل). قال "الليث": (إنها تطلب علي قدرها، ونحن نعطيها علي قدرنا).
كان الإمام "الليث بن سعد" كريم جدا، رقيق النفس والقلب، هين لين قريب من الناس، مقصد كل محتاج، رحيم بالناس يحب يوسع عليهم ويقضي حاجاتهم. وكما قال دكتور "أحمد علي سليمان" في كتابه: (إن كان العرب قد جعلوا حاتم الطائي مضرب المثل والجود والكرم، فإن الليث بن سعد أحق بذلك منه).
(يتبع)
مروة طلعت
16 / 4 / 2024
الجزء الاول
https://www.facebook.com/share/p/5uLurV1dtzovwdSK/?mibextid=Nif5oz
الجزء الثاني
https://www.facebook.com/share/p/bR131BXGf7GkMzqP/?mibextid=Nif5oz
الجزء الثالث
https://www.facebook.com/share/p/vSt5nCshvSoJJvDK/?mibextid=Nif5oz
#الليث_بن_سعد
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
سير أعلام النبلاء الطبقة السابعة - الامام الذهبي.
أئمة الفقة التسعة - عبد الرحمن الشرقاوي.
الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية - ابن حجر العسقلاني.
الليث بن سعد فقيه مصر - دكتور السيد أحمد خليل.
الليث بن سعد الفقيه والمحدث والانسان - دكتور أحمد علي سليمان.
تعليقات
إرسال تعليق