بعد الطوفان (ريفيو)

أنتهيت من قراءة رواية بعد الطوفان للكتاب الأستاذ شريف بحيري في طبعتها الأولي الصادرة عن دار اسكرايب بعدد صفحات 259 صفحة.
الحقيقة شعرت بالحيرة في تصنيف رواية بعد الطوفان، لأن في بدايتها قد يخيل للقارئ أنها رواية تاريخية فلسفية ولكن في النهاية تكتشف أنها رواية فانتازيا تاريخية مغلفة بطابع فلسفي أو إسقاطي. أحداث الرواية قائمة علي صراع الخير والشر، الحق والباطل. الكاتب رصد في روايته دورة حياة آدم وبنوه منذ بدء الخليقة، وتطور بني آدم المكرم من الله عز وجل من الإيمان إلي العصيان واتباع وسوسات الشيطان. 

المقصود بالطوفان في الرواية هو طوفان سيدنا نوح عليه السلام، ولكن معني الطوفان أعم وأشمل من ذلك فهو موجة التغيير الجذري وغلبة الحق علي الباطل، فكان هناك نوعين من الطوفان في الرواية، الأولي كانت طوفان نوح وتطهير الأرض من الدنس والكفر وبدأ تعميرها من جديد علي مبادئ الإيمان والتوحيد. ويأتي هنا السؤال لماذا يتغير البشر؟ لماذا أبتعد نسل المؤمنون عن ايمانهم؟ لماذا ينجس الثوب الابيض الطاهر من جديد؟ هل لأنه إنسان ينسي؟ أم لأن غروره وطمعه يحركه؟ أم لأن وسوسات الشيطان أكبر منه؟. الانسان غالبا ما يرفض اليقين ويبحث عن الأوهام حتي يقع في الضلال. 

بعد عرض تسلسل البشرية من آدم حتي نوح، ومن نوح حتي تفرق الشعوب والقبائل في الأرض. يأخذنا الكاتب إلي مركز أحداث روايته في أرض اليمامة أيام الجاهلية والصراع ما بين قبيلة جديس وطسم. وكما توقعت من أسم اليمامة فبطلة قصتنا هنا هي عنز زرقاء اليمامة، تلك الفتاة التي أشتهرت بما وهبها الله بقوة رؤيتها وحدة بصرها، فكانت تري القافلة علي بعد 3 ايام. 
فانتازيا الرواية هنا أنها ربطت الحاضر بالماضي عن طريق فتاة الحاضر روفان وجدها الذي كشف لها سر عائلتهم وأعطاها فرصة السفر عبر الزمن لتجد نفسها بجوار زرقاء اليمامة وسط صراع القبائل لتتحقق بما كان في الماضي.

في أرض اليمامة احتدم الصراع بين الحق المتمثل في زرقاء اليمامة وشموس والمعلم ابن ربيعة وعابر والأسود بن عفار أمام الباطل المتمثل في عمليق وأيهم والكاهن بليعال والعراف أنمار ورياح بن مرة. عمليق الذي أغتصب ملك اليمامة بنبوءة من العراف أنمار وكلام الكاهن بليعال الذي استغل جهل الناس وبعدهم عن الإيمان وأخذ الأرض من أصحابها أهل جديس بالقوة، بل أنه تفنن في قهر وإذلال أصحاب الحق الأصليين من أهل جديس، ولكن حكم عمليق وزواله كان مرهون بنبوءة معينة وكان ملكه ينهار ويتهاوي وتسير النبوءة في طريقها لزوال ملكه أمام عينيه، أعتقد الحكاية من بين سطورها أسقاط قوي لما يحدث في واقعنا الحالي لأرض حبيبة شبيهة بأرض اليمامة. ثم جاء الطوفان الثاني.

الرواية بدايتها كانت بطيئة حاول الكاتب أن يوضح فكرته بالتسلسل الزمني للبشرية ويرسم خط سير البشر وتفريعها لشعوب والقبائل ولكنها أخذت منه كتابة أكثر من اللازم في الوصف والتعبير عن فكرته وهدفه كان يمكن اختصارها لأن الرواية الأصلية أهم وأقوي. من الفصل السادس ظهرت الأحداث وتوالت بخطوات جيدة وأحداث أسرع من المقدمة، ثم تشابكت خطوط وأفرع الرواية ونجحت في جذب أهتمامي وقراءتي لها بشكل مشوق. فكل فصل كان هناك أحداث جديدة وحلول لبعض الألغاز. أعجبتني فكرة الرواية وتمكن الكاتب من صياغة أحداثها وربط الواقع بالخيال، وبراعته في ربط الماضي بالحاضر.

أعجبني أيضا تمكن الكاتب من قلمه وأسلوب سرده فجاءت عباراته رشيقة بالفصحي التي تناسب أجواء الماضي والحاضر معا. وأعجبني أجواء الرواية ورسمه لتفاصيلها وكأنها صور متحركة أمام عين القارئ لأرض اليمامة وقلعتها وحراسها وجيشها وأسودها وكاهنها وشعائرهم الدينية، جو ساحر وجاذب للقراءة. 

رواية بعد الطوفان رواية جيدة للقراءة وتبشر بقدوم كاتب له رؤية وانتقاء لأفكار جيدة للكتابة. 

مروة طلعت
1/2/2024
#عايمة_في_بحر_الكتب
#ريفيوهات_مروة_طلعت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا