الحسن بن الصباح 6 (الحشاشين)

الحشاشين 6 ...

مات السلطان السلجوكي "بركياروق" سنة 1105م. ولما سألوه عن السلطان من بعده، قال ابني "ملكشاه". الحقيقة أن "بركياروق" كان عارف أن أبنه اللي عنده 4 سنين لا يصلح للحكم، والأصلح هو أخوه الكبير من بعده "محمد تبار بن ملكشاه"، لكن بسبب صراعاتهم مع بعض علي الحكم خاف أن "محمد تبار" يستفرد بالحكم ويطلع أبنه من المولد بلا حمص، عشان كده أختارالأمير "جلال الدين إياز السلجوقي" واحد من كبار رجال القصر السطاني بتاعه، يكون وصي علي عرش أبنه الطفل "ملكشاه التاني بن بركياروق". كان معروف عن الأمير "إياز" أنه رجل صالح تقي دايما يسعى لخير الناس، ومبيحبش لا الدسائس ولا الوشايات. وعشان الأسباب دي أختاره "بركياروق" لضمان أنه ميخدش العرش من أبنه، بس الغريب أنه لنفس السبب ده لما "محمد تبار" دخل عليه، فضل الأمير "إياز" أنه يقصر الشر وسلمه السلطنة بيضة مقشرة وكفي الله المؤمنين شر القتال.

أخيرا أتحقق الحلم اللي صارع عليه سنين وأصبح "محمد تبار بن ملكشاه" السلطان السلجوقي الجديد والرسمي، وسيطر علي كل بلاد الدولة السلجوقية ما عدا خراسان اللي سابها عن طيب خاطر في أيد أخوه الأصغر - رغم أنه كان أعقلهم - "أحمد سنجر بن ملكشاه".

السلطان "محمد تبار" كان حاطط طائفة "حسن بن الصباح" في دماغه، لأنها كانت أكبر أعدائه، هم العفن اللي بيحلل جسد الدولة السلجوقية وأي بلد إسلامية سنية. ومن هنا أنفتحت أبواب الجحيم الفعلية علي الإسماعيلية النزارية.

يوم 2 ابريل سنة 1107م، هجم جيش السلطان "محمد تبار" بقيادته علي قلعة أصفهان، واحدة من قلاع "حسن بن الصباح" وطائفته الاسماعيلية النزارية، وتم محاصرتها. وبعد مدة حصار قليلة، الاسماعيلية اللي في القلعة أنقسموا لرأيين، الرأي الاول كان التسليم وعقد معاهدة مع السلطان "محمد تبار" علي شرط خروجهم سالمين فالخسارة القريبة أحسن من المكسب البعيد، والرأي التاني كان رأي زعيم القلعة "أحمد بن عبد الملك بن عطاش" و 80 اسماعيلي معاه اللي رفضوا التسليم والدفاع عن القلعة لأخر نفس. أصحاب الرأي الأول قالوا لزعيم القلعة منعطلكش ومعاك ربنا، وبعتوا رسالة للسلطان "محمد تبار" برغبتهم في التسليم بشرط يأمنهم علي حياتهم ويسيبهم يمشوا لحال سبيلهم. السلطان "محمد تبار" وافق، ووقف بجنوده المحاصرين القلعة يتفرجوا علي الاسماعيلية وهم خارجين من القلعة بعد ما سلموا أسلحتهم ويادوب شالوا رؤوسهم سليمة علي كتفهم وخدوها مشي لحد معسكرات ومعاقل الاسماعيلية التانية. أما بالنسبة لزعيم القلعة "أحمد بن عطاش" واللي معاه، فضلوا يقاتلوا الجيش السلجوقي من جوا القلعة ويدافعوا بكل قوتهم، لكن مهما كان القوة بتغلب الشجاعة. الجيش السلجوقي هجم علي القلعة ومخدتش في ايديهم غلوة كان كل ال 80 الموجودين قتلي، وأتقبض علي "أحمد بن عطاش" وأتساق في زفة من الذل والمهانة للفرجة والضرب وهو معدي وسط الناس في أصفهان، ومن بعدها أتحكم عليه بسلخ جلده كله وهو حي، ولما مات قطعوا راسه بعتوها للخليفة العباسي في بغداد. ورجعت قلعة أصفهان في ايد السلاجقة تاني بعد استيلاء الاسماعيلية عليها طوال 12 سنة.

في نفس السنة 1107م، طلب "أحمد بن نظام الملك" - ابن الوزير العظيم وأول ضحايا "حسن بن الصباح" - يقابل السلطان "محمد تبار" عشان يشكي من تعسف وظلم والي مدينة همدان. أول ما شافه "محمد تبار" وكأنه فجأة أفتكر "نظام الملك" وأولاده، فقله سيبك من همدان وخليك في أصفهان ده أنت جيت في وقتك، وعينه فورا وزير له علي مبدأ هذا الشبل من ذاك الاسد. 

وأول ما أخد كرسي الوزارة سلمه مهمة قيادة حملة علي معاقل الاسماعيلية النزارية في رودبار وغيردكوه. الحملة اللي قام بيها الوزير "أحمد بن نظام الملك" علي قلعة رودبار كسرت جامد من قوة وتسليح الاسماعيليين فيها وأضعفتهم رغم أنها منجحتش في اقتحامها.

وفي سنة 1108م حاول السلطان "محمد تبار" يهجم علي القلعة الأم، قلعة ألموت اللي فيها "حسن بن الصباح" ذات نفسه. وطبعا أكتشف بنفسه أن القلعة دي حصينة جدا ومستحيل أقتحامها. فكر السلطان "محمد تمار" وقرر أن أحسن حل مع الاسماعيليين هي حرب الاستنزاف. وده معناه أضعاف موارد وذخائر وجنود العدو من غير الاشتباك المباشر، حرب شوارع أضرب وأجري وأرجع لف وأضرب تاني وأجري لحد ما يكسر كل أنظمتها ويهدها تدريجيا. درس السلطان مع وزيره وقواد جيشه الوضع للطائفة، عرف أن قلعة ألموت علي ربوه عالية أوي بيغطيها التلج أغلب الوقت، وبالتالي البساتين اللي فيها لا تصلح للزراعة طول الشتا وأغلب أيام السنة وبيعتمدوا في موارد غذائهم علي محاصيل قلعة رودبار. يقول المؤرخ "أبو المعالي عبد الملك الجويني" - واحد من أبرز مؤسسي المدارس النظامية اللي أتكلمنا عنها في الجزء التاني أيام الوزير العظيم "نظام الملك" - عن الوقت ده: "لثماني سنوات متوالية كانت القوات تأتي إلى رودبار وتدمر المحاصيل ويشترك الجانبان بالقتال". نجحت خطة السلطان "محمد تبار" وأصاب الاسماعيليين بالقحط والجوع وأنهيار العزايم والقوة. وهنا كانت الفرصة الكبري لجيش السلطان "محمد تبار" بقيادة قائد جيوشه "شيرجير" في محاصرة حصون وقلاع الاسماعيلية اللي أبتدت تقع وتنهار واحدة ورا التانية.

وفي 13 يوليو سنة 1117م، حاصر الجيش السلجوقي قلعة ألموت للمرة التانية، بس المرة دي كانت غير المرة اللي فاتت، كانت معظم أجنحة "حسن بن الصباح" أتكسرت، وقواته هلكانة من الجوع وكمان حصار وضرب بالمنجنيق.       

 فضل حصار قلعة ألموت قائم لحد أبريل سنة 1118م، ووصل الحال ب "حسن بن الصباح" أنه خلاص شاف نهايته ونهاية حلمه وطائفته بعينيه. وكان فاضل علي اقتحام جيش السلاجقة لقلعة ألموت تكة، لكن القدر قال كلمته المرة دي كمان لمصلحة "حسن بن الصباح" لما طارت الأخبار ووصل للجيش السلجوقي خبر وفاة السلطان "محمد تبار بن ملك" بشكل مفاجئ وغريب. وفجأة أنسحب الجيش السلجوقي وأتفك الحصار من علي قلعة ألموت بطريقة غريبة جدا، أتسببت في خيبة الأمل لكل العالم الاسلامي بعد ما كان خلاص هيتم محو "حسن بن الصباح" وطائفته الي الابد. وأنكتب عمر جديد ورعب جديد للطائفة الملعونة.

كان فيه سر ورا التحول المفاجئ الغريب ده، فلو كان السلطان "محمد تبار" أستاذ وحريف تكتيك وحروب، ف "حسن بن الصباح" أستاذ ورئيس قسم في المؤامرات والدسائس وزرع جواسيسه النائمين المتخفيين في قلب البلاط السلجوقي واللي بيظهروا في الوقت المناسب. 

الوزير "أحمد بن نظام الملك" مقعدش كتير في كرسي وزارته، عشان السلطان "محمد تبار" أكتشف أن الابن مش دايما شبيه أباه، وجه في أخر أيام حكم السلطان "محمد تبار" الوزير "قوام الدين نصير الدرجازيني". المؤرخ وأستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة برنستون ببريطانيا "بردناند لويس" في كتابه عن الحشاشين، أتكلم عن الموت الغامض للسلطان "محمد تبار" وأتهم الوزير "الدرجازيني" أنه أصلا كان واحد من الاسماعيلية المتخفيين جوا بلاط القصر السلجوقي وده له أسبابه عنده فقال: "إنه هو الذي دبر انسحاب جيش شيرجير من ألموت وبذلك أنقذ الإسماعيليين في آخر لحظة، كما أنه حرض السلطان الجديد محمود ضد شيرجير فألقى به في السجن وقتله، وقد أُتهم الدرجازيني بعد ذلك بالتآمر في عدة اغتيالات أخرى؛ مما جعل أصابع الشك تتجه إلى أنه لعب دوراً في وفاة السلطان محمد المفاجئة". ومع معرفة شخصية الصباح ودماغه هنلاقي أن كلام "لويس" جايز ومنطقي.

مات السلطان السلجوقي "محمد تبار بن ملكشاه" سنة 1118م وعمره 36 سنة، وخلفه علي العرش أبنه صاحب ال 13 سنة "مغيث الدين أبا القاسم محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي" أو "محمود الثاني". وللحديث بقية ...

 (يتبع)

مروة طلعت

17 / 2 / 2024

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

دولة النزارية - طه شرف.

حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي - د/ محمد عثمان الخشت.

طائفة الإسماعيلية تاريخها، نظمها، عقائدها - د/ محمد كامل حسين.

الدولة الفاطمية في مصر سياستها الداخلية ومظاهر الحضارة في عهدها - د/ محمد جمال الدين سرور.

الكامل في التاريخ ج9 - ابن الأثير.

البداية والنهاية ج 16 - ابن كثير.

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - ابن الجوزي البغدادي.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا