الحسن بن الصباح 7 (الحشاشين) والأخير

 الحشاشين 7 والأخير ...

توفي السلطان السلجوقي "محمد تبار بن ملكشاه" سنة 1118م. وبوفاته أنسحب الجيش المحاصر لقلعة ألموت في لحظة ما كانوا خلاص الاقتحام وشيك والنصر علي الأبواب.

بعد موت السلطان "محمد" ، أخد العرش من بعده ابنه وأصبح السلطان "محمود الثاني بن محمد بن ملكشاه" اللي قعد في الحكم 13 سنة كانوا من أسوأ الفترات اللي مرت علي دولة السلاجقة. قال المؤرخون أن فترة حكم السلطان "محمود الثاني" كانت مليانة بالفوضي والتمردات والصراعات الداخلية والتفكك في قلب الدولة السلجوقية، وصراعات خارجية كتيرة أدت لظهور الدولة الزنكية علي حساب ضعف الدولة السلجوقية. وبسبب صراعات السلطان "محمود الثاني" الخارجية أتسبب في قتل الخليفة العباسي "المسترشد بالله".

في بداية حكم السلطان "محمود الثاني" ثار وتمرد عليه أخوه الأصغر "أبو الفتح مسعود ابن محمد بن ملكشاه" وطالب بالعرش، وحصل تفكك جديد في الدولة السلجوقية وانقسم الأمراء بينهم، وقامت الحروب، حرب ورا التانية، وأنضم الخليفة العباسي "المسترشد بالله" وأخد صف السلطان "محمود الثاني". وفي حرب من الحروب أنتصر "مسعود بن محمد" علي جيش العباسيين وأسر الخليفة العباسي "المسترشد بالله" ذات نفسه وحطه في السجن.

في وقت الهرج والمرج ده، والتفكك والضعف، "حسن بن الصباح" وطائفته شموا نفسهم، وقدر يلم شملهم تاني ويقوي نفسه وحصونه من تاني ويمكن أقوي من الأول. ومع الصراعات والأنقسامات بتبقي التحالفات من تحت الترابيزة متاحة، وعلي مبدأ المصالح بتتصالح قدر "الحسن بن الصباح" يقوي علاقاته مع بعض فرق السلوجيقيين، وظهرت بمظهر الطائفة الهادية المتسامحة اللي في حالها، ماهو طبيعي السلوجيقيين بياكلوا في بعض هيعملوا ايه غير تقوية نفسهم داخليا بهدوء وراحة واطمئنان ويقعدوا يتفرجوا علي أنهيار أعداءهم. ومن هنا أخدوا الاعتراف السياسي بوجودهم، وظهرت الولايات والإمارات الإسماعيلية على شكل دول مستقلة.

لما أتأسر الخليفة العباسي "المسترشد بالله"، قرر "مسعود بن محمد" العفو عنه، لكن قائد الجيش كان له رأي تاني وإستعان ب"حسن بن الصباح"، وفعلا أتقتل الخليفة "المسترشد بالله" في معتقله علي ايد الاسماعيلية.

أتكلمنا قبل كده وقلنا أن طائفة الاسماعيلية النزارية بتاعة "حسن بن الصباح" في مذهبهم كان إمامهم هو "نزار بن المستنصر بالله الفاطمي" ولو راجعت الجزء الرابع من السلسلة هتفهم أكتر الصراع والتحول اللي حصل. كان الوزير "الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي" هو ألد أعداء فكر وعقيدة الاسماعيلية النزارية، لأنه هو في الأصل اللي منع "نزار" من حقه في العرش الفاطمي، وحط بداله أخو "نزار" الصغير "أحمد المستعلي" سنة 1094م، واللي يبقي في نفس الوقت ابن أخت "الأفضل"، وهو برده اللي سجن "نزار" وأتسبب في موته جوا السجن. في سنة 1101م بيموت "أحمد المستعلي" فبيسارع "الأفضل" أنه يحط علي العرش الفاطمي "الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي" عشان يضمن سيطرته علي أمور الحكم. وفي سنة 515 هجري 1121م بيتمرد الخليفة الفاطمي "الآمر بأحكام الله" علي وزيره وولي نعمته "الأفضل شاهنشاه" ويتحالف علي قتله، ويوم عيد الأضحي بيتم قتل الوزير القوي"الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي" ويحبس كل أولاده وياخد كل ثروته. لكن اللي محسبش حسابه "الآمر" في عملته دي أن "الأفضل" كان حايش عنه مصايب كتير مكنش دريان بيها في قصره، ومن بعد "الأفضل" البلد أتقلبت فوضي.

لما وصلت الأخبار ل "الحسن بن الصباح" في قلعة ألموت بموت "الأفضل شاهنشاه" طار من الفرحة، وسرب إشاعات أن هو اللي قتل "الأفضل" لكن ده كدب لأن القاتل كان "الآمر". ومن فرحة "حسن بن الصباح" عمل أحتفالات كبيرة في القلعة لمدة 7 أيام. لكن اللي عكر فرحته رسالة بعتهاله الخليفة الفاطمي "الآمر بأحكام الله" بيطلب منه الرجوع عن فكرة إمامة "نزار بن المستنصر" ويخليه معاه. والرسالة دي خلت طائفة "حسن بن الصباح" تتقلب علي الفاطميين أكتر والعداوة بينهم زادت.

  حكايات "الحسن بن الصباح" وأغتيالات طائفته المفزعة لينا، كانت في وقتها بالنسبة للعامة بطولة وفداء، وده بسبب أن الناس مكبوتة من الحكام، فلما يسمعوا أن إسماعيلي قتل واحد منهم بالتأكيد هيفرحوا ويقولوا اسم الله عليه بن الصباح أسم الله عليه. "الحسن بن الصباح" بالنسبة للعوام كان بطل شعبي وكمان أسطوري ولا أبو زيد الهلالي. الناس من طبعها وخصوصا البسطاء منهم همها أمانهم الحالي واستقرار أوضاعهم، وعشان كده بيمشوا ورا اللي يغريهم بالحلم ده. بأغتيالاته كان بينفس طاقة الغضب عن الناس، وبالتالي شافوه علي أنه المنقذ. وطالما أنت المنقذ يبقي كل اللي بتقوله صح وأحنا نقول أمين. وعشان كده دعوته للأسماعيلية النزارية أنتشرت بسرعة جدا.

 قال "ابن كثير" عنه: "أول قلعة ملكوها فى سنة ثلاث وثمانين، وكان الذى ملكها الحسن بن صباح، وكان قد دخل مصر وتعلم من الزنادقة (يقصد الفاطميين) الذين بها، ثم صار إلى تلك النواحى ببلاد أصبهان، وكان لا يدعو إليه من الناس إلا غبيا جاهلا لا يعرف يمينه من شماله، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز (الحبة السوداء) حتى يحرف مزاجه، ويفسد دماغه، ثم يذكر له أشياء من أخبار أهل البيت، ويكذب له من أقاويل الرافضة الضلال أنهم ظُلموا وُمنعوا حقهم الذى أوجبه الله لهم ورسوله، ثم يقول له فإذا كانت الخوارج تقاتل بنى أمية لعلى، فأنت أحق أن تقاتل فى نصرة إمامك على بن أبى طالب، ولا يزال يسقيه العسل وأمثاله ويرقيه، حتى يستجيب له ويصير أطوع له من أمه وأبيه، ويظهر له أشياء من المخرقة والنيرنجيات (السحر) والحيل التى لا تروج إلا على الجهال، حتى التفّ عليه بشر كثير وجمع غفير".

ومن هنا جه زرع العقيدة في نفوس الناس، وتحول الأمر لفداء المعتقد والعقيدة واللي بتمثلها جماعة "الحسن بن الصباح" بالروح والدم حرفيا مش شعارات. وده اللي وضحه "أبن كثير" لما كمل كلامه وقال: "بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده وينهاه عن ذلك، وبعث إليه بفتاوى العلماء، فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول قال لمن حوله من الشباب: إنى أريد أن أرسل منكم رسولاً إلى مولاه فاشرأبت وجوه الحاضرين ثم قال لشاب منهم اقتل نفسك، فأخرج سكيناً فضرب بها غلصمته (حلقومه)، فسقط ميتاً، وقال لآخر منهم: ألق نفسك من هذا الموضع فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطع، ثم قال لرسول السلطان: هذا الجواب! فمنها امتنع السلطان من مراسلته" الموضوع مرعب لكن منطقي وبيحصل في كل زمن، أدام الأمر مس الايمان والعقيدة يبقي فعلا الانسان مش باكي علي حاجة.

نيجي بقي لأهم نقطة، أحب أصدمك وأقولك أن طائفة "الحسن بن الصباح" مسمهاش الحشاشين. أسمهم الاسماعيلية النزارية الفداوية الباطنة، ده الاسم اللي اتعرفوا بيه طول ال 200 سنة اللي رعبوا فيها العالم. طب إيه حكاية الحشاشين دي وجت إزاي؟!

الحشاشين بعد "حسن بن الصباح" كان ليهم صدامات وتحالفات مع الصليبيين، يعني أتحالفوا مع الأمير "ريمونت" ضد السلطان "عماد الدين زنكي" مؤسس الدولة الزنكية واللي نشأ فيها "صلاح الدين الأيوبي. ولما متفقوش مع بعض أتقلبوا علي "ريمونت" ذات نفسه وقتلوه. فالصليبيين حسوا أنهم بيتعاملوا مع أشباح، حاجة كده بالنسبة لهم كفرق مرتزقة وبتدور علي المجد والفلوس والكنوز ميفهموهاش، لأنهم قصاد فرقة بتحارب وجواها عقيدة أخر حاجة في دماغهم الفلوس والدنيا - "حسن بن الصباح" نفسه كان مشهور عنه الزهد - فبالنسبة للصليبيين الناس دول أكيد معمرين الطاسة مش طبيعيين مش في وعيهم، ده التفسير الوحيد المقنع ليهم بناء علي أسلوب حياتهم. وطلعت أشاعات أتسجلت في كتبهم وكتب المستشرقين - وبالتحديد كتاب ماركو بولو اللي أتولد بعد حرق قلعة ألموت أساسا والقضاء عليهم - أن "حسن بن الصباح" كان عامل في قصر ألموت حدائق كأنها جنة وجواري في منتهي الجمال، وبياخد الاسماعيلي الفيداوي اللي هينفذ مهمة يشربه الحشيش، ويوهمه أنه وداه لمكانه في الجنة، ويستمر مفعول الحشيش في دماغه وهو بينفذ مهمته.

لو رجعت قريت الجزء اللي فات هتلاقيني موضحة أن السلطان "محمد بن ملكشاه" عمل حرب استنزاف للموارد وحاصر واقتحم القلاع اللي فيها مزوعات وأغذية بتوردها لقلعة ألموت، عشان القلعة علي ربوة عالية جدا وبتغطيها التلج 7 شهور في السنة، فموضوع الزراعة فيها غير متوفر أغلب السنة يبقي ازاي فيها حدائق وجنان وأنهار وهي متجمدة أصلا.

نرجع لأصل الاسم فيه أراء بتقول أن الصليبيين كانوا بينطقوا أسم إسماعيلي ب "أساسان" ومن شدة خوفهم ورعبهم دخلت الكلمة في مفردات اللغة وأتحولت ل Assasins بمعني قاتل محترف أو قاتل مأجور. نطلع من كل الكلام ده أن أسم الحشاشيين صنيعة غربية صليبية مش أسمهم علي الاطلاق.

في سنة  518 هـ/1124 م، بيمرض "حسن بن الصباح" وبيحس بأقتراب أجل، فبيوصي أن يكون خليفته رفيقه وأقرب الناس ليه "بزرجميد". وفي يوم  7 ربيع الثاني 518 هجري، 23 مايو 1124م بيموت "حسن بن الصباح" شيخ الجبل وهو قاعد بيكتب في مؤلفاته وكتبه في قلب قلعة ألموت في سن 87 سنة، لأخر لحظة كان ذهنه وعقله حاضر، بيفكر وبيكتب ويألف ويخطط. ودفن في مقبرته قرب قلعة ألموت في محافظة قزوين الواقعة  شمال غرب إيران حاليا. 

مات "حسن بن الصباح" وساب مكتبة ضخمة من مؤلفاته وصل لينا منهم كتاب "سر كذشت سيدنا" ومعناه "سيرة حياة سيدنا" ملاه "الحسن" نفسه على تلامذته، ترجمه "عطا الملك الجويني" المؤرخ مؤلف كتاب "تاريخ فاتح العالم". أنسدل الستار علي حياة "حسن بن الصباح" لكن فضلت الستار مفتوحة علي طائفته لحد ما قضي عليهم التتار وأحتل هولاكو قلعة ألموت - لا يفل الحديد الا الحديد والقوي جاله الأقوي منه - وأحرق القلعة وهدمها. وفي سنة 1273، كمل عليهم السلطان المملوكي "الظاهر بيبرس" وكسر شوكتهم الي تماما.

مروة طلعت

19 / 2 / 2024

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

دولة النزارية - طه شرف.

حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي - د/ محمد عثمان الخشت.

طائفة الإسماعيلية تاريخها، نظمها، عقائدها - د/ محمد كامل حسين.

الدولة الفاطمية في مصر سياستها الداخلية ومظاهر الحضارة في عهدها - د/ محمد جمال الدين سرور.

الكامل في التاريخ ج9 - ابن الأثير.

البداية والنهاية ج 16 - ابن كثير.

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - ابن الجوزي البغدادي.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا