الحسن بن الصباح 3 (الحشاشين)

الحشاشين (3) ...

من سنة 1801م، عاش "حسن بن الصباح"مقرب من الوزير السلجوقي العظيم "نظام الملك"، وهو خادعه ومفهمه أنه سني شافعي. "نظام الملك" شايف فيه أنسان تقي وورع ومتدين وحكيم، النوع اللي بيفضله وبيقربه ليه من الرجال، وفي السر كان "حسن بن الصباح" أشد أعداء نظام الملك" والدولة السلجوقية والمذهب السني كله عموما. "حسن بن الصباح" أخد الأمان من "نظام الملك" وأخد عطاياه وهباته اللي كان بيفرقها علي العلماء وطلاب العلم بأعتباره واحد منهم، وأنطلق يلف في كل القري والصحرا يدعوا للمذهب الاسماعيلي الباطني الشيعي، والكارثة أنه قدر يقنع ناس كتير وخصوصا الشباب حديثي السن اللي كلهم قوة وحماس وعصبية ، وأنضموا لدعوته وأعتبروه إمامهم، وبقي معاه عصبة من الرجال، وبدأت قوته ونفوذه يقوي وكلمته مسموعة بين الفلاحين والبدو.

"حسن بن الصباح" مكنش شغال في الدعوة للإسماعيلية وماشي كده علي الله، ده كل خطوة كانت بحساب وعارف حاطط رجله فين والخطوة الجاية ايه، عنده هدف ومخططله صح. كانت أهم خطوة حاططها في جدوله هو وقت الهروب، يعني الوقت اللي أمره فيه هينكشف ل"نظام الملك" لازم يبقي فيه مكان يختفي فيه هو وأنصاره عشان يحموه، وأهم حاجة عشان الشغل يكون مظبوط أن وقت الهروب ده يتم قبل ما "نظام الملك" يكشفه أصلا، عشان ده لو أتمسك قبل ما يحمي ضهره تخيل هيتعمل منه ايه.

 في جولة من جولاته في مدينة رودبار جنب نهر شاه ورد وسط جبال الديلم، حاليا علي بعد 100كم من طهران عاصمة ايران. شاف قلعة أو حصن معمول بإرتفاع 2000 متر فوق الجبل، ومبني سنة 840م، يعني وقت "حسن بن الصباح" كان حصن أثري. أنبهر "حسن بن الصباح" بالحصن وده بسبب أنه مبني بطريقة مفيش فيه  طريق للدخول أو الخروج الا عن طريق واحد بس، والطريق الوحيد ده كمان له لفة مصطنعة على المنحدر عشان أي غزو يحصل للحصن لازم يعمل ألف حساب  لخطورة الإقدام، لأن ده فيها هلاك قبل ما يوصل للحصن أساسا، ومش بس كده ديه الحصن في قلبه وادي مقفول صالح للزراعة طوله 30 ميل وعرضه 3 أميال، والقلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض. "حسن بن الصباح" شاف الحصن وقال هو ده اللي حلمت بيه، هو ده المكان اللي لا "نظام الملك" ولا الجن الأزرق هيطولني فيه.

المشكلة أن قلعة ألموت - ده أسمها بالمناسبة ومعناها بالفارسية بيت النسر العقاب - كان ليها مالك مكنش أثر مهجور. بس المشكلة أن مفيش مشكلة مع "حسن بن الصباح"، "حسن بن الصباح" جهز خططه وأشتغل عليها، وكانت حبال الصبر عنده طويلة، فرد شبكته حوالين أهل قرية رودبار وفضل يلف ويتكلم ويناقش ويدعوا الناس للإسماعيلية، وكالعادة الجهل فتحله الأبواب المقفلة عن طريق أقتناع الناس البسيطة بكلامه لحد السمع والطاعة العمياء. من ضمن الناس اللي أقتنعوا بكلامه وبقوا من مريدينه هم حراس قلعة ألموت، ويوم ورا يوم، شهر ورا التاني، أعداد مريدين وأنصار "حسن بن الصباح" زادوا بدرجة كبيرة جدا وخطيرة حتي أن غالبية حراس وساكني الحصن خلاص بقوا خاتم في صباعه.

في يوم الأربعاء 4 سبتمبر سنة 1090م، أتفتحت أبواب القلعة لل"الحسن بن الصباح" في السر بالليل، وفضل قاعد جوا القلعة فترة من غير ما صاحبها يعرف. ولما قدر "حسن بن الصباح" يتملك من كل العقول اللي في القلعة، فوجئ صاحب القلعة باللي مفروض أنهم حراسه بيحاصروه ويقبضوا عليه ويأمروه يمشي ويسيب القلعة بالذوق، لكن "ابن الأثير" في كتابه الكامل قال أن "حسن بن الصباح" أداله 3000 دينار ذهب وأشتري منه القلعة ومشاه، وأصبح "حسن بن الصباح" مالك القلعة وشيخ الجبل ومخرجش منها أبدا الباقي من حياته يعني طوال 35 سنة.

في داخل قلعة ألموت كانت حياة مختلفة تماما عن خارجها. "حسن بن الصباح" أقام داخل القلعة منظمة وهيئة مرتبة وليها درجات، يعني قسم أنصاره جوا القلعة لأقسام، قسم الدعاة واللي كان "حسن بن الصباح" بيدربهم بنفسه علي فن الكلام والاقناع والرد والمحاورة والمناقشة يعني كان بيزرع فيهم جزء من روحه السامة الساحرة ودول طبعا كان بينقيهم ع الفرازة، وقسم مقاتلين. أه طبعا مقاتلين هو أنت فاكر ايه، ده جوا القلعة كان جيش مصغر وحلبة قتال بيقوم فيها التدريبات العسكرية والقتالية والمبارزة، جنب تعلم أساليب المراوغة والتخفي والدفاع. إنما بقي أكتر دروس "حسن بن الصباح" تعليم ليهم هو السمع والطاعة والتضحية والفداء للمذهب الإسماعيلي. طب هو ليه "حسن بن الصباح" كان بيعمل كده ده، عشان يحارب بيهم المذهب السني المتمثل في الدولة السلجوقية طبعا، وخصوصا أنبرده لحد الآن يعتبر مذهبهم أمتداد للدولة الفاطمية، يعني مش صراع ديني أد ماهو صراع سلطة ونفوذ.

كان "حسن بن الصباح" بيبعت تلاميذه الدعاه في البلاد عشان يدعوا للمذهب الاسماعيلي الباطني في السر، وكانت أعداد طائفته بتزيد كل يوم عن التاني. لحد سنة 1091م، لما واحد من الدعاة راح يدعي مؤذن سني للإسماعيلية الشيعية، فالمؤذن رفض، فالداعية خاف أن المؤذن يفضحه قام قتله، وده كان أول نوع من نظام عرض لا تستطيع رفضه قبل المافيا بمئات السنين. طبعا قامت الدنيا مقعدتش غير لما أتقبض علي القاتل وطلع أنه نجار من أصفهان وبعد ما خد التحية الواجبة أعترف بطائفة "الحسن بن الصباح" وقامت موجة غضب من الأهالي علي الأخبار دي لدرجة أن أبو القاتل اللي ملوش ذنب ولا كان يعرف بنشاط أبنه من الأساس، الناس أهل البلد مسكوه ومات في ايديهم من الضرب، خلفة تجيب العار بصحيح.

هنا أخيرا "نظام الملك" عرف بحقيقة "حسن بن الصباح" مع أول جريمة قتل للطائفة الملعونة، وفهم سر غيابه المتقطع الطويل، وهو اللي كان فاهم أنه بيعتكف متعبد. وعرف "نظام الملك" أن الطائفة دي لو قويت أكتر من كده هتعمل مصايب. وفي سنة 1092م أمر السلطان السلجوقي "ملكشاه" وزيره الشيخ السبعيني "نظام الملك" أنه يجهز جيشه في حملة عسكرية علي قلعة الجبل قلعة ألمموت، والقضاء علي طائفة "حسن بن الصباح".

لو طلعت كام فقرة كده لفوق وقريت وصف وتركيب وتصميم القلعة هتعرف أن حملة "نظام الملك" فشلت. لكن "نظام الملك" مستسلمش وبعت حملة تانية بس المرة دي اللي تصدوا ليها أهالي بلد روبارد وقزوين المحاوطين القلعة، يعني وصل من قوة تأثير "حسن بن الصباح" أن أهل البلد الفلاحين والبدو العاديين ضحوا بحياتهم عن طيب خاطر وأقتناع عشان يفدوه ويحموه، ده لو ساحر مش هيعمل كده. المهم أن الحملة التانية برده فشلت.

"حسن بن الصباح" كان واثق من قوه مكان قلعته الاستراتيجي، بس مكنش واثق أن كل مرة هتسلم الجرة، فكان الهجوم عنده خير وسيلة للدفاع، وبما أنه معندوش القوة العسكرية الكبيرة اللازمه للصراع مع الجيش السلجوقي العظيم، فيلعب لعبته بدناءة ويضرب الرأس الكبيرة في لحظة غفلة. 

في يوم 10 رمضان سنة 485 هجري - 14 أكتوبر سنة 1092م، خرج السلطان السلجوقي "ملكشاه" مع وزيره "نظام الملك" من أصبهان رايحين علي بغداد، وفي السكة أذن المغرب وحان وقت الفطار في طريق قريب من قرية نهاوند. طبعا نزلوا من علي الأحصنة وصلوا المغرب والعبيد فرشوا مائدة الطعام وقعد السلطان ووزيره وكل اللي كانوا معاهم من العلماء والأئمة والفقهاء يفطروا. وبعد الفطار يحلي الحكايات والدردشة، حكي "نظام الملك" عن نهاوند وفضل المكان وقال: "هذا الموضع قُتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين فطوبى لمن كان معهم". وكأن ربنا أنزل الكلام ده علي لسانه عشان يكون عزاء لأحبابه من بعده، لأن بعدها قرب من "نظام الملك" واحد باين من شكله ولبسه أنه أحد الزهاد وماسك في ايده ورقة واضح أنها مظلمة أو سؤال بيطلبه من الوزير العادل "نظام الملك". قام "نظام الملك" وراح للزاهد وأخد منه الورقة عشان يقراها، وبمجرد ما فتحها، طلع الزاهد خنجره وغرزه في صدر "نظام الملك" وقاله: "هذه هدية من شيخ الجبل السيد حسن الصباح". وقع "نظام الملك" وهو بيصاع الموت، حاول القاتل الإسماعيلي يهرب لكن الحراس مسكوه، فقال "نظام الملك" جملته الأخيره قبل ما تصعد روحه الطاهرة لبارئها: "لا تقتلوا قاتلي فإني قد عفوت عنه" وبعدها قال الشهادة ومات. 

مات الوزير العادل التقي المصلح العظيم "نظام الملك" واللي الشعراء كتبوا في رثاؤه                  كَانَ الْوَزِيرُ نِظَامُ الْمُلْكِ لُؤْلُؤَةً     يَتِيمَةً صَاغَهَا الرَّحْمَنُ مِنْ شَرَفِ

           عَزَّتْ فَلَمْ تَعْرِفِ الْأَيَّامُ قِيمَتَهَا      فَرَدَّهَا غَيْرَةً مِنْهُ إِلَى الصَّدَفِ

وللحديث بقية ...

(يتبع)

مروة طلعت

13 / 2 / 2024

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

دولة النزارية - طه شرف.

حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي - د/ محمد عثمان الخشت.

طائفة الإسماعيلية تاريخها، نظمها، عقائدها - د/ محمد كامل حسين.

الدولة الفاطمية في مصر سياستها الداخلية ومظاهر الحضارة في عهدها - د/ محمد جمال الدين سرور.

الكامل في التاريخ ج9 - ابن الأثير.

البداية والنهاية ج 16 - ابن كثير.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا