الراشد العمري 12

 (12) سنة 35 هجرية قتل الصحابي والخليفة الراشد الثالث ذ النورين "عثمان بن عفان" رض الله عنه وأرضاه. وفي نفس السنة نودي بخلافة ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم والخليفة الرابع "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه. وبدأت الناس في مبايعته علي الخلافة، لكن "معاوية بن أبي سفيان" ومعاه أهل الشام رفضوا مبايعته، بحجة أنهم لازم يقتصوا من قتلة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه قبل أي حاجة، وده كان طبعا الهدف الظاهر أو المعلن، أما الخفي فتحقق بسيادة بني أمية علي الحكم علي أيد "معاوية بن أبي سفيان". فترة حكم "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه أتوصفت بعدم الاستقرار السياسي بسبب تعاظ الفتنة الكبري فيها وأحداثها المتلاحقة من موقعة الجمل لموقعة صفين، وصفين هي اللي سببت ظهور فرقة الخوارج.

معركة صفين سنة 37 هجرية، كانت بين جيش "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه ومعاه أهل العراق وجيش "معاوية بن أبي سفيان" ومعاه أهل الشام، واتلاقوا في منطقة صفين شمال سوريا حاليا، ودارت معركة صفين بين كر وفر للفريقين مدة 9 أيام، أهدر فيهم دم مسلمين كتير، كانت فتنة بشعة - عافانا الله منه - أستحل فيها المسلم دم أخوه المسلم وكل فرقة فيهم شايفة عن اقتناع تام أنها علي حق. وفي اليوم التاسع من المعركة أجتمع "معاوية بن أبي سفيان" مع "عمرو بن العاص" - عن نفسي بلقبه بالتعلب داهية الحروب - اللي أداله خطة مراوغة عبقرية لأن جيش "علي" كرم الله وجهه، كان خلاص فاضله تكة وينتصر. ويفاجئ "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بجنود جيش "معاوية بن أبي سفيان" واقفين رافعين المصاحف علي سيوفهم. وده معناه طلب وقف القتال والتحكيم بينهم بشرع الله. 

وبعد تفكير ونقاش بيقرر "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه قبول التحكيم، وبيختار"علي" الصحابي "أبو موسي الأشعري" رضي الله عنه كمندوب عنه في التحكيم. وبيختار "معاوية" طبعا "عمرو بن العاص" مندوب عنه في التحكيم. واتفقوا علي وقف القتال وعقد الهدنة لمدة سنة وأطلاق سراح أسري الطرفين واستمرار تقريب وجهات النظر. وهنا 12 ألف من أهل العراق اللي مع "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بيغضبوا ويعترضوا ويعملوا قلق وسط الجيش. وطول سكة الرجوع أتسببوا في خناقات ومشاجرات عنيفة وضربوا بعض بالسياط والشتائم. وأول ما وصلوا للكوفة عاصمة خلافة "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه - في العراق حاليا - أنفصل ال 12 ألف دول عنهم وراحوا قرية قريبة من الكوفة أسمها حروراء، وأعلنوا عصيانهم ل"علي"وخروجهم عن حكمه ورفعوا شعار "لاحكم إلا لله" وكانوا دول هم الخوارج.

الخوارج كفروا الكل، يعني كفروا "علي بن أبي طالب" اللي هو واحد من العشرة المبشرين بالجنة أساسا، وكفروا "معاوية بن أبي سفيان" وكفروا "أبو موسي الأشعري" و"عمرو بن العاص" وكل كليلة، هم بس المسلمين. ومش عاوزة أقولهم أن هم اللي قتلوا "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بعد ما كانوا متفقين يقتلوهم الاربعة وهم طالعين لصلاة الفجر بس رسيت علي "علي" لوحده لأنه الوحيد اللي خرج يومها لصلاة الفجر في ميعاده الروتيني فأتقتل. وعاثوا في الأرض فساد وقتل الطرق وترهيب الآمنين. الخوارج مبدأهم الخروج عن الحاكم أو الإمام الجائر، وبما أن مفيش مسلمين غيرهم فكل الحكام والأئمة جائرين. ومن آرائهم برده تكفير مرتكب الكائر وتخليده في النار، يعني لغوا رحمة ربنا نهائي وغفرانه تعالي الله عما يقولون.

ناس زي دي أكيد أيامهم ولياليهم كانت سودة مع الدولة الأموية اللي هي أساس حكمها كان السيف وسفك الدماء، وخصوصا "الحجاج بن يوسف الثقفي" اللي ظبطهم في العراق. بس تظبيط "الحجاج" كان واخد الحابل في النابل، وناس كتير لا كانوا شيعة ولا خوارج واتاخدوا في الرجلين من غير بينة مجرد الشك يطير الراس. والرعب ده هو اللي عقد الألسنة، كل الألسنة مش ألسنة الخوارج بس وكسر شوكة كل الناس لفترة من الزمن. 

نطير ونرجع علي عهد خلافة الراشدي الخامس "عمر بن عبد العزيز"، اللي كان أساس حكمه العدل والرحمة، واللي زي ما حجينا في الأجزاء اللي فاتت أنه عمل أنقلاب سياسي واجتماعي في الحكم، وغير طريقة وأسلوب الحكم تماما وفعل الحكم بشريعة ومنهج الله ورسوله. والخوارج زي ما قولنا شعارهم "لا حكم الا لله"، ياتري "عمر بن عبد العزيز" بالنسبة لهم أصبح إمام عادل؟ وازاي مشيت الامور بينهم وبينه.

"عمر بن عبد العزيز" كانت معاملته للخوارج عكس معاملة اللي سبقوه من بني أمية، علي الرغم أنهم فضلوا خارجين عن حكمه، لكنه بادر بالسلم وبعتلهم رسايل النصح، وعاملهم معاملة تديهم الفرصة للرجوع للحق. كتب لهم "عمر بن عبد العزيز" رسالة قال فيها: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلي هذه العصابة - يعني الجماعة أو الفرقة مش عصابة يعني لصوص - أما بعد أوصيكم بتقوي الله فإنه  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. أما بعد فقد بلغني كتابكم والذي كتبتم فيه إلي يحيي بن يحيي، وسليمان بن داود الذي أتي إليهما وإن الله تبارك وتعالي يقول ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين. وقال تعالي  ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.  وقال تعالي  فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وإني أدعوكم إلي الله وإلي الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأدعوكم أن تدعوا ما كانت تراق عليه الدماء قبل يومكم هذا بغير قوة ولا تشنيع، وأذكركم بالله أن تشبهوا علينا كتاب الله وسنة نبيه، ونحن ندعوكم إليهما. هذه نصيحة منا نصحنا لكم فإن تقبلوها فذلك بغيتنا، وإن تردوها علي من جاء بها فقديما ما استغش الناصحون، ثم لن نر ذلك وضع شيئا من حق الله. قال العبد الصالح لقومه: وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير. وقال الله تعالي: قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

ولما وصل جواب "عمر بن عبد العزيز" للخوارج وقرأوه، شافوا في كلامه وأسلوبه معاهم أمر مختلف، وقرروا يبعتوله مندوبين منهم يقابلوه عشان يعرفوا وراه ايه. فبعتوا واحد حبشي من بني شيبان أسمه عاصم، وواحد من بني يشكر. وصلوا ودخلوا عليه بمنتهي السهولة عشان "عمر" مكنش موقف حراس علي بابه اللي عاوزه يدخل علي طول. لما شافوه ضربوا عليه السلام وقعدوا وعرفوا نفسهم أمهم رسولين من الخوارج، وقال "عاصم": "مانقمنا عليك في سيرتك لتحري العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضا من المسلمين ومشورة أم إبتززتهم إمرتهم؟". الكلمتين دول لو كان سمعهم خليفة تاني غير "عمر بن عبد العزيز" كان طير رقبتهم فيهم في الحال، لك ده "عمر بن عبد العزيز" اللي رد عليه بهدوء وقال: "ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم علي مشيئتهم وعهد إلي رجل عهدا لم أسأله قط لا في سر ولا علانية فقمت به ولم ينكره علي أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصاف من كان من الناس فأنزلوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق وزغت عنه فلا طاعة لي عليكم". قال "عاصم": "بينا وبينك أمر إن أعطيتناه فأنت منا ونحن منك، وإن منعتنا فلست منا ولسنا منك". رد "عمر" وقاله: "وما هو؟". قال "عاصم": "رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسلكت غير طريقهم وسميتها مظالم، فإن زعمت أنك علي هدي وهم علي ضلال فابرأ منهم وألعنهم، فهو الذي يجمع بيننا وبينك أو يفرق". الخوارج مصرين علي الحزبنة والتفرقة، فحطوا شرط لرجوعهم تحت حكم الخلافة أن "عمر بن عبد العزيز" يكفر أهله من بني أمية ويلعنهم ومن هنا يتفتح باب جديد للفتنة وأنهار دم جديدة يعوموا فيها ويبقوا في منتهي السعادة. 

لكن "عمر بن عبد العزيز" رد عليهم وقالهم: "إني قد عرفت أو ظننت أنكم لم تخرجوا لطلب الدنيا، ولكنك أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلها. وأنا سائلكم عن أمر فبالله لتصدقاني عنه فيما بلغكم علمكما". قالوا: "نفعل". قال "عمر": "أرأيتم أبا بكر وعمر أليسا من أسلافكم وممن تتولون وتشهدون لهم بالنجاة؟". قالوا: "بلي". قال "عمر": "هل تعلمون أن العرب أرتدت بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقاتلهم أبو بكر فسفك الدماء وسبي الذراري وأخذ الأموال؟" قالوا: "قد كان ذلك". قال "عمر": "فهل تعلمون أن عمر لما قام بعده رد تلك السبايا إلي عشائرهم". قالوا: "قد كان ذلك". قال "عمر": "فهل برئ أبو بكر من عمر أو برئ عمر من أبو بكر؟". قالوا: "لا". قال "عمر": "فهل تبرؤون من واحد منهما؟". قالوا: "لا".

ضرب هنا "عمر بن العزيز" مثال شديد للرجل مش بس عالم بأمور دينه ده كمان حافظ تاريخه وفاهمه كويس، راجل واعي ممثقف بمفهمونا الحاضر، حجته قوية وفاهم ماضي وحاضر خصمه كويس، فلما يناظره يكشفله نفاقه من قلب قناعات خصمه مش قناعاته الشخصية. هنا ضربلهم مثال ب "أبي بكر الصديق" و "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهما وأرضاهم واللي الخوارج بيعتبروهم من الصحابة الناجيين للجنة، واستشهد بحروب الردة اللي كل واحد فيهم كان له تصرف مختلف وعكس بعض مع الأسري والسبايا، رغم كده محدش فيهم كفر ولا لعن التاني، والخوارج نفسهم مقرين بنجاة الاتنين من النار.

يسكت "عمر بن عبد العزيز" بقي علي المثال ده، وهو حجة ومثال قوي، لكن لا ده كمل عليهم ودخل بالمثال التاني وقال: "أخبراني عن أهل النهروان أليسوا من أسلافكم وممن تتولون وتشهدون لهم بالنجاة؟". قالوا: "بلي". قال "عمر": "فهل تعلمون أن أهل الكوفة حين خرجوا إليهم كفوا أيديهم فلم يخيفوا آمنا، ولم يسفكوا دما، ولم يأخذوا مالا؟". قالا: "قد كان ذلك". قال "عمر": "فهل تعلمون أن أهل البصرة حين خرجوا إليهم مع عبد الله بن وهب الراسبي، وأستعرضوا الناس فقتلوهم وعرضول لعبد الله بن خباب، صاحب رسول الله فقتلوه وقتلوا جاريته، ثم صبحوا حيا من العرب يقال لهم بنو قطيعة فأستعرضوهم فقتلوا الرجال والنساء والولدان حتي جعلوا يلقون الأطفال في قدور الأقطوهي تفور بهم". قالوا: "قد كان ذلك". قال "عمر": "فهل برئ أهل الكوفة من أهل البصرة أو أهل البصرة من أهل الكوفة؟". قالا: "لا". قال "عمر": "فهل تبرؤون من طائفة منهما؟". قالوا: "لا". 

هنا ضرب "عمر بن عبد العزيز" ليهم مثل بمعركة النهروان اللي قاتلهم فيها "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بعد خروجهم عليه في معركة صفين. والانشقاق اللي حصل ما بين أهل البصرة والكوفة والفظائع اللي حصلت واللي العقل مش قادر يصدقها أنها تحصل بين المسلمين وبعضهم. ورغم كده الخوارج ما لعنوش بعضهم سواء في الكوفة أو البصرة.

 أستر "عمر" وقال: "أخبراني أرأيتم الدين واحد أم اثنين؟". قالا: "بل واحد". قال "عمر": "فهل يسعكم فيه شئ يعجز عني؟". قالا: "لا". قال "عمر": "فكيف وسعكم أن توليتم أبا بكر وعمر وتولي كل واحد منهما صاحبه وقد أختلفت سيرتهما؟. أم كيف وسع أهل الكوفة أن تولوا أهل البصرة وأهل البصرة أهل الكوفة وقد أختلفوا في أعظم الأشياء في الدماء والفروج والأموال، ولا يسعني بزعمكما إلا لعن أهل بيتي والبراءة منهم، فإن كان لعن أهل الذنوب فريضة مفروضة لابد منها فأخبرني عنك أيها المتكلم متي عهدك بلعن فرعون؟". قال "عاصم": "ما أذكر متي لعنته". قال "عمر": "ويحك فيسعك ترك لعن فرعون، ولا يسعني بزعمك إلا لعن أهل بيتي والبراءة منهم؟ ويحك أنكم قوم جهال. أردتم أمرا فأخطأتموه، فأنتم تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم  وتردون عليهم ما قبل منهم، ويأمن عندكم من خاف عنده، ويخاف عندكم من أمن عنده". قالا: "ما نحن كذلك". قال "عمر": "بلي تقرون بذلك الآن. هل علمتم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث إلي الناس وهم عبدة أوثان فدعاهم إلي أن يخلعوا الأوثان، وأن يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن فعل ذلك حقن دمه وأمن عنده، وكان أسوة المسلمين ومن أبي ذلك جاهده؟". قالا: "بلي". قال "عمر": "أفلستم أنتم اليوم تبرؤون ممن يخلع الأوثان وممن يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟".

هنا "عمر بن عبد العزيز" كشفلهم تناقضهم ونفاقهم وكدبهم، وتكييل الأمور بمكيالين، بيطلبوا منه يلعن أهل بيته رغم أن الاختلاف بينهم علي طريقة أو شكل الحكم في الطريقة السياسية والاجتماعية. وهم اللي مقطعين بعض سفك دماء ببشاعة مبيلعنوش بعض. بس أهي تفرقة وشق صف ونار فتنة بيحبوها تولع وخلاص.

بيفوق "عاصم" من كلام "عمر بن عبد العزيز" وحجته بتقنعه وقاله: "ما رأيت حجة أبين ولا أقرب مأخذا من حجتك، أما أنا فأشهد أنك علي الحق وأنني برئ ممن خالفك". لكن الراجل التاني اللي من بني شيبان قال: "ما أحسن ما قلت وأحسن ما وصفت ولكن أكره أن أفتات علي المسلمين بأمر لا أدري ما حجتهم فيه حتي أرجع إليهم فلعل عندهم حجة لا أعرفها". الأولاني اقتنع وربنا هداه علي ايد "عمر" و رجع عن عصبيته لأفكار الخوارج إلي الحق، أما التاني رغم أنه عارف أن كلام "عمر" صح وأقتنع بيه لكن هواه مايل للخوارج ولسان حاله بيقول أنت صح بس أنا حبيت الموضوع أوي، وده زيه كتير جدا من اللي بيكابروا في الباطل لمصالحهم وأهدافهم الشخصية. "عاصم" قعد مع "عمر بن عبد العزيز" ومرجعش ليهم، وسبحان الله قعد 15 يوم بس ومات وكأن ربنا أراد يحسن ختامه. أما الشيباني فرجع للخوارج وأستمر في فساده معاهم لحد ما اتقتل وسطهم.

ومرة تانية بعدها دخل علي "عمر بن عبد العزيز" رجلين من الخوارج، وقالا له: " السلام عليكم يا إنسان". سبحان الله سوء الأدب في الحديث أصلا مش من الأسلام ما علينا، رد عليهم "عمر" بنفس منطقهم وقال: "وعليكم السلام يا إنسانان". قالا: "طاعة الله أحق ما أتبعت". قال "عمر": "من جهل ذلك ضل". قالا: "الأموال لا تكون دولة بين الأغنياء". قال "عمر": "قد حرموها". قالا: "مال الله يقسم علي أهله". قال "عمر": "الله بين في كتابه تفصيل ذلك". قالا: "تقام الصلاة لوقتها". قال "عمر": "هو من حقها". قالا: "إقامة الصفوف في الصلوات". قال "عمر": "هو من تمام السنة". قالا: "إنما بعثنا إليك". قال "عمر": "بلغا ولا تهابا". قالا: "ضع الحق بين الناس". قال "عمر": "الله أمر به قبلكما". قالا: "لا حكم إلا لله". قال "عمر": "كلمة حق إن لم تبتغوا بها باطل". قالا: "أئتمن الأمناء". قال "عمر": "هم أعواني". قالا: "أحذر الخيانة". قال "عمر": "السارق محذور". قالا: "فالخمر ولحم الخنزير". قال "عمر: "أهل الشرك أحق بهما". قالا: "فمن دخل في الإسلام فقد أمن". قال "عمر": "لولا الإسلام ما أمنا". قالا: "أهل عهود رسول الله صلي الله عليه وسلم". قال "عمر": "لهم عهودهم". قالا: "لا تكلفهم فوق طاقاتهم". قال "عمر": "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". قالا: "ذكرنا بالقرآن". قال "عمر": "واتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله". قالا: "تردنا علي دواب البريد". قال "عمر": "لا هو من مال الله لا نطيبه لكما". قالا: "فليس معنا نفقة". قال "عمر": "أنتما أذن أبنا سبيل علي نفقتكما".

هو من الآخر مفيش في الورد عيب بس أحنا خلقنا لنعترض وننشق ونبقي علي خلاف وخلاص. علي الرغم من قوة حجة ومنطقية "عمر" في أقواله وأفعاله اللي باينة زي عين الشمس، وعلي الرغم من مناظراته معاهم مرة واتنين وتلاتة وأربعة وعشرة وكل مرة بينسفلهم حججهم ويطيرلهم الجبهة، إلا أنهم فضلوا برده علي موقفهم وانشقاقهم وتكفيرهم لكل ما عداهم، هم دعاة سلطة ودنيا مش دين زي ما بيظهروا. ورغم كده "عمر بن عبد العزيز" عمل اللي عليه وحاول كتير يجذبهم للطريق الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة. لكن أول ما أستخدم خوارج العراق القوة ضد واليه، قام فورا بأرسال جيشه بقيادة "مسلمة بن عبد الملك" علمهم الأدب وألزمهم حدهم، وعلي رأي "عنترة بن شداد" لما قال: 

سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي السُّكوتُ

وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ



فسكوت "عمر بن عبد العزيز" عنهم كان حلم مش ضعف، وأدام مبيجوش بالذوق يبقي نعرفهم مقامهم. لكن تصرف "عمر بن عبد العزيز" معاهم حتي في الحرب كان رحيم عكس اللي سبقوه من بني أمية، يعني أمر بعدم سبي نساؤهم وعدم استحلال أموالهم وكمان رد متاعهم. وبالنسبة للأسري من محاربي الخوارج مقتلهمش لكنه أكتفي بسجنهم وحطلهم شرط الخروج لو رجعوا عن أفكارهم الضالة.

الغريب بقي أن الخوارج كانوا السبب في موت "عمر بن عبد العزيز" بشكل غير مباشر، من تحت راسهم يعني مش يأيديهم. وللحديث بقية....

(يتبع)

مروة طلعت

12 / 1 / 2023

الحكاية دي نتيجة مجهود بحثي وذهني أقدمها للقراء بكل حب مجانا، فمتبخلش عليا بلايك وكومنت عشان الفيس يزود الريتش والحكاية توصل لغيرك ويبقي تقدير منك لمجهودي وطبعا لو الشير كمان يبقي ده تقدير كبير ❤️

#الراشد_العمري

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

* بدائع الزهور في وقائع الدهور ج1 - محمد بن اياس.

* المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ج1 - تقي الدين المقريزي.

* البداية والنهاية ج9 - ابن كثير.

* سيرة عمر بن عبد العزيز - أبي الفرج بن الجوزي.

صفوة الصفوة - أبي الفرج بن الجوزي.

* سير أعلام النبلاء ج 4،5 - شمس الدين الذهبي.

* الكامل في التاريخ ج3 - ابن الأثير.

* مختصر تاريخ دمشق - ابن منظور.

* عمر بن عبد العزيز - د/ محمد عمارة.

* عمر بن عبد العزيز - د/ علي محمد الصلابي.

عبد العزيز بن مروان - د/  سيدة إسماعيل كاشف.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا